بدلا من واشنطن.. هل تكون فرنسا شريكا سياسيا وعسكريا لدول الخليج؟
تشكل مساعي دول الخليج لإيجاد شركاء سياسيين وعسكريين واقتصاديين إقليميين ودوليين، أحد الأبعاد المهمة للسياسة الإقليمية بعد موجة التطبيع السياسي والدبلوماسي الجارية في منطقة الشرق الأوسط.
وتأتي التحركات الخليجية بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن عزمها الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بها سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، إضافة إلى تقليص تحركاتها في هذه المناطق.
ومن هنا ترى صحيفة صباح التركية أن ذلك كان على رأس الأسباب التي دفعت دول الخليج إلى البحث عن بدائل في مجال التعاون السياسي والعسكري.
ونشرت الصحيفة مقالا للباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) والأكاديمي في جامعة سقاريا إسماعيل نعمان تيلجي تحدث فيه عن خيارات دول الخليج الجديدة.
إيجاد البدائل
وقال الباحث: الأزمة التي نجمت عن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، دفعت الدول الحليفة لها في المنطقة إلى انتهاج سياسات تهدف لتشكيل شراكات دفاعية وعسكرية أخرى، في ظل انعدام الأمن الذي ساد في العلاقات.
وبالحديث عن هذا، ظهرت فرنسا على مسرح السياسة الخليجية، وهي تعد فاعلا مهما في الاتحاد الأوروبي الذي يمر بأزمة سياسية.
وأردف: "تميزت فرنسا خلال عهد رئاسة إيمانويل ماكرون بعلاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة ومناقشاتها حول إنشاء جيش أوروبي وسياساتها تجاه الشرق الأوسط التي تذكر بالمواقف والأحداث التي حدثت في التاريخ".
وكانت الخطوة الأخيرة التي اتخذتها فرنسا في سياستها تجاه الشرق الأوسط، سعيها إلى تعزيز الروابط السياسية والعسكرية مع دول الخليج.
وشرح ذلك بالقول: فرنسا ترغب في تعزيز علاقاتها السياسية والعسكرية مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين اتبعتا سياسات مشتركة خاصة في الفترة التي أعقبت ثورات الربيع العربي.
وأردف: من الملاحظ أن ما قالته الولايات المتحدة عن انسحابها من المنطقة كان بمثابة تذكرة أو ضوء أخضر سمح لفرنسا بتطوير علاقاتها مع دول الخليج خاصة في المجالين العسكري والدفاعي.
وعلى الناحية الأخرى، دفعت التصريحات والادعاءات القائلة بأن الولايات المتحدة ستقلص تدخلها العسكري بالشرق الأوسط في المستقبل القريب، دول الخليج إلى البحث عن شركاء بديلين بما أن واشنطن كانت الضامن الأمني المباشر لها.
في هذا السياق، التقى خالد بن سلمان نائب وزير الخارجية السعودي بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ووقعا اتفاقية شراكة عسكرية في أغسطس/آب 2021.
إضافة إلى ذلك، فقد اتضح أخيرا أن الإمارات تجري أنشطة عسكرية في ميناء خليفة، حيث تشغل مجموعة صينية محطة كبيرة للحاويات في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
وتابع الكاتب: من هنا يتضح أن دول الخليج أظهرت أنه يمكنها أن تفكر في طرق بديلة وتطرح هذه البدائل على جدول الأعمال فيما يتعلق بالشراكة والتعاون العسكري والدفاعي.
والجدير بالذكر هنا، أن كلا التطورين قوبل برد فعل شديد من قبل الولايات المتحدة.
خطوات جادة
واستطرد تيلجي: مساعي دول الخليج لإيجاد بدائل في مسألة التعاون العسكري والدفاعي، تتوافق مع فكرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاستفادة من الفرص التي سيوفرها رأس المال الخليجي.
ولذلك تماما، أجرى ماكرون مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، جولة إلى دول الخليج وزار كلا من الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية.
وأعقب الكاتب: يمكن لصداقة ماكرون الوثيقة مع كل من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن تسهل إنشاء علاقة التعاون الدفاعي والعسكري مع البلدين اللذين توافقت سياساتهما الإقليمية في مناطق الصراع والأزمات المختلفة لمدة ليست بالقصيرة.
وواصل: "هناك نقطة مهمة، وهي أن الإمارات وقعت اتفاقية مع فرنسا، خلال زيارة ماكرون للبلاد.
وبحسب الاتفاق، باعت فرنسا 80 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال للإمارات مقابل ما يقارب من 16 مليار يورو.
وبالنظر إلى حجم الاتفاقية، يمكن القول إن علاقة عسكرية بالغة الأهمية ستبدأ بين فرنسا والإمارات سواء كان ذلك من حيث الكمية أو النوع.
وعلى الناحية الأخرى، ستشتري الإمارات 50 طائرة مقاتلة من طراز إف-35 إلى جانب معدات عسكرية أخرى من الولايات المتحدة، ضمن صفقة جرى توقيعها مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وعلق الرئيس الحالي جو بايدن هذه الاتفاقية لكنها دخلت حيز التنفيذ مرة أخرى، وذلك في مقابل 23 مليار دولار.
وأردف الكاتب: على الرغم من أن تسليم طائرات إف-35 سيكون مرهونا بموقف الولايات المتحدة من سياسات الإمارات بشكل عام، إلا أنه من غير المتوقع أن يتم تسليمها حتى عام 2027، بالنظر إلى الظروف والأوضاع الحالية.
وشرح ذلك بالقول: مساعي منطقة الخليج في البحث عن بدائل سياسية وعسكرية قد يضر بمكانة الولايات المتحدة التي تعتبر الضامن الأمني الرئيس لها.
وفي مثل هذا السيناريو، سيبدأ سباق بين دول الخليج في التقارب من جهات فاعلة وقوى كبيرة مثل فرنسا والمملكة المتحدة أو حتى روسيا والصين.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب: "توجه دول الخليج لاتباع سياسات نحو التسلح يعتبر تطورا من شأنه أن يؤدي إلى تقويض الأمن في المنطقة فيما يتعلق بنزع السلاح الإقليمي، خاصة أن فرنسا ذات تأثير يزيد من زعزعة الاستقرار".