لاكروا: الجزائر تشن حملة عنيفة على كل ما يرتبط باللغة الفرنسية
بدأت الجزائر حملة على اللغة الفرنسية، ردا على انتقادات الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر وقادتها في سبتمبر/أيلول 2021.
تهدف الحملة إلى التقليص من عمليات استعمال اللغة الفرنسية في القطاع العام وفي المدارس الخاصة، وفق ما تقول صحيفة لاكروا الفرنسية.
المسؤول التنفيذي في صندوق الضمان الاجتماعي ناصر محفوف تلقى في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2021، ملاحظة من وزارته الإشرافية مفادها بأنه لن يتم قبول أي تقرير أو دراسة أو مراسلات مكتوبة "بخلاف اللغة الوطنية"، أي العربية.
لطالما عمل ناصر محفوف باللغة الفرنسية ولا يرى نفسه أهلا للعمل بالعربية خلال السنوات الثلاث المتبقية من نشاطه المهني، وفق ما تقول صحيفة لاكروا.
يقول ناصر للصحيفة الفرنسية: "إذا أراد مديري توظيف مترجمين على حساب الصندوق فهذه مشكلته، بالنسبة لي سأواصل العمل كما كان من قبل".
بداية الأزمة
يأتي ذلك في ظل تواصل انتقادات ماكرون للأمة الجزائرية و"نظامها القاسي المبني على الريع التذكاري" في خطاب كان قد ألقاه في 30 سبتمبر/أيلول، وهو ما ساهم في إحداث التوترات مع الجزائر.
وفجرت تصريحات ماكرون التي نقلتها صحيفة "لوموند" إشكالية عميقة مع الجزائر، بعدما حاولت النيل من "الأمة الجزائرية" وتاريخها.
وشكك الرئيس الفرنسي في وجود أمة جزائرية من الأساس، قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد عام 1830.
لكن رد الجزائر جاء "سريعا" عندما استدعت سفيرها لدى فرنسا للتشاور، واصفة تصريحات ماكرون بـ"غير المسؤولة".
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، طالب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باريس بـ"الاحترام الكامل" لبلاده، قائلا إن "على فرنسا أن تنسى أن الجزائر كانت مستعمرة لها في يوم من الأيام".
لكن الخطوات الأهم جاءت مع إعلان الجزائر شبه القطيعة مع اللغة الفرنسية.
وبدأت منذ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قرارات إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في عدة قطاعات حكومية، وسط دعوات لتعزيز مكانة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد، وكذا دعم وجود الإنجليزية في التعليم.
وكانت أشد هذه القرارات إصدار ثلاث وزارات هي: التكوين المهني، والشباب والرياضة، والعمل، تعليمات إنهاء التعامل بالفرنسية، واستخدام العربية حصرا في جميع المراسلات والتقارير ومحاضر الاجتماعات والوثائق.
فضلا عن تداول معلومات مؤكدة داخل وزارات أخرى بوجود تعليمات شفهية من أعلى سلطات البلاد بإنهاء التعامل بالفرنسية داخل سائر القطاعات الحكومية.
وبعد ذلك، عادت اللغة الفرنسية بالفعل مرة أخرى إلى المواجهة بين البلدين. والآن يجري متابعة استعمالها بشكل حثيث في كل مكان رسمي بالجزائر.
يوضح فريد ميناسر، خبير الاتصال والعضو السابق في المجلس الوزاري الجزائري، ويقول إن "الإدارة الجزائرية ثنائية اللغة، ووحدها دوائر السيادة كوزارة العدل والدفاع والداخلية تعمل بالعربية".
في حين "لا تزال الوزارات الاقتصادية والقطاعية تفضل اللغة الفرنسية في الكتابة والمراسلات"، وفق قوله.
يقول ناصر محفوف إن "اجتماعات مجلس الوزراء، في عهد (رئيس النظام السابق عبد العزيز) بوتفليقة، كانت تعقد باللغتين، وكان من المحبذ أن يتحدث كل وزير باللغة التي صيغت بها الوثيقة خاصته، لكن الآن سينتهي كل شيء".
يضيف أن "المذكرة التي تلزمنا بتغيير لغة وثائقنا هي عبارة عن وثيقة سرية".
وهذه السرية، في جانب منها، "تعد أفضل طريقة لعدم التنفيذ الكلي لتلك المذكرة، ويبقى ذلك التنفيذ مرهونا بتغيير صاحب المنصب الوزاري، أو بعودة العلاقات مع فرنسا إلى سابق عهدها".
الأغاني والقنوات
إلى جانب ذلك، اختفت الأغاني الفرنسية من الظهور على موجات الإذاعة العامة.
تعلق نادية (لم يذكر لقبها)، وهي كاتبة عمود ثقافي على ذلك وتقول أنه "لن تجد من سيخبرك أن منع الأغاني الفرنسية من الراديو العام إجراء ضد فرنسا، وتبدو الإجراءات، في التعليم الوطني، أكثر تقييدا".
تقول حواء، مديرة مدرسة خاصة، أنه قد "جاء مجموعة من رجال الدرك في شهر نوفمبر/تشرين الثاني لمعاينة سير الدروس في عدة مدارس في ولاية تيبازة".
شهدت المؤسسات التعليمية الخاصة في الجزائر، خاصة في فترة التسعينيات في خضم الحرب الأهلية، تطورا في نسبة الإقبال عليها، بناء على عروض توفرها لتعليم الفرنسية، اللغة التي كانت قد اختفت حينذاك من المدارس العمومية.
وقد أخذت الحكومة الجزائرية الأمور على عاتقها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من خلال إجبار هذه المدارس على تدريس المنهاج التعليمي الجزائري.
تضيف حواء في هذا السياق أن هناك "العديد من المدارس الخاصة التي استمرت في تدريس البرامج الفرنسية، دون علم السلطات".
لكن ما جرى التسامح معه لم يعد كما كان، خاصة منذ البرود المفاجئ في العلاقات مع باريس.
وحتى أقل من ذلك، أي منذ أن استُهدفت الطبقة الجزائرية الحاكمة في أعقاب التصريحات الرئاسية الفرنسية.
وبالتالي، فإن هذه المدارس مجبرة على الامتثال، مع وجود خطر فقدان اعتمادها.
بحسب فريد ميناسير "لا يبدو أن تدريس الفرنسية، وهي أول لغة أجنبية مقررة منذ السنة الثالثة من المدرسة الابتدائية، موضع تساؤل في عاصفة اليوم".
كما يتوخى الحصول على موافقة "محددة" لإنشاء وسائط بلغة أجنبية: "اسمع بالفرنسية".
وهي مسألة أقل أهمية من تلك المتعلقة بلغة العمل في الإدارة أو التعليم الوطني، فقد انخفض استهلاك وسائل الإعلام باللغة الفرنسية بشكل كبير خلال العشرين عاما الماضية.
ولكن بشكل متناقض، وفي خضم هذه الحملة ضد الفرنسيين، أطلقت الجزائر للتو قناة تلفزيونية دولية "AL 24 News" تمنح مكانة الصدارة للغة الفرنسية.
مدير القناة سليم أقار عمل أيضا بتحرير موقع إخباري ناطق بالفرنسية.
وقد بررت وزارة الاتصال تدشين القناة بأنها ستكون همزة وصل "للبقاء على تواصل مع الجزائريين في المهجر".
مكانة "الفرنسية"
العربية هي اللغة الوطنية والرسمية منذ عام 1963 في الجزائر.
أما الأمازيغية (البربرية) التي رفضت طويلا فقد أصبحت اللغة الوطنية في عام 2002 والرسمية في عام 2016.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي أدت حملات "تعريب" التعليم في الجزائر، والتي اتسمت بانقسام في آراء الشارع الجزائري بين الترحيب والرفض، إلى هيكلة سياسات التعليم وكذلك الصراع من أجل النفوذ بين هذين التيارين.
ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تميزت الفترة الأولى لعبد العزيز بوتفليقة بالمصالحة مع اللغة الفرنسية، وصارت تدرس منذ ذاك الحين بداية من السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية.
يشترط قانون 1991 استخدام العربية فقط ويحظر أي "لغة أجنبية".
وعام 1996 صدر مرسوم يفرض استعمال اللغة العربية في "التبادل والمراسلات بين جميع الإدارات والشركات والجمعيات".
ويجري تدريس اللغة الفرنسية في المدارس الابتدائية والثانوية. وفي الجامعة يتم تدريس التخصصات العلمية والطبية بذات اللغة أيضا.
لكن تبقى اللغة التي ستعوض الفرنسية محل جدل قائم. وفي هذا السياق رفضت الجزائر الانضمام إلى الفرانكفونية.
وفي عام 2019، خطط وزير التعليم العالي لاستبدال الفرنسية باللغة الإنجليزية في التعليم الجامعي.
وأمر الوزير في 21 يوليو/ تموز 2019 الكليات الجزائرية باستخدام اللغتين العربية والإنجليزية فقط في عناوين المراسلات والوثائق الرسمية.
وهو ما وصفته صحيفة لوموند آنذاك بأنه "لفتة مقدمة كخطوة أولى في استبدال الفرنسية بالإنجليزية في التعليم العالي".
وكما أشار الأكاديمي والصحفي ياسين تلالي في مقال لصحيفة لوموند فإنه غالبا ما استخدم التيار المحافظ في الجزائر اللغة الإنجليزية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كسلاح بديل للفرنسية.
وعدت أن ذلك كان بمثابة مواجهة للناطقين بالفرنسية الذين ينظر إليهم على أنهم "ديمقراطيون" أو "علمانيون".
لكن الزمن تغير وأصبح هناك مكون اجتماعي جديد يدلي بصوته الآن: إنها البيئة الجامعية الجزائرية التي تدربت على التحدث باللغة الإنجليزية.
وتعتبر النخب الجزائرية اليوم أن اللغة الفرنسية في تراجع.
ويضيف تلالي "إن هناك اليوم أكاديميين جزائريين مدربين على اللغة الإنجليزية يودون أن يجدوا مكانهم في الجامعة الجزائرية ويرون أن الفرنسية تحتل مكانة كبيرة هناك دون التي تستحقها على المستوى الدولي وخاصة الأكاديمي".
وبين أن "مسألة تراجع اللغة الفرنسية لصالح الإنجليزية، ظاهرة اجتماعية يجب دراستها بجدية".