"اختراقات تاريخية".. هذه أبعاد فوز مسلمي أميركا في الانتخابات المحلية

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن مسلمي أميركا على موعد مع "اختراقات تاريخية" في كل دورة انتخابية، بعدما وصل 11 منهم للمجالس البلدية، بينهم ثلاثة في منصب "عمدة" خلال انتخابات 2021، بعدما فاز عام 2020، 57 مسلما أيضا في انتخابات الكونغرس والبلديات.

وخرج عدد من المرشحين المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية فائزين من صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية التي جرت في عدة مدن وولايات خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

ولم تؤد الحملات الناجحة في نيويورك وميشيغان وماساتشوستس ومينيسوتا ونيوجيرسي وبنسلفانيا إلى فوز المسلمين في مناصب محلية رئيسة فقط، بل فازوا بعضوية مجلس بلدية مدينة "هامترامك" في ولاية ميشيغان بالكامل، فيما شهدت مدن ديربورن، وديربورن هايتس، وهامترامك، فوز ثلاثة مسلمين بمنصب العمدة.

ولأول مرة، ينتخب الأميركيون رؤساء بلديات من المسلمين والعرب في الانتخابات المحلية، ما مثل "تحولا تاريخيا" في الحياة السياسية، بمشاركة أكبر للعرب والمسلمين في الترشح بعد فترات عزوف طويلة.

هذا الفوز لخمسة مسلمين عرب، وستة آخرين من أصول آسيوية وأجنبية، يؤشر إلى "تحول كبير" في دخول المسلمين الحلبة السياسية والمنافسة دفاعا عن أنفسهم في مواجهة الإسلاموفوبيا بعد سنوات من العداء منذ تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

كما يشكل نجاحا سياسيا كبيرا بعد فوزهم؛ لأنهم نجحوا في تقديم أنفسهم للأميركان ونيل ثقتهم في قدرتهم على تقديم خدمات أفضل لهم في مدنهم.

مسلمو أميركا سبق أن حققوا رقما قياسيا في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حين ترشح 111 منهم في 25 ولاية أميركية وفاز 57، وهو رقم قياسي.

انتصارات تاريخية

بحسب صحف أميركية، ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير)، فاز 11 مسلما في انتخابات ستة ولايات هي، ماساتشوستس، ميشيغان، مينيسوتا، نيويورك، نيوجيرسي، وبنسلفانيا.

وفي بيان أصدره في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وصف المجلس فوز هؤلاء الـ11 بـأنه "انتصارات انتخابية تاريخية للمسلمين الأميركيين"، وأنهم "كسروا الحواجز".

وأبرزهم اللبناني عبد الله حمود، كأول مرشح عربي أميركي مسلم يفوز للمرة الأولى برئاسة بلدية ديربورن في ولاية ميشيغان، متغلبا على خصمه الجمهوري، غاري ورونشاك، بفارق 10 نقاط، واليمني عامر غالب، رئيسا لبلدية هامترامك.

و"شاهانا حنيف"، أول أميركية مسلمة من بنغلاديش تنتخب لعضوية مجلس مدينة نيويورك، و"تانيا فرنانديز أندرسون"، أول مسلمة أميركية من جمهورية "الرأس الأخضر" تفوز بعضوية مجلس مدينة بوسطن.

وشهدت الانتخابات أيضا فوز مسلمين اثنين بمناصب في نيوجيرسي، هما "شاما حيدر" من باكستان التي فازت بعضوية الهيئة التشريعية للولاية، والأميركي الباكستاني، محمد عمر، بعضوية مجلس بلدة جالواي في نيوجيرسي.

ويوجد في نيوجيرسي حاليا عدد من المسؤولين المسلمين أكثر من أي ولاية أخرى.

وبحسب موقع "نورث جريسي" المحلي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حقق المجتمع المسلم "خطوات واسعة" في السياسة المحلية خلال السنوات الأخيرة، وفاز المسلمون بمقاعد في جميع أنحاء الولاية كرؤساء بلديات وأعضاء مجالس، وإدارة المدارس.

وفازت أيضا أميرة مفلحي، أول أميركية مسلمة يمنية الأصل يتم انتخابها لعضوية مجلس مدينة لاكاوانا، بنيويورك، و"أتيل هاشييوجي"، كأول أميركي ألباني يتم انتخابه لعضوية مجلس مدينة ووستر.

ومن المسلمين الفائزين أيضا، أزرين أوال، أول مسلمة أميركية من بنغلاديش يتم انتخابها في مجلس مدينة دولوث بولاية مينيسوتا، ومريم محمود، أول باكستانية أميركية مسلمة تنتخب لمجلس مدرسة سنترال باكس، في ولاية بنسلفانيا.

و"طيبة سلطانة"، أول أميركي باكستاني مسلم ينتخب لعضوية مجلس مدينة إيستون- بنسلفانيا، إضافة للمسلم اللبناني "بيل بزي" رئيس بلدية ديربورن هايتس.

لأول مرة

في سابقة هي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، أصبح المجلس البلدي في مدينة "هامترامك" في ولاية ميشيغان كله من المسلمين، وعددهم ستة أعضاء، بمن فيهم رئيس (عمدة) المدينة.

ونجح ستة أميركيين مسلمين في انتخابات هامترامك، التي تضم أقلية عربية كبيرة، منهم اثنين من الأميركيين البنغاليين وثلاثة يمنيين أميركيين وبولندي أميركي اعتنق الإسلام.

موقع "BBC" البريطاني كتب في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 واصفا فوز المسلمين بمقاعد بلدية "هاميتراك" بالكامل بعنوان عريض يقول "مدينة أميركية يحكمها مسلمون".

وأوضح أن "ما يجعل هذا الأمر مدهشا، هو أن هذه المدينة كانت معروفة في السابق باسم (الجيب الكاثوليكي البولندي)، حيث يسكنها كثير من البولنديين".

وانتخاب المدينة المختلطة التي يتحدث أهلها حوالي 30 لغة وعدد سكانها 28 ألفا لمجلس مدينة كله من المسلمين وكذلك عمدة مسلم، جعلها "أول حكومة أميركية مسلمة في الولايات المتحدة"، بحسب الموقع البريطاني.

واعتبر "بي بي سي" أن فوزهم "مؤشر قوي على تغير المسلمين ومواجهتهم للتمييز ضدهم، بالنزول للحلبة السياسية متعددة الثقافات التي يشكلون فيها أكثر من نصف سكانها، وفرض رؤيتهم السياسية".

ودفع ذلك صحفا أميركية لنشر تكهنات لبعض المعادين للمسلمين في المدينة، بأن المجلس الذي بات يسيطر عليه المسلمون "قد يفرض الشريعة الإسلامية".

لكن "أماندا جاكوسكي"، إحدى المسلمات المنتخبات في مجلس "هامترامك" قالت لصحيفة "ديترويت فري برس" الأميركية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "الدين لن يلعب دورا في قراراتنا".

وأضافت "جميعا مسلمون ملتزمون، تم انتخابنا من خلال القواعد الديمقراطية التي حددتها الولايات المتحدة وميتشغان وهامترامك، لذا سنقسم على حماية دستور الولايات المتحدة وعلى مفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة".

واستدركت قائلة: "رغم ذلك سأضع القيم الإسلامية المتمثلة في الصدق والنزاهة على الطاولة، وفي السياسات التي أروج لها، وأؤكد أنها ستكون الأفضل لجميع الناس في هامترامك".

عضو المجلس، محمد حسن، قال أيضا: "الدين ليس داخل مبنى (سيتي هول)، إنه في الخارج في المسجد والمعبد والكنيسة، وليس في قاعة المدينة"، مؤكدا "لن يتغير شيء، فنحن نحترم جميع الأديان ومسؤولون عن كل السكان".

ولا تعرف نسبة المسلمين المقيمين في "هامترامك" لأن الإحصاء الأميركي لا يسأل عن الدين، لكن التقديرات المستندة إلى بيانات ترجع لعام 2019 تشير إلى أن حوالي نصفهم من المسلمين. 

ونحو 25 بالمئة من سكان المدينة من أصول عربية، معظمهم من اليمنيين، و27 بالمئة من أصول آسيوية، غالبيتهم من بنغلاديش، وجميع اليمنيين مسلمون، بينما البنغاليون هم مزيج من المسلمين والهندوس والبوذيين والمسيحيين.

ووصفت أستاذة التاريخ بجامعة ميشيغان ديربورن، وخبيرة في تاريخ المسلمين بالولايات المتحدة، سالي هاول"، فوز المسلمين بكامل مقاعد المدينة بأنه "حاجز آخر تم كسره"، حسبما ذكرت لـ"ديترويت فري برس".

صناعة التاريخ 

كان فوز ثلاثة من العرب الأميركيين المسلمين باكتساح في الانتخابات المحلية بضواحي ديترويت، وفوزهم برئاسة ثلاث بلديات بها، محور حديث الولايات المتحدة كلها.

ففي هامترامك، وهي وجهة قديمة للمهاجرين من أوروبا الشرقية ومعقل أميركي بولندي منذ قرن، فاز "عامر غالب" بنسبة 68.2 بالمئة من الأصوات، ليصبح عمدة الضاحية، مما أثار غضب عمدة المدينة الحالية، كارين ماجوسكي التي حصلت على 31.4 بالمئة. 

كانت هذه هي المرة الأولى التي ينتخب فيها سكان هامترامك شخصا مسلما من اليمن، وليس كاثوليكيا وأميركيا بولنديا كما اعتادت المدينة في تاريخها الذي يبلغ 100 عام.

وفي ديربورن هايتس، فاز العربي المسلم، "بيل بزي" بمنصب العمدة، وفاز عبد الله حمود لأول مرة بمنصب عمدة ديربورن.

وبحسب قناة "pbs نيوز أور" في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 فإن "هذا يمثل تحولا في السلطة السياسية في منطقة بها أكبر تجمع للأميركيين العرب في الولايات المتحدة".

سكان وخبراء قالوا للقناة إن "هذه الانتخابات تكشف عن التقدم السياسي الناضج للمسلمين والعرب الأميركيين في ردهم على العنصرية أو الإسلاموفوبيا".

وأكدوا أن "ديربورن" تضم أكبر تجمع للأميركيين العرب في البلاد، بنسبة 54.6 بالمئة إلى 45.2 بالمئة، لذا اختاروا "عبد الله حمود" العربي المسلم عمدة للمدينة، لأنه وعدهم بخطط وإستراتيجيات لخفض الضرائب ومعالجة مشاكلهم.

وكان فوز المسلمة "شاهانا حنيف" كأول امرأة مسلمة تنتخب لمجلس مدينة نيويورك "أشبه بصنع التاريخ"، كما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وهي تعلق على فوزها "غير العادي".

مجلس المدينة يمثل منطقة تضم عدة أحياء في بروكلين، لذا ستمثل "حنيف" البنغالية الأصل، كأول امرأة مسلمة، منطقة تضم عدة أحياء في بروكلين، مثل بارك سلوب وكينسينغتون وأجزاء من وسط بروكلين.

وحدثت ضجة مشابهة في نيوجيرسي، بفوز أول امرأة مسلمة في مجلس المدينة هي "شانا حيدر" عن مقاطعة بيرغن.

"حيدر" قالت لموقع "نورث جريسي" في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن فوزها مع مسلمين آخرين بمثابة "كسر للصور النمطية" عن المسلمين، وأن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 خلقت "جيلا جديدا" من المسلمين الأميركيين يشاركون بفعالية في السياسة.

وقالت حيدر إن أكثر من 30 مسلما ترشحوا للمناصب في جميع أنحاء ولاية نيو جيرسي في السباقات الحكومية والمحلية الأخيرة، "وهو اتجاه تأمل أن يستمر في دولة (أميركا) يعتبر 3 بالمئة من سكانها مسلمين لانتخاب المزيد من المسلمين".

بشائر وتحذيرات

عادة ما تحظى الانتخابات الأميركية المحلية، التي تأتي في غير سنوات الانتخابات الرئاسية وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس، باهتمام سياسي وإعلامي كبير.

وغالبا ما يستخلص من نتائجها "بشائر" أو "تحذيرات" للحزب الحاكم في انتخابات التجديد النصفي في العام التالي 2022، لا سيما أنها تحدد الحزب الذي سيهيمن على الأغلبية في الكونغرس.

لذا يعتقد أن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ستنعكس على نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وأبرزها استمرار تصاعد ثقة الناخبين الأميركيين في المرشحين المسلمين، ومن ثم توقع فوز عدد أكبر منهم في انتخابات الكونغرس 2022، أو فوز مرشحين يدعمونهم.

فالانتخابات ليس غرضها إلا خدمة الناس عبر المفاضلة بين المرشحين المتقدمين بسيرتهم الذاتية، وهو ما يبدو أن المرشحين المسلمين نجحوا فيه.

الأثر الثاني لنتائج انتخابات 2021، هو احتمالات تأثيرها على الحزب الديمقراطي في انتخابات 2022، بسبب عودة الجمهوريين للفوز في مدن سبق أن فاز فيها الديمقراطيون في انتخابات 2020.

فوز الجمهوري جلين يونغكين بمنصب حاكم ولاية فرجينيا، والجمهوري إدوارد الدر بولاية نيوجرسي، اعتبرته صحف أميركية مؤشرا لاحتمالات عودة تفوق الجمهوريين على الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ولا يعني عودة فوز الجمهوريين بالضرورة عودة التيار "الترامبي" (نسبة للرئيس السابق دونالد ترامب)، حيث أظهر الجمهوريون الفائزون في انتخابات 2021 تعاونا أكبر مع المسلمين.

وقد حرص المرشحون الجمهوريون الفائزون في الانتخابات الأخيرة بالتقاط صور "سيلفي" مع أئمة ونساء محجبات خاصة في ولاية فيرجينيا.

كما حرص رجل الأعمال الجمهوري، "يونغكين" على تلبية دعوة لزيارة مسجد مركز "آدامز"، وجلس مع المصلين وسلط الضوء على الزيارة عبر صفحته الشخصية على تويتر.

عضو مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، أحمد ميتشيل، رصد ذلك ووصف "يونغكين" بأنه "شخصية معتدلة" مقارنة مع الترامبيين (أنصار ترامب)، رغم أن ترامب رحب بفوز المرشح "يونغكين" الذي أدان اقتحام أنصار ترامب للكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

حدث أمر آخر مفاجئ من الجمهوري "إلدر" الفائز في ولاية نيوجرسي، والذي سبق أن نشر تغريدات متعصبة على الإنترنت، وله تصريحات معادية للمسلمين تعود إلى عام 2016.

ففي تغريدة عام 2019 وصف "إلدر" الإسلام بأنه "عبادة الكراهية"، وزعم أن أولئك الذين يتبعون "تعاليم المسلمين" هم "حمقى"، ثم اعتذر لاحقا.

هذه المرة، وبدلا من زيادة الهجوم على المسلمين، أعرب "إلدر"، علنا بعد فوزه، عن أسفه، وزار مسجدا والتقى بقادة مسلمين محليين، بما في ذلك فرع مجلس "العلاقات الإسلامية الأميركية" في نيوجيرسي، وأدان الإسلاموفوبيا، وتعهد بتشجيع الوحدة.