باستخدامها مسيرات بيرقدار.. هكذا أشعلت أوكرانيا غضب موسكو تجاه تركيا
سلطت صحيفة إيطالية الضوء على تأكيد الجيش الأوكراني استخدامه طائرة بدون طيار تركية من طراز "بيرقدار تي بي 2" في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لأول مرة، وذلك لتدمير موقع مدفعية تابع للانفصاليين الموالين لروسيا في إقليم دونباس.
وقالت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" إن "هذا الحدث الصغير على ما يبدو، قد تكون له انعكاسات كبيرة على الصراع المستمر منذ سبع سنوات في المنطقة".
هجوم هرانيتني
وأشارت الصحيفة إلى أن "الانفصاليين كانوا أول من كشف استخدام المسيرة التركية، الذي حدث قرب بلدة هرانيتني، متهمين أوكرانيا بانتهاك بنود اتفاقيات مينسك التي تحظر استخدام الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة على خط التماس بين الجانبين".
على الطرف المقابل أكد الجيش الأوكراني ذلك لاحقا في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك" مرفوقا بمقطع فيديو يظهر تدمير مدفعية الانفصاليين.
كما اعتبر أن الهجوم بواسطة المسيرة التركية "رد بسيط" على قصف مدفعي ضد مواقعه، مما أودى بحياة أحد جنوده.
وأوضح الجيش أن القصف المدفعي من المفترض أن يتوقف بعد استخدام الطائرة بدون طيار التي دمرت الهدف بصاروخ موجه، لكن لا معلومات إلى الآن حول وقوع خسائر جراء هذا الهجوم.
من جانبهم لاحظ العديد من الخبراء أن طبيعة الهجوم الأوكراني "المحدود" يهدف إلى فرض وقف إطلاق النار على "خط التماس" أكثر من كونه عملية هجومية ضد مواقع انتشار الخصم.
وأعادت الصحيفة التأكيد على أن الحادث في حد ذاته صغير، إلا أنه قد يمثل بداية نقطة تحول في الصراع الدائر شرق أوكرانيا والمستمر منذ سبع سنوات والبعيد كل البعد عن أي حل دبلوماسي.
وأوضحت أن مسيرات بيرقدار من شأنها أن تمنح "ميزة تكتيكية واضحة" للقوات الأوكرانية وتسهم في تحقيق نجاحات ميدانية كبيرة لكييف.
قلق روسي
واستدلت الصحيفة في ذلك بالتغيير في ميزان القوة الذي أحدثته هذه المسيرة في الصراع الأخير في إقليم قره باغ، حيث استخدمها الجيش الأذربيجاني بشكل فعال ضد القوات الأرمينية، مما ألحق بها هزيمة وليستعيد بعد ذلك السيطرة على جزء كبير من المنطقة.
كما أثارت هزيمة يريفان جدلا حول جودة الأسلحة التي قدمتها موسكو لحلفائها الإقليميين، لينتهي الأمر بزيادة نفوذ تركيا السياسي والعسكري في جنوب القوقاز، تضيف "إيل كافي جيوبوليتيكو".
لهذه الأسباب أعرب الكرملين عن قلقه العميق بشأن استخدام الطائرة بدون طيار في دونباس، متشكيا من أن دخول هذه المسيرة في الصراع "قد يزعزع استقرار" الوضع في المنطقة.
وبالنسبة للقيادة الروسية سيؤدي هذا إلى تعقيد الوضع العسكري شرق أوكرانيا، وقد يدفع إلى جانب إعادة الجيش الأوكراني تنظيم صفوفه إلى التزام أكبر بدعم الانفصاليين، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات داخلية ودولية.
علاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي استخدام هذه المسيرة في دونباس إلى "مزيد من النمو للدور التركي في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي"، ترجح الصحيفة الإيطالية.
وأضافت أن "هذا النمو بات جليا الآن؛ إذ في الأسابيع الأخيرة وقعت قيرغيزستان اتفاقية مع أنقرة لشراء طائرات بدون طيار، مما كسر جزئيا اعتمادها العسكري التقليدي على موسكو".
بدورها، انتقدت ألمانيا دخول "بيرقدار تي بي 2" في الميدان، وذلك لأنها تخشى تصعيدا محتملا جديدا في دونباس.
وردا على ذلك أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بوضوح تام حق بلاده في الدفاع عن النفس.
سلاح رهيب
وذكرت الصحيفة أن المسيرة التركية التي قام بتطويرها سلجوق بيرقدار، الطالب السابق في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا وصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استخدمت في البداية ضد مليشيا التنظيمات المسلحة مثل تنظم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، قبل أن تؤكد تفوقها في مسارح صراعات أخرى من سوريا إلى ليبيا وقره باغ.
ونوهت "إيل كافي جيوبوليتيكو" بأن هذا النجاح "يرجع إلى التكلفة المحدودة والخصائص التقنية للطائرة؛ إذ يمكن تجهيزها بصواريخ مضادة للدبابات، ويمكنها التحليق لمدة تصل إلى 27 ساعة متواصلة، كما بإمكانها إصابة أهداف يصل مداها إلى 15 كيلومترا".
كما أثبت قدرتها مرارا وتكرارا على "اختراق" أنظمة الدفاع الجوي المختلفة، وإلحاق خسائر بشرية ومادية فادحة.
وتأكد هذا على سبيل المثال عام 2020 في ليبيا؛ حيث استطاعت تدمير العديد من المركبات وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات من طراز "بانتسير أس -1" الروسية التي استخدمها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.
وذكرت الصحيفة الإيطالية أن أوكرانيا اقتنت مسيرات بيرقدار من تركيا عام 2019، لدعم أسطول قواتها البرية والبحرية، وقد اختبرتها بنجاح خلال مناورة "نسيم البحر" الدولية في يوليو/تموز 2021.
كما أعلنت الحكومة الأوكرانية عن بناء مصنع لتصنيع هذه الطائرات في محيط كييف، لكن في الوقت الحالي عدد الطائرات بدون طيار الأوكرانية محدود، وربما يتعين الانتظار حتى العام 2022 لرؤية تأثيرها الفعلي على الوضع في دونباس، تتوقع "إيل كافي جيوبوليتيكو".
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: "في المقابل تتابع روسيا عن كثب تطور الأحداث، وتنفذ تحركات جديدة لقواتها على الحدود الأوكرانية، ولا تخفي غضبها تجاه تركيا، منافستها الداهية في كل من الشرق الأوسط وفضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي".