قتل وتفجير وتهجير.. ما سر توقيت الهجمات الطائفية في العراق؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق، التي أظهرت خسارة المعسكر الإيراني، تفجرت الأوضاع الأمنية بمحافظة ديالى وشهدت مجازر دموية وتهجيرا على أساس الهوية الطائفية، وذلك عقب هجوم تبناه تنظيم الدولة قتل فيه 12 شخصا من إحدى قرى الشيعة.

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تبنى التنظيم الهجوم على قرية الرشاد (شيعية)، الأمر الذي أعقبته عمليات انتقامية شنتها مليشيات موالية لإيران على قرية نهر الإمام (سنية)، أسفرت عن مقتل 10 أشخاص بينهم نساء وأطفال، وتهجير أكثر من 300 عائلة.

وكذلك أحرقت المليشيات نحو 20 منزلا وآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية في "نهر الإمام" واستهداف قريتي "الكرامة" و"شوك الريم" (السنيتين) بثماني قذائف هاون دون وقوع ضحايا، لتفرض السلطات بعدها حظرا للتجوال في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

كل هذه التوترات أثارت تساؤلات بخصوص توقيتها والهدف من وراء التصعيد الأمني تحت ذريعة "الانتقام" من جريمة تنظيم الدولة بقرية "الرشاد" وذلك في وقت ينتظر فيه الجميع المصادقة على نتائج الانتخابات والذهاب إلى تشكيل الحكومة المقبلة؟

"نيات مبيتة"

وتعليقا على ذلك، قال الأكاديمي والباحث بالشأن العراقي، أحمد الواثق، إن "تفجر الأوضاع لا يبتعد عن أزمة الانتخابات والنتائج التي أظهرت خسارة أطراف قريبة من إيران، ولا سيما أن من يمسك الأمن في ديالى هم مليشيا بدر الحليف الأقرب إلى إيران".

وأوضح الواثق في حديث لـ"الاستقلال" أن "إثارة الاقتتال وعمليات الانتقام الطائفية التي أعقبت جريمة الرشاد، وتهجير السكان والمطالبة بجعلها منطقة منزوعة السكان، كل ذلك يؤشر على وجود نيات مسبقة لإعادة التوتر الطائفي في البلد".

ولفت إلى أن "التصعيد الحاصل رسالة وخطوة أخرى باتجاه الضغط لتغيير النتائج في الانتخابات، وإلا فإنهم قد يذهبون إلى أبعد من ذلك، ولا سيما في ظل التهديدات الواضحة التي تصدر من حلفاء إيران بأنهم لن يقبلوا بنتائج الانتخابات وعدم تمريرها بكل الطرق".

وأشار الواثق إلى أن "العشائر حملت المليشيات والقوات الماسكة للأرض من فصائل الحشد الشعبي المسؤولية عن التوتر الأمني بمحافظة ديالى، وخير دليل على ذلك نقمة شيوخ العشائر وقيام أحدهم بتوبيخ هادي العامري زعيم منظمة بدر وتحميله المسؤولية".

ونقل رئيس حزب "المواطنة" العراقي غيث التميمي خلال تغريدة على "تويتر" في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عن أحد شيوخ بني تميم الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يوبخ العامري، أن عمليات التهجير فعلتها الأحزاب للتغطية على جريمة تنظيم الدولة.

وكتب في تغريدته قائلا: "تحدثت مع العم الشيخ مصطاف التميمي وقد أكد أن الأحزاب هي من تتحمل مسؤولية الخروقات الأمنية في المقدادية ولا يوجد أي صراع بين العشائر، وأن فتنة تهجير القرى السنية فعلتها الأحزاب للتغطية على مذبحة بني تميم".

نتائج انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أظهرت فوز تيار الصدر بـ73 مقعدا، وتراجع حلفاء إيران إلى 60 مقعدا بعد خسارة ثلث مقاعدهم السابقة، ما جعل أنصارهم يهددون باقتحام المنطقة الخضراء ببغداد (مقر الحكومة) إذا لم يعد فرز الأصوات يدويا.

جهات مستفيدة

وعلى الصعيد ذاته، تساءل الكاتب السياسي العراقي، علي البيدر خلال تصريحات صحفية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قائلا: "لماذا بقيت خطوط التماس المذهبية العراقية في محافظات صلاح الدين وديالى وكركوك وأجزاء من بغداد وحتى في نينوى، هشة ورخوة أمنيا؟"

كما تساءل: "لماذا لا يزال التنظيم الإرهابي يتحرك في هذه المناطق بل ويسيطر على مناطق منها، رغم مرور سنوات على إعلان هزيمته وتحرير المناطق العراقية التي كان يحتلها في العام 2017".

ولفت إلى أن هذا الأمر ربما "يشي أن هناك من يستفيد من وجوده وبقائه في تلك المناطق، لتسعير نار الفتنة المذهبية بين العراقيين، وابقائها متقدة".

وتابع البيدر قائلا: "لكن الشعب العراقي الآن مختلف عنه عما كان في العام 2006".

وأشار إلى أن "الوعي الوطني العراقي عابر للانقسامات والاعتبارات الفئوية والطائفية منها خاصة، ومع الأسف مع تفجر كل أزمة سياسية في العراق نرانا أمام انفجار أزمة أمنية، وهكذا دواليك ما يضعنا أمام علامات استفهام كبيرة".

وأعلن العراق أواخر العام 2017 انتصاره على تنظيم الدولة بعد طرد مقاتليه من كل المدن الرئيسة التي سيطروا عليها في العام 2014، ولا سيما نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، فيما قتل زعيمه أبو بكر البغدادي في العام 2019.

وتراجعت مذاك هجمات التنظيم في المدن بشكل كبير، لكن القوات العراقية لا تزال تلاحق خلايا نائمة في مناطق جبلية وصحراوية، فيما يستهدف التنظيم بين وقت وآخر مواقع عسكرية، وقد نفذ في أكتوبر/تشرين الأول 2021 هجوما أودى بـ30 مدنيا في حي مدينة الصدر الشيعية في العاصمة.

وفي مطلع أيلول/سبتمبر 2021، قُتل 13 عنصرا من الشرطة الاتحادية العراقية في هجوم على حاجز في محيط جنوب كركوك، نُسب لتنظيم الدولة وفق مصدر أمني.

كما تمكن التنظيم في 19 تموز/يوليو 2021 من شن هجوم انتحاري في العاصمة بغداد عشية عيد الأضحى، قتل فيه 30 شخصا وأصيب نحو 50 بجروح، غالبيتهم من الأطفال.

توقيت مريب

من جهته، قال السياسي العراقي المعارض، أحمد الأبيض، خلال تصريحات صحفية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إننا "نبهنا في وقت سابق إلى أن المشهد سيتعقد في العراق بعد الانتخابات، خصوصا إذا شابها التزوير، وهذا ما حصل بالتأكيد، والآن المحور الإيراني يعتقد أن هذه العملية ليست انتخابية، وإنما إقصاء له من المشهد العراقي بالكامل".

وأضاف الأبيض قائلا: "المليشيات التي ينضوي قسم منها تحت الحشد الشعبي تعتقد أنه إذا مضت الانتخابات بهذه النتائج وجرى تشكيل الحكومة، فهي حكومة ضمن محور عربي خليجي مدعوم من إسرائيل، وبالتالي الهدف من الانتخابات هو إقصاء الحشد وحله ثم مطاردة المليشيات".

ولفت السياسي المعارض إلى أن "إيران ستعمل على خلق الفوضى؛ حتى لا تخسر نفوذها في العراق والذي يتكون من مسألتين أساسيتين: نفوذ سياسي، وهذا خسرته في الانتخابات الأخيرة، وآخر مليشياوي، والذي بدأ يضعف وغير مرغوب به شعبيا نهائيا".

ورأى الأبيض أن "ما حصل في ديالى جريمة نكراء بالتأكيد لها أهداف ومسببات وجهات داعمة، وكدليل جنائي حول من قام بذلك لا يوجد. لكن مؤكد أن من يمسك الأرض هو مسؤول عنها، فمليشيا بدر وبعض الفصائل هي من تمسك ديالى منذ زمن". 

"الأبيض" نوه إلى أن "توقيت الهجمات يثير الشك، فلماذا حصلت هذه الأحداث بعد الانتخابات ومضي المفوضية بمسألة العد والفرز والذهاب باتجاه مسألة المصادقة؟ وهذا يعني أن المسار الانتخابي ماض. لكن المسار السياسي لا يزال معطلا، وأقصد به التفاوض على تشكيل الحكومة وما شابه ذلك".

وبين المعارض العراقي أن "إيران لديها الآن جبهات عدة تقاتل عليها، وهي: التصعيد مع إسرائيل لأن الأخيرة تريد استهداف برنامجها النووي، وكذلك فشل مفاوضاتها بفيينا، إضافة إلى خسارة كبيرة في سوريا ولبنان، وأن الجبهة اليمنية أيضا فيها تعقيد بالنسبة للمشهد الإيراني".

وتابع: "أما الملف العراقي، فإن إيران مستفيدة من الفوضى، وتريد إحراج الولايات المتحدة قبل أن تشرع إسرائيل في تنفيذ ضرباتها على برنامجها النووي".

لذلك إيران تريد القول إن الفوضى ممكن أن تخلق في الشرق الأوسط كله، وليس فقط في العراق. وهذه رسالة على العالم أن يقرأها بوضوح، وفق قوله.

ونوه الأبيض إلى أن "المشهد الطائفي ليست إيران فقط المستفيدة منه، وإنما التنظيمات المتطرفة أيضا تعتاش عليه".

وأردف: "هناك بعض الدول تتستر خلف المشروع الطائفي، وتتحدث بشكل آخر، وأن مطلبها الأساسي بقاء العراق ضعيفا تتحكم فيه العصابات الإجرامية والمليشيات، وبالتالي ثروته منهوبة وشعبه مغيب".

وتوصل إلى أن "ما يحصل في ديالى هو بداية نذر حرب طائفية، ويبدو أن تنظيم الدولة الذريعة الأساسية والشماعة التي تعلق عليها كل الجرائم، ولذلك نحتاج أحيانا تحقيقات دولية وليست محلية لعدم الثقة المطلقة، ليس في العناصر الأمنية والتحقيقية، ولكن المؤثرات السياسية أكبر وأعلى من قدرات هؤلاء".