إيران تصر على ابتلاع مشاريع كبرى في سوريا.. أهداف تتعدى الاقتصاد
تتقاطع مصالح النظام السوري مع إيران من ناحية تسلم الأخيرة مصانع حيوية كانت تمثل عصب الاقتصاد السوري قبل عام 2011، وهو الأمر الذي تتحمس له طهران بقوة.
فخطط إيران الاقتصادية في سوريا تسير جنبا إلى جنب مع الحضور العسكري، حتى أصبح كل منهما يكمل الآخر، حيث نجحت طهران بالفعل في انتزاع مشاريع اقتصادية عملاقة محليا من ملكية حكومة النظام.
أدركت إيران أن النظام السوري عاجز عن تشغيل مصانع تضررت وتدمرت خلال العقد الأخير؛ جراء العقوبات وغياب الأيدي العاملة وقطع الغيار وعدم توفر المواد الأساسية للإنتاج بفعل عوامل كثيرة داخلية وخارجية في آن واحد.
وهذا ما دفع طهران إلى الاستحواذ على مصانع إستراتيجية في عدة محافظات سورية، إذ يعد إعادة تشغليها ذا أبعاد اقتصادية واجتماعية "كارثية" مستقبلا على الشعب السوري.
ومنذ أبريل/نيسان 2018 بدأت إيران مساعيها للدخول كشريك في مؤسسات القطاع العام الصناعي بسوريا، بعدما تقدم رسميا مجلس رجال الأعمال السوري- الإيراني، بمقترحات لحكومة بشار الأسد.
وقتها أكد المجلس استعداد طهران لتأمين مستلزمات العملية الإنتاجية للشركات الصناعية وإقامة مشاريع جديدة، ولا سيما في مجال الإسمنت والصناعات الغذائية والكيميائية والهندسية.
ومنذ ذلك الحين كانت طهران تريد أن تعرف كيف ستحصل على مستحقاتها المالية؟ وقدم وقتها المجلس على حكومة الأسد عدة مقترحات للإيفاء بالالتزامات المالية لإيران، ومنها ما قد يشمل تبادل زيت الزيتون مقابل المعامل والتنفيذ على مدة سنتين.
ابتلاع الصناعة
التحرك الإيراني قبل أربع سنوات كان لإدراك طهران طبيعة الأسواق المحلية السورية التي تفتقد إلى السلع والمنتجات في ظل تراجع الإنتاج الصناعي المحلي.
لذا كان الاهتمام منصبا على البديل الإيراني من خلال إقامة مشاريع صناعية مشتركة بالاستفادة من التقنية الإيرانية والتطور الصناعي في إيران ببعض المجالات.
وفي أواخر أغسطس/آب 2021، اتفقت وزارة الصناعة في حكومة بشار الأسد، مع وفد إيراني ضم ممثلين عن شركة "أمرسان" الإيرانية المتخصصة بإنتاج الأدوات المنزلية، على تقديم الشركة دراسة تفصيلية توضح رؤيتهم لتطوير خطوط الإنتاج في شركة "بردى" الصناعية المدمرة منذ عام 2012.
وهذه الأخيرة هي أشهر شركة حكومية سورية تصنع برادات وغسالات وأفرانا وأدوات منزلية أخرى بجودة عالية.
واستملاك إيران مصانع القطاع الحكومي في سوريا، بات حقيقة واقعية على الأرض؛ كونها ستعتمد على العمال والمهنيين السوريين، بعد تأهيل المصانع المتضررة أو حتى جلب معامل لصناعة المعدات الكهربائية من طهران ونقلها إلى دمشق.
ووفقا لفراس نجل مصطفى طلاس وزير دفاع النظام السوري السابق ورجل الأعمال المقيم خارج البلاد، فإن حكومة الأسد تخلت عن 40 منشأة اقتصادية لصالح إيران.
وكشف في منشور له على صفحته الشخصية في فيسبوك مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، أنه "بالتنسيق مع وحدة المتابعة التابعة للقصر الجمهوري في دمشق يجرى تحويل 40 منشأة صناعية تتبع القطاع العام إلى ملكية الحكومة الإيرانية عبر شركات متعددة مملوكة إما للوزارات الإيرانية أو للحرس الثوري، بعد الاتفاق على ذلك منذ أكثر من عام ".
ولفت طلاس إلى أن "وحدة المتابعة جهزت قائمة من 71 منشأة وافق بشار الأسد على أربعين منشأة منها فقط، والمنشآت التي استثناها هي التي تقع في مناطق الساحل السوري والغاب بريف حماة، إما لأنها للروس مستقبلا أو كي لا يثير حساسيات معينة".
وأكد رجل الأعمال السوري، أن "لجانا إيرانية أتت وبدأت بزيارة هذه المعامل"، مشيرا إلى "أن (الوكيلين الماليين لدى النظام) لينا كناية وزوجها همام مسوتي يشرفان على هذا الأمر بالتنسيق الكامل مع الإيرانيين".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020 شملت لينا كناية وزوجها همام مسوتي، عقوبات الخزانة الأميركية، إذ أكد المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا جويل ريبورن، أن مسألة فرض العقوبات عليهما تكمن في أنهما "كانا في الأساس وكيلا ماليا وجبهة مالية لأسماء الأسد وبشار الأسد".
وجرد رجل الأعمال طلاس، أسماء بعض المصانع التي ستنقل ملكيتها للإيرانيين وهي معامل للخشب والكبريت والزيوت والبسكويت وأدوات منزلية ومواد غذائية وبلاستيك وورق وغيرها في أكثر من محافظة سورية.
تجنيد اقتصادي
ويرى المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف أن خطوة طهران هذه تندرج ضمن "أهداف دينية لنشر التشيع وذلك عندما تعمل على تشغيل مثل هذه المصانع وتجذب اليد العاملة المحلية المعدمة التي تعاني من وضع اقتصادي متأزم بحيث تصل الأمور لدرجة التجنيد الاقتصادي بحيث يصبح الشباب تبعًا لإيران بوصفها صاحبة مورد الرزق الأساسي".
وقال الشريف لـ "الاستقلال": "اختيار إيران نوعية محددة من المصانع الحيوية لها أبعاد اجتماعية من ناحية التبعية مستقبلا بحيث تتحكم طهران بمسألة التوظيف، وخاصة أن هذه المصانع تقع في مناطق ذات حاضنة شعبية كبيرة يمكن أن تكسب من خلال تشغيل العمال التعاطف الاجتماعي مع أيديولوجيتها".
واعتبر الشريف أن "الدور الإيراني في سوريا له أربعة رؤوس: عسكري وسياسي واقتصادي وثقافي يتبع المذهب الديني".
وبالتالي فإن تغلغل إيران في مناطق سورية ضمن هذا الرؤوس، يعني أنها تحولت لكانتونات إيرانية تتبع لها في كل محافظة تقيم فيها مثل هذه المشاريع الضخمة، وخاصة إذا ما عمدت طهران لتحسين الخدمات والقيام بورشات تدريب وتطوير للشباب وجذبهم وربما تقديم ضمان اجتماعي لهم للعمل في بعض الصناعات الخطرة.
ويفيد الشريف أن "كل المؤشرات تدل على تراخي النظام السوري لدعم الصناعة المحلية وتهجير الصناعيين وخلق طبقة جديدة منهم هم بالضرورة من المحسوبين على التيار الإيراني أو الروسي".
وذهب المتحدث للقول: إن "هذه المشاريع ستكون برعاية الحرس الثوري الإيراني وتحديدا عبر شركة خاتم الأنبياء للإعمار وهي ذراع الحرس الاقتصادية التي يمكنها أن تنفذ إعادة تأهيل في مجالات عدة من البنى التحتية و تكنولوجيا المعلومات وشبكات المياه والاستثمار في النفط والغاز".
ولا سيما أن هذه الشركة حصلت منذ عام 2018 على عقود لتطبيق مشاريع بناء وإمداد معدات للطاقة في سوريا، وفق قوله.
وكان حصول إيران على امتيازات اقتصادية من النظام السوري أقصر الطرق لتعويض الدعم المقدم لها لحمايته من سقوط حكمه، لا سيما أنه لا توجد أرقام دقيقة لحجم إنفاق طهران في سوريا على مدى العقد الأخير.
إلا أن جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان دي مستورا، طرحت عام 2018 أرقاما تقديرية من الأمم المتحدة، أظهرت أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويا.
وسبق أن كانت وزارة الصناعة في حكومة الأسد تقيم المعامل التي تملكها قبل عام 2011 بأكثر من 10 مليارات دولار، كقيمة أبنية وأراض وخطوط إنتاج ومن حيث القيمة السوقية لها آنذاك.
تسديد الفاتورة
وتشير الأرقام إلى أن حجم التجارة السنوية بين إيران وسوريا هو بحدود 150 مليون دولار سنويا، بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
وتطمح طهران لرفع التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاثة القادمة، وفق ما أكد مدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة "التنمية التجارية الإيرانية" فرزاد بيلتن، في تصريحات بمارس/آذار 2021.
وحاليا تعد إيران سابع أكبر مصدر للسلع إلى سوريا، بحصة من السوق السورية بلغت 3 بالمئة، حسب ما قال بيلتن لوكالة أنباء فارس في 21 أغسطس/آب 2021.
وتوجد حاليا 24 شركة إيرانية تمارس أنشطة تجارية في مركز "إيرانيان" التجاري، داخل المنطقة التجارية الحرة بقلب العاصمة السورية دمشق وعلى مساحة 4 آلاف متر مربع.
وفي هذا الصدد اعتبر الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية محمد العبد الله، أن محاولة إيران الاستحواذ على المصانع السورية، يمكن النظر إليه من ناحيتين.
ترتبط أولاهما بسعي إيران لضمان سداد ولو جزءا بسيطا من الفاتورة المقدمة لنظام الأسد والتي تجاوزت قيمتها حاجز العشرين مليار دولار، "ولا تزال هذه الفاتورة في تزايد".
وقال العبد الله لـ "الاستقلال": "تعود بدايات المسعى الإيراني للسيطرة على مكونات القدرة الإنتاجية المادية في سوريا المتمثلة بالمصانع والشركات الإنتاجية مع بداية عام 2018، عندما أدركت إيران أن التدهور الاقتصادي لنظام الأسد متواصل وأنه غير قادر على تسديد فاتورتها الثقيلة، مع عدم وجود أفق واضح لتنفيذ عقود إعادة الإعمار الموقعة مع نظام الأسد".
وأردف: "سعت إيران للسيطرة على الأصول الإنتاجية القائمة عبر حكومة النظام؛ سواء بفرض الضرائب المرتفعة عليهم أو من خلال إهمال الاستجابة لمتطلباتهم اللازمة لضمان استمرار عمل مصانعهم وشركاتهم، أو حتى اللجوء إلى الترهيب الأمني لأصحاب هذه المنشآت وحثهم على وقفها".
وألمح الباحث إلى أنه يمكن النظر إلى هذه الخطوة أيضا من "خلال سعي إيران لاستبدال الواجهة الصناعية القديمة قبل عام 2011، ومحاولة السيطرة على القطاع الإنتاجي بواجهة صناعية موالية لها، بعد أن أدركت أن الصناعيين السوريين في مناطق النظام غير راغبين بالتعاون معها".
وهذا ما صرحت به أخيرا القنصلية الإيرانية في حلب، التي اتهمت صناعيي المدينة بعدم وجود إقبال جاد منهم بالتعامل معها، وهو ما دفعها إلى محاولة التضييق عليهم ودفعهم للانسحاب من القطاع الإنتاجي، وفق قوله.