يصل إلى 75 مليار دولار.. ما أسباب تنامي الاقتصاد الموازي في الجزائر؟
يتوغل الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي في الجزائر بشكل كبير، ما يؤدي إلى تآكل معدلات النمو وعدم القدرة على معرفة الحجم الحقيقي للاقتصاد.
ويؤدي ذلك إلى احتساب قيم المؤشرات الاقتصادية بمقدار أقل من قيمتها الفعلية، ما يصعب المهمة أمام متخذي القرار.
كما يلعب الاقتصاد الموازي دورا سلبيا في ميزانية الدولة التي لا تستفيد منه نتيجة عدم تحصيل الضرائب على نشاطاته.
وبالتالي لا يسهم في إيرادات الدولة، في وقت يتوقع فيه أن يبلغ عجز الموازنة لعام 2021 نحو 22.6 مليار دولار، بسبب زيادة النفقات العامة عن إجمالي الإيرادات.
وقدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 29 سبتمبر/أيلول 2021، حجم الاقتصاد الموازي في البلاد (خارج النظام المالي الرسمي) بنحو 10 تريليونات دينار، ما يعادل 75 مليار دولار.
وأشار تبون إلى أنه "لا أحد ينكر وجود أموال ضخمة متداولة في السوق الموازية، رغم أنه لا توجد أرقام رسمية ولا تملك أية هيئة حتى الآن إحصائيات دقيقة".
ومنذ سنوات يقدر خبراء ومتابعون حجم الاقتصاد الموازي في الجزائر ما بين 40 و60 مليار دولار.
وفشلت محاولات سابقة خلال عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (2019-1999)، في احتواء كتلة الأموال المتداولة في السوق الموازية، حيث إنه في عام 2016، أطلقت الحكومة الجزائرية سندات خزانة لم تتمكن من استقطاب سوى 5 مليارات دولار فقط.
أسباب الاتساع
وتعود أسباب اتساع الاقتصاد الموازي في الجزائر إلى مجموعة من العوامل أبرزها العوائق الإدارية وعدم ملائمة المناخ الاستثماري في ظل انتشار الفساد داخل البلاد.
واحتلت الجزائر المرتبة الـ 104 في مؤشر الشفافية العالمي لعام 2020، ما يسهم في تدهور الوضع الاقتصادي بسهولة.
يضاف إلى ذلك ارتفاع حجم الرسوم الجمركية الذي أدى إلى التهرب من دفعها، وارتفاع مستويات الضرائب وعدم استقرار قوانين الجباية.
ومؤخرا، ارتفعت الرسوم الجمركية على أسعار المواد الغذائية المستوردة، بمعدل تخطى 100 بالمئة، بالتزامن مع تراجع كبير في الاستهلاك في ظل ضعف القدرة الشرائية.
وهو الأمر الذي دفع الرئيس الجزائري في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلى مطالبة حكومته بخفض الضرائب على الدخل الإجمالي.
كذلك ساهم تهرب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من دفع الضرائب فى اتساع الاقتصاد الموازي.
وأشار الديوان الوطني للإحصائيات ONS في دراسة إلى عدم امتثال المؤسسات الصغيرة (أقل من 10 عمال) لقواعد المحاسبة بمختلف أنواعها.
ليخلص الديوان في نهاية الدراسة إلى نتيجة تقول إن القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للاقتصاد الموازي بمختلف أشكاله مهما كان حجم المؤسسة الاقتصادية.
أيضا التسرب من المنظومة التعليمية بشكل كبير نجم عنه ارتفاع معدل تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة.
وهو ما غذى احتياجات الاقتصاد الموازي من العناصر البشرية وبمرتبات متواضعة، وفق الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وساهم هذا التطور الأخير أيضا في اتساع رقعة الاقتصاد الموازي دون وجود عقبات.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي الجزائري، فريد بن يحيى، أن التهرب الضريبي هو أحد أهم أسباب اتساع الاقتصاد الموازي خاصة مع عدم وجود رقمنة لسجل الضرائب، وغياب قوانين واضحة للمستثمرين وعدم استقرار الضرائب.
وأشار ابن يحيى، لـ"الاستقلال"، أن تلاعب القطاع الخاص وتواطؤ بعض مسؤولي الضرائب يسهم أيضا في ذلك، مشيرا إلى وجود شركات خاصة تتلاعب بدفاتر حساباتها ليتم تصنيفها كأحد الشركات الخاسرة أو محدودة الربح، وبالتالي تدفع ضرائب لا تساوي معدل أرباحها الحقيقي.
وأشار إلى وجود أموال فاسدة أيضا يحصل عليها بعض كبار المسؤولين والوزراء والمديرين العامين كرشاوى بهدف تمرير مشاريع تعمل في الاقتصاد الموازي.
كذلك تبييض الأموال بالنسبة لتجارة المخدرات والأسلحة وتهريب البضائع عبر الحدود وغيرها، والتي تدخل أيضا ضمن السوق الموازي.
فشل في الجذب
ومع تزايد هذا الاتساع في الاقتصاد الموازي عملت الدولة على استيعاب أموال هذا السوق عبر محاولات عديدة والتي كان آخرها طرح أدوات مصرفية إسلامية جديدة بهدف الاستثمار خلال عام 2020 وهي مراوغة لم تنجح حتى الآن، وبقي الاعتماد عليها في تمويلات محدودة أغلبها استهلاكي.
تأتي هذه المراوغة بعد الحديث عن مخاوف الجزائريين من المعاملات الربوية التي تدفعهم لاكتناز أموالهم خارج المصارف المحلية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تنشيط أدوات المصارف الإسلامية والدفع بأدوات جديدة بدأت العمل بها في 13 أغسطس/آب 2020.
من جهته، يرى ابن يحيى، أن فشل المصارف الإسلامية في الجزائر نابع من أن الجزائريين ليس لديهم قناعة بها، كما أن البنوك لم تعمل على تسويق هذه الأدوات الإسلامية بشكل جيد.
وأشار إلى أن الاعتماد الكلي على الصيرفة الإسلامية لاستقطاب أموال الاقتصاد الموازي ليس صحيحا خاصة وأن الحد الأقصى الذي يمكن أن تجلبه داخل البنوك يتراوح بين 15 إلى 20 بالمئة، وبالتالي يبقى 80 بالمئة خارج القطاع المصرفي، "لذا على الدولة البحث عن أدوات أخرى".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تفشل فيها الحكومة، حيث أخفقت مساع حكومية منذ 2014 في تسويق منتجات الصيرفة الإسلامية، وبقيت محصورة في تعاملات محدودة.
وفي عام 2017، أعلنت الحكومة إدراج الصيرفة الإسلامية في 6 بنوك حكومية، لكن العملية لم تترجم على أرض الواقع لأسباب لم يجر الإفصاح عنها.
لو شخص لديه 100€ وذهب لصرفها في البنك بدل السوق السوداء (في حالة الجزائر) فيجب أن يأخذ على مصحة عقلية، لأن علاقة الظاهرة بالسبب المؤذي إليها (نظام الحوافز) هي علاقة اقتران.
— MEHERHERA Ahmed✒ (@ahmedmeh7) September 27, 2021
يقول دي سوتو "بيئة الاقتصاد الموازي هي البيئة التي تحتوي فعل التقدم الطبيعي للافراد"
وفي ظل فشل الأدوات المصرفية، يبقى السوق المالي بالجزائر محدودا، في وقت تعاني الجزائر من أزمة مزدوجة أصابتها خلال العام 2020، ما تسبب بهزة عنيفة للاقتصاد المحلي.
وتمثلت تلك الأزمة المزدوجة بتداعيات فيروس كورونا المحلية والدولية بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط.
وهو ما يعني أنه في ظل اتساع الاقتصاد الموازي وقصور النشاط المصرفي داخل البلاد، فإن مصادر التمويل المحلية لن تكون داعما قويا في حال أرادت الدولة تمويل احتياجاتها عبر الاقتراض.
إلا أن الرئيس الجزائري قال خلال كلمة له بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي 29 سبتمبر/أيلول 2021، "لن نلجأ للاستدانة الخارجية، وإذا اقتضى الأمر سنتوجه نحو اقتراض داخلي" دون تفاصيل إضافية.
وعلق ابن يحيى، بأن الحكومة لجأت إلى تمويل غير تقليدي لتلبية احتياجاتها عبر طباعة النقود بنحو يتراوح بين 5000 و6000 مليار دينار جزائري (1 دولار = 137 دينار جزائري) سواء كانت نقدية أو عبارة عن صكوك لدفع الأموال للشركات الكبرى الجزائرية.
ولفت إلى أن البنوك المحلية في الجزائر لا تستطيع تمويل المشروعات الكبرى، بالإضافة إلى أن قدرة الدولة المحدودة للسيطرة على الاقتصاد الموازي الآن لن تمكنها من تحصيل احتياجاتها التمويلية، مشيرا إلى أنه لن يبقى للدولة إلا الخزينة العمومية.
حلول ممكنة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، مقدم عبيرات، إن البنوك المحلية لن تكون قادرة على تمويل الحكومة، مشيرا إلى أن الجزائر قد تلجأ خلال العامين القادمين إلى الاقتراض الداخلي الإجباري عبر الخصم من أجور العاملين وبعض الشركات.
وأضاف عبيرات، لـ"الاستقلال"، أنه إذا بقيت المعطيات الاقتصادية بعد عامين من الآن على ما هي عليه الآن دون تنويع النشاط الاقتصادي ودفع عجلة التنمية خارج قطاع المحروقات فمن الأكيد أن الجزائر ستلجأ للاستدانة الخارجية.
وتوقع صندوق النقد الدولي في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، نمو اقتصاد الجزائر 3 بالمئة هذا العام، بعد انكماش حاد بنسبة 4.9 بالمئة في 2020، وذلك مع التعافي الجزئي لتداعيات جائحة كورونا وعودة أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة.
ووصل سعر البرميل أخيرا خلال أكتوبر/تشرين الأول، إلى نحو يزيد عن 70 دولارا بالعموم، ويصل إلى الـ80 دولارا للبرميل.
ولكن تبقى إيرادات الاقتصاد الموازي أحد أبواب التمويل الواجب تقويمها من أجل دمجها داخل الاقتصاد الرسمي، لخروج الاقتصاد الجزائري مما يعانيه من أزمة قد تودي به في نهاية المطاف للاستدانة الخارجية من الهيئات المقرضة مثل البنك وصندوق النقد الدوليين.
وتوجد حلول عديدة لاستقطاب أموال الاقتصاد الموازي مثل تحويل التعاملات المالية اليومية من كونها تقليدية إلى استخدام البطاقات البنكية في المراكز التجارية وغيرها، وإصدار عملة جديدة للدينار الجزائري.
وهو ما يجبر أصحاب الأموال المكتنزة داخل البيوت للقدوم إلى البنوك لتغيير أموالهم وبالتالي رصدها وتفعيل قانون "من أين لك هذا؟"
كما يرى خبراء أنه يجب على الدولة خفض معدلات ضرائب الشركات والضرائب الجمركية من أجل تحفيز المستثمرين المحليين العاملين في الاقتصاد الموازي للاندماج داخل الاقتصاد الرسمي بالإضافة إلى جذب المستثمرين الأجانب.
وهو ما يقلص معدلات البطالة ويرفع من الإنتاجية ويدفع العجلة الاقتصادية، وفق دراسة نشرتها مجلة الدراسات المالية والمحاسبية والإدارية في عام 2016 تحت عنوان "الاقتصاد الموازي في الجزائر: الحجم، الأسباب والنتائج".
كذلك يعتقد كثيرون أنه على الدولة أيضا دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والإعلان عن إعفاءات ضريبية لنظيرتها العاملة في السوق الموازي بهدف تشجيع عدد كبير منها للاندماج بالسوق الرسمي دون تخوفات من تحصيل الضرائب بأثر رجعي، ما يضمن إقبال العديد من هذه الشركات غير المسجلة رسميا.
#الرئيس تحدث عن 90 مليار دولار قيمة الاقتصاد الموازي وأنه يجب جلب هذا المبلغ وضخه في الاقتصاد الرسمي.
— ���� ﮼أحمدداود ���� (@AhmadDaoud14) September 28, 2021
في اعتقادي أنه يمكن استعادة هذا المبلغ بتحرير العملة وبنظام ضريبي رقمي وعصري، وأيضاً تشديد عقوبات التهرب الضريبي والتصريح الخاطئ. @IshakKherchi #الجزائر ����