جرائم لا تسقط بالتقادم.. لهذا أصر أردوغان على محاكمة قادة انقلاب 1997

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

معطيات التاريخ تحضر دائما في مشهد تركيا الجديدة، وليس أبعد فيها من كوابيس "الانقلابات العسكرية"، إذ تبعث بظلالها على الحياة السياسية.

تركيا وإن حققت تقدما ملحوظا خلال عقدين من الزمن تحت حكم حزب "العدالة والتنمية" بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن الحياة السياسية تظل محور تهديد داخل دولة تحمل تركة ثقيلة من الانقلابات والتقلبات.

ذلك في ظل وصول قادة عسكريين أتراك خلال العقود الماضية إلى السلطة خمس مرات على ظهر دبابة، قبل أن يفشلوا في المحاولة السادسة 15 يوليو/ تموز 2016.  

القضاء التركي يمارس دوره هنا وقرر فتح سجل الانقلابات السابقة ويحاكم كبار قادة الجيش السابقين، المتورطين في انقلاب "ما بعد الحداثة"، المعروف بعملية 28 فبراير/ شباط 1997، بعد 24 عاما.

سدنة ذلك الانقلاب بلغوا من الكبر عتيا، لكنهم أجبروا على مواجهة جزاء ما اقترفوا من إسقاط السلطة المنتخبة، ووأد الحياة الديمقراطية، وتهديد السلم العام، بعضهم رحل عن الحياة، والبقية الباقية ترحل إلى السجن بموجب أحكام قضائية. 

عبر المحاكمات المستمرة لقادة الانقلابات العسكرية السابقة، واستدعاء التاريخ المرير، أمام المستقبل الموعود، تريد تركيا أن تبعث رسائلها، بأن الانقلاب جريمة في حق الأمة لن تسقط بالتقادم، وسينال مرتكبوها عقوبتهم عاجلا أم آجلا.

حكم نافذ 

19 أغسطس/ آب 2021، أصدر القضاء التركي قرارا نهائيا بإنفاذ الأحكام الصادرة بحق المتهمين بالضلوع في انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997، عندما أطاحت القوات المسلحة بحكومة رئيس الوزراء التركي نجم الدين أربكان. 

صحيفة "سوزجو" التركية نشرت يوم صدور الحكم القضائي، أن قوات الشرطة داهمت منازل 6 عسكريين، تنفيذا لقرار القبض عليهم الصادر من النيابة العامة بالعاصمة أنقرة، لإدانتهم بالضلوع في الانقلاب العسكري.

حملة توقيف بدأت بحق بعض كبار الضباط وجميعهم من المتقاعدين ثم إيداعهم السجن لتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، ومعظمها بالمؤبد

كما جرى الطلب من رئاسة الأركان، ووزارة الدفاع بإسقاط رتبهم العسكرية، وتجريدهم منها ومن امتيازاتها. 

بالفعل جرى توقيف أمين عام مجلس الأمن القومي آنذاك، الجنرال المتقاعد، إلهان كيلتش، وقائد القوات الجوية آنذاك، الجنرال المتقاعد، أحمد تروكتشي.

وأيضا، رئيس أركان القوات البحرية آنذاك، الأدميرال المتقاعد، أيدان إيرول، ورئيس قسم عمليات الأمن الداخلي في هيئة الأركان العامة آنذاك، الجنرال المتقاعد، كنان دنيز.

كما سلم رئيس المخابرات العامة آنذاك، والذي كان مطلوبا في ولاية إزمير، الفريق المتقاعد، تشتين سانير، نفسه للشرطة في قضاء "سيليفري" في إسطنبول، ليجري نقله إلى محكمة القضاء بعد إجراء الفحص الطبي له.

 وكذلك سلم العميد المتقاعد إدريس كورالب، نفسه إلى محكمة قضاء "باكركوي"، في إسطنبول أيضا.

وجرى إرسال إدريس كورالب (72 عاما)، وتشتين سانير (82 عاما)، إلى مؤسسة "سيليفري" الجنائية بعد الانتهاء من إجراءاتهم في مكتب التحقيق.

انتهاكات شديدة 

الأحكام الرادعة تلك أعادت للأذهان ذكريات 1997، آخر الانقلابات الناجحة بتركيا، والذي كان "ناعما" اكتفى فيه الجيش بإخراج الدبابات لشوارع العاصمة أنقرة، عندها اضطر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان إلى الاستقالة، قبل وصول الجيش مقر الحكومة.

المشهد بدأ 4 فبراير/ شباط 1997، باجتياح دبابات وجنود الجيش، شوارع مقاطعة "سنجان" في أنقرة، احتجاجا على تنظيم البلدية مظاهرات ضد انتهاك إسرائيل حقوق الفلسطينيين بمدينة "القدس" المحتلة. 

وفي ليلة 28 فبراير/ شباط 1997، اجتمع مجلس الأمن القومي التركي (MGK) وجله من العسكريين لمدة 8 ساعات و45 دقيقة، وقرر وقف مسيرة أربكان، عبر انقلاب تزعمه الأميرال سالم درفيس أوغلو.

تبع الانقلاب انتهاك شديد للحريات الدينية في تركيا، إذ أغلق المؤسسات الدينية ومدارس الأئمة والخطباء، ومدارس الطرق الصوفية، وجرى حظر الحجاب في الجامعات. 

كذلك جرى حظر حزب أربكان "الرفاه" بحكم قضائي وفقا لقانون 1982 بـ"تهمة السعي لتطبيق الشريعة، وإقامة النظام الرجعي"، وأودع رئيس الوزراء السجن مع مجموعة من قادة حزبه بينهم رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية الحالي.

كما جرى حرمان بعض السياسيين من العمل السياسي لمدة من 5 إلى 10 سنوات، مع فصل الضباط ذوي الميول الدينية بتهمة (الرجعية السياسية).

لألف عام 

لم تقف توابع الانقلاب على تدمير الديمقراطية وإقصاء الإسلاميين فقط؛ بل شكلت العقيدة السياسية لجنرالات الجيش التركي خطرا على مستقبل البلاد.

الجنرال شفيق بير، الرجل الثاني برئاسة أركان الجيش، والعقل المدبر للانقلاب، قال حينها كلمته الشهيرة: "في تركيا، زواج بين الإسلام والديمقراطية، والطفل نتيجة هذا الارتباط هو العلمانية".

وأضاف معبرا عن رؤية الانقلاب لمستقبل تركيا: "هذا الطفل يمرض من وقت لآخر، والجيش هو الطبيب الذي يعالجه، وبحسب مرض الطفل، نقرر الدواء الضروري للتأكد من تمام الشفاء".

وبعد نجاح عملية الانقلاب، قال أيضا: "سنحكم تركيا ألف عام كما نريد". 

لكن بير، لم يكن يعلم وهو يقول ذلك أنه سيجري توقيفه ومحاكمته مع 20 ضابطا في أبريل/ نيسان 2012، بتهمة "إطاحة الحكومة وعرقلة عملها"، ولم يخطر بخلده أن الذين منعهم من ممارسة السياسة سيحكمون البلاد بعد سنوات قليلة.

صعد أردوغان، رفقة الرئيس التركي الأسبق عبدالله غل، إلى سدة الحكم، بعد تأسيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، الخارج من رحم حزب "الرفاه" المحظور، وفاز الكيان الجديد الشاب في الانتخابات التشريعية عام 2002. 

آثار الانقلاب السيئة على حياة الأتراك، دفعتهم لانتخاب "العدالة والتنمية" ليحصل الحزب على أغلب المقاعد البرلمانية، بنسبة 34 بالمئة، ويشكل الحكومة، ويبدأ حقبة جديدة مستمرة في تركيا حتى الآن.

في أبريل/ نيسان 2012، أصر قادة الحزب الحاكم وعلى رأسهم أردوغان، على محاكمة قادة انقلاب 1997، وأبرزهم إسماعيل حقي الذي توفي 26 مايو/ أيار 2020، وشفيق بير، وصدرت بحقهما أحكام بالسجن مدى الحياة.

الرئيس التركي، وفي ذكرى ذلك الانقلاب 28 فبراير/ شباط 2021، قال عبر "تويتر": إنه كان رئيسا لبلدية إسطنبول إبان الانقلاب على أستاذه أربكان، وزج به في السجن دون مبرر قانوني لقراءته أبياتا من الشعر.

نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي، أعلن أيضا أن ذلك الانقلاب "كان اغتيالا للإرادة الوطنية، ووصمة سوداء في التاريخ السياسي الحديث". 

وأضاف: "لم ولن نسمح لأي وصاية بالعودة مجددا وذلك من خلال الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي رسخ أطر الديمقراطية، والدستور المدني الذي نسعى لإعداده بهدف ترسيخ الديمقراطية والحريات". 

درس للتاريخ

الإعلامي في شبكة "تي آر تي" التركية، طارق محمد، يقول: إن "الأمة التركية عانت من ويلات 6 انقلابات عسكرية في أقل من 100 عام، وهذا عدد كبير نسبيا، ومن الصعب تجاوزه".

ويضيف لـ"الاستقلال": "خاصة وأن الأتراك شعب متعدد الأعراق والطوائف، وشارك في الكثير من الحروب والمعارك، وهو شديد البأس". 

"لذلك محاكمة قادة الانقلاب تبعث رسائل ما بين التنكيل والتحذير، وأن تركيا ليست القديمة دولة الانقلابات وحكم الجنرالات، بل دولة ديمقراطية قوية، تحترم إرادة شعبها، وتتطلع لمستقبل خال من شوائب ماض دموي". 

محمد يوضح أن "تركيا حاكمت قادة انقلاب 1980، خاصة الجنرال كنعان إيفرن، عام 2012، وعندما توفي عام 2015، رفضت الدولة وقادة الاحزاب بمن فيهم المعارضة، السير في جنازته أو الاحتفاء به".

ويعتقد أن أهمية محاكمة قادة الانقلاب على أربكان أنه "آخر الانقلابات الناجحة، وأن كثيرا من منفذيه على قيد الحياة، ويتمتعون بالامتيازات".

ويختم بالقول: "وهو أمر تتحسبه القيادة التركية وتسعى إلى تجاوزه، وأن تجعلهم عبرة للتاريخ، وهو لجنرالات الجيش درس ينبغي أن تعلمه الأمم والدول التي تعاني من انقلابات عسكرية، وحوادث مماثلة".