فوضى وفساد ونزاعات.. هل تنبئ بحرب أهلية جديدة في جنوب السودان؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

اعتبر موقع "مودرن دبلوماسي" الأميركي، أن عودة الفوضى إلى جنوب السودان تهدد بنشوب حرب أهلية أخرى على وشك الحدوث.

ولا تعد الاشتباكات بالأمر الجديد أو غير العادي في جنوب السودان، فقد قضت الدولة الأحدث في العالم بالفعل الجزء الأكبر من وجودها وسط حرب أهلية فوضوية.  

وللمفارقة فقد كان تصاعد العنف والتوتر أحد الركائز الأساسية التي ساعدت على تأسيس هذه الدولة. ورغم تغير الأوضاع، لكن ما لم يتغير هو نسيج البلد المتقلب الذي لم يسمح أبدا بانحسار حالة عدم الاستقرار. 

حكم قمعي

وبينما يعيد القتال اليوم إلى الأذهان الكارثة التي دمرت المنطقة قبل بضع سنوات، فقد زاد التعقيد بمقدار درجة أو اثنتين. 

وبالتالي، سيحتاج الخروج من الأزمة إلى حل الانقسام المتفاقم بدلا من مجرد ترقيع المشكلة.

ورغم أن السودان كان موجودا كدولة واحدة حتى قبل عقد من الزمان، فإن سنوات من الحكم القمعي شجعت الفصائل المتمتعة بالحكم الذاتي داخل السودان، وتحديدا الولايات الجنوبية.

وكانت فترة الحرب الأهلية التي دامت عقودا بين الأطراف المتحاربة في السودان واحدة من أكثر الفترات ضعفا التي شهدتها دولة من دول القارة الإفريقية بعد فترة الاستعمار.

وبينما كان الهدف من محاربة الطبقة الحاكمة القمعية هو تحقيق توزيع عادل للسلطة، فإن الصراع لم يؤت ثماره حتى عام 2005، عندما سمح النظام السوداني على مضض بالحكم الذاتي للجزء الجنوبي من السودان الذي يضم عشر ولايات متنوعة. 

وبلغت الحرب الأهلية ذروتها باتفاق صعود زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان "سلفا كير ميارديت" كرئيس لهذه المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي.

وفاز كير في انتخابات أخرى في عام 2010 على الرغم من الصراع الأيديولوجي داخل صفوف حركة الاستقلال. 

مع ذلك، لم يكن توطيد السلطة مهددا لأنه كان مرتبطا بتطلعات دولة منفصلة، حيث كان الاقتتال الداخلي سيعرض للخطر الهدف المشترك. 

كما عاد الصراع إلى أوجه بعد ست سنوات فقط من الاتفاق على انفصال جنوب السودان عن السودان كدولة مستقلة في عام 2011.

وبعد أن احتفت الأمة بالاستقلال بدأت تدرك حقيقة صارخة وهي أن الهدف المشترك للمجموعات المتصارعة لم يشمل التسامح بين بعضها البعض. 

وهكذا ثبت أن الطريق إلى الأمام كان مليئا بالمطبات وليس طريقا سالكا تماما كما كان يتصوره الجميع. 

ورغم أن تنوع جنوب السودان كان عاملا ينبأ بقيام دولة ليبرالية، فإنه أصبح الآن عاملا معرقلا وسببا للنزاعات. 

وبلغ التراكم التدريجي للإحباط والغضب ذروته بعد عامين فقط من الاستقلال. 

وأدى الخلاف بين مجموعتين من المجموعات العرقية ذات الأغلبية في جنوب السودان إلى نشوء حرب أهلية أخرى، هذه المرة بين صفوف القبائل نفسها.

نزاعات سابقة

واتهم الرئيس كير المنحدر من جماعة الدينكا العرقية، نائبه ريك مشار المنتمي إلى جماعة النوير العرقية المنافسة بالتخطيط لانقلاب فاشل ضد حكومته. 

وأقال كير حكومته بالكامل بما في ذلك مشار، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف بين المجموعتين اللتين كانتا ذات يوم تقودان حملة مشتركة من أجل الاستقلال.

وسرعان ما اجتاح العنف الكثير من الولايات الموحدة وحتى أعالي منطقة النيل حيث انضم الحرس الرئاسي إلى جانب القوات المسلحة، وكلاهما موال لجماعة الدينكا العرقية، إلى التمرد ضد الجماعات المتمردة. 

وأجبر مشار على الخروج إلى المنفى بينما تعرض المدنيون للقتل والنهب والاغتصاب على أسس عرقية. 

وبلغ العنف الجنسي ذروته حيث جرى حرق مجتمعات بأكملها، مما أجبر تدفقا كبيرا من اللاجئين إلى إثيوبيا وأوغندا المجاورتين. 

وبعد جهود دولية متعددة وتهديدات بمجموعة من العقوبات ومحاولات عديدة من قبل الأمم المتحدة، توقفت الحرب في نهاية المطاف في عام 2018. 

ومع توسط الاتفاقات، سرعان ما تبع وقف إطلاق النار إلى جانب اتفاق لتقاسم السلطة عودة مشار إلى جنوب السودان؛ في منصبه كنائب للرئيس بموجب اتفاق سلام هش.

واستمرت الحرب لمدة خمس سنوات، حيث جرى ذبح أكثر من 400 ألف شخص بينما نجا الجناة من العقاب، وفق موقع "مودرن دبلوماسي". 

ووقع اتفاق سلام ولكن لم يتم تنفيذ أي عقوبة ضد مرتكبي الحرب الأهلية. 

كما هجر أكثر من مليوني شخص ولكن لم يتم إجراء أي إصلاح دستوري لحل الصراع الذي يمكن أن يندلع مرة أخرى في المستقبل. 

وبدلا من ذلك، عاد القادة أنفسهم إلى تقاسم السلطة بينما تحمل السكان عبء الفوضى. 

وبعد عقد من الزمان، لم يعد جنوب السودان أفضل حالا من السودان، حيث أدى الفساد المستشري والاقتصاد المنهار والمؤسسات المتهالكة إلى جعل البلاد في أسوأ شكل ممكن يمكن أن يتخيله المرء على الإطلاق.

والآن بما أن 8 ملايين من أصل 11 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، بدأت الفوضى تعود إلى الأفق. 

وثارت القوى المتنافسة الموالية لنائب الرئيس، والجنرال سيمون جاتويش دوال الذي سعى لأن يكون بديلا لمشار. وصدرت دعوات متجددة لتهجير حتى الرئيس نفسه. 

وتغذي هذه التطورات بالفعل الاستياء المكبوت حيث قُتل ما يقرب من عشرين مقاتلا في مناوشات متعددة خلال أغسطس/آب 2021.

وبينما لم تكن دعوات الاستبدال والثورة غير تقليدية ولا مفاجئة لطرفي الصراع، فإن القلق يتعلق بتدوير تدريجي للانقسام العرقي الذي لم تتم معالجته للأسف بعد الحرب الأهلية. 

وعبرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وهي تكتل إقليمي رئيس، عن مخاوفها في وقت سابق من أن عودة الفوضى ستزعزع بسهولة استقرار جنوب السودان بأكمله مرة أخرى. 

وحتى لو كان إنذارا كاذبا، فإن الأزمة الإنسانية المتضخمة جنبا إلى جنب مع التفاوت الاقتصادي لا يمكن أن تشكل بالضبط مستقبلا مزدهرا للبلد الذي انفصل عن السودان من أجل السلام ومستوى معيشة عادل.