أشرف غني.. رئيس أفغاني توعد "طالبان" ثم فرّ من قصره مع أول رصاصة

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل 20 عاما عندما بدأت أميركا حربها الضروس على أفغانستان، في عملية انطلقت 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، تحت مسمى "الحرية الباقية"؛ كانت حركة "طالبان" تتصدر المشهد السياسي الأفغاني.

قوات طالبان، ظلت لسنوات تحت مرمى القصف الأميركي في العاصمة الأفغانية كابول، وفي جبال "تورا بورا" التي خاضت فيها الحركة أشرس معاركها ضد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. 

بعد نحو عام من التدخل الأميركي وتحديدا في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، سقطت كابول وهزمت طالبان.

بعد عقدين من الحرب والمفاوضات والمواءمات؛ خرجت قوات أميركا من أفغانستان، وعادت طالبان إلى كابول مجددا، بعدما شنت حربا ضد قوات حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي فر هاربا، بعدما توعد طالبان بالحرب والصمود.

"رجل أميركا" كما يقولون عنه لم يصمد في المواجهة بعدما وصل جيش طالبان إلى تخوم العاصمة كابول، فآثر الفرار من البلاد وسط انتقادات حادة تعرض لها من أعضاء حكومته المنهارة.

أشرف غني، الذي بدأ رحلته في السلك الأكاديمي العلمي، وحمل الجنسية الأميركية، انتهى به المطاف كلاجئ سياسي.

وبعدما حكم بلاده لسنوات، ارتبط تاريخه بالقادة المهزومين في العالم، فيما كتب اسمه في سجل الرؤساء الذين فروا وتركوا بلادهم في أوقات الأزمات والصراعات. 

حياته الشخصية 

محمد أشرف غني أحمد زي، الرئيس الـ14 لجمهورية أفغانستان الذي ولد في ولاية "لوغر" الأفغانية 19 مايو/ أيار 1949، لعائلة تنتمي إلى قبائل "البشتون" ذات التأثير الكبير في أفغانستان. 

ولمعرفة مدى نفوذ قبيلته، فإن "البشتون" مجموعة عرقية تقطن جنوب وشرق أفغانستان، ومناطق الشمال الغربي الحدودية، وفي إقليم "بلوشستان" غرب باکستان.

وتعد أفغانستان البلد الأم لقبائل "البشتون" إذ يشكلون أکثر من 62 بالمئة من التركيبة السكانية، ما يعادل 25 مليون نسمة.

فضلا عن أن "البشتو" هي اللغة الرسمية الأفغانية مع "الدرية"، كما أن الزعامة في أفغانستان دائما ما تكون لقبائل "البشتون" وحدها بموجب العرف السائد. 

غني، تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس العاصمة كابول، قبل أن يسافر إلى لبنان للالتحاق بالجامعة الأميركية في بيروت، وفيها حصل على شهادة البكالوريوس عام 1973. 

أثناء دراسته في لبنان التقى زوجته المستقبلية رولا سعادة، المسيحية المارونية التي درست في نفس الجامعة. 

عاد غني إلى أفغانستان عام 1977 لتعليم الدراسات الأفغانية وعلم الإنسان "أنثروبولوجي" في جامعة كابول قبل أن يحصل على منحة حكومية عام 1977 للحصول على "الماجستير" في علم الإنسان، في جامعة كولومبيا بأميركا. 

وعندما تولى الحزب الشيوعي زمام السلطة في أفغانستان عام 1978، وقضى على الحريات، وأطلق قبضة الأجهزة الأمنية، جرى اعتقال معظم أفراد عائلة غني، الذي كان في أميركا آنذاك.

حينها تعثرت عودته إلى أفغانستان، ليستمر في مساره الأكاديمي ويحصل على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة كولومبيا، ثم امتهن التدريس في جامعة كاليفورنيا، وبيركلي عام 1983، وجامعة جونز هوبكنز، من 1983 إلى 1991.

خلال تلك الفترة عمل معلقا بإذاعة "بي بي سي" التي تبث إلى أفغانستان بلغات الفارسية والبشتو، فيما التحق بالعمل في البنك الدولي 1991. 

العودة إلى كابول

خلال سنوات الاضطراب الكبرى في أفغانستان بداية من الحكم السوفييتي، والحرب الأفغانية السوفييتية، إلى الحرب الأهلية، وصولا إلى حكم طالبان، ظل أشرف غني خارج البلاد، واستمرت فترة غربته لنحو ربع قرن. 

عمل غني خلال تلك المدة أكاديميا بالجامعات الأميركية، وموظفا دوليا مرموقا، وعاش في أميركا وحصل على جنسيتها.

لكنه وبعد أشهر من الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، استقال من مناصبه الدولية، وعاد إلى كابول، ليصبح مستشارا كبيرا للرئيس المعين حديثا آنذاك حامد كرزاي. 

عام 2002، شغل غني أول مناصبه الرسمية في الحكومة الأفغانية، عندما أصبح وزيرا للمالية، فيما كانت أهم الملامح المميزة لفترة وزارته أنه طرح عملة جديدة، ووضع نظاما للضرائب، وشجع المغتربين الأفغان الأغنياء على العودة. 

لكن غني استقال عام 2004، بعد خلافات مع الرئيس كرزاي، ليجري تعيينه أستاذا في جامعة كابول، ويقيم في الوقت ذاته مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، لتعمل على سياسات ما أطلق عليه "تمكين الشعوب الفقيرة" في العالم.

نحو الرئاسة 

بدأت تطلعات أشرف غني نحو الرئاسة عام 2009، عندما ترشح لخوض سباق الرئاسة، لكن النتائج كانت صادمة إذ حل في المركز الرابع بنسبة 4 بالمئة من الأصوات.

لم يتوان غني، واستمر في العمل العام، وترأس الهيئة التي تشرف على انتقال المهام الأمنية من حلف شمال الأطلسي "الناتو" للأفغان.

عام 2010، حظي غني بلقب أحد أبرز 100 مفكر على مستوى العالم، من مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، لترتفع شعبيته بأفغانستان. 

عام 2014، خاض غني أشرس المعارك الانتخابية في أفغانستان ليحقق في الجولة الأولى 31.6 بالمئة من الأصوات مقابل 45 بالمئة لمنافسه عبدالله عبدالله.

في الجولة الثانية، فاز غني بنسبة 55 بالمئة متقدما على عبدالله، رغم شبهات الفساد التي شابت عملية الاقتراع، التي رفض على إثرها منافسه الاعتراف بالنتائج.

أفغانستان حينها دخلت أزمة حقيقية اضطربت معها العملية السياسية برمتها، حتى تدخل وزير الخارجية الأميركي وقتها جون كيري، وتعهد باتفاق يقضي باقتسام السلطة بين غني وعبدالله.

وأعلن فوز غني بمنصب الرئاسة وأسند لمنافسه عبدالله منصب الرئيس التنفيذي.

أول قرارات غني، كانت صادمة للأفغان عندما اختار زعيم الحرب الأوزبكي الجنرال عبدالرشيد دوستم، لمنصب نائب الرئيس، رغم أنه متهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بحق الأفغان.

عهد مضطرب

بين النظريات العلمية والسلك الأكاديمي والتنظير، وبين الواقع العملي دروب شتى.

فها هو أشرف غني الباحث والمدرس للعلوم السياسية والإنسانية، أصبح رئيسا لأفغانستان في ظروف معقدة وواقع صعب.

إذ تهيمن على البلاد قوى أجنبية، وتتشابك فيها حركات مسلحة مع أحزاب معارضة شرسة، وكل يسعى لفرض عالمه الخاص. 

في بداية ولايته قال غني: إنه "لا يعتزم أن يعيش حياة انعزالية"، في إشارة إلى أنه سينفتح على جميع الأفغان.

لكن الكاتب الباكستاني أحمد راشد القريب من غني لنحو 30 عاما، قال: إنه "لم يسمح لأحد بالتقرب منه".

واعتبر أن نوبات غضبه المتكررة وغطرسته تجاه مواطنيه الأفغان، "جعلت منه شخصية مكروهة حقا"، وفق "فرانس برس" 16 أغسطس/ آب 2021. 

ورغم تعهدات غني الدائمة بإعادة بناء بلاده، والقضاء على الفساد، لكنه أصبح خلال سنوات من حكمه، رمزا لانهيار الدولة في أفغانستان.

ومع أن غني يحمل الجنسية الأميركية، ويعد من الرؤساء المقربين من البيت الأبيض؛ لكن علاقاته بواشنطن تعرضت لنكسة في السنوات الأخيرة.

إذ جرى تهميش الرئيس غني في المفاوضات التي أجرتها أميركا مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة، بداية من مارس/ آذار 2020.

واشنطن استبعدته من المحادثات بعد رفض حركة طالبان مشاركته، فيما أجبر لاحقا على إطلاق سراح 5 آلاف من عناصر الحركة في إطار تلك المفاوضات.

طالبان رفضت كل مبادرات السلام التي أطلقها غني، ووصفته بأنه مجرد "دمية" بيد واشنطن.

الهروب الكبير

الرئيس الأفغاني كان على موعد مع القدر 15 أغسطس/ آب 2021، عندما أعلن الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، أن وحدات عسكرية من إمارة "أفغانستان الإسلامية" دخلت مدينة كابول وتتقدم نحو قصر الرئاسة.

تقدم طالبان هذا يأتي بعد توعد غني على مدار أشهر لطالبان بالحرب والمقاومة، إذ أعلن أنهم سيحاربون المتمردين لأجيال قادمة إذا ما أخفقت المفاوضات.

لكن وعود غني ذهبت أدراج الريح، مع قراره الفرار خارج البلاد، حين قال عبر "فيسبوك": "واجهت اليوم خيارات صعبة، إما مواجهة مسلحي طالبان الذين أرادوا دخول القصر الرئاسي، أو مغادرة البلد الذي كرست حياتي لحمايته".

وزير الدفاع الأفغاني، الجنرال بسم الله محمدي، وجه نقدا لاذعا إلى الرئيس الهارب وكبار المسؤولين الأفغان، قائلا عبر تويتر: "قيدوا أيدينا من وراء ظهورنا وباعوا الوطن.. اللعنة على غني وعصابته".

فيما وصف عبدالله عبدالله، أكبر مسؤول أفغاني معني بعملية السلام، غني بـ"الرئيس السابق"، وحمله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد، مشددا على أن "الشعب سيحكم على الرئيس السابق وسيحاسبه الله".

وقال عبدالله، الذي يترأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، في رسالة مصورة نشرها عبر "فيسبوك": "غادر تاركا البلاد في هذا الوضع الصعب.. لقد وضع أفغانستان في مثل هذه الحالة، بعدما ورطها وورط الشعب فيما نحن فيه".