اهتمام ودعم متزايد.. هكذا يفرض "التنين الصيني" سيطرته على موريتانيا

12

طباعة

مشاركة

أظهرت الحكومة الصينية في الآونة الأخيرة أهمية خاصة لموريتانيا بسبب ودائع النفط داخل أراضيها، وسط تنافس في تلك الدولة المغاربية بين التنين والولايات المتحدة الأميركية.

وبدأ إنتاج النفط في موريتانيا في فبراير/شباط 2006، وخلال شهر مايو/أيار من نفس العام وقعت الحكومتان الصينية والموريتانية اتفاقا من أجل التعاون الاقتصادي والاجتماعي.

في أكتوبر/تشرين الأول 2006 بدأت مؤسسة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة حفر آبار النفط في موريتانيا، كما حصلت على ثلاثة أخرى للتنقيب في البلد المغاربي.

وتنظر حكومة البلاد إلى إنتاج النفط كوسيلة مهمة لتعزيز نموها الاقتصادي.

العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين المستمرة منذ العام 1965 لم تنعكس بالدرجة الكافية على جانب الاستثمار.

إذ تعتبر موريتانيا من الدول الأقل احتضانا للاستثمارات الصينية، كما أنها تمثل نسبة ضعيفة من حجم التبادل الصيني الإفريقي الذي تخطى في 2016 حاجز الـ200 مليار دولار ويتوقع له أن يصل لـ400 مليار دولار في عام 2020.

ويرى عدد من المراقبين أن تغليب المصالح الشخصية وغياب الاستقرار الأمني والسياسي يلعب دورا في إفشال العشرات من المشاريع الأجنبية التي كان يتوقع لها إن نفذت أن تنعش الاقتصاد وتسهم في خلق وظائف جديدة لجذب الاستثمارات الصينية وتقوية وتعزيز حجم التبادل التجاري، الذي ما زال حتى اليوم يقتصر على الشاي والصمغ العربي.

لاعب مهم

في مارس/آذار 2021، وصلت إلى موريتانيا دفعة أولى من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، مكونة من 50 ألف جرعة من لقاح "سينوفارم" الصيني، كـ"هبة" من بكين، إضافة إلى 13 جهاز تنفس صناعي، لكن المساعدة الطبية يبدو أن لها ما بعدها. 

تتصدر الصين البلدان المستوردة من موريتانيا وهي ثاني مصدر لها، وفقا للمكتب الوطني الموريتاني للإحصاء حول التجارة الخارجية.

وفي أغسطس/آب 2021، وقعت موريتانيا اتفاق التعاون الاقتصادي والتقني السنوي مع الصين بإجمالي استثمارات تصل إلى 40 مليونا و790 ألف دولار، لتمويل مشروعات لم يتم الإعلان عن تفاصيلها. 

بين عامي 2000 - 2012، مولت الصين حوالي 15 مشروع تنمية داخل الدولة الموريتانية، وقد جرى التطرق لهذا الأمر في وسائل الإعلام الرسمية الصينية.

تشمل هذه المشاريع توسيع ميناء نواكشوط إلى حوالي 900 متر من خلال قرض تفضيلي بلغت قيمته ملياري يوان صيني.

كما أقرضت الحكومة الصينية دولة موريتانيا قرضا بلغت قيمته 136 مليون دولار لبناء مطار دولي جديد في نواكشوط. 

قال موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي، في تقرير نشره مايو/أيار 2021: إن الصين تمتلك استثمارات مختلفة في مرافق الموانئ في إفريقيا، من كينيا إلى موريتانيا ويمكنها استغلال استثمارات البنية التحتية هذه في نفس الاستخدام المدني/العسكري المزدوج. 

أصبحت الصين منذ عام 2009 أكبر مستورد لخام الحديد الموريتاني، إذ تستحوذ على حوالي 70 بالمئة من إجمالي صادرات هذه المادة التي تعد العمود الفقري للاقتصاد الموريتاني.

بالإضافة إلى إجمالي صادرات النحاس، وحوالي 25 بالمئة من صادرات قطاع الصيد الذي تعتبر أكبر المستثمرين الأجانب فيه.

وهو ما يعني أن الصين تولي أهمية متزايدة لموريتانيا كمصدر أساسي من مصادر تأمين المواد الأولية خاصة خام الحديد، الذي تسعى جاهدة إلى كسر هيمنة أستراليا عليه عالميا.

قرب شواطئ موريتانيا من أوروبا وأميركا يؤهلها أن تلعب دورا محوريا في مبادرة الحزام والطريق.

المحلل الاقتصادي الموريتاني يربان الحسين الخراشي، أفاد في مقال له في يوليو/تموز 2021 على وكالة "الأخبار" المستقلة، بأن قادة عسكريين أميركيين تحدثوا لوسائل إعلام عن الموقع الجغرافي المميز لموريتانيا، مفيدين أنه قد يلعب دورا هاما في إستراتيجية تطويق واشنطن عن بعد.

واعتبر الخبير الاقتصادي في مقاله، أن هذا أحد الأسباب الرئيسة وراء كون الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني أول رئيس موريتاني يدخل مقر حلف الشمال الأطلسي "الناتو" في ظل تزايد اهتمامات الأخير بمنطقة الساحل ليس فقط من أجل أمن أوروبا بل أميركا أيضا.

وهذا ما جعل مقاربته في الساحل، ولما بعده تلعب فيها الشراكة مع موريتانيا دورا هاما.

تنظر الصين إلى موريتانيا على أنها لاعب مهم في منطقة شمال وغرب إفريقيا؛ وهو ما عبر عنه السفير الصيني الجديد لدى موريتانيا لي باي جين في مقاله تحت عنوان "يدا بيد لدفع العلاقات الصينية الموريتانية نحو مستقبل مشرق".

كتب السفير أن الصين "تولي أهمية كبيرة لمكانة موريتانيا الفريدة في إفريقيا والعالم العربي، وتعتبرها شريكا إقليميا أساسيا، وتدعم لعبها لدور فعال في المنطقة". 

تسعى الصين إلى بناء قوة بحرية عالمية صينية، وبالرغم من أن موريتانيا دولة نامية وضعيفة اقتصاديا على الصعيد الإقليمي والعالمي، وفق الخراشي، "لكنها في أدبيات الدبلوماسية الصينية مصنفة من بين الدول  الصديقة التي يعتمد عليها". 

صراع القوى

قائد القوات الأميركية في إفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، حذر من الأنشطة الصينية في غرب إفريقيا.

وفي مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس في مايو/أيار 2021، أكد  أن الصين تجري اتصالات بدول مثل موريتانيا لإنشاء منشأة بحرية قادرة على استضافة غواصات أو حاملات طائرات.

وقال: إنهم "يبحثون عن مواقع يمكنهم فيها إعادة تسليح وإصلاح السفن الحربية للاستفادة منها في حالة حدوث نزاع".

في مقال له على موقع العربي الجديد في أغسطس/آب 2021، يقول الصحفي الموريتاني، الأمين لخطاري: إن الصراع الأميركي الصيني على النفوذ في موريتانيا يجد مساحة شاسعة للتمدد، فالأخيرة التي استقلت عن فرنسا في العام 1960، تتجه للخروج من قبضة باريس نحو واشنطن وبكين، في محاولة لاستعادة مركزها الإفريقي.

بلغ حجم التبادل التجاري بين موريتانيا والولايات المتحدة في العام 2018 نحو 60 مليون دولار أميركي، فيما بلغت صادرات موريتانيا إلى واشنطن نحو مليون دولار أميركي. 

بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أثار الملف الأمني اهتمام واشنطن بموريتانيا، إذ عرف السفير الأميركي لدى موريتانيا مايكل دودمان علاقات بلاده مع نواكشوط بأنها تقوم على ثلاث دعائم أساسية: الاقتصاد والأمن وحقوق الإنسان. 

يرى لخطاري أن الحلم الصيني في موريتانيا يعتمد على سياسات أكثر ارتباطا بالعمال والمزارعين والطلاب، فيما تميل واشنطن في طرحها إلى التسلح وبناء طبقة من رجال الأعمال وتوطين إيراداتها في السوق الموريتانية، إضافة إلى التركيز على ملفات حقوق الإنسان عبر شبكات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.

اختلاف الطرح الإستراتيجي يعطي إشارة، للوهلة الأولى بأن خطوط الاستثمار بين البلدين لا تتقاطع في موريتانيا، لكن الأمر خلاف ذلك.

تنفرد الصين بالثروة السمكية، فيما تهيمن الولايات المتحدة على الغاز، في توازن للقوى تراقبه الحكومة بكثير من الحذر. 

وتمتد الشواطئ الموريتانية على طول 755 كيلومترا، وهي أكبر مصدر عربي للسمك، وواحدة من الدول الأغنى بأنواع الأسماك التي تصل إلى 300، منها 170 نوعا قابلا للتسويق عالميا. 

وتجاوزت صادرات البلاد من الثروة السمكية 900 مليون دولار أميركي في 2018.

شركة "هوندونك" الصينية هي من أكبر المستثمرين في مجال الصيد بسقف يصل إلى 100 مليون دولار، وفق اتفاقية موقعة مع وزارة الصيد والاقتصاد البحري يمتد العمل بها لمدة 25 سنة، لتهيمن بذلك على هذا القطاع دون منافس محلي أو أجنبي. 

وتنشر الصين آلاف الشركات الصغيرة في موريتانيا، المتخصصة في الإنشاءات الكبرى وأعمال البناء والاستيراد والتصدير والخدمات اللوجستية، فضلا عن دعم كامل من النظام الصيني للبنية التحتية الموريتانية وبناء المنشآت الحكومية وتخصيص بعثات طبية.

تهتم الولايات المتحدة بالثروات الموريتانية المكتشفة حديثا في مجال الغاز، خصوصا أن اكتشاف حقل غاز "تورتو" تم من قبل الشركة الأميركية "كوزموس".

في صالح موريتانيا

يرى أستاذ العلاقات الدولية، سليمان ولد الشيخ حمدي، أن علاقة الصين بموريتانيا قديمة، بل إن الأخيرة هي أول دولة اعترفت بالصين الشعبية.

فعلاقاتها قوية وممتدة منذ الاستقلال، لكنها كانت تأتي في إطارها التقليدي الطبيعي الذي يشمل العلاقات الاقتصادية فقط، كاتفاقيات الصيد البحري، دون أن تتطور إلى أمور أخرى. 

لكن ما جد، وفق حديث حمدي لـ"الاستقلال"، على المشهد الآن هو أنه بعد 60 سنة من الاستقلال، ظهر شركاء أقوياء آخرون، كما بدأت الصين تغيير سياستها ونهجها وعلاقاتها مع إفريقيا وتحاول أن يكون لها وجود دائم وإستراتيجي أكثر من التبادل التجاري البسيط. 

ويعتقد خبير العلاقات الدولية أن هذه المرحلة هي ما دخلت إليها موريتانيا، مدعومة من الصين من خلال الرغبة في الوجود في إفريقيا وفي منطقة حساسة؛ مثل منطقة الساحل الإفريقي وغرب القارة، مدعومة أيضا من طرف موريتانيا بالرغبة في وجود التنوع في الداعمين الإستراتيجيين والاقتصاديين غير الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. 

وأوضح حمدي، أن هذا الوجود القوي للصين وتغيير الإستراتيجية في هذا المجال هو ما خلق التنافس الذي بدأ يظهر جليا مع الولايات المتحدة.   

وتابع: لعل القراءات الإستراتيجية الحديثة في هذا المجال تربطه بما يجري من أحداث في منطقة الساحل والصحراء، وخاصة ما يجري في مالي، كأن الصين لديها وجود -أو على الأقل- بذور علاقات لا بأس بها تحاول إيجاد موطئ قدم في المنطقة. 

وقال أستاذ العلاقات الدولية: إن الصين طورت علاقاتها مع مالي من الناحية العسكرية بالأساس، وهناك قلق أميركي من أن تتحول منطقة الساحل بما فيها موريتانيا ومالي إلى قاعدة خلفية للصين من خلال السيطرة الاقتصادية على منابع الثروة، وأيضا البرامج الاقتصادية من خلال البنى التحتية. 

وأضاف: أن ما بدأ يظهر للعيان، أن التنافس محموم بين الشركات الصينية التي تهتم بالمقاولات، والشركات الأميركية والغربية بشكل عام. 

واعتبر المتحدث أن هذا الصراع يعود على موريتانيا -إن أحسنت إدارته- بشكل جيد، باعتبار أن لها علاقة بحليفين اقتصاديين كبيرين بحجم البلدين. 

ووفق حمدي فإن هذا التنافس يجعلها دائما تمتلك خيارا، ولن يكون عليها ضغط من أي حليف، لكن يبقى الإشكال أن الأدوات التي يمتلكها الغرب وبالذات الولايات المتحدة، خاصة في المجالات السياسية والعسكرية (كثيرة) على عكس الصين التي تقتصر قوتها في الاقتصاد. 

لكن الاقتصاد هو رافعة السياسة، وبالتالي يعتقد الخبير أن تطور العلاقات الصينية الموريتانية سيمكن نواكشوط من إيجاد فرص كبيرة لتطوير ذاتها وعدم الاعتماد على حليف واحد.