الاضطهاد طال تلاميذ المدارس.. ماذا بقي في جعبة فرنسا تجاه المسلمين؟
لم تكتف الحكومة الفرنسية بفرض قوانين وإجراءات تضيق فيها على المسلمين، بل تعدت ذلك بكثير؛ إذ حولت تلاميذ المدارس إلى جبهة للصراع مع المسلمين الفرنسيين.
في آخر إجراءاتها، كشفت صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" أن السلطات المحلية في مدينة "بيزييه" الفرنسية فرضت لحم الخنزير ليكون الوحيد المقدم لتلاميذ المدارس في المدينة الواقعة على قمة تل في جنوب فرنسا.
تقرير أعدته الصحفية الفرنسية نومي بيرسيب، ونشرته الصحيفة الأميركية، قال: إن "المدارس في كل أنحاء فرنسا أصبحت ساحة معركة بين قطاعات من المسلمين ودعاة العلمانية".
وأضافت بيرسيب أن "كثيرا من العائلات المسلمة تعتقد أن السلطات وسعت من تفسيرها للعلمانية وطبقتها على كل شيء، بطرق تستهدف معتقدات المسلمين".
وأكدت تحسس المسلمين من التدخل الفرنسي بحياتهم، الذي "وصل لما ينبغي تناوله من طعام المدرسة إلى مرافقة المرأة المسلمة المحجبة لأطفالها في الرحلات الميدانية".
استهداف المسلمين
الصحفية الفرنسية قالت: إن "فرض قواعد علمانية واسعة في المجتمع الفرنسي جعلت المسلمين مستهدفين".
وأكدت أن "المدارس العامة بجميع أنحاء فرنسا أصبحت جبهات أمامية لصراع مشتعل بين شرائح من الأقلية المسلمة الكبيرة في فرنسا وأنصار العلمانية فيها".
وأشارت إلى حالة الصراع أيضا بشأن "الفصل الصارم بين الدين والدولة في البلاد الذي تتبناه حكومة إيمانويل ماكرون".
عمدة بلدة "بيزييه"، روبرت مينارد، الذي انتخب عام 2014، ألغى الوجبات البديلة للحم الخنزير للعام 2021، المقررة لطلاب المدارس، بدعم من زعيمة اليمين المتطرف ماريان لوبان التي تستعد لانتخابات أبريل/ نيسان 2022.
فرض لحم الخنزير كخيار وحيد على الطلاب المسلمين رغم حرمة تناوله في الشريعة الإسلامية؛ يأتي بحجة ترسيخ مبدأ العلمانية والحرية.
الأمر الذي يدفع للتساؤل: هل فرض تناول لحم الخنزير ينسجم مع العلمانية التي يفترض أن تقوم على الحرية كمبدأ أساسي؟
قانون المدارس
فرض لحم الخنزير لم يكن الإجراء الوحيد الذي طال المسلمين، ونقل المعركة إلى مدارس الأطفال، بل هو إجراء ضمن سلسلة رأى مسلمو فرنسا أنها تستهدفهم وتستهدف حريتهم في الاختيار.
في مايو/ أيار 2019، أقر مجلس الشيوخ الفرنسي ما سمي بـ"قانون المدارس" الذي أعدته الحكومة الفرنسية متضمنا مادة تحظر على الأمهات المسلمات ارتداء الحجاب أثناء مرافقتهن لأبنائهن في الرحلات المدرسية.
الشيوخ الفرنسي، برر ذلك الإجراء بدعوى ترسيخ العلمانية، إذ قالت النائبة في حزب "الجمهوريين اليميني" جاكلين أوستاش برينيو، لوسائل الإعلام المحلية: "القانون يسد فجوة قانونية في تطبيق العلمانية".
وعن حجة المسؤولين الحكوميين بالمدينة الفرنسية تنقل الصحيفة الأميركية أن ذلك يتم بمبرر "مقاومة تحولات ثقافية تجري منذ عقود، إذ تتعرض المدارس لضغوط لاستيعاب المعتقدات الدينية للمسلمين الفرنسيين".
الصحيفة، تنقل عن المدرسين الفرنسيين أن الضغط عليهم في هذا الأمر يضعف جمهورية قامت على مبدأ العلمانية والمساواة والحرية والأخوة.
ويزعم المعلمون أن "الطلاب يستندون على معتقداتهم الدينية في بعض اختياراتهم، لبعض المسائل كدروس الموسيقى وحصص البيولوجيا، ورفض البنات حصص السباحة والرحلات الموسيقية".
شاهد من أهلها
في المقابل رأى مسؤولون حكوميون أن ذلك الإجراء يتناقض مع قرارات مجلس الدولة الفرنسي.
وزير التعليم جان ميشيل بلانكير، القانون قال: إنه "يتناقض مع قرارات مجلس الدولة، ويخلق العديد من المشكلات إزاء تطوير الرحلات المدرسية".
وعند الحديث عن المشكلات التي أشار إليها الوزير الفرنسي، تبدو حالة اللاجئ الشيشاني والطالب عبدالله أنزوروف، (18 عاما)، الذي أقدم في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 على قتل أستاذ التاريخ صامويل باتي (47 عاما).
تلك الواقعة جاءت على احتجاج من عبدالله، على استخدام معلمه الفرنسي صورة مسيئة لرسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) نشرتها مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية في وقت سابق.
ولم يكن عبدالله الغاضب الوحيد من تصرف معلم التاريخ؛ إذ رفض مئات الطلاب الوقوف دقيقة صمت لوفاة الأستاذ، بحسب تصريح لوزارة التعليم الفرنسية.
أعلى محكمة إدارية في فرنسا قضت في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بأن مبدأ "العلمانية لا يمنع المدارس من تقديم وجبات لا تحتوي على لحم الخنزير، استجابة للمعتقدات الدينية، لكنها غير مجبرة على عمل هذا الأمر".
هذا الحكم القضائي، جاء بناء على شكوى تقدمت بها جمعية إسلامية في مدينة "شالون سورسون"، شرقي فرنسا.
مدير مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا فرانسيس كاليفات، قال لـ"وول ستريت جورنال": إن "وقف الوجبات البديلة (للحم الخنزير) يخلق مشاكل لا داعي لها، ويتسبب بإبعاد عدد من الأطفال من الحياة المدرسية".
رجل الأعمال الفرنسي اليهودي من أصل جزائري، أكد أن "قلة من التلاميذ اليهود سيعانون من المشاكل لأن معظمهم من أبناء العائلات اليهودية المتدينة، وسيضطرون للذهاب إلى مدارس دينية خاصة لا تخضع مثل معظم المدارس الدينية لقوانين العلمانية".
عدد من البرلمانيين الفرنسيين رأوا أن تلك الإجراءات تأتي بغرض تحقيق مكاسب سياسية، إذ انتقدت النائبة في "الحزب الاشتراكي" فيفيان أرتيغالاس، القانون وقالت: "لا ينبغي استخدام العلمانية كأداة من أجل تحقيق مكاسب سياسية".
تلك التصريحات، تأتي في وقت تسعى عدد من الأحزاب لاستمالة تيار "اليمين المتطرف" المتنامي في فرنسا، وذلك بالتزامن مع التحضير للانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها يومي 10 و24 أبريل/ نيسان 2022.
وهي الانتخابات التي من المحتمل أن تطوي صفحة ماكرون، وترشح رئيسا جديدا لفرنسا لدورة قادمة مدتها خمس سنوات.
تعزيز لسلطة ماكرون
ومضيا في تحقيق المكاسب السياسية لحزبه، وتعزيزا لإجراء السلطات المحلية في فرنسا بفرض خيارات أحادية على الطلاب في المدارس، قام ماكرون في يونيو/ حزيران 2021 بطرح مشروع قانون على البرلمان لتجريم الضغط على المعلمين أو أي موظف آخر باسم الدين.
وزارة التعليم الفرنسية أعلنت في يونيو/ حزيران 2021، عن برنامج مدته 4 أعوام ويهدف لتدريب المدرسين على مبادئ العلمانية، بعد أن رصدت الوزارة حوادث أثناء الحصص التي تعقد عبر الإنترنت بسبب كوفيد-19 هتافات دينية وفيديوهات قتل.
وفي خطاب ألقاه ماكرون بهذا الصدد، قال: "ستقاوم الجمهورية عبر المدارس من يريدون قتالها أو تقسيمها".
وانتقد المسؤولين المحليين الذين ادعى أنهم أذعنوا للضغوط التي مارستها جمعيات أو مجتمعات أقلية محلية، وفكروا في تقديم وجبات تراعي التعاليم الدينية في كافتيريات المدارس.
وتعتقد الصحيفة الأميركية أن ماكرون، يسعى إلى ما يسميه القضاء على النزعة الاستقلالية للمسلمين في فرنسا.
ومن أجل الوصول لهذا الأمر دعا ماكرون لتطبيق حزمة من الإجراءات ضد المسلمين بدأت بالمساجد والمراكز الدينية.
ثم تناولت إجراءات ماكرون الحجاب والزي الإسلامي وصولا إلى مدارس الطلاب وتحديدا لحم الخنزير كوجبة يومية بدون بدائل أخرى من اللحوم تراعي معتقدات المسلمين.
المصادر
- France’s School Lunches Become Battlegrounds in Dispute Over Islam’s Place in Society
- الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022: شخصيات من اليمين والوسط تدعو إلى تنظيم انتخابات "تمهيدية"
- ماهي دوافع الرئيس الفرنسي لانتقاد "النزعات الانعزالية" للمسلمين؟
- "الشيوخ الفرنسي" يقر مشروع قانون يحظر ارتداء الأمهات الحجاب
- الانتخابات الرئاسية الفرنسية: تحديد تاريخي 10 و24 أبريل 2022 لإجراء الدورتين الأولى والثانية
- الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022: شخصيات من اليمين والوسط تدعو إلى تنظيم انتخابات "تمهيدية"