علي أكبر محتشمي.. وزير إيراني أسس "حزب الله" وختم مسيرته منزويا بالنجف
بوفاة وزير الداخلية الإيراني الأسبق علي أكبر محتشمي، طويت مسيرة طويلة مليئة بالأحداث والمواقف المثيرة للجدل، فقد عرف بقربه الشديد من مرشد إيران السابق روح الله الخميني، وكذلك يعد من أبرز المساهمين في تأسيس حزب الله اللبناني عام 1982.
محتشمي الذي توفي بفيروس كورنا في 7 يونيو/ حزيران 2021، بعد رقوده في إحدى مستشفيات طهران، من الشخصيات الإصلاحية البارزة الذي غاب عن المشهد السياسي بعد احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009، التي رفضت فوز أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية.
تلميذ الخميني
توفي محتشمي عن عمر ناهز الـ 75 عاما، حيث كان يعيش في مدينة النجف العراقية التي هاجر إليها غاضبا بعد احتجاجات 2009 في إيران، لكن بعد إصابته بمرض كورونا، نقل أولا إلى كرمانشاه ثم إلى طهران، وأدخل مستشفى خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري.
محتشمي قبل الثورة في إيران عام 1979 عاش في النجف العراقية مع معلمه وملهمه المرشد السابق "آية الله الخميني"، ملازما له مؤمنا بأفكاره متحمسا لها.
ورفع محتشمي راية عالية من النقد للمرجعيات الدينية الكلاسيكية، معتبرا نموذج الخميني هو الصورة المثلى التي على الفقهاء أن يكونوا عليها.
وبناء على ذلك، فإنه رغم مكوثه في النجف مع الخميني في مرحلة السبعينيات من القرن العشرين، فإنه ينظر بشيء من الازدراء لنهج مرجعيتها، الذي كان يعتبره "مهادنا" للسلطات وضعيفا.
محتشمي غادر النجف وحوزتها العلمية تاليا، وذهب مع الخميني في رحلة الثورة، حتى عودته إلى إيران عام 1979، وتأسيسه نظام "الجمهورية الإسلامية".
وكان علي أكبر محتشمي إحدى شخصيات الخميني الرئيسة، وعنصرا فاعلا في مكتب الولي الفقيه ومقربا منه.
بعد الثورة في إيران شغل منصب سفير طهران في سوريا من 1982 إلى 1986. أصبح لاحقا وزير الداخلية الإيراني، يعتقد أن كونه سفيرا في سوريا قد لعب "دورا محوريا" في تشكيل حزب الله الشيعي اللبناني.
أشرف محتشمي بنشاط على" تشكيل حزب الله ودمجه في الحركات الشيعية الراديكالية القائمة: حزب الدعوة الإسلامية في لبنان وجمعية الطلبة المسلمين وحركة أمل الشيعية".
تولى منصب وزير الداخلية في حكومة مير حسين موسوي من عام 1985 وحتى أغسطس/ آب عام 1989، ليعمل بعدها في مكتب لبنان التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.
لكن في العام ذاته، أطاح الرئيس الإيراني الجديد أكبر هاشمي رفسنجاني بمحتشمي من مكتب لبنان ليحل محله شقيق رفسنجاني محمود هاشمي.
اعتبر هذا مؤشرا على انخفاض مستوى دعم إيران لحزب الله وللسياسة الخارجية الثورية بشكل عام.
مواقف مثيرة
في أغسطس/ آب 1991 استعاد بعض نفوذه عندما أصبح رئيسا للجنة الدفاع في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، وكانت طروحاته مثيرة للجدل داخل البلاد وخارجها.
تعود أكثر مواقف محتشمي إثارة في مجال السياسة الخارجية إلى عام 1990، عندما أطلق مع مجموعة من النواب الآخرين مثل صادق خلخالي، وهادي خامنئي، شقيق المرشد، على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين اسم "خالد بن الوليد الزمان".
ودعا محتشمي إلى دعم صدام حسين في حرب الكويت ومحاربة الولايات المتحدة.
كما دعا محتشمي، الذي كان عضوا في البرلمان في ذلك الوقت، الشعب الإيراني إلى "المشاركة في الجهاد المقدس ضد الولايات المتحدة".
ووصف غزو الكويت بأنها شبيهة بأحداث صدر الإسلام، قائلا: إن العراق أصبح الآن "الساتر الأول في مواجهة عالم الكفر".
تعرض محتشمي لعملية اغتيال عام 1983 نجا منها، لكن أدت إلى بتر يده، وذلك خلال عمله سفيرا لإيران في سوريا.
اتهم بضلوعه في التفجيرات إلى جانب المخابرات السورية، التي نفذت ضد السفارة الأميركية في بيروت، والوحدات الفرنسية والأميركية العسكرية التابعة للقوات المتعددة الجنسيات في لبنان عام 1983.
دعم محتشمي حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، حيث كان مستشارا للأخير في الشؤون الاجتماعية، من 1997 وحتى 1999.
وجود محتشمي كان جزءا من دوره في "الحركة الإصلاحية" التي انبثقت من جماعة "علماء الدين المناضلين"، والتي حصلت فيها تبدلات فكرية وسياسية عديدة، أدى ذلك إلى تحولها من جماعة توصف بـ"التشدد" إلى حاضنة للإصلاح السياسي.
ومحتشمي بما يمتلك من علاقة تاريخية مع مؤسسة الثورة الخميني، شارك في دعم الرئيس محمد خاتمي وأفكاره الإصلاحية.
خصوصا أن الخلاف الفكري والسياسي بين محتشمي والمرشد الحالي علي خامنئي قديم، ويعود إلى عهد المؤسس الخميني.
الانزواء الأخير
بعد عام 2009، قرر محتشمي الانزواء عن العمل السياسي، وتوقف عن الانخراط في الشأن العام.
كان ذلك من المرات النادرة التي شارك فيها في نشاط ذي طبيعة سياسية، ومنها توقيعه على "بيان" أصدره "عدد من كبار الدبلوماسيين الإيرانيين، ردا على فرض الولايات المتحدة الحظر على وزير الخارجية محمد جواد ظريف، عام 2019، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية.
يأتي ذلك الانزواء بعدما اتسع الخلاف بينه وبين رفاق الثورة، وتحديدا بعد انتخابات عام 2009، إذ كان محتشمي فيها شخصية رئيسة في حملة المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي.
وموسوي اعترض على نتائج الانتخابات تحت تأثير من محتشمي، بحسب ما نقلته حينها وكالة "مهر" للأنباء، عن محمد علي أبطحي، الرئيس السابق لمكتب الرئيس خاتمي، والذي تم توقيفه من قبل الأمن الإيراني.
ونقلت الوكالة عن أبطحي قوله في اعترافاته إن "محتشمي تسبب بأكبر ضرر لموسوي، حيث أعلن محتشمي في الاجتماع الذي عقد في اليوم التالي للانتخابات، أنه قال لموسوي أن لا يقلق، لأننا لدينا من الوثائق بشأن التزوير ما يمكننا أن نغير مسار الانتخابات".
وعن شخصية محتشمي، يقول الباحث المختص بالشأن الإيران حسن فحص، خلال تصريحات صحفية في 8 يونيو/ حزيران 2021، إن التحول الذي حدث لدى الرجل كان لأنه "الأقرب لزعيم الثورة الخميني، وعاصر الجدل المبكر الذي رافق تأسيس الدول حول مفاهيم الجمهورية والإسلامية".
وأضاف فحص، قائلا: فضلا عن ذلك كانت هناك نقاشات عميقة وحادة بدايات الثورة حول تحديد مسار الدولة والتعددية السياسية والأحزاب؛ وهو الأمر الذي أفرز تاليا وجود جماعتين هما "علماء الدين المجاهدين" و"علماء الدين المناضلين" وكلاهما أقر الخميني بوجودهما، وقال إنه لا مشكلة في الاختلاف السياسي بينهما.
فحص وفي تحليله لشخصيته يرى أن "وزير الداخلية الإيراني السابق علي أكبر محتشمي، لديه شخصية مركبة من شقين: ثوري، وإصلاحي".
في الشق الأول بقي محتشمي كما هو لم يتغير في دعمه لحزب الله وفلسطين ومناديا بضرورة محاربة إسرائيل، حيث كانت لديه علاقات مبكرة مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، فضلا عن دوره في تأسيس حزب الله.
وتاليا علاقاته مع الفصائل الفلسطينية: حماس والجهاد الإسلامي، وهو أيضا كان الأمين العام السابق للمؤتمر الدولي لدعم القدس وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
أما في الشق الثاني، فيرى الباحث حسن فحص أن "محتشمي كان لديه انفتاح سياسي واجتماعي، ولذا كان داعما للرئيس السابق محمد خاتمي ولأفكاره، وكانت صحيفته من أوائل الصحف الإصلاحية الناقدة، ولذا تعرضت للإيقاف، فضلا عن أن تجربته تطورت ونضجت أكثر مع مرور الوقت رغم بقائه على تشدده الثوري.
إلا أنه صار ينحو صوب الانفتاح سياسيا وفكريا واجتماعيا أكثر، وأن هذه التجربة لم تتوقف عنده ليكون الأخير فيها، بل هنالك شخصيات واصلت عملها، وتطورت تجربتها أكثر من تجربة محتشمي ذاته، وفق قوله.
المصادر
- وفاة علي أكبر محتشمي بور أحد مؤسسي حزب الله في لبنان بسبب كورونا
- "فقد يده اليمنى في تفجير".. وفاة أحد مؤسسي حزب الله في لبنان بفيروس كورونا
- علي أكبر محتشمي
- رغم مكوث محتشمي في النجف بمعية الخميني إلا أنه نظر بشيء من الازدراء لنهج مرجعيتها، الذي كان يعتبره "مهادناً" للسطات وضعيفاً!
- أسس “حزب الله” وطالب بدعم صدام حسين.. من هو علي أكبر محتشمي د