"بريكست" فتح شهيتهما.. هل تنفصل أسكتلندا وأيرلندا الشمالية عن بريطانيا؟
وضعت الانتخابات المحلية الأخيرة في المملكة المتحدة التي تضم تحت تاجها كلا من (إنجلترا، اسكتلندا، إيرلندا الشمالية، وبيرو) مستقبل بريطانيا العظمى على المحك.
يأتي ذلك في ظل تنامي النزعة الانفصالية والاستقلال عن المملكة لدى اسكتلندا وإيرلندا الشمالية.
فبعد أن فاز الحزب الوطني الإسكتلندي بالانتخابات البرلمانية التي جرت في نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو / أيار 2021 أعربت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن عن نيتها تنظيم استفتاء شعبي جديد للانفصال عن المملكة.
لم يكن ما أفرزته الانتخابات المحلية هو العامل الوحيد الذي يهدد استقرار المملكة، فهناك العديد من الأسباب الأخرى التي أدت إلى هذا الوضع.
أبرزها قرار المملكة الخروج من الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بـ"بريكست" ورغبة الدولتين في البقاء داخل بروكسل، وأسباب أخرى تتعلق بالتغييرات الديمغرافية والسياسية.
وفاز حزب ستورجن بـ 64 مقعدا من أصل 129 يتألف منها البرلمان الإسكتلندي وفق النتائج النهائية التي أعلنت في 8 مايو / أيار 2021.
وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي لم يحز على الأغلبية المطلقة، ساهم فوز حزب الخضر المؤيد للاستقلال عن المملكة المتحدة بثمانية مقاعد بالبرلمان في تعزيز موقف الحزب الديمقراطي وزيادة الضغوط على لندن للقبول بتنظيم استفتاء جديد.
أما أيرلندا الشمالية فلديها العديد من الأسباب التي تزيد احتمالات انفصالها عن بريطانيا، أبرزها التغييرات الديمغرافية في التركيبة السكانية والعودة للاتحاد الأوروبي ومعضلة التجارة مع البر الرئيس لبريطانيا.
أسباب اسكتلندا
يشعر العديد من الإسكتلنديين الآن أكثر من أي وقت مضى، أن طريقتهم الوحيدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هي الانفصال عن المملكة المتحدة، بعد أن اجتمعت القضايا القومية والأوروبية في اسكتلندا معا وبدأت تكسب التأييد.
يقول الباحث في معهد كارنيغي أوروبا للدراسات بيتر كيلنر إن استطلاعات الرأي التي جرت للمرة الأولى في عام 2020 أشارت إلى أن غالبية الإسكتلنديين اختاروا الاستقلال عن المملكة المتحدة.
وتشير نتائج الانتخابات الأخيرة أيضا إلى هذا التوجه مع حصول الأحزاب المؤيدة للاستقلال عن بريطانيا الأغلبية التي تمكنها من التصويت على إجراء استفتاء جديد.
وهنا يشير كيلنر في تقرير نشره المعهد في 14 يناير/كانون الثاني 2021 إلى تصويت المملكة المتحدة في 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي حيث كانت غالبية الأصوات في اسكتلندا رافضة للخروج.
ووفق كيلنر، صوت اثنان من كل ثلاثة إسكتلنديين تقريبا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها كانت ملزمة بالنتيجة النهائية على مستوى المملكة.
وتوقع كيلنر في تقريره الذي سبق الانتخابات الأخيرة فوز الحزب الديمقراطي وحزب الخضر بنتيجة تسمح لهم بإجراء استفتاء جديد على الاستقلال وسط رغبة عارمة لدى الإسكتلنديين بالبقاء داخل الاتحاد الأوروبي.
وأضاف: يشعر الإسكتلنديون أنهم الخاسر الأكبر من "بريكست" في ظل استمرار مشاكل الصيد في الاتفاق الذي أبرمته بريطانيا مع التكتل الأوروبي.
يضاف إلى ذلك تضرر العديد من القطاعات التصديرية بسبب اتفاق بريكست وخاصة المشاكل المتعلقة بتصدير المواد الزراعية والغذائية والأسماك إلى أوروبا المتضررة من القيود الجديدة.
يقول الصحفي المتخصص في الشؤون الأوروبية مصطفى أحمد إن الدعوات السياسية في اسكتلندا لإجراء استفتاء جديد على الاستقلال عن المملكة المتحدة زادت مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خاصة وأن الإسكتلنديين صوتوا بأغلبية كاسحة في استفتاء عام 2016 لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
ويرى أحمد في تقرير بموقع إندبندنت عربي في 12 مارس / آذار 2021 أن هناك شعورا عاما لدى الإسكتلنديين بأنهم خسروا الكثير من "بريكست" وأن الصراع السياسي بين القوميين والوحدويين في البلاد يكتسب زخما كبيرا من خلافات سياسية داخلية تؤجج مشاعر الاستقلال حتى لو كان ذلك على حساب اسكتلندا.
وأضاف: "اسكتلندا المستقلة ستحتاج إلى سنوات للانضمام مجددا للاتحاد الأوروبي، وستكون هناك صعوبات وتعقيدات تتعلق بتداخلها مع بريطانيا في أمور كثيرة حتى بعد الانفصال، ثم إن اسكتلندا تعتمد على كونها بريطانية في حماية أمنها".
وتوقع تقرير صادر عن معهد الدراسات الحكومية في بريطانيا أن يستغرق انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عشر سنوات.
ووفق التقرير المنشور في 29 مارس/آذار يمكن أن تستمر عملية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا لفترة أطول من السنوات الخمس التي استغرقتها لندن للخروج من الاتحاد الأوروبي.
ومن المرجح أن تستمر عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عامين آخرين على الأقل.
أما كيلنر فيرى أنه من الناحية القانونية لا يملك السياسيون في اسكتلندا السلطة لإجراء استفتاء، لكن يمكنهم أن يطلبوا استفتاء آخر.
إلا أن القرار يعود إلى لندن، وهناك يتمتع المحافظون بأغلبية كبيرة ويعارضون إجراء استفتاء جديد.
وفي هذه النقطة يقول رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب المحافظين بوريس جونسون ، "إن الاسكتلنديين يجب أن ينتظروا أربعين عاما قبل تصويت آخر على الاستقلال".
وبموجب قانون اسكتلندا لعام 1998 الذي أنشأ البرلمان الإسكتلندي ونقل بعض السلطات من وستمنستر، فإن جميع الأمور المتعلقة بـ "اتحاد مملكتي اسكتلندا وإنجلترا" محفوظة لبرلمان المملكة المتحدة في لندن.
ومع ذلك يعول الجانب الإسكتلندي على الانتخابات العامة المقررة في بريطانيا عام 2024 في أن يتغير موقف لندن من إجراء الاستفتاء.
يقول محلل الأمن القومي في واشنطن برنت بيبودي في مقال بصحيفة فورين بوليسي الأميركية: "من المقرر إجراء الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا في عام 2024، وفي ظل احتمال ألا يفوز حزب العمال ولا حزب المحافظين بأغلبية، سيلعب الحزب الوطني الإسكتلندي دور صانع الملوك، سيكون ثمنها إجراء استفتاء ثان على الاستقلال".
وتوقع بيبودي في 3 فبراير/ شباط 2021 أن تتغير حسابات حزب العمال والمحافظين خلال فترة الانتخابات القادمة.
وقال إن حسابات حزب العمال قد تتغير بمجرد مواجهة احتمال أن يشكل المحافظون حكومة خامسة على التوالي، رغم استبعاد زعيم الحزب كير ستارمر أي ائتلاف بين حزب العمال والحزب الوطني الإسكتلندي.
وبالمثل، استبعد جونسون أي تحالف بين المحافظين والحزب الوطني الإسكتلندي، لإدراكهم بأن ذلك قد يؤدي إلى رحيل اسكتلندا.
على الجانب الآخر يرى بيبودي أن جونسون "الانتهازي الشهير" الذي أصاب النقابيين بخيبة أمل من قبل، ليس واردا أن يتمكن مرة أخرى من البقاء في منصبه.
وأضاف: ما هو واضح هو أنه سواء بعد انهيار الجمهوريين الساحق في انتخابات هذا العام للبرلمان الإسكتلندي أو بعد محادثات الائتلاف في وستمنستر، فإن الحزب الوطني الإسكتلندي سيدعو في الوقت المناسب لإجراء الاستفتاء الثاني".
دوافع إيرلندا
تختلف سياسات إيرلندا الشمالية اختلافا كبيرا عن اسكتلندا، لكنها ربما تكون في نفس الاتجاه، خاصة وأن الكتل السياسية فيها يقودها الدين.
فالأغلبية البروتستانتينية تؤيد بشكل ساحق البقاء تحت ظل المملكة المتحدة، بينما تريد الأقلية الكاثوليكية إعادة توحيد إيرلندا (جمهورية إيرلندا، وإيرلندا الشمالية).
لكن التغييرات الديمغرافية ربما تلعب لعبتها في الأمر، فعندما تم تشكيل إيرلندا الشمالية قبل 100 عام، كان عدد البروتستانت الوحدويين يفوق عدد الكاثوليك القوميين بنسبة اثنين إلى واحد، لكن أغلبيتهم اختفت في الوقت الحالي.
فقد شهد الإحصاء السكاني لعام 2011 انخفاضا في عدد البروتستانت إلى أقل من 50 بالمئة من السكان لأول مرة، ومن المتوقع أن يفوق عدد الكاثوليك عدد البروتستانت في تعداد عام 2021.
كما أن هذه التركيبة السكانية المتغيرة كانت واضحة في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة لعام 2019، عندما فازت الأحزاب القومية التي تسعى إلى الانضمام إلى جمهورية إيرلندا بمقاعد أكثر من الأحزاب النقابية للمرة الأولى على الإطلاق.
ووفقا لبيبودي أظهرت استطلاعات الرأي أيضا دعما متزايدا لإعادة التوحيد، بما في ذلك استطلاع عام 2019 الذي أظهر أن الأغلبية تؤيد مغادرة المملكة المتحدة.
ويعتبر بيبودي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو الذي أعاد إشعال مسألة الوضع السياسي لإيرلندا الشمالية من خلال تقريبها من الاتحاد الوثيق مع الجمهورية.
وأضاف: من نواح كثيرة جعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إيرلندا الشمالية أقرب إلى دبلن من لندن.
فالبضائع التي تسافر من إيرلندا الشمالية إلى إيرلندا لا تواجه أي عوائق جمركية، في حين تواجه عوائق عند توجهها إلى بقية بريطانيا منذ اتفاق بريكست، وفق قوله.
يضاف إلى ذلك الظهور الجديد لحزب الشين فين القومي (الجماعة السياسية السابقة للجيش الجمهوري الإيرلندي) في الانتخابات العامة التي جرت في 2020 وهو ما يعني بحسب بيبودي أن مسألة التوحيد الإيرلندي ستلوح في الأفق بشكل كبير في العقد المقبل.
ويشير كيلنر الباحث في معهد كارنيغي إلى ثلاثة عوامل أساسية في تغيير المعادلات السياسية الحالية في إيرلندا الشمالية أولها هو التغير الديمغرافي في التركيبة السكانية المدفوع بزيادة أعداد الكاثوليك.
النقطة الثانية هي تنامي أعداد الناخبين البروتستانت الرافضين للتصويت وفق الدين والمناهضين للطائفية.
الأمر الأخير من وجهة نظر كيلنر أنه بعد اتفاق بريكست أصبحت جزيرة إيرلندا أكثر اتحادا اقتصاديا من أي وقت مضى منذ عام 1922 إلا أنها تظل منقسمة سياسيا.
ويرى كيلنر أن المنطق الديموغرافي والاقتصادي لإيرلندا الشمالية يشير إلى إعادة توحيد إيرلندا في السنوات العشر إلى العشرين القادمة.
وتوقع أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تقسيم المملكة المتحدة بحلول عام 2040 بشكل أكثر شمولا من تقسيمها لأوروبا.
ويرى تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن هناك سؤالا ملحا آخر هو ما إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يدفع شعب إيرلندا الشمالية إلى تنظيم استفتاء للتصويت لمغادرة المملكة المتحدة والانضمام إلى إيرلندا الموحدة وهو ما يسمح به اتفاق الجمعة العظيمة.
وجرى التوصل إلى اتفاقية الجمعة العظيمة في عام 1998 في إطار تسوية سياسية في إيرلندا الشمالية لتقاسم السلطة بين النقابيين والقوميين وتم والتوقيع عليها من قبل الحكومتين البريطانية والإيرلندية بالإضافة إلى الأحزاب الرئيسة الأربعة في إيرلندا.
وبينما أكدت الاتفاقية أن إيرلندا الشمالية جزء من المملكة المتحدة، فإنها نصت على أنه يمكن توحيدها إذا تم دعم ذلك في تصويت الأغلبية في كل من إيرلندا الشمالية ودبلن.
ويشير التقرير المنشور في 23 أبريل / نيسان 2021، إلى أنه منذ تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016 ، دعا القادة القوميون والجمهوريون في إيرلندا الشمالية إلى إجراء استفتاء، وهو ما سيتطلب موافقة لندن ، بالإضافة إلى تصويت منفصل في جمهورية إيرلندا.
وقال التقرير إن الشين فين على وجه الخصوص مصممون على تنظيم مثل هذا الاستفتاء، وشعبيته الانتخابية المتزايدة في كل من إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا جعلت هذا الاحتمال أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.
المصادر
- Explainer: Can Scotland hold another independence referendum?
- Brexit Is Probably the United Kingdom’s Death Knell
- Moving Past the Troubles: The Future of Northern Ireland Peace
- Brexit and the Gradual Disintegration of the United Kingdom
- Will Boris Johnson's group hug delay referendum question?
- Why Brexit is a double-edged sword for the Scottish National Party
- Scottish independence: EU membership and the Anglo–Scottish border
- استطلاع للرأي: معظم الإسكتلنديين يرغبون في تنظيم استفتاء للاستقلال عن بريطانيا
- كيف يهدد استقلال اسكتلندا أمن بريطانيا وأميركا؟