دولارات منهوبة.. كيف يسعى نظام الأسد لملء خزينته من الحوالات الخارجية؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظل غياب المصادر التقليدية للعملة الأجنبية للنظام السوري، وتحول مصرفه المركزي لمركز صرافة داخلي؛ بسبب العقوبات الاقتصادية، لجأ النظام إلى اتباع طرق متعددة لملء خزينته بالعملات الصعبة، وإن كان على حساب نهب الحوالات الخارجية.

وأمام استعداد نظام بشار الأسد لدخول مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الشكلية المقررة أواخر مايو/أيار 2021، كثفت حكومته القرارات التي تسهم في رفد خزينته بالعملة الأجنبية.

القرار الأول، تمثل ببيع العملة الأجنبية بشكل آجل لمن يحتاجها من التجار والصناعيين لتمويل مستورداتهم، وذلك عن طريق شركات الصرافة بسعر 3 آلاف و375 ليرة سورية، أي أن تسليم العملة الأجنبية للمشتري قد لا يكون بشكل فوري وإنما آجل، وفق ما نقل موقع "الاقتصادي" في 7 أبريل/نيسان 2021.

أما الثاني، هو مضاعفة "مصرف سوريا المركزي" في 15 أبريل/نيسان 2021، سعر الصرف الرسمي وسعر الحوالات بنسبة 100 بالمائة، ليصبح السعر ألفين و512 ليرة للدولار الواحد، بعد أن كان سعر الصرف الرسمي لها ألف و256 ليرة للدولار.

نهب منظم

كما عدل مصرف النظام نشرة المصارف والصرافة ليصبح سعر شراء الحوالات الخارجية الشخصية و"الويسترن يونيون"، والواردة لمصلحة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها والمنظمات والمؤسسات الدولية الإنسانية، 2500 ليرة للدولار. 

وزعم المصرف أن هذا الإجراء يأتي لتوحيد أسعار الصرف وتشجيع الحوالات الخارجية وجذبها عبر الأقنية النظامية بما يحقق موردا إضافيا من العملة الأجنبية.

وخضع "المصرف المركزي" في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، لعقوبات أميركية ضمن الحزمة السادسة من قانون "قيصر"، مما شل حركته المالية داخل سوريا، وجعلته في عزلة، نظرا لتوقف تعامل المصارف الأجنبية معه، مما زاد في التضييق والخنق الاقتصادي على النظام.

وسبق لحكومة الأسد أن أصدرت في يوليو/تموز 2020، قرارا اعتبره السوريون "نهبا منظما لجيوبهم"، حيث ألزم النظام كل مواطن يدخل بلده، بصرف مبلغ 100 دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية بالليرة، وبالتسعيرة التي يحددها "المصرف المركزي"، الأمر الذي فسر حينها بطريقة جائرة لرفد خزينة النظام بالعملات الصعبة.

ومن محاولات "المصرف المركزي" جمع العملات الأجنبية؛ إعلانه في مطلع ديسمبر/كانون الأول2020، أن دفع خدمات البدل للخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف قوات الأسد لمن هم خارج سوريا، مقداره 8 آلاف دولار أو ما يعادلها بالليرة، وفق سعر الصرف الذي يحدده المركزي بتاريخ التسديد.

أما لمن تقرر وضعهم في الخدمة الثابتة داخل البلاد، يمكنهم دفع 3 آلاف دولار وفق سعر صرف المركزي أيضا ونقدا حصرا.

ومن الملاحظ أن كل العمليات المالية الالتفافية على حساب أموال السوريين كان يقف خلفها "المصرف المركزي"، الذي اعتبره الخبير الاقتصادي أسامة القاضي أنه "تحول إلى مركز صرافة بعد أن شملته عقوبات قيصر، ولم يعد بنكا مركزيا يستطيع أن يتعامل مع دول العالم".

واعتبر القاضي في حديث لـ"الاستقلال" أن "كل هذه التحركات من قبل النظام هي حلول مكياجية لم تنته إلا بحل سياسي ينهي الأزمة الاقتصادية والسياسية معا".

ويرى أن "النظام لن يستطيع الحصول على الكثير من الحوالات وحل عقدتها؛ ما لم يلغ المرسوم رقم (3) الذي يمنع تداول غير الليرة والذي أغلق على إثره محلات صرافة كثيرة، وخاصة أن المرسوم نص على أن الشخص الذي يحوز ويتاجر بالعملة الأجنبية يحكم بسبع سنوات سجن مع الأشغال الشاقة".

ونوه القاضي بأن "المواطنين لا يثقون بمصرف النظام في حال وضعوا أموالهم فيه، كونه وضع سقفا لسحب الأموال وضيق على الحوالات الداخلية بين المحافظات بالليرة وحصرها بأن تكون عبر المصرف المركزي".

تمويل الحرب

وأمام بحث نظام الأسد عن حل أزمة تمويله المالي في ظل مواجهة حليفتيه روسيا وإيران عقوبات أميركية أيضا، والتركيز على دخول العملات الأجنبية عبر القنوات الرسمية أو المرخصة، نجد أن الأرقام من النقد الأجنبي كبيرة ويحاول النظام استثمارها.

وقدر رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بدمشق علي كنعان، في تصريحات صحفية، معدل حوالات الأفراد السوريين في الخارج إلى الداخل بالعملة الأجنبية من 3-4 ملايين دولار يوميا، مضيفا أن هذا الرقم عادة ما يرتفع في شهر رمضان لأكثر من 10 ملايين دولار.

وهذا ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي، خالد تركاوي، في حديث لـ"الاستقلال"، بقوله: إن "النظام السوري لديه أولوية رئيسة وهي جمع العملات الأجنبية له وليس لإنقاذ الاقتصاد".

وتابع: "نستطيع أن نقول أن النظام استطاع أن يجمع العملة الصعبة خلال شهر رمضان، بسبب التدفقات المالية على الأهالي وإلى المنظمات التي تريد أن تنفذ مشاريع، وكذلك من أصحاب الخير الذين يوجد لهم أقرباء في مناطق نفوذ النظام، وهذا كله يحصل عليه النظام سواء بالتخويف أو حتى بفرض سعر أعلى".

وأكد تركاوي أن "النظام السوري يريد العملة الأجنبية من أجل أن يمول نفسه في الحرب، إذ أن الطلعة الواحدة بالطائرة الحربية تقدر تكلفتها بـ10 آلاف دولار، هذا عدا عن تكاليف عناصره على الأرض والأسلحة".

وأواخر مارس/آذار 2021، استضافت العاصمة البلجيكية بروكسل على مدار يومين، مؤتمر المانحين لدعم السوريين، شاركت فيه أكثر من 50 دولة و30 منظمة، وأعلن في ختامه عن توفير نحو 6.4 مليارات دولار، بينها 4.4 مليارات للعام 2021، لدعم السوريين داخل بلادهم ودول الجوار.

وشكل رفض الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة دعوة نظام الأسد إلى حضور المؤتمر، امتعاضا روسيا كشف مدى رغبة موسكو في وصول جزء من التعهدات المالية للنظام؛ لمساعدته اقتصاديا ودعمه خاصة بالعملة الأجنبية.

لكن المتحدثين في مؤتمر بروكسل أجمعوا على تأكيد الدعم للحل السياسي بسوريا وتنفيذ القرار الدولي 2254، وهذا ما يماطل به نظام الأسد ويرفض تطبيقه.

وشدد تركاوي على أن "نظام الأسد لديه طموح في أن تصب في صالحه الأموال التي أقرت في بروكسل"، داعيا الدول المجتمعة في المؤتمر أن "تعي الهدف الذي يسعى إليه النظام".

وهذا ما يجري الترويج له حتى من قبل رأس النظام بشار الذي قال خلال ترأسه جلسة لحكومته نهاية مارس/آذار 2021 بعد الإعلان عن تعافيه من فيروس كورونا، إن "معركة سعر الصرف تقاد من الخارج والجزء الأكبر منها هي حرب نفسية".

وكان رئيس حكومة الأسد السابقة، عماد خميس، اعترف أمام البرلمان في 15 سبتمبر/أيلول 2019، أن "الحكومة باتت تحتاج 200 مليون دولار شهريا ثمن نواقل نفطية تحتاجها سوريا".

شبكات فساد

ويلجأ الأهالي في مناطق نفوذ النظام إلى استلام الحوالات المالية القادمة من أقاربهم في الخارج عبر مكاتب غير نظامية (السوق السوداء)، نظرا للفرق الكبير في أسعار صرف الدولار خلال التسليم عن المكاتب الرسمية المرخصة من المصرف المركزي التابع للنظام.

ووفقا للباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، محمد العبد الله، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن "قيمة الحوالات المالية الواردة سنويا تصل لما يقارب 5.5 مليارات دولار، منها 4 مليارات يتم تحويلها عبر القنوات غير الرسمية".

وأشار في حديثه لـ"الاستقلال" إلى أن "نظام الأسد خلال الأعوام الماضية كان ينتهج سياسة تقييد كبيرة على توريد هذه الحوالات من خلال فرضه لسعر صرف أدنى بكثير من سعر السوق السوداء".

وأرجع العبد الله ذلك لعوامل ترتبط بـ"تغذية شبكات الفساد المرتبطة بشركات الحوالات المالية والتي كانت المستفيد الأكبر من عمولات التحويلات وإجازات الاستيراد وهم في غالبيتهم من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام والمؤسسات الأمنية، وهذا ما أسهم بشكل كبير في تدهور سعر صرف الليرة".

ويبدو واضحا في هذا التوقيت اهتمام النظام في تحسين سعر استلام الحوالات المالية الخارجية عبر المكاتب الرسمية المرخصة، بشكل مقارب نوعا ما للسوق السوداء.

وأرجع العبد الله ذلك إلى "محاولة النظام امتصاص الغضب الشعبي مع قرب الانتخابات الرئاسية المقررة، ومنح الأفراد إمكانية الاستفادة بشكل أكبر من قيمة الحوالات الواردة من الخارج، في وقت أصبحت فيه الحوالات مصدر الدخل الأساسي لنسبة كبيرة من السكان في مناطق النظام وتتجاوز نسبتها تقريبا 60 بالمائة".

وفي 20 أبريل/نيسان 2021، كلفت حكومة الأسد، محمد عصام هزيمة، بمهام حاكم "مصرف سورية المركزي"، خلفا للحاكم السابق حازم قرفول، الذي أقيل من منصبه 13 أبريل/نيسان 2021.

وفسر العبد الله هذه الخطوة، بـ"تحميل النظام، قرفول مسؤولية الانخفاض الكبير في قيمة سعر صرف الليرة خلال الأعوام الماضية، وكل القرارات المرتبطة بالتحويلات المالية".