خسائر بشرية ومادية.. صحيفة روسية تستعرض تاريخ "قناة السويس" الأليم

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة روسية الضوء على تاريخ الأحداث التي ارتبطت بقناة السويس المصرية، بدءا بالخسائر البشرية التي سببها حفرها ونظام "السخرة" التي جرت خلاله، وانتهاء بقضية ناقلة الحاويات اليابانية "إيفر غيفن".

وأشارت صحيفة "روسيسكيا غازيتا" في مقال للكاتب ماكسيم ماكاريتشيف، إلى إغلاق الممر المائي الذي يبلغ طوله 193 كم الذي سببته ناقلة الحاويات اليابانية إثر رسوها على أرض ضحلة ما شل حركة الملاحة عبر القناة بشكل تام منذ 24 مارس/آذار 2021.

وحسب وصف الكاتب فإن هذه الحادثة "تعتبر حلقة واحدة من مسلسل القناة الدرامي الحزين". 

شيء من الخيال

ويعزو الكاتب تكدس أكثر من 160 سفينة ضخمة على طرفي القناة الشمالي والجنوبي، إلى ضيق القناة وأهميتها للتجارة العالمية في نفس الوقت، فهي تشكل ما نسبته 12 بالمائة من إجمالي حركة الشحن في العالم، كما أنها تعد أقصر رابط مائي يربط آسيا وإفريقيا، مؤكدا أن الخسائر المالية لأصحاب السفن العالقة تتعدى 10 مليارات دولار.

وينقل ماكاريتشيف تصريحات مستشار رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لمشروعات محور السويس والموانئ البحرية والرئيس السابق لهيئة قناة السويس، مهاب مميش، والتي أدلى بها لقناة "فرانس برس" أنه "سيتم استئناف حركة الملاحة عبر القناة خلال 48-72 ساعة، وأنه شخصيا أشرف على عدة عمليات مشابهة ويعرف كل سنتيمتر من القناة جيدا". 

ورغم تلك التصريحات "المبشرة بالخير"، يرى الكاتب بناء على آراء العديد من المختصين في هذا المجال أن مميش يقول "شيئا من الخيال".

وقال ماكاريتشيف: إن "الخبراء يرون أن عملية انتشال ناقلة حاويات بطول 4 ملاعب كرة قدم من منطقة رمل ووحل ضحلة تسببت في إزاحة ما يقدر بـ240 ألف طن من الماء بحاجة إلى شهر تقريبا".

وأضاف أن "مصر تستخدم 8 سفن قطر كبيرة بالإضافة إلى معدات حفر على ضفتي القناة، لكن كل المحاولات لانتشال السفينة الضخمة باءت بالفشل إلى حد الآن، وأن انتشال السفينة بحاجة إلى جهد أكبر بكثير مما يجري حاليا".

وبالتحديد هناك حاجة لاستخراج ما يقارب 15-20 ألف متر مكعب من الرمال من عمق 1.2-1.5 متر على طول طرفي القناة، كي تصبح هناك إمكانية لدفع السفينة من المنطقة الضحلة.

وذكر ماكاريتشيف أن "تاريخ القناة ارتبط بسلسلة من الأحداث المؤلمة، وقد كانت بداية العمل على إنشاء القناة في منتصف القرن الـ19 بحصول الدبلوماسي الفرنسي، فردناند دي ليسبس، على ترخيص إنشاء شركة قناة السويس من قبل نائب الملك المصري آنذاك"،

وفي عام 1859 بدأت أعمال الحفر وكانت أسهم الشركة تباع بشكل شبه حصري للمستثمرين الفرنسيين وخلال الـ10 سنوات التي تلت البدء بحفر القناة لقي الآلاف من أصل مليون ونصف شاركوا في أعمال القناة حتفهم بسبب الأمراض المعدية الكثيرة التي انتشرت بينهم، منها الكوليرا، كما تم استدعاء العديد منهم للمشاركة في الحروب المختلفة آنذاك.

وأشار الكاتب إلى أن "افتتاح القناة رسميا كان في نوفمبر/تشرين الثاني 1869، وقد كانت سفينة إس إس ديدو (SS Dido) أول سفينة تعبر القناة متجهة من الجنوب إلى الشمال".

جدير بالذكر -حسب الكاتب- أن الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت كان قد أوصى علماء بلاده بإجراء دراسة لإنشاء خط مائي يربط البحر الأحمر بالمتوسط، إلا أن العلماء أفادوه باستحالة ذلك؛ نظرا لأن البحرين يقعان جغرافيا على ارتفاعات مختلفة.

ويرى الكاتب أن "افتتاح القناة قد وفر وقتا ثمينا يتجاوز الأسبوع في رحلة كل سفينة متوجهة من الجنوب إلى الشمال، إلا أنها في ذات الوقت أضعفت من هيمنة بريطانيا العظمى على التجارة مع الشرق الأقصى وبدأت حقبة جديدة من الاستعمار الأوروبي للقارة السمراء، هذه الحقبة التي تعتبر واحدة من أكثر الحقب دموية وسوادا عبر التاريخ".

أهمية إستراتيجية

ويكمل ماكاريتشيف استعراضه لتاريخ القناة فيذكر أنه "بعد بضع سنوات من افتتاح القناة تمكنت المملكة المتحدة من إقناع الخديوي إسماعيل في مصر ببيع حصته في القناة والتي شكلت 44 بالمائة من إجمالي الأسهم، وبهذه الخطوة أصبحت المملكة المتحدة أحد أكبر المساهمين في شركة قناة السويس عام 1875.

وبعد ذلك بـ7 سنوات قامت بريطانيا باحتلال مصر التي كانت قانونيا آنذاك جزءا من الإمبراطورية العثمانية.

وفي عام 1888، تم عقد معاهدة تجعل من قناة السويس منطقة محايدة تقع تحت الحماية البريطانية، وفي تلك الحقبة وعلى امتداد 70 عاما بعدها، أصبحت مصر مستعمرة بريطانية ولعل هذه الفترة "كانت من أطول الفترات في التاريخ المصري اضطرابا".

أما خلال الحربين العالميتين فقد كانت لقناة السويس أهمية إستراتيجية كبيرة تشهد عليه محاولات العثمانيين السيطرة على القناة وصدهم عنها من قبل القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى، أما في الثانية فقد جعل النازيون وحكومة إيطاليا النازية من القناة مركزا لحملتهم في شمال إفريقي، لكن عام 1954 رحل البريطانيون عن مصر، وفق الكاتب.

وقال ماكاريتشيف: إنه "في العام 1956، قام الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس مانعا السفن الإسرائيلية من عبور القناة ما أدى إلى أزمة السويس، حيث تحالفت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا بهدف استعادة السيطرة على الممر المائي".

وأضاف أن "الاتفاق كان بأن تقوم القوات الإسرائيلية بدعم من الحليفتين الأوربيتين بالهجوم على منطقة السويس، وقد وعد الحليفان الأوروبيان الصهاينة بإيجاد غطاء قانوني للحملة كحجة استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط".

خطة الثلاثي تم إحباطها بمبادرة الدبلوماسي الكندي ليستر بيرسون والذي اقترح بديلا للعدوان على مصر، بفكرة إنشاء أول قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لضمان الأمن في تلك المنطقة وقد صوتت واشنطن لصالح هذا الاقتراح ووافقت عليه كل من باريس ولندن وقد تم افتتاح القناة مجددا بواسطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عام 1957. 

وأشار الكاتب إلى أنه "بعد 10 سنوات من افتتاح القناة من قبل قوات حفظ السلام الأممية أقدمت إسرائيل على احتلال شبه جزيرة سيناء بما في ذلك الساحل الشرقي لقناة السويس، ونتيجة لذلك فرضت مصر حظرا شاملا على حركة كل السفن في القناة واستمرت القناة مقفلة حتى عام 1975".

وفي 1979، تم عقد اتفاق بين مصر وإسرائيل و الولايات المتحدة ودول أخرى يقضي باستبدال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بقوات متعددة الجنسيات ومراقبين دوليين، ومنذ ذلك الحين لم تقفل قناة السويس أمام حركة النقل المائي، غير أن حوادث تحطم سفن متكررة أدت إلى إغلاقها عدة مرات.

واستدرك الكاتب قائلا: إن "تاريخ قناة السويس لا يسجل حادثة تسببت بهكذا خسائر مادية فادحة كما تسببت به سفينة (إيفر غيفن) أو أثرت على أسعار النفط في السوق العالمية كما يجري حاليا".