منحى مختلف.. هذه منافع "معاهدة الأخوة" بين تركيا وروسيا بعد 100 عام
نشرت وكالة "الأناضول" التركية مقالا أوضحت فيه أن "معاهدة كيتشوك كاينارجي (عام 1774) لعبت دورا رئيسا في علاقات الدولة العثمانية مع روسيا في وقت كانت فيه الإمبراطورية في ركود وانحدار، وبدأت العلاقات التركية الروسية التي يمتد تاريخها إلى القرن الـ15، تأخذ منحى مختلفا منذ هذه المعاهدة".
وأوضحت الوكالة الرسمية في مقال للكاتبة يلديز ديفيجي بوزكوش، أن "هذه المعاهدة بدأت روسيا بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة من خلال مجموعات عرقية ودينية مختلفة تعيش في الإمبراطورية العثمانية، مما أثر بشكل كبير على العلاقات العثمانية الروسية ومسار العلاقات التركية الروسية حتى اليوم بما يتعلق بالقوقاز".
بداية العلاقات
واستطردت بوزكوش: "من ناحية أخرى كانت معاهدة كيتشوك كاينارجي معاهدة لها تأثير سلبي أيضا على الدولة العثمانية، فالامتيازات الممنوحة للروس في قضايا مثل السماح لهم بتقمص دور الحامي عن المجموعات العرقية المختلفة وخاصة الأرثوذكس، ونهاية الهيمنة التركية على البحر الأسود، كان لها تأثير سلبي خطير على الإمبراطورية خلال هذا القرن".
وتابعت: "كما أصبح من الممكن لروسيا أن يكون لها سفير دائم في إسطنبول، وقبل العثمانيون استقلال شبه جزيرة القرم، لذلك فإذا نظرنا إلى مرحلة انتقال الدولة العثمانية إلى تركيا الحديثة، فسنرى أن الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة التركية آنذاك كان لها دور مهم في تشكيل تركيا الحالية ورسم حدودها، على عكس سابقاتها".
فقد وقعت تركيا معاهدة "غومرو" مع أرمينيا عام 1920، ووقعت اتفاق التضامن مع أفغانستان في عام 1921، ووقعت "معاهدة الأخوة" المعروفة بـ"معاهدة موسكو" مع روسيا السوفيتية عام 1921 والتي تملك أهمية خاصة، بحسب الكاتبة التركية.
وأردفت: "وتظهر أهمية هذه الاتفاقيات عند النظر إلى توقيتها، ونطاقها، وتأثيراتها، ومحتواها، فكما هو معروف، حدثت بعض التطورات المهمة في العلاقات مع روسيا السوفيتية بعد معركة إينونو الأولى".
وأضافت "وقد بدأت التطورات بالمراسلات بين مصطفى كمال باشا (أتاتورك) وفلاديمير لينين في ربيع 1920، واستمرت باقتراح مصطفى كمال للزعيم السوفيتي للتعاون العسكري والسياسي ضد القوى الإمبريالية".
وشرحت بوزكوش ذلك بالقول: "ففي بيئة كانت فيها دول الحلفاء تحاول تدمير تركيا، فضل السوفييت البقاء كمراقبين تجاه الحركة التي بدأها أتاتورك في الأناضول، رغم أن الحركة القومية الديمقراطية في تركيا لم يكن لها أي اهتمام بالاشتراكية آنذاك، إلا أن حقيقة استهداف الغرب وأوروبا لتركيا وروسيا كان له تأثير على تشكل مسار إيجابي في علاقات البلدين".
وعقد وزير الخارجية التركي في ذلك الوقت، بكر سامي بك، رفقة الوفد الذي رافقه، بعض الاجتماعات بموسكو في 11 مايو/أيار 1920، وعقب هذه الاجتماعات أعلن الاتحاد السوفييتي قبوله للميثاق الوطني، وتم تعيين علي فؤاد جيبيصوي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1920، كأول سفير لتركيا في موسكو، وفقا للكاتبة.
وأضافت: "في 16 مارس/آذار 1921، وقعت تركيا وروسيا معاهدة دبلوماسية سجلها التاريخ، وقد كانت للحقيقة أن الروس اعتبروا حرب الاستقلال التركية والحركة الجديدة بقيادة أتاتورك شبيهة بثورتهم وقيموها انعكاسا لانتشار الثورة في العالم الإسلامي".
واستدركت قائلة: "هناك قضية أخرى كانت مؤثرة في تقارب البلدين، وهي رغبة روسيا في منع إعاقة البلشفية التي بدأت في التحول إلى الشرق من قبل المجتمعات المسلمة والحصول على دعم تركيا في هذه المرحلة بهذه المعاهدة، وتعتبر الحدود الحالية مع روسيا (مع بقاء باتومي في السوفييت) نتيجة لتوقيع هذه المعاهدة".
وعند النظر إلى هذه المعاهدة في الذكرى المئوية لعقدها من منظور ظروف الفترة، يمكن القول إن المساعدات قد برزت فيما يتعلق بالعلاقات مع السوفييت، فكما هو معروف، كانت الموارد الخارجية مهمة تماما مثل الموارد الداخلية في كسب المعركة الوطنية، تقول الكاتبة.
وتابعت: "من المعروف أن المبلغ الإجمالي للمساعدات، بلغ 11 مليون روبل ذهبي في الفترة ما بين عامي 1921 و1922. لهذا، استمرت العلاقات مع الاتحاد السوفييتي خلال المعركة الوطنية في بيئة إيجابية، ويمكن القول إن مبدأ أتاتورك (صلح في الوطن، صلح في العالم) في السياسة الخارجية له تأثير كبير على السياسات المتبعة في هذه المرحلة".
أهمية المعاهدة
وترى بوزكوش أن التطورات التي تشهدها المنطقة حاليا أظهرت أهمية المعاهدة التي لم تفقد قيمتها وأهميتها وصلاحيتها حتى بعد عقود عديدة، بل حتى وازدادت أهميتها من حيث العلاقات بين تركيا والقوقاز وضمانها للحدود الشمالية الشرقية لتركيا إلى جانب أهميتها الإستراتيجية في علاقات تركيا اليوم مع الدول المستقلة في جنوب القوقاز مثل أذربيجان وأرمينيا وجورجيا.
وتختلف معاهدة موسكو ومعاهدة كارس الموقعة بعدها عن معاهدتي سيفر وغومرو السابقتين، فالأخيرتان اللتان تم توقيعهما بين تركيا وأرمينيا وتضمنت مكاسب كبيرة لصالح الأرمن غير صالحتين قانونيا في الوقت الحالي.
أما كون معاهدتا موسكو وكارس ساريتين قانونيا في عامهما المائة فيحمل أهمية كبيرة من الناحية القانونية، حيث إن معاهدة موسكو الموقعة قبل 100 عام، لا تزال تتميز بكونها الوثيقة القانونية الأكثر وضوحا ودقة فيما يتعلق بالحدود بين تركيا وأرمينيا، بحسب الكاتبة.
وأوضحت قائلة: "وقد كان لتوقيع هذه المعاهدة دور كبير في اعتبار الدول الغربية لتركيا والاتحاد السوفييتي تهديدا عليها، فقد باتت الحدود الشمالية الشرقية لتركيا واضحة بالمادة الأولى من المعاهدة".
وأردفت: "وتكون روسيا بموجب هذه المادة قد رفضت معاهدة سيفر التي تم فرضها على تركيا واعتمدت حدود الميثاق الوطني الجديد لتركيا. ومع ذلك، كان على أنقرة تقديم بعض التنازلات بموجب هذه المادة، وتخلت عن باتومي ذات الأهمية الإستراتيجية، لجورجيا".
وأضافت: "يمكن اعتبار هذه المسألة معقولة بالنظر إلى ظروف الفترة، وعلى الناحية الأخرى تعتبر هذه المادة مهمة أيضا لأنها تحدد الحدود التركية السوفيتية الحالية. أما المادة الثانية فتتعلق بمنطقة باتومي وتتكون من بندين".
فوفقا للبند الأول، سيتمتع السكان المحليون بالاستقلالية في سن القوانين المتعلقة بالأراضي الزراعية وحماية حقوقهم الثقافية والدينية.
فيما يتعلق البند الثاني بالتخلي عن ميناء باتومي لجورجيا في أطر معينة، بشرط السماح لتركيا باستخدامها، ويعتبر تنازل تركيا عن حقوقها في باتومي بمثابة التنازل الوحيد في معاهدة موسكو، وفقا للكاتبة التركية.
وتنوه قائلة: "ومن القضايا المهمة الأخرى التي ظهرت مع هذه المعاهدة سياسة روسيا والتي وافقت على أن تكون ناخجوان منطقة حكم ذاتي تحت حماية أذربيجان بموجب المادة الثالثة، رغم أنها كانت دائما تتبع سياسة موالية للأرمن قبل ذلك".
فيما ورد في المادة الرابعة من المعاهدة أن التقارب البارز بين الأطراف يمثل موقفا مشتركا ضد الإمبريالية وليس تقاربا أيديولوجيا، أما في المادة الخامسة، فقد تم تضمين قضية البحر الأسود والمضيق.
وتم الاتفاق على التوصل لقرار بعد مناقشة القضية في مؤتمر بمحضر الدول الأخرى المطلة على البحر الأسود، على نحو لا يضر بحقوق تركيا السيادية والأمنية. وفيما يتعلق بالمادة السادسة فقد تم الاتفاق على أن الاتفاقيات الموقعة قبلا ستفقد صلاحيتها وأنه لن يكون على تركيا أي التزامات مادية، تقول الكاتبة.
لها قوة
ووفقا لبوزكوش تتضمن المواد الأخرى من المعاهدة لوائح مختلفة تتعلق بالعلاقات بين تركيا وروسيا، فبينما تقبل المادة السابعة إلغاء الامتيازات، فقد تم الإقرار في المادة الثامنة بأن كلا البلدين لن يدعم المنظمات والجماعات التي تنفذ نشاطات مضرة.
وتتناول المادة التاسعة مسألة استمرار العلاقات بين البلدين واستمرار التواصل والمواصلات، فيما تتناول المادة العاشرة حقوق الأسرة والميراث بين الطرفين.
وتتابع: "بينما تناولت المادة الحادية عشرة الممارسات لتكون الدولتان من أكثر الدول المعتبرة من حيث جنسياتهم، تضمنت المادة الثانية عشرة حرية تنقل الأشخاص من الدولتين وإمكانية حمل بضائعهم وسلعهم وأموالهم معهم.. فيما تم تخصيص المادة الثالثة عشرة لموضوع تبادل الأسرى والسجناء المدنيين بين الطرفين".
أما في المادة الرابعة عشرة فقد تم اتخاذ القرار بإقامة العلاقات القنصلية بين الطرفين بأقرب وقت، فيما تعهدت روسيا بموجب المادة الخامسة عشرة بالقيام بالمبادرات اللازمة للتأكيد على تنفيذ المعاهدات التي سيتم توقيعها بين تركيا وجمهوريات جنوب القوقاز.
وأخيرا نصت المادة 16 على المصادقة على نصوص المعاهدة، وتبادل الوثائق ذات الصلة بين الأطراف في مدينة كارس التركية.
وختمت بوزكوش مقالها قائلة: "بالنظر إلى كل هذا، تعد معاهدة موسكو مهمة من حيث الدبلوماسية، والتضامن، والتعاون، والأخوة، فقد كان توقيع مثل هذه الاتفاقية خلال حرب الاستقلال مهما من حيث إظهار موقف مشترك ضد الإمبريالية في وقت كان فيه البريطانيون والفرنسيون منزعجين من التقارب التركي السوفييتي".
كما يمكن القول إن هذه الخطوة التي تم اتخاذها قبل مائة عام، كانت لها قوة ودور حاسمين في مسار العلاقات حتى اليوم.
من ناحية أخرى، فإن الأخبار التي تفيد بأن اتفاقيتي "سيفر" و"غومرو" لا تزال سارية في الذكرى المئوية لعقدها، تسبب توترا بين البلدين، لكن معاهدة "سيفر" وثيقة ولدت ميتة باعتبارها معاهدة لم تقبلها حكومة أنقرة آنذاك.
أما "غومرو" فهي معاهدة لم يتم الموافقة عليها من قبل الأطراف المعنية بسبب الغزو السوفييتي لجنوب القوقاز، لكن وفي الذكرى المئوية لمعاهدة موسكو الموقعة بين روسيا وتركيا، نرى أنها ما زالت تحافظ على صلاحيتها بين الطرفين كوثيقة دولية لها أهمية إقليمية وعالمية.