"الحركة الخضراء".. لماذا أقر نجاد بجلب طهران بلطجية لقمع الاحتجاجات؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في سابقة هي الأولى من نوعها، اعترف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد باستخدام حكومة طهران للبلطجية والمشاغبين في قمع احتجاجات 2009 بشكل عنيف، ما أثار جدلا واسعا، كونها من شخص كان على رأس السلطة وينتمي للتيار المتشدد.

تصريحات نجاد المثيرة للجدل، أثارت تساؤلات عن كيفية استخدام الأجهزة الأمنية في إيران للبلطجية، وما الهدف من تصريحات نجاد في الوقت الحالي، ولماذا لم يتعرض نجاد للمساءلة بعد كشف مثل هذه المعلومات، لاسيما أنها تدين النظام الحاكم؟

تسليح وتنظيم

في 14 مارس/ آذار 2021، قال نجاد خلال مقطع مصور تناقلته مواقع إيرانية إن "عمليات حرق البنوك والممتلكات العامة خلال احتجاجات 2009، التي قادتها المعارضة الإصلاحية ضد النظام، كانت من عمل العصابات الأمنية"، مؤكدا أن "السلطات الحاكمة استخدمت البلطجية لتنفيذ هذه المهام".

وأفاد نجاد الذي حكم إيران لولايتين متعاقبتين امتدت من 2005 وحتى 2013، بأن "الحكومة قامت بتنظيم البلطجية والمشاغبين من أجل الاستفادة منهم لتنفيذ عمليات حرق الممتلكات العامة".

ولفت إلى أن "هذه العصابات تستخدم لقمع الاحتجاجات ضد حقوق الشعب، وأن هؤلاء الأشخاص يتم تسليحهم من الحكومة ويوفرون أسس قمع أمني عنيف ضد المتظاهرين من خلال القيام بأعمال شغب خلال الاحتجاجات الشعبية".

وأضاف الرئيس الإيراني السابق: "في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2009، قمنا بشكل جدي وعلني بمواجهة الدور المنظم لعمل هذه العصابات الأمنية، وقمت بنفسي بمراقبة أداء هذه العصابات".

تصريحات نجاد كانت اعترافا لأول مرة يصدر من شخص الرئيس الذي كان يحكم في تلك المرحلة، لكن سبقه بها حسين همداني قائد قوات الحرس الثوري في طهران قبل مقتله في مدينة حلب السورية عام 2015.

وفي آخر مقابلة صحفية مع همداني عام 2015، قال: "فعلنا شيئا في العمل الاستخباراتي أحدث ضجة في طهران، حددنا وسيطرنا على 5 آلاف شخص كانوا حاضرين خلال أعمال الشغب، لكنهم لم يكونوا أعضاء في الأحزاب والحركات السياسية، بل كانوا من الأوغاد والبلطجية".

وأضاف: "في اليوم الذي تصدر فيه دعوة للمظاهرات، تجري السيطرة عليهم ولا يسمح لهم بمغادرة المنزل، ثم جعلتهم أعضاء في 3 كتائب. وأظهرت هذه الكتائب الثلاث أنه إذا أردنا تربية مجاهدين، يجب علينا تجنيد هؤلاء الذين يتعاملون مع السكاكين والهراوات".

وبدأت احتجاجات عام 2009 المعروفة باسم "الحركة الخضراء"، بعد اتهام المعارضة الإصلاحية النظام بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ضد منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي، الذي يخضع للإقامة الجبرية في منزله بطهران، منذ فبراير/شباط 2011.

احتجاجات 2009 استمرت لأشهر عدة، واتهم النظام الحاكم في إيران بقتل العشرات من المدنيين، واعتقال وسجن الآلاف، من بينهم ناشطون وصحفيون خلال الاحتجاجات.

دوافع انتخابية

محللون وناشطون إيرانيون تباينت تحليلاتهم بخصوص الهدف من تصريحات نجاد، لكن معظمهم أجمعوا على أن ما أدلى به الرئيس السابق يأتي في سياق الصراع الانتخابي المرتقب في 2021.

الباحث في مركز الدراسات الإيرانية بأنقرة (إيرام) محمود عبد المجيد قال إن "فائدة الانتخابات الإيرانية تكمن في أنها تشكل فرصة للتعرف على بعض الحقائق والأسرار التي تبقى حبيسة في صدور المسؤولين، لا يفصحون عنها سوى في سياق صراعهم على السلطة لتوجيه لكمة للخصوم وكسب بعض النقاط".

وأضاف عبد المجيد خلال تغريدة على "تويتر" 14 مارس/ آذار 2021: "اليوم بدأ أول الغيث مع أحمدي نجاد. لا يستبعد إلغاء المناظرات الانتخابية على الشاشات".

من جهتها، رأت فاطمة الصمادي الباحثة المختصة بالشأن الإيراني في "مركز الجزيرة للدراسات" خلال تغريدة على "تويتر" أن أحمدي نجاد يصعد في لهجة معارضته ويتهم الأجهزة الأمنية بأنها أطلقت يد "الأراذل الأوباش" (البلطجية) في 2009، وسلحتهم لتتمكن من قمع الاحتجاجات التي انطلقت بعد إعادة انتخابه. أتذكر تصريحا لمحمد خاتمي في أوج صعود أحمدي نجاد، حيث قال: "سيأتي يوم يكون فيه معضلة بالنسبة للنظام".

وعلى صعيد الداخل الإيراني، رفض البعض تصريحات نجاد عبر تغريدات على "تويتر" في 14 مارس/آذار 2021، مطالبين بعدم السماح له بالترشح للانتخابات.

وحيد بهروزي قال: "لا أعرف ما إذا كان الجميع قد تابع تصريحات نجاد في الأشهر الماضية، إلا أن الأكيد أنه تمكن من جذب العديد من الناس، لكن كيف يمكن له أن يتنصل من أحداث عام 2009، ونحن نعرف أنه السبب في كل ما حصل".

وطالبت الإيرانية بوريا جعفري بعدم إعطاء نجاد صلاحية الترشح للانتخابات المقبلة، واصفة إياه بـ"الخطير جدا على هذه البلاد، لذا يجب على الجميع ألا ينخدع به ولا بالصورة الوردية التي يحاول إظهارها".

ورأت الناشطة نجمة مشايخي أن "نجاد تحول إلى ممثل في سيرك من أجل استعادة السلطة، ولا أعلم كيف يمكن أن يصل إنسان إلى هذه المرحلة، ولماذا بات يقوم بلعب دور كشف أسرار الدولة من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية".

وكتب حميد رضا محمدي، قائلا: "ما حصل في المقابلة الأخيرة هي سياسة نجاد القديمة، وهو دائما ما كان يحاول كشف ركائز السلطة ومهاجمتها من رفسنجاني إلى مهدي كروبي إلى علي لاريجاني، ويظن أنه بفعلته هذه يمكنه جذب الناس، لكن سيد أحمد نجاد: اهتمامات الناس في مكان آخر".

ويرى مراقبون أيضا، أن تصريحات نجاد هي محاولة من السلطات لخلق صوت معارض من داخل النظام، عن طريق انتقاد مرحلة ما زالت حاضرة في ذاكرة الإيرانيين، وإظهار نجاد بصورة مغايرة عما كان عليه من كونه أحد أبرز المتشددين في النظام.

"فرق الأحياء"

وفي 15 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت الشرطة عن مبادرة أطلقت عليها اسم" فرق الأحياء" تضم عناصر من البلطجية والسفاحين، وتم تنفيذ الخطة لأول مرة في الشهر ذاته، في منطقة "طهران بارس" شمال شرقي العاصمة طهران.

وحول هذا الموضوع نشر موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض في سبتمبر/ أيلول 2020 تقريرا نشر تصريحات عن نائب رئيس الشرطة قاسم رضائي، قال فيها إن "فرق الأحياء" شكلتها قوات إنفاذ القانون، مشيرا إلى أن الهدف من هذه المبادرة هو بث "الخوف والرعب في قلوب الناس الذين يقوضون الأمن والسلام في المجتمع".

من جهته، قال المحلل الإيراني، مراد فايسي، في 19 سبتمبر/ أيلول 2020: "خلال الاحتجاجات التي عمت البلاد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، لم تتمكن قوات الأمن من السيطرة على الوضع في بعض المواقع ووجدت صعوبة كبيرة في نقل الوحدات من مدينة إلى أخرى".

وأشار فايسي إلى أن "قوات النظام الإيراني لم تتمكن من قمع المعارضة فاضطر إلى نشر الجيش التقليدي لأول مرة لحماية المؤسسات الرئيسة، وإطلاق مليشيات الحرس الثوري الإيراني لتنفيذ أكثر حملات القمع دموية في تاريخ إيران"، لافتا إلى أن النظام والحرس الثوري الإيراني يخطط لإغلاق الثغرة الأمنية من خلال تشكيل "فرق بالأحياء".

وحسب المحلل الإيراني، فإن هذه الخطة كان هدفها سحق النواة الأولية للاحتجاجات في كل مكان، لا سيما في طهران، ومنع انتشار المظاهرات، وبالتالي منع اندلاع انتفاضة في جميع أنحاء البلاد.

مشيرا إلى أن "هذه المبادرة تساعد مليشيا الحرس الثوري الإيراني على تجنب إرسال قوات من محافظة إلى أخرى، في وقت تنتشر به الاضطرابات على نطاق واسع".

وأوضح فايسي في حينها أن بعض قادة الحرس الثوري أقروا بأنهم استخدموا في الماضي هؤلاء "البلطجية والسفاحين" لقمع الاحتجاجات في الشوارع، وهذا يعني أنه يمكن أيضا استخدام المبادرة لتجنيد وتنظيم هؤلاء "البلطجية والأشرار" لقمع الانتفاضات المستقبلية.

جذور البلطجية

في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، نشر الباحث السعودي محمد السلمي رئيس "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" مقالا بصحيفة "الوطن" السعودية قال فيها إن أبرز أدوات النظام الإيراني لتحقيق أهدافه ووأد أي اعتراضات اعتماده على ما يعرف في الداخل الإيراني باسم "الأراذل والأوباش" أو ما يمكن أن نسميه "البلطجية".

وأضاف: "تاريخيا، تعود جذور البلطجية إلى مرحلة تأسيس الدولة الصفوية (1501-1750)، حيث بدأت ظاهرة (البلطجة) بالظهور، ومن أمثلة ذلك ما قام به إسماعيل الصفوي من تجييش لبعض البلطجية الطائفيين المعروفين آنذاك باسم (التبرائيين) ضد السنة".

وأشار السلمي إلى أن "هذه الظاهرة برزت جليا في إيران بعد ثورة 1979. وصدر في إيران كتاب بعنوان (سيرة الفتوة)، حيث يتطرق لقصص الفتوات والبلطجية المشهورين في إيران، لكن العجيب في الأمر أن هذا الكتاب عمل على تلميع هذه الفئة وتقديمها كرموز للمروءة والشهامة وحسن الخلق".

وذكر الكاتب أن سياسيين إيرانيين من بينهم مهدي كروبي، أحد رموز "الحركة الخضراء"، حذروا من أن النظام يلجأ إلى القوى المخربة من البلطجية، ومؤكدا على أن النظام الحالي يستخدم الأوباش والبلطجية للهجوم على منازل العلماء المراجع، والمنتقدين الدينيين والسياسيين، والسفارات، والمراكز العلمية والفنية، تحت شعار حماية الثورة ومبادئها.

وحسب السلمي، فإن "المتابع لظاهرة البلطجة في إيران يدرك أنها تضاعفت بشكل هستيري في الآونة الأخيرة في مدن كثيرة، وبخاصة مدن الأقليات العرقية".

ومن الواضح أن المسؤولين الإيرانيين يلجؤون للبلطجية عند حاجتهم في القيام بالأعمال التي لا يرغبون في إقحام أنفسهم من خلالها بشكل مباشر، ومن أمثلة ذلك قيام الحكومة الإيرانية بإقحام مجموعة من البلطجية في الجامعات من أجل قمع الاحتجاجات الطلابية والأشخاص المعارضين والمنتقدين للنظام، وقد جرى استخدام هؤلاء البلطجية في أحداث جامعة طهران وتبريز في عام 1999، وفق السلمي.

وتابع: "إذا ما عدنا إلى الصور والمقاطع المصورة التي تم التقاطها خلال قمع المعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 نجد أن أعمال القمع تمت في الغالب على يد أشخاص يرتدون ملابس مدنية.

مضيفا: "وهؤلاء يتشكلون من قوات الباسيج (التعبئة) والبلطجية. وقد شاهد الجميع عمليات دهس الشباب في شوارع طهران وغيرها، وإلقاء آخرين من أعلى الجسور، وكذلك استخدامهم للقبضات الحديدية والعصي والهراوات".