بتجميد عضويته في "المصباح".. هل يعود بنكيران مرة أخرى للساحة السياسية؟

12

طباعة

مشاركة

زوبعة شديدة تدور رحاها داخل أسوار حزب العدالة والتنمية المغربي، منذ تجميد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران عضويته فيه عقب مصادقة الحكومة، التي يقود الحزب ائتلافها، على مشروع لجعل استخدام القنب الهندي "قانونيا"، في 11 مارس/آذار 2021.

القرار سبقه تهديد بنكيران بتجميد عضويته من "العدالة والتنمية" (شعاره المصباح)، إذا صادق وزراء الحزب على المشروع، وبالانسحاب بشكل نهائي من التنظيم ذو المرجعية الإسلامية إذا وافق برلمانيو الحزب على المشروع (لم يعرض بعد على مجلس النواب).

ومع القرار، يتحدث متابعون أن هذا التجميد "مناورة" من "الوحش السياسي" للعودة إلى المشهد وانتشال الحزب من الضربات التي تلقاها خلال الفترة الأخيرة، فيما تنبأ آخرون  بإمكانية تأسيس حزب جديد. ولم يكشف بنكيران عن سبب رفضه القانون لكن مراقبين مغاربة يرجعون الأمر إلى أسباب دينية.

محطات قاسية

وفي السياق، قال الباحث في العلوم السياسية أمين الإدريسي: "قرار بنكيران الأخير، يعتبر أكبر محطة اضطراب يعيشها حزب العدالة والتنمية في تاريخه، حتى مع أزمة 2017 بإعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة استطاع الحزب رغم كل الخلافات أن يلتئم من جديد دون انشقاقات".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أنه "حتى مع الخلافات وضجة الولاية الثالثة لبنكيران عام 2017، تم الاحتكام إلى المجلس الوطني باعتباره برلمانا للحزب الذي رفض إجراء تعديلات داخلية تسمح للرجل بولاية جديدة، ليصوت الأعضاء في المؤتمر على رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أمينا عاما للحزب".  

وأشار الإدريسي إلى أنه "رغم هذه المراحل الصعبة والمحطات القاسية نجح العدالة والتنمية في اجتيازها، لكن مع تجميد بنكيران عضويته بالحزب، فهذا القرار سيكون له ما بعده، ومن المحتمل أن يغادر الرجل الحزب إذا صوت برلمانيو المصباح على مشروع قانون القنب الهندي".

واعتبر أن "هذا يعكس أن بنكيران يعبر عن خلاف عميق مع القيادة الحالية للحزب، ويقول إن مجال التوافق معها لم يعد ممكنا، على الأقل إلى حدود المؤتمر الذي سينعقد بعد الانتخابات التشريعية المقبلة (مقررة نهاية العام 2021 دون تاريخ محدد). لهذا يريد أن يضع مسافة كبيرة بينه وبين القيادة الحالية".

وقال الإدريسي: إن "بنكيران المرجح أنه لن يتجه إلى تشكيل حزب جديد، وحتى إن كان كما يسمى وحشا سياسيا، لكن لظروف عمره (67 عاما)، وأيضا للظروف الراهنة في الساحة، فليس هناك زخم حقيقي لإمكانية تأسيس حزب، كون السياق الحالي غير مناسب لبنكيران من أجل بدء هذه المغامرة".

وأكد أن "الاحتمالان الواردان، إما أنه سيستقيل من الحزب، أو أن يتم إعادة انتخابه أمينا عاما لولاية أخرى إن كانت هناك رجة لصالحه في هذا الاتجاه وتم استدعائه مرة ثانية من طرف القواعد لقيادة المصباح، نظرا لأن علاقته منقطعة مع القيادة الجديدة، وهو لحد الآن لم يغادر الحزب والأشهر القليلة المقبلة ستحدد مصيره السياسي".

فيما يؤكد مراقبون أن "بنكيران لا يستسيغ أن يحال على التقاعد المبكر، لذا يحرص في كل مناسبة تسنح على توجيه رسالة للجهات النافذة في الدولة المغربية بأنه لا يزال له مكانته في الساحة السياسية".

ويرى متابعون للشأن السياسي في المغرب أنه "من الوارد جدا أن يقود بنكيران جبهة معارضة داخل حزبه، وتلك الخطوة قد تقوده إلى العودة لرئاسة الحزب مجددا".

مرحلة الاختناق

من جانبه، ذهب أستاذ العلوم السياسية بجامعة تازة، إسماعيل حمودي إلى أن "الجهات (لم يوضحها) التي راهنت على إبعاد بنكيران وقتله سياسيا من خلال قرار الإعفاء (من تشكيل الحكومة عام 2016) والمعاش الاستثنائي (مقدم من الملك محمد السادس) ثم التحكم في حركيته، بحيث لا يزور ولا يزار (في بيته)، أفشلها بنكيران في بلاغه الأخير"، في إشارة إلى قرار تجميد عضويته.

وتوقع المحلل السياسي في تصريح لموقع "اليوم 24" (خاص) أن يشهد حزب العدالة والتنمية ومعه المشهد السياسي برمته دينامية جديدة في المرحلة المقبلة "سيكون بنكيران أحد أطرافها الرئيسة"، بحسب رأيه.

من جانبه، قال حسن حمورو، رئيس اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية (برلمان شباب الحزب): "حزبنا لم يفكك المشهد بما يكفي من الذكاء، ولم يحسن توظيف ما اجتمع لديه من معطيات، لأنه ابتعد عن منهجه الأصيل".

وأضاف أن "الحزب انخرط أيضا في مسار تدمير الذات، أو ما سماه الأستاذ بنكيران، الموت المبرمج، عن طواعية من خلال قبوله بشروط السلطوية لتشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2016، ومن خلال تدبير شؤون الحزب وفق ما أملته هذه الشروط".

واعتبر حمورو أن "مسار تدمير الذات تواصل بالانخراط تحت وطأة الضغط والمد السلطوي بتغيير الخطاب السياسي للحزب، بتواري قاموس ومواقف مواجهة الفساد والاستبداد والإصلاح، لفائدة قاموس ومواقف التدبير الحكومي والإنجاز والأرقام، وبالتالي هناك تعبير عن الاستعداد لقبول كل ما تأتي به السلطوية، بل والاستعداد لتبريره، بعيدا عن مواقف المؤسسات ذات الاختصاص وخاصة المجلس الوطني".

ولفت إلى أن "العدالة والتنمية يعيش اليوم نتائج طبيعية لاختيارات الأمانة العامة منذ بداية هذا المسار، والراصد للحياة السياسية، يسجل أن خصوم الحزب لم يتغيروا ولم يغيروا إستراتيجيتهم، بل الذي تغير هو مواقف الحزب وخطابه، إلى أن وصل إلى مرحلة الاختناق".

وختم حمورو في تدوينة نشرها عبر "فيسبوك" بالقول: "في تقديري أن الأمانة العامة للحزب، وبالنظر الى تصاعد الغضب الداخلي المعبر عنه باستقالات أسماء وازنة في التنظيم وفي القيادة، فقدت مشروعيتها وليس أمامها إلا الدعوة إلى مؤتمر استثنائي يحدد تاريخه مراعاة لأجندة الانتخابات (أواخر 2021)، وذلك لإرجاع الأمانة إلى صاحبها وهو المؤتمر".

قوة ضاربة

كسر العثماني صمته في 13 مارس/آذار 2021 أمام هذه النيران المتصاعدة، وبعد صمته ومطالبة أعضاء حزبه بـ"عدم التعليق" على تجميد  بنكيران عضويته بالحزب لـ"مدارسة القرار من أجل اتخاذ المبادرات المناسبة وبالشكل المناسب الذي يساهم في استيعاب النقاش، ويعزز سبل التفهم والتفاهم، سعيا لتوجيه جهود الحزب لما فيه مصلحة الوطن والحزب".

وقال العثماني إن تجميد بنكيران لعضويته "آلمنا كثيرا، لأنه كان أمينا عاما سابقا للحزب، ورئيس حكومة سابقا، ورأيه يحترم، وهذا لا ينقص من قيمة الشخص في ردود فعله"، مضيفا أن "جميع أعضاء الحزب مطلوب منهم أن يكونوا جزءا من الحل، لا جزءا من المشكلة، بما يسهم بطريقة إيجابية في حل كل الإشكالات التي تعترض الحزب".

وأكد أمين عام العدالة والتنمية، في لقاء عقده مع أعضاء حزبه بمدينة قلعة السراغنة (وسط)، أن "حزبه قوي، وحي، وغني بالمقاربات المختلفة، وهذا يستدعي احترام كل الآراء، وعدم فرض الرأي الواحد على الآخرين"، في إشارة إلى رفضه مواقف بنكيران، ما يعني احترام الاختلاف، وحل الخلافات داخل المؤسسات المسيرة للحزب، بعيدا عن لغة الاتهامات، كي يظل "المصباح" متراصا قويا.

فيما اعتبر عبد الرحيم العلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن "ما يقوم به اليوم بنكيران في حد ذاته إضعاف للحزب وهو الأخطر، ويمكن أن يصيب في مقتل، باعتباره القوة الضاربة للعدالة والتنمية في قدرته التواصلية، وهو شخصية تواصلية ومؤثرة في صفوف العديد من الناس ولديه محبون ومعجبون".

وشدد العلام في حديث لصحيفة "أخبار اليوم" (مستقلة) على أن بنكيران "كائن وشخصية لا يمكن أن تتوارى عن الأنظار والأبواب المغلقة في وجهه في الحزب، يمكن أن يعود إلى قيادة حركة التوحيد والإصلاح (دعوية)".

وأبرز أن "بنكيران إذا مضى في تهديده وغادر الحزب يمكن أن يعلن انسحابه من السياسة ويعود إلى الحاضنة الاجتماعية والثقافية، ويشتغل ليؤسس لحزب جديد، لأنه برز في الكثير من الجنائز، يتقن الوعظ والإرشاد وكلمات التأبين، ولم يهدد بشيء تجاه الحركة".

وختم العلام تحليله بالقول: "من الوارد جدا أن أول مؤتمر لحركة التوحيد والإصلاح، يمكن أن يعيد بنكيران لرئاستها، ويمكن أن يؤسسوا حزبا بديلا عن المصباح، وحتى الذين تنبؤوا بنهاية بنكيران سياسيا عقب الإعفاء (عام 2017) كانوا مخطئين، لأن هذا النوع من الشخصيات ليس له طموح مادي مائة بالمائة، ويحب أن يكون حاضرا في الساحة السياسية".