مسار الدوحة بشأن سوريا.. ما الذي يميزه عن مباحثات أستانا وجنيف؟

مصعب المجبل | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن مفاجئا الإعلان عن مسار جديد للحل في سوريا، من قبل الدول الفاعلة في الملف، بقدر ما كان التساؤل حاضرا حول مدى قدرته، على دفع العملية السياسية للأمام، وتطبيق القرار 2254، المحدد لخارطة الحل السياسي في البلاد.

وفي اجتماع عقده وزراء خارجية كل من قطر وتركيا وروسيا، بشأن سوريا، بالعاصمة القطرية الدوحة في 11 مارس/آذار 2021، أعلنوا إطلاق مسار جديد بشأن سوريا يجمع الدول الثلاث.

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مشترك، بدء "عملية تشاورية جديدة" في الشأن السوري، تجمع أنقرة والدوحة وموسكو، على أن يعقد الاجتماع القادم في تركيا.

اللافت أن المسار الجديد، أعلن عنه خلال جولة خليجية أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، شملت الإمارات والسعودية وقطر، ليؤكد لافروف ومن الدوحة، أن هذا المسار عمره عدة أشهر، وهو لا ينافس "مسار أستانا"، الذي تعتبر إيران طرفا فيه إلى جانب روسيا وتركيا.

ومنذ الإعلان عن هذا المسار الثلاثي، حول سوريا، تزاحمت حوله إشارات الاستفهام، بما يخص أهدافه، ومدى ترابطه مع باقي المسارات الرامية لحل الملف السوري، كأستانا، وجنيف، واللجنة الدستورية السورية المتعثرة.

ولعل من أبرز ما تم التوقف عنده في هذا المسار، هو أنه أول مسار سياسي يخص سوريا تشارك فيه دول عربية، وهي قطر، بصفة لاعب أساسي، بخلاف مسار "أستانا"، الذي يضم (روسيا تركيا إيران)، وتشارك فيه بعض الدول العربية، بدور المراقب فقط، كالأردن ومصر والعراق ولبنان.

زخم كبير

ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، أن هذا المسار الثلاثي الجديد، هو "ليس بجديد، لكنه بدأ يأخذ زخما كبيرا في ظل صفرية إنجاز اللجنة الدستورية وتوقف العملية التفاوضية منذ زمن بعيد واقتصارها فقط على مسار اللجنة الدستورية".

واعتبر الدبلوماسي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "روسيا ستواجه معضلة إذا دعمت الانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا، وستفقد ورقة مهمة في تفاوضها في سوريا".

وأردف أن "موسكو تسعى لإيجاد مخرج من خلال نشاط دبلوماسي سياسي مكثف في المنطقة وخاصة الدول العربية المؤثرة، في ظل وجود فيتو أميركي وأوروبي على إعادة تعويم (تأهيل) النظام والمشاركة في تمويل إعادة الإعمار دون حل سياسي".

ويرى الحاج علي، أن "مسار الثلاثي (تركيا روسيا قطر)، يختلف عن مسار أستانا، من حيث وظيفته والقوى الدولية المشتركة فيه، كون مسار أستانا، ميداني، وله نتائج تفيد في المسار السياسي".

واستدرك قائلا: "إلا أنه لا يشكل بديلا عن مسار جنيف والقرارات الأممية وأهمها القرار 2254، المتفق عليه من المجتمع الدولي، والذي لا يزال يشكل الصيغة المقبولة للحل السياسي بسوريا".

وعن استبعاد طهران حليف النظام السوري الأول في معركته ضد شعبه، من "مسار الدوحة"، أرجع الكاتب المتخصص بالشأن التركي، علي باكير، في حديث لـ"الاستقلال"، ذلك بقوله: "إنها محاولة لاستباق تصاعد إيراني مع أي اتفاق محتمل بين طهران وواشنطن، وقد يكون هدفه محاولة تسريع المسار السياسي وإعادة الإعمار جنبا إلى جنب".

وفشلت الجولة الخامسة من اجتماعات "اللجنة الدستورية"، المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد، في تحقيق أي تقدم على صعيد كتابة الدستور، إذ وصف المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، بختام الجولة، في 29 يناير/كانون الثاني 2021، بأنها "مخيبة للآمال"، ودعا إلى "تغيير طريقة العمل المتبعة".

وكانت الأمم المتحدة، أشرفت على تشكيل مجموعة مصغرة من اللجنة الدستورية، في سبتمبر/أيلول 2019، تضم 45 عضوا، يمثلون النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري بالتساوي، وكلفت المجموعة بمراجعة دستور 2012، وعقدت أولى اجتماعاتها في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في جنيف، بحضور 150 شخصا.

ولم تلمح منذ الإعلان عن فشل اللجنة الدستورية في أعمالها، أي بوادر حل لهذا المسار، سواء من حيث استكماله أو إيجاد أرضيات وجداول أعمال أخرى، في وقت اتهمت فيه المعارضة السورية، وفد النظام بتعطيل دائم لعمل اللجنة على مدى أكثر من عام.

وفي وقت وصف رأس النظام بشار الأسد، مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، خلال لقاء مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، الأمر الذي اعتبرته المعارضة "تصريح واضح عن عدم جدية النظام" في صياغة دستور جديد يمهد للعملية السياسية المنشودة في سوريا.

المرجعية الأممية

ويتقاطع الحراك السياسي الجديد في الملف السوري، مع تأكيد شعبي كبير، على قطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة تعويم النظام السوري، من قبل حليفتيه روسيا وإيران.

وهذا ما أشار إليه مدير مكتب الدوحة في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، عمر إدلبي، في تعليقه على المسار الثلاثي بقوله: إن "التحرك تقف وراءه قناعة روسية أن الحل في سوريا لن يكون بدون حوار ودعم حلفاء المعارضة، حتى لو توصلت موسكو إلى تفاهمات مع واشنطن".

وأضاف في منشور عبر صفحته على "فيسبوك" أن "لافروف سمع في الدوحة كلاما واضحا عن الاستعداد للمساهمة بوقف انهيار الدولة السورية (الوشيك) وفق خطة عملية تنفيذية واضحة؛ تفضي إلى تنفيذ كامل متدرج للقرار 2254، وبمرجعية أممية؛ لا علاقة لمسار أستانا بها".

ووصلت جولات "أستانا" للنسخة الـ15، والتي اختتمتها الدول الضامنة للمسار في 17 فبراير/شباط 2021، بمدينة سوتشي الروسية، بحضور وفدي المعارضة والنظام.

إلا أن تلك الجولات أصبحت روتينية، ولم تأت بأي جديد، مقارنة بالجولة السابقة، إذ اقتصر ما هو معلن منها وفق بيانها الختامي، على تمديد جميع الاتفاقات المتعلقة بخفض التصعيد في إدلب، ورفض "مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة".

ومن هنا اعتبر إدلبي، أن التنسيق الثلاثي الجديد، "هو فرصة ليخرج الروس من أزمة قد تورطهم أكثر في سوريا؛ ويدعموا حلا سياسيا يقود للانتقال السياسي، يخرج الأسد من السلطة، ويفتح أفقا لإنهاء معاناة السوريين".

ونوه إدلبي إلى أن "إطلاق المسار التشاوري الثلاثي؛ بدأ برغبة تركية قطرية قبل 5 أشهر؛ دفعت باتجاهها جهود معارضين سوريين بحثوا هذا التوجه مع القيادتين القطرية والتركية؛ بهدف إعادة القضية السورية إلى ساحة التركيز الدولي والإقليمي واستعادة تأثير الدور العربي".

وشدد على أن "هذا المسار قد يتوقف، وينتهي قبل الجولة الثانية في أنقرة الشهر القادم؛ ما لم يظهر الروس جدية في اتخاذ إجراءات تسهل الحل السياسي".

تعويم الأسد

ورغم دخول روسيا، في مسار جديد للحل في سوريا، إلى جانب تركيا وقطر الداعمتين للثورة السورية، إلا أن موسكو تخوض على الجبهة المقابلة معركة دبلوماسية لإعادة النظام السوري لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، التي علقت عضويته فيها منذ 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بسبب قمعه لثورة الشعب.

لكن لافروف تلقى جوابا واضحا من وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بتأكيده أثناء مؤتمر صحفي مشترك، في 11 مارس/آذار 2021، أن الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية "لا تزال قائمة".

وأردف الوزير القطري بالقول: "نتمنى أن يكون هناك تقدم في الحل السياسي، وهو السبيل الأسلم والأفضل لعودتها إلى الجامعة العربية".

وفي هذا الصدد، ذهب الكاتب والصحفي سوري، عقيل حسين، إلى أن شغف موسكو في إعادة الأسد للجامعة العربية، نابع من "إدراكها أن إعادة إنتاج النظام سياسيا ودوليا إنما يبدأ من بوابة الجامعة العربية، لكن جهودها تصطدم حتى الآن بموقف أميركي وأوروبي صلب يرفض أي تطبيع مع النظام قبل التوصل إلى حل سياسي".

ونوه حسين في تعليق له على صفحته في "فيسبوك"، بأن "قبول الدول العربية بإعادة العلاقات مع النظام، سيسهم في إقناع الدول الأوروبية بفك العزلة عن الأسد، وإعادة العلاقات معه على غرار محيطه العربي".

وبناء على المعطيات، فإن موسكو تحاول في حراكها الدبلوماسي، قبيل تنظيم النظام "انتخابات رئاسية" صورية مزيفة، أواخر مايو/أيار 2021؛ القفز على التحركات الأوروبية المضادة، لتلك الانتخابات، والتي يتوقع أن يفوز بها الأسد بولاية مدتها 7 سنوات، في مسرحية مشابهة لفوزه في الولايات الثلاث السابقة، منذ توريثه الحكم عام 2000، بعد وفاة والده حافظ.

وفي 2 مارس/آذار 2021، أكدت مصادر إعلامية، أن فرنسا قدمت وثيقة باسم "مجموعة ذات تفكير متشابه"، هدفها رفض إجراء أي انتخابات رئاسية في سوريا، خارج قرار مجلس الأمن "2254"، إضافة إلى محاولة قطع الطريق على "التطبيع" مع الأسد عقب الانتخابات.

وفي هذا الصدد، أورد الكاتب حسين، أن روسيا طرحت على تركيا وقطر، "إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية، لحين تحقيق حلحلة في العملية السياسية السورية، أو ربما لحين تشكيل هيئة حكم انتقالي، كما ينص عليها القرار 2254".

وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي الروسي، يفغيني سيدروف، أن "هناك عدة عوامل دفعت موسكو للانخراط في المسار الجديد، رغم تحركاتها، لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، التي قال لافروف إنه سيلعب دورا إيجابيا في استقرار الشرق الأوسط".

وشرح سيدروف هذه العوامل في لقاء تلفزيوني، بقوله: "إنه لدى روسيا من ناحية، وتركيا وقطر من ناحية أخرى، إمكانيات وفرص واسعة جدا للضغط على طرفي الصراع في سوريا، فموسكو تستطيع أن تزيد من ضغوطها على النظام، وجعل موقف الأخير أكثر ليونة ولا سيما فيما يتعلق باللجنة الدستورية".

ويضيف المحلل الروسي: "بينما تركيا وقطر، من شأنهما أن يمارسا ضغوطا على المعارضة السورية والفصائل، مما يأتي بثمار إيجابية حول تحريك المسار السوري وإحراز تقدم في العملية السياسية، إضافة إلى تمكين وصول المساعدات الإنسانية لمختلف المناطق السورية".