طارق البشري.. فقيه قانوني قاد لجنة دستور الثورة ورفض انقلاب السيسي

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 14 فبراير/شباط 2011، وبعد يومين من خلع الثوار للرئيس الراحل محمد حسني مبارك من الحكم، دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم للبلاد آنذاك، المستشار المصري طارق البشري، لرئاسة لجنة تعديل دستور 1971.

كان البشري من طليعة المفكرين والمشرعين المؤيدين لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وقالت صحيفة "الشروق" المحلية، عن اختيار البشري وقتها لرئاسة لجنة تعديل الدستور، إن "جميع التيارات الفكرية والسياسية في البلاد تحترمه، وأنه واحد ممن اتفق عليه الجميع".

والبشري فقيه دستوري، أرّخ للسياسة والقضاء منذ حقبة الخمسينيات، كان شاهدا على تاريخ مصر المعاصر الذي مر بلحظات عصيبة، استطاع أن يدونها ويرصدها ويتأثر بها وينقلها للأجيال.

نشأة قانونية

ينتمي البشري إلى عائلة تمرست في مجالات العلوم الإسلامية والقضاء والأدب، حيث ولد في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1933 في حي الحلمية بالقاهرة، لعائلة تعود أصولها إلى محلة بشر بمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة في زمام الدلتا.

جده لأبيه هو الشيخ سليم البشري، الذي تولى مشيخة المالكية بالأزهر الشريف، ووالده هو المستشار عبد الفتاح البشري كان رئيسا لمحكمة الاستئناف، وعمه عبد العزيز البشري، من الأدباء المشهورين في زمانهم.

وعن تربيته في بيت جده، قال المستشار البشري: "لقد نشأت في بيته وكانت عماتي يكثرن من الكلام عنه وعن حياته وعن أفعاله، وتأثرت بهذا جدا حتى بدا لي في لحظة من اللحظات عندما كبرت أن الشيخ سليم البشري كان صاحب السهم الأكبر في تربيتي، فكنت ألبس عباءته وأنا صغير وأتدفأ بها وكان لايزال في البيت بعض الأشياء عن سليم البشري".

التحق طارق البشري بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وكانت من الكليات المرموقة في زمانه، وهناك تتلمذ البشري على يد مجموعة من كبار الأساتذة والفقهاء في القانون، على رأسهم محمد أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف وعلي الخفيف. 

تخرج البشري من كلية الحقوق عام 1953، وبعد تخرجه عين نائبا أولا لمجلس الدولة، ورئيسا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع بالمجلس واستمر في هذا المنصب حتى تقاعده سنة 1998.

نقطة تحول

كانت نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، التي ذاق فيها الجيش المصري طعم الهزيمة المرة أمام العدوان الإسرائيلي، بمثابة نقطة تحول فارقة في توجهات المستشار البشري.

بعدها بدأ البشري يتجه نحو التأصيل للفكر الإسلامي، ودون حينها مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي"، التي كانت بمثابة أول ما كتبه نحو هذا الاتجاه المستمر إلى يومنا هذا، حيث أثرى المكتبة المصرية والعربية بكتبه وكتاباته في القانون والتاريخ والفكر الإسلامي.

من أبرز مؤلفاته "الحركة السياسية في مصر 1945-1952"، "الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952"، "المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية"، "بين الإسلام والعروبة"، "منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي"، و"الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر". 

ومن المقالات التي كتبها، وحققت انتشارا واسعا، ما دونه في فبراير/ شباط 2014 بعنوان "الشريعة الإسلامية خصائص الثبات والتغير"، حيث قال فيها: "محاولة إضعاف الإسلام في نفوس المسلمين خلال القرن الماضي لم تتخذ شكل محاربة الإسلام من حيث هو عقيدة ولا اتخذت شكل الهجوم الصريح عليه من حيث هو نظام للحياة ولم تكن هذه الأساليب مما تنجح بها تلك المحاولات لأنها كانت ستثير لدى المسلم دوافع التجمع والمقاومة". 

وأضاف: "إنما كان الأسلوب الأكثر نجاحا هو تغيير الأوضاع الاجتماعية، وأنماط العلاقات بين الناس بطريقة تجعلها قائمة على تعارض مع تصورات الشريعة الإسلامية وأحكامها، وتغيير سلوك الناس وعادات العيش وأساليب الحياة اليومية بما يقيم التعارض بين هذه الأساليب وأحكام الشريعة الإسلامية".

تنبأ بالثورة

البشري، من أولئك الذين استشرفوا في زمن مبارك، اقتراب الثورة، وحجم السخط والغضب الكامن في نفوس المواطنين، وفي عام 2006 أصدر كتابا بعنوان "مصر بين العصيان والتفكك".

الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات صدرت له واعتبر فيها أن "العصيان المدني فعل إيجابي يلتزم عدم العنف، ويقوم على تصميم المحكومين أن ينزعوا غطاء الشرعية تماما عن حاكم فقد شرعيته فعلا منذ زمن".

وحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات (حكومي)، التابع لمجلس الوزراء المصري، كتب عن طارق البشري، أنه "ترك ذخيرة من الفتاوى والآراء الاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد".

مضيفا: "كما تميزت آراءه بإحكام الصياغة القانونية، ولا زالت تلك الفتاوى إلى الآن تعين كلا من الإدارة والقضاة والمشتغلين بالقانون بشكل عام على تفهم الموضوعات المعروضة عليهم".

كان البشري واضحا وصارما في موقفه من الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، حيث أعلن رفضه القاطع له، وأدان الجرائم المترتبة عليه.

وفي 8 يوليو/ تموز 2013، قال البشري: "كل ما يحدث الآن سواء واقعة الحرس الجمهوري أو ما نشاهده الآن هو آثار ترتبت على الانقلاب العسكري، ولا حل إلا بأن ينتهي هذا الانقلاب، وكان الأولى بدلا من الانقلاب، إجراء الانتخابات، واحترام الإرادة الشعبية والمؤسسات التي قامت على انتخابات حرة نزيهة وتحت إشراف قضائي كامل". 

موقف للتاريخ

وعندما وقعت مذبحة رابعة العدوية يوم 14 أغسطس/ آب 2013، سجل البشري شهادة للتاريخ، في مداخلة هاتفية على قناة الجزيرة، قائلا: "ما يحدث الآن هو تطور طبيعي للانقلاب العسكري الذي يحكم مصر الآن، والصراع القائم هو بين الانقلاب وقواه الاستبدادية التي تحكم مصر بغير دستور وبغير إرادة شعبية حقيقية، وبين القوى المدنية، وكل يتخذ أسلوبه في العمل".

وأضاف البشري: "القوى الديمقراطية تتخذ الأسلوب الديمقراطي من خلال الاعتصامات والمظاهرات، وبالعملية السلمية، أما القوى العسكرية الاستبدادية فتعمل على حفظ النظام بالعنف، والانتصار على المدنيين بالعنف كما يجري الآن".

وشدد: أن "الانقلاب العسكري يتحمل دماء المصريين التي سالت اليوم، حيث عكست القوة العسكرية ثورة ديمقراطية قامت في 25 يناير، وانقلبت على فترة انتقالية تخللها دستور وانتخابات حرة، وقدمت قوة السلاح، وانتهجت العنف في مواجهة الجماهير الشعبية".

كان البشري، في طليعة النخبة السياسية التي حاولت الوصول لحل بعد الانقلاب فيما عرف بمبادرة "العوا"، وهي أولى المبادرات التي عُرضت على قادة الانقلاب في 3 يوليو/ تموز 2013، وشارك فيها المستشار البشري، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور محمد عمارة، والدكتورة نادية مصطفى، والدكتور سيف عبد الفتاح.

وتضمنت المبادرة حينها: "العودة للشعب والاحتكام إليه من خلال انتخابات برلمانية ورئاسية تتم في مدة تراوح بين 3 و6 أشهر على الأكثر، على أن يقوم الرئيس مرسي بتفويض سلطاته الكاملة لوزارة مؤقتة جديدة يتم التوافق عليها في أول جلسة سياسية".

وفي شهادته على المفاوضات التي جرت قبل فض رابعة قال الدكتور محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية والبرلمانية السابق لموقع "عربي 21": "المستشار طارق البشري كان موجودا في المؤتمر الصحفي بدار الحكمة (القاهرة) يوم 27 يوليو/ تموز 2013، لوقف تداعيات الانقلاب".