اغتصاب وتطهير عرقي.. هكذا حول آبي أحمد تيغراي إلى "بلقان جديدة"
حذرت صحيفة ''نيغريسيا'' الإيطالية، من وقوع مأساة في إقليم تيغراي، لا تزال أحداثها مستمرة منذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ولا يعلم الرأي العام تفاصيلها في ظل العزلة شبه الكاملة التي فرضتها حكومة أديس أبابا على المنطقة.
وفي ذلك التاريخ، اندلعت مواجهات مسلحة في الإقليم، بين الجيش الإثيوبي و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، التي هيمنت على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد للسلطة في 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو".
و"أورومو" أكبر عرقية في إثيوبيا، بنسبة 34.9 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، فيما تعد "تيغراي" ثالث أكبر عرقية بــ7.3 بالمئة.
وانفصلت الجبهة، التي تشكو من تهميش السلطات الفيدرالية، عن الائتلاف الحاكم، وتحدت آبي أحمد بإجراء انتخابات إقليمية في سبتمبر/أيلول 2020، اعتبرتها الحكومة "غير قانونية"، في ظل قرار فيدرالي بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا.
انتهاكات ولجوء
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصل ما لا يقل عن 60 ألف لاجئ من تيغراي إلى مخيمات بشرق السودان، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال كل فرد منهم عايش قصة فظيعة، على حد قول الصحيفة الإيطالية.
وكشفت أن العديد من النساء تعرضن للاغتصاب، غالبا من قبل جنود جيش بلادهم، وكثيرات منهن حوامل الآن. بينما يتم علاج العديد منهن من الأمراض المتنقلة جنسيا أو من المشاكل النفسية الناتجة عن العنف الذي تعرضن له.
وأضافت أن الشهادات التي رصدتها وسائل الإعلام الموثوقة في مخيمات اللاجئين مثل صحيفة الغارديان البريطانية وشبكة الجزيرة القطرية وصحيفة ''لاريبوبليكا ''الإيطالية لا تعد ولا تحصى.
وأكدت أن ما يحدث يعيد إلى الأذهان التجاوزات التي تحصل أثناء الحروب، خاصة أثناء الصراعات الداخلية على غرار ما حدث في دارفور وجنوب السودان. كما تذكر عمليات الاغتصاب العديدة في تيغراي بما حدث في البلقان (حرب البوسنة والهرسك في التسعينيات)، بدافع التطهير العرقي.
وفي بيان صدر في الأيام الأخيرة، وصفت براميلا باتن، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي أثناء الصراعات، الوضع بالخطير للغاية.
وهو ما نفاه على الفور السفير الإثيوبي بالأمم المتحدة، تاي أتسكي سيلاسي، مؤكدا أن حكومة بلاده لا تتسامح مطلقًا مع أي شكل من أشكال العنف وخاصة الجنسي.
وعلقت الصحيفة الإيطالية على هذا النفي بالقول "اعتدنا سماع هذا النوع من التصريحات الرسمية التي تنكر الأدلة فيما يتعلق بالصراع بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وإقليم تيغراي''.
بدوره، زعم رئيس الوزراء آبي أحمد - هناك دعوات لسحب جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في 2019- أن تيغراي باتت هادئة ولم يتم التعرض إلى المدنيين.
وعلى النقيض من ذلك، أشارت الصحيفة الإيطالية إلى وقوع تجاوزات مروعة في المنطقة وثقتها بعض التسريبات على الرغم من العزلة المفروضة على الإقليم بسبب قطع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إغلاق الحدود أمام المنظمات الإنسانية والصحفيين.
ووفقا لتقرير صادر عن ''برنامج أوروبا الخارجي مع إفريقيا''، وهو مركز دراسات بلجيكي ينشر تقارير يومية عن الوضع، ارتكبت قوات الجيش النظامي الإثيوبي ومليشيات أمهرة مجزرة بقتلها 750 شخصًا في كنيسة مريم سيدة صهيون الأرثوذكسية.
أثارت هذه الحادثة رعبًا خاصًا بسبب عدد الضحايا الكبير وأيضًا لأنها انتهكت مكانًا للعبادة معترفًا به من قبل منظمة اليونسكو كموقع للتراث العالمي.
كما أفادت عديد من المصادر عن تعرض دور عبادة أخرى وكتب مقدسة إلى التخريب والتدمير من قبل جنود منذ بداية الصراع في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
تجاوزات خطيرة
وبحسب شهود عيان محليين، داهم جنود إثيوبيون وإريتريون مسجد النجاشي الذي تضرر بشدة من جراء القصف. ويعتبر أقدم مسجد في إفريقيا و شُيد في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل الصحابة الذين هاجروا من مكة ولقوا ترحيبا في مملكة أكسوم وكانوا أول المسلمين الذين تطأ أقدامهم القارة.
كما اختفى العديد من رجال الدين عن الأنظار لعدة أيام بالتزامن مع دخول الجيش الحكومي عاصمة الإقليم خوفًا على سلامتهم.
واعتبرت الصحيفة أن هذه التجاوزات خطيرة للغاية وتهدف إلى انتهاك الهوية الثقافية للسكان، كما أنها لا تختلف في جوهرها عن الدمار الذي ألحقه تنظيم الدولة بالمواقع الأثرية في الشرق الأوسط إلا أنها لم تحظ بنفس ردود الفعل الدولية.
وفي الوقت نفسه، وبحسب الوكالات الإنسانية التي تمكنت من الوصول إلى المنطقة، يحتاج 4 ملايين ونصف من إجمالي 6 ملايين نسمة، إلى مساعدات عاجلة لتجنب وقوع أزمة غذائية كبيرة، من شأنها أن تتسبب في وفاة عشرات الآلاف.
وللتنبيه إلى خطورة الوضع، يستحضر البعض مأساة المجاعة التي ضربت في الثمانينيات وأثرت بشكل خاص على إقليم تيغراي.
ولفتت الصحيفة إلى أن خطر المجاعة يهدد بشكل خاص اللاجئين الإريتريين الفارين من نظام أسمرة الذي يقاتل الآن إلى جانب الجيش الإثيوبي.
في بداية الأزمة، كان هناك حوالي 95 ألف لاجئ، يقيمون في 4 مخيمات تحت حماية المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
لكن منذ أشهر يعيش اللاجئون في مخيمي، مي عيني وعدي حروش، في عزلة دون الحصول على الغذاء والماء والدواء، فضلا عن التعرض إلى هجمات المليشيات والعصابات الإجرامية.
وتُتهم القوات الإريترية بتدمير مخيمي شيميلبا وهيتساتس، بالكامل، كما اعتقلت العديد من اللاجئين وأعادتهم بشكل غير قانوني إلى إريتريا. وبحسب ما يتردد في أسمرا، لا يُعرف مكان احتجازهم ويخشى أن تكون حياتهم معرضة للخطر.
من جانبه، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إن هناك "مؤشرات ملموسة على وقوع انتهاكات خطيرة للمعاهدات الدولية".
وفي ظل هذه المأساة، تساءلت الصحيفة الإيطالية عن الكيفية التي تخطط بها الحكومة الفيدرالية لاستعادة مصداقيتها السياسية وثقة السكان بعد الدمار والانتهاكات التي ارتكبتها، إلى جانب تسهيلها تدخل جيش أجنبي؟ أم أنها، كما يقول التيغريين في مخيمات اللاجئين بالسودان، تفكر في إجبارهم على الاندماج؟
وختمت بالقول إن الصراع في تيغراي أدى إلى زعزعة التوازن الهش الذي تقوم عليه البلاد، لذلك يتساءل كثيرون الآن عما إذا كانت ستكون قادرة على تحمل التوترات المتصاعدة.