ولد ابريد الليل.. مفكر موريتاني ناصر البوليساريو وتوقع هزيمة فرنسا

في 13 يناير/كانون الثاني 2021، وعن عمر ناهز الثمانين، توفي الوزير الأسبق محمد يحظيه ولد ابريد الليل، الزعيم التاريخي لحزب البعث في موريتانيا.

شغل الراحل مناصب حكومية عديدة، بينها وزارة الإعلام عام 1978، وساهم في معركة التحرر من الاستعمار و"دعم تحرير الصحراء الغربية"، المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.

ولد ابريد الليل، سياسي مخضرم وكاتب ومؤرخ درس في فرنسا، وله العديد من المؤلفات عن قضايا العالم العربي، والمغرب العربي الكبير وإفريقيا، خاصة منطقة الساحل.

درس ولد ابريد الليل في فرنسا وارتبط بعلاقات وثيقة ببعض القيادات التاريخية لتيار البعث في سوريا والعراق، وكانت له كتابات عديدة في الصحافة الموريتانية عن المجال السياسي والفكر البعثي.

كان ابريد الليل يفكر باللغة العربية ويكتب بالفرنسية، وأثارت كتاباته السياسية الموغلة في الرمزية والعمق، اهتماما واسعا في موريتانيا، وترجمت كلها إلى العربية، ونوقشت على نطاق واسع.

ناصر البوليساريو

بآخر حواراته في أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال ولد ابريد الليل، لموقع "البورتال ديبلوماتيك" الصحراوي، إن "استمرار حالة الانسداد التي يمر بها النزاع في الصحراء الغربية، يمثل عامل قلق دائم"، وشبّه الوضع بـ"النار التي خمدت شعلتها لكن يبقى جمرها متقدا حتى من دون رماد".

واعتبر المفكر الموريتاني، أن "الوضع  يبقى قابلا لإشعال حريق مدمر في فترة تعرف المنطقة أسوأ حالة سياسية واقتصادية واجتماعية مرت بها". 

وذهب إلى أن التعاون الحقيقي الاقتصادي والاجتماعي والمشاريع المشتركة في المنطقة متعطلة، والمبادلات التجارية والثقافية ضئيلة، و"إن وجد منها القليل فهو شكلي ومفتعل وبدون استمرارية".

عرف ولد ابريد الليل بدعمه لجبهة البوليساريو ونقده اللاذع للمغرب، وكان السياسي يرى أن "موقف المغرب في الصحراء الغربية وتعنُّته ورفضه لأي حل معقول، يهدد المنطقة بأكملها، ويعطل نموها، ويجعل مستقبلها عرضة لجملة من الصدف الخطيرة وغير محمودة العواقب".

واعتبر المفكر أن موريتانيا هي أول المتضررين من هذا الوضع، نتيجة لشدة ارتباطها بالصحراء وتداخلها معها جغرافيا وبشريا، خصوصا وأن أي اضطراب وأية مناوشات – دائما محتملة ما دام السلم ممنوعا- قد تجري بجوار المنشآت التي تنقل الحديد الموريتاني. 

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، استقرأ رجل السياسة الراحل من تلميحات فرنسا تفكيرها بالانسحاب العسكري من دول الساحل الإفريقي، أنها "تعيش ورطة"، وهو ما ثبت بالفعل حيث بدأت فرنسا تقلل من عدد جنودها بالمنطقة بسبب الخسائر في الأرواح التي سجلتها في صفوف جيشها دون الحد من العنف.

وقال ابريد الليل: "هذا المأزق ستنتج عنه لا محالة تطورات وتصرفات بالنسبة للدول الغربية قد لا تتبين الآن وإنما تتحجب في غموض وإبهام".  

وتابع: "ليس أمام فرنسا إلا احتمالين: فهي إما أن تتخلى عن إفريقيا السوداء وهي تجر أذيال الهزيمة وخيبة الأمل، وهو احتمال مدمر بالنسبة لسمعتها ومكانتها الدولية ويساوي الهزيمة".

فيما الحل الثاني، أن تفهم ضرورة انفراج على الشاطئ الآخر من الصحراء الكبرى، وتشارك بصدق ونزاهة في حل أزمة المغرب العربي التي هي طرف أساسي فيها، وتوفر لنفسها من خلال نفس الوثبة، مخرجا مُشرفا في إفريقيا السوداء".

وختم بالقول، إن "سياسة الهروب إلى الإمام لم تعد مجدية، فقد جربت فرنسا لسنوات طويلة سياسة التسويف".

خالف "البعث"

نعاه الصحفي والكاتب الموريتاني محمد المنى، فقال في مقاله: "الفقيد محمد يحظيه ولد ابريد الليل،  يتميز عن جميع الساسة الموريتانيين بشخصيته ذات البعد الثقافي المجرد، الأدبي والفكري العميق، والتي تجعله يتجاوز في تصوراته السياسية حدود الواقع، في فهمه لمشكلات الدولة والمجتمع وفي استشرافاته للمستقبل وآفاق تحولاته".

ولا يرى المنى غرابة في خروج الفقيد عن النص الحزبي والإطار التنظيمي في أحيان عديدة، فهو بأفكاره أوسع من أي أيديولوجيا حزبية أو مواقف سياسية مسطورة.

لكن ثمة 3 قضايا تساءل حولها الكاتب، الأولى تأييده اللا محدود لجبهة البوليساريو، خلافاً لموقف حزب البعث ممثلا في قيادته العراقية التي لم تعترف يوما بـ"الجمهورية العربية الصحراوية"، انسجاما مع موقف البعث الوحدوي الرافض لأي حالة انفصالية تزيد تقسيمَ وتَجزُّؤ الوطن العربي المقسَّم والمجزَّأ أصلا.

لكن عكسا للحزب ولخطه الوحدوي، جعل محمد يحظيه الموقفَ من البوليساريو معياراً ضابطاً لعلاقته بأي نظام حكم موريتاني، تأييداً أم معارضةً، قبولا أم رفضاً. 

وحاول الصحفي الإجابة على السؤال، متوقعا أن الموقف مثل حالة "بعثية" شاذة تضاءل فيها المكون القومي الوحدوي في أيديولوجية الحزب لصالح المكون اليساري فيها، حيث كان اليسار العالمي مؤيدا قويا لـ"كفاح الشعب الصحراوي"، مرجحا أيضا فرضية أن تكون لـ"ابريد الليل"، عوامل أخرى تفسر انحيازه لـ"القضية الصحراوية" وأولويتها المطلقة بالنسبة إليه.

المسألة الثانية التي تطرق لها الكاتب، موقفه الغامض من واقع اللغة العربية ومطلب التعريب، وهي مسألة مبدئية بالنسبة لحزب البعث لا يقبل المساومة فيها.

ورغم أن قادة الدولة خلال العهود اللاحقة واظبوا على إلقاء خطاباتهم بلغة المستعمر (الفرنسية)، فإن محمد يحظيه لم يجد في ذلك السلوك ما يستحق الملاحظة، بل اعتاد هو نفسه أن يكتب مقالاته الموجهة إلى الرأي العام الموريتاني باللغة الفرنسية أيضا.

وتساءل الكاتب، إن كان الراحل قد رأى في التعريب مسألة شكلية وقليلة الأهمية قياسا إلى مسائل أخرى أكثر أولوية أو ذات طابع إستراتيجي ملح، أم أنه انسجم في هذه أيضا مع اليسار (الحركة الوطنية الديمقراطية) وموقفه من التعريب كدعوة شوفينية ضارة بالوحدة الوطنية.

تجربة السجن

تعرض ولد ابريد الليل، للسجن عقب محاولة انقلابية، في 16 مارس/ آذار 1982، مع عدد من قادة التيار البعثي، ثم خرج بعفو رئاسي، عقب انقلاب عسكري، في 1984، أوصل معاوية ولد الطايع إلى الرئاسة.

عمل مسؤولا ساميا في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية للخلاص الوطني، لكنه سرعان ما اعتقل من جديد عام 1988 مع قياديين في التيار البعثي، ليطلق سراحه سنة 1991 مع الانفراج الذي صاحب إعلان التعددية السياسية في موريتانيا إبان حكم الرئيس ولد الطايع.

ودعم انقلابا عسكريا، في 2008، قاده محمد ولد عبد العزيز، الذي أصبح رئيسا للبلاد عبر انتخابات لاحقة، واستمر حكمه 10 سنوات ثم خلفه الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

شغل ولد ابريد الليل في السنوات الأخيرة منصب رئيس مجلس إدارة الصندوق الوطني للرعاية الصحية، وكان مقربا من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لكن العلاقة ساءت بينهما في السنة الأخيرة من حكمه (2019).

وفي نص تداولته وسائل إعلام محلية، كتب مستشار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، سيدي ولد دومان ناعيا ولد ابريد الليل، قائلا: "رحم الله الأستاذ الفاضل والمفكر الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل، لقد كان رحمه الله رجلا فذا بكل المقاييس وعبقرية لا تتكرر في كل العصور".

وختم: "كنت أسمع عنه كثيرا وأنا تلميذ في الإعدادية والثانوية ثم بدأت اكتشفه وأتعرف عليه من خلال كتاباته التي كنت أقرأها بنهم لجودة أسلوبها وسلاسة لغتها وعمق أفكارها واستقرائها للتاريخ وصدق تنبؤاتها، حتى أتيحت لي فرصة التعرف عليه عن قرب والاحتكاك به".