أجندة خطيرة.. ما أهداف الإمارات من التوغل بقطاع التعليم في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

خلال السنوات الماضية، ركز خبراء السياسة والاقتصاد والكثير من المراقبين والمعارضين للنظام العسكري الحاكم في مصر على الدور الإماراتي المريب في الاقتصاد المصري، وتواصلت انتقاداتهم لتغول أبوظبي في قطاعات الصحة والدواء واستحواذ شركاتها مؤخرا على إحدى أكبر شركات الجيش المصري بقطاع المياه المعدنية، وتوزيع الوقود.

جانب آخر من سيطرة الشركات الإماراتية على قطاعات حساسة وحيوية في مصر لم يأخذ حقه من الرصد والتحليل؛ هو قطاع التعليم، ذلك الجانب الأخطر في حياة أي أمة لما يمثله من تأثير على مستقبل الأجيال القادمة وتوجهاتها السياسية والفكرية والدينية وتغيير انتماءاتها، في بلد احتلت الترتيب 139 عالميا و13 عربيا في مؤشر جودة التعليم لعام 2019.

الإمارات، ومنذ حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ظهرت لها أدوار مستترة في توجيه وتغيير المناهج الدراسية وطرق التدريس، والاستحواذ على أهم المدارس الدولية وبناء أخرى مشابهة، ما يثير المخاوف من تغيير مفاهيم وتوجهات ملايين الطلاب المصريين عبر المناهج، والسيطرة على الطلاب من أبناء الأغنياء في المدارس الدولية. 

وفي وقت مبكر من حكم السيسي، وجه للقيام بـ"ثورة دينية" عبر تعديل بعض المناهج خاصة التاريخ والدين؛ بدعوى تقليص الإرهاب، وهي الخطوة التي اتخذتها وزارة التعليم وتواصلها، وفي فبراير/شباط 2015، شكلت لجنة لمراجعة مناهج كافة المراحل التعليمية، وهي خطوة اقتفى "الأزهر" أثرها.

معلمون مصريون رصدوا بعض التغيرات في المناهج عام 2016، بما يخدم توجه نظام السيسي نحو إسرائيل، ويوافق توجهات ورغبة الإمارات، مؤكدين أن المناهج الجديدة قلصت الحديث عن الحروب العربية الإسرائيلية والقضية الفلسطينية، من 32 إلى 12 صفحة فقط.

وكذلك حذف فقرات تصم إسرائيل بالإرهاب في كتاب التربية الدينية للصف الثالث الإعدادي، وعبارات عن تاريخ اليهود وإرهابهم مع مسيحيي نجران في قصة "أصحاب الأخدود".

رؤية إسرائيلية

تقرير للكاتب الإسرائيلي زفي بار، بموقع "هآرتس" في 7 يناير/كانون الثاني 2020، سلط الضوء على المشاريع الإماراتية في مجال التعليم المصري، مؤكدا أن أبوظبي تسعى للسيطرة عليه بطريقة تسهم مستقبلا في تغيير المجتمع المصري، حيث رصد المشروعات الإماراتية في التعليم المصري منذ 2015.

الموقع الإسرائيلي، لفت إلى شكوى مصريين من تغيير المواد الدراسية خاصة الدين والتاريخ والجغرافيا، مشيرا إلى أن تلك المواد تستند على مناهج معتمدة من الإمارات لا سيما بعد تولّي السيسي.

وتحدث الكاتب عن تحذيرات صدرت من برلمانيين مما أسموه بمؤامرة إماراتية للتأثير على هوية الجيل القادم من المصريين، إلى جانب خشية أهالي الطلاب من سيطرة الإمارات على نظام التعليم بطريقة قد تسهم في تغيير المجتمع المصري.

وفي مارس/آذار 2016، انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي شكاوى للمصريين من المناهج التعليمية الجديدة، عبر هاشتاغات"#ثورة_أمهات_مصر_على_المناهج_التعليمية"، و"#منهجكم_باااااطل"، و"#ارحمونا_من_تعليم_عقيم"، و"#تمرد_على_المناهج_التعليمية".

ونقلت "هآرتس" عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن عدد المدارس الخاصة التي تعكف الإمارات الاستثمار فيها صغير نسبيا مقارنة بإجمالي عدد المدارس الخاصة في مصر، لكنه قد يضر بالنظام المدرسي الحكومي والبنية الاجتماعية في مصر.

الأكاديمي المصري المقيم في أميركا محمود وهبة، علق على خبر هآرتس، بالقول: "ياللهول، غسيل مخ الطلبة المصريين من الإمارات.. رجل أمي يغسل العقل المصري".

وتساءل: "كيف يحدث هذا؟، ولمصلحة من؟، ومن الذي يحكم مصر؟، (ولي عهد أبو ظبي محمد) ابن زايد أم السيسي خريج الثانوية العسكرية؟، هل حدث؟، هذا جنون؛ مصر الحضارة 5 آلاف سنة وبلد العلم والفن والتاريخ تخضع عقلها لتحكمه دولة أنشئت منذ أقل من نصف قرن؟".

تسلل ثم توغل

التسلل الإماراتي إلى مجال التعليم المصري بدأ عام 2015، حيث وعدت أبو ظبي السيسي، بإنشاء 100 مدرسة، كهدية لمشاركته في حرب اليمن.

فيما كان الانطلاق الإماراتي بهذا المجال في مصر إثر قيام مجموعة "جيمس التعليمية"، التي تأسست عام 1959 بالإمارات وأصبحت أكبر شركة استشارات تعليمية خاصة بالعالم؛ عام 2018، بشراء حصة 50 بالمئة بـ4 مدارس دولية تدرس المناهج الوطنية والبريطانية، بمدينتي "الرحاب" و"مدينتي" شرق القاهرة.

ورغم أن ذلك الاستحواذ يعد مخالفة لقرار وزارة التعليم في سبتمبر/ أيلول 2019، يقضي بعدم زيادة نسب وحصص المشاركين الأجانب ومزدوجي الجنسية منفردين أو مجتمعين عن 20 بالمئة من قيمة أسهم المدارس الدولية، إلا أن القرار لم يطبق على "جيمس" بأثر رجعي.

مجموعة "جيمس"، واصلت حلقات انتشارها في مصر، بعدما أسست شراكة بين مؤسسة "Education GAMES" العالمية و"صندوق التعليم المصري" الذي تديره المجموعة المالية "هيرميس"، حيث أعلنت التحالف عام 2019، وجمع نحو 133 مليون دولار كرأس مال للصندوق للاستثمار بقطاع التعليم المصري.

وفي خططها نحو التغول، وفي أبريل/نيسان 2020، أعلنت "جيمس"، استثمار 300 مليون دولار في بناء 30 مدرسة خاصة خلال عامين، على أن تشمل ما بين 25 و30 ألف طالب، ما يشكل نحو 14 بالمئة من مجموع المدارس الخاصة الدولية في مصر.

تحالُف "جيمس"، و"هيرمس"، قرر في يناير/كانون الثاني 2020، اختراق أنشطة إنتاج الكتب وتدريب المعلمين، والاستثمار في البنية التحتية، وليس الاستحواذ على مدارس فقط، وتنفيذ خطة توسعية حتى 2025، تتضمن الاستثمار بالأنشطة المكملة للعملية التعليمية والتي بدأها باستحواذه على أغلبية شركة "أوبشن ترافيل" العاملة بقطاع النقل الخاص بالطلاب.

أهداف الإمارات

وفي مقال له بعنوان "الإمارات وأبعاد التوغل في قطاع التعليم المصري"، نشره "المعهد المصري للدراسات"، في 18 مايو/أيار 2020، تتبع الباحث المصري عمر سمير خلف، أبعاد النفوذ الإماراتي في قطاع التعليم المصري.

ولفت إلى أن عدد المدارس الخاصة بمصر 7750، وفقا لوزارة التعليم، وعدد طلاب التعليم ما قبل الجامعي 22 مليونا، وعدد المدارس الدولية بمصر 217، وأن امتلاك الإمارات 35 مدرسة يعني أنها تمتلك 16 بالمئة من المدارس الدولية، وهو الرقم المرشح للزيادة بقوة خلال عامين وفق خطط شركة "جيمس".

وقال خلف: إن "المدارس الدولية والخاصة في مصر يرتادها الطبقة الغنية ويعجز 90 بالمئة منهم ارتيادها، فيما تبدأ مصروفات الدراسة بالمدارس التابعة للإمارات من 70 ألف جنيه سنويا لرياض الأطفال وصولا إلى 150 ألف جنيه للمرحلة الثانوية، فيما تتراوح خدمات النقل ما بين 13500-18000 جنيه سنويا". (الجنيه يساوي 0,064 دولار)

وحول أهداف الإمارات من التوسع بقطاع التعليم المصري، أكد الباحث أن أولها: "دعم القوة الناعمة للإمارات وتنفيذ إستراتيجيتها الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية، مشيرا لاحتلال الإمارات المرتبة الأولى بالمنطقة والـ18 دوليا بمؤشر القوة الناعمة العالمية.

وثانيا، يرى خلف، أن الإمارات تسعى لاستغلال فترة تغلغل المؤسسة العسكرية المصرية بقطاع التعليم، سواء بإدارة وزارتي التعليم، أو عبر سلاسل المدارس الدولية والجامعات الخاصة التي ينشئها لواءات متقاعدين أو تنشئها المؤسسة العسكرية بنفسها، أو توريد الأغذية المدرسية وللمدن الجامعية.

وثالثا، لفت إلى "استغلال استعداد الشرائح العليا لإنفاق المزيد من الأموال على التعليم للحصول على شهادات دولية تُيسر لهم الحصول على المنح التعليمية، ومن ثم النفاذ إلى عالم المال والاقتصاد بسهولة ويسر".

رابع أهداف الإمارات من الاستثمار في التعليم المصري، وفق الباحث خلف، هي تصدير "النموذج الإماراتي"، مؤكدا أن "الأمر لا يقتصر على الاستثمار والأرباح فثمة انبهار بنموذج التعليم الإماراتي يتم الترويج له مصريا".

وأشار إلى أن لهذه السياسة "تأثيرات محتملة على النظام التعليمي والمجتمع المصري"، كما تتيح مثل هذه السياسة للإمارات "النفاذ إلى دوائر صنع القرار ومزيدا من النفوذ لدى القطاع الخاص الذي يفضل أصحابه خريجي هذه المدارس".

وقال خلف: "عندما نتحدث عن مستقبل يكون فيه عشرات الآلاف من خريجي مدارس تابعة للإمارات والكثيرون منهم بمؤسسات صنع واتخاذ القرار، فإننا نتحدث عن نفوذ للإمارات ربما يفوق نظيره ببريطانيا وأميركا التي لا تملك عدد هذه المدارس بمصر، وتفوق نفوذ الأزهر بدول إفريقيا". 

وفي نفس السياق، فإن هناك خطر آخر يحدق بالمصريين ولكن هذه المرة من الجامعات والمدارس بالإمارات والتي يرتادها 76 ألف طالب مصري، حسب تصريح للمسؤول بوزارة التعليم الإماراتية عمار بن ناصر المعلا، بالمؤتمر العلمي السادس "أيديوجت" بالقاهرة، في فبراير/شباط 2020.

ذلك الخطر يتفاقم إثر التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في 13 أغسطس/آب 2020، والذي من أبرز نتائجه توقيع اتفاقيات ثنائية بمجالات التربية والتعليم، فيما أعلنت الإمارات يوم 16 أغسطس 2020، على لسان عضو المجلس الاتحادي الإماراتي، علي النعيمي أن بلاده ستغير الخطاب الديني والمناهج التعليمية "حتى يشعر الإسرائيلي بالطمأنينة والانتماء".

النخبة المصرية

وفي رؤيته لخطط الإمارات من الانتشار بقطاع التعليم المصري، أكد الباحث المصري عزت النمر، أن "ابن زايد، استطاع بما لديه من خزينة متخمة بتريليونات الدولارات -بإنفاق الأموال- بسفه للتأثير على بعض الملفات المصرية، منها الداخلي كقدرته شراء السيسي، والعسكر".

وأيضا "استخدام الكائنات المشوهة بالمشهد المصري، وأصبح صاحب القرار في مصر منذ 3 يوليو/تموز 2013، كما اشترى بهذه الخزينة بعض ولاءات الغرب، التي تتحرك معه بأجندتها الكارهة للعرب وقضاياهم".

النمر، أضاف لـ"الاستقلال"، أن "كل هذا جعل ابن زايد يعيش جنون العظمة وينتفخ انتفاخات غير مبررة ويتعامل كقائد للعرب وكأن الإمارات دولة عظمى، وهذا وهم وسراب سينتهي بصدمة قريبة".

وتابع: "وساهم بهذا المشهد ضعف السيسي وهوان شخصيته وتقزيم مصر منذ الانقلاب، بجانب الدعم غير المحدود الذي يلقاه ابن زايد من إسرائيل باعتباره يتحرك وأجندتها وأهدافها".

"هذا الأمر لم يوقف هوس الإمارات بالاستحواذ على مشاريع اقتصادية وحساسة فحسب، بل أغرى ابن زايد بالانطلاق في الميدان التوجيهي والتربوي في الإعلام والتعليم"، كان ذلك رد الكاتب المصري على التساؤل: "هل ما تقوم به الإمارات مجرد استثمار في قطاع مربح أم أن لها غرض آخر؟".

وأضاف أنه "مع كل الإقرار بأن الإمارات استحوذت على نسبة لا يستهان بها من الاقتصاد المصري، وأنها هي وكيانات الجيش تغولوا على الاقتصاد ولم يتركوا للشعب المصري ولا القطاع الخاص إلا الفتات، إلا أن الاستثمار بقطاع التعليم ليس استثمارا يستهدف الربحية بالدرجة الأولى، لكنه يهدف بالأساس لأجندة الإمارات ومَنْ وراءها وأقصد إسرائيل".

واصل النمر، رؤيته بالقول: "معروف أن ابن زايد موتور ولديه عقدة تاريخية من الإسلام السياسي، ولن نتجاوز إذا قلنا أن لديه كراهية للإسلام شكلا وموضوعا، فضلا عن أنه عراب التطبيع ومندوب الأجندة الإسرائيلية عن عقيدة ورغبة ومصلحة".

وأكد أن "هذا كله دفع ابن زايد للاستثمار بمنصات التوجيه أملا منه في توجيه المستقبل المصري والتأثير على الأجيال الناشئة لتنسجم مع تصوراته وأجندته".

وبشأن المخاطر المحتملة من التغول الإماراتي بمجال التعليم، يرى الكاتب، أن "هذا التوجه الكارثي خطير على الأمن القومي، إذ أنه يتناول التطاول على الثوابت والمقدسات ويؤثر بإخلال على النشء الجديد ويأخذهم بعيدا عن الهوية العربية والإسلامية لمصر حامية العروبة والإسلام".

وقال النمر: "لا ننسى كذلك أن استثمارات الإمارات تكثر بالمدارس الدولية وهي تخص طبقة النخبة المصرية وهذا يضيف للأمر خطورة بالغة، لأنه يستهدف أبناء الطبقة المؤثرة ذات التأثير الأكبر المحتمل للمستقبل والمؤهلة أكثر إلى مناصب التأثير والتوجيه للقرار المصري في المستقبل القريب والبعيد".

وجزم بالقول أن "الأمر ببساطة أن ابن زايد يسعى لإنتاج أجيال مصرية برؤية وأجندة إسرائيلية، وفي أقل الأحوال ليست مهمومة بالقضايا العربية ولا هموم الأمة الإسلامية".

وختم النمر تصريحه بالقول: "يقيني أن إسرائيل في قلب التوجه الإماراتي وراعية وداعمة له، بل أن ابن زايد والإمارات ليسوا أكثر من قفاز عربي لأجندة صهيونية قذرة وكارثية".