سنان أبو لحوم.. شيخ يمني دخل السجن طفلا وحارب الملكية واعتزل السياسة

سام أبو المجد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صباح السبت 9 يناير/كانون الثاني 2021، توفي في القاهرة السياسي اليمني المخضرم الشيخ سنان أبو لحوم، عن عمر يناهز نحو 100 عام، بعد معاناة طويلة مع المرض.

يعد الشيخ أبو لحوم زعيما لقبيلة "بكيل"، أشهر قبائل اليمن إلى جانب قبيلتي "حاشد" و"مذحج"، كما يعد الشخصية الثورية الأقدم في مقارعة الإمامة.

خاض سنان نضالا ثوريا مع صفوف المعارضة نهاية خمسينيات القرن الماضي، وهو النشاط الثوري الذي أطاح بالإمام أحمد حميد الدين ملك المملكة المتوكلية اليمنية عام 1962، وأسس لأول جمهورية في اليمن.

رافق أبو لحوم، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ومحمد محمود الزبيري، وكثير من الثوار، ويعد أكبرهم سنا، حيث كان الأحمر يناديه بالعم سنان، تقديرا له، في حين يناديه الآخرون بالنقيب، وهي منزلة اجتماعية تفوق منزلة "شيخ المشايخ"، وفق العرف القبلي لاتحاد قبائل بكيل اليمنية.

احتكار التعليم

ولد سنان عبدالله صالح بن يحيى أحمد أبو لحوم، عام 1922، في قرية وادي الملح بمديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، وتلقى تعليما أوليا في الكُتاب، مكّنه من القراءة والكتابة، غير أنه لم يستطع إكمال تعليمه حينها، لاحتكار التعليم في أسرة آل حميد الدين العائلة الحاكمة في تلك الفترة.

لكن الشيخ القبلي الذي تلقى تعليما أوليا استطاع أن يمارس السياسة والزعامة القبلية والعمل الثوري، وتمكن من تقلد مناصب حكومية مهمة، وكتب ذلك في مذكراته المكونة من 3 أجزاء، وتعد مرجعا مهما ليوميات الثورة ونضالات الثوار.

علاوة على ذلك، فقد كان بعض أبنائه من أهم الكوادر العلمية في اليمن، حيث كان نجله الدكتور الراحل طارق طبيبا معروفا، ورئيسا لجامعة العلوم والتكنولوجيا أهم وأكبر الجامعات اليمنية الخاصة.

وبسبب نشاطه القبلي، اتُّهم الشيخ أبو لحوم بتعزيز سلطة القبيلة على حساب سلطة الدولة، الأمر الذي تسبب بإضعاف أسس الدولة والجمهورية المولودة حديثا بعد 1000 سنة من الحكم الإمامي الملكي، وهو الأمر الذي ينكره أبو لحوم، ويعتبر القبيلة جزءا من مكونات الدولة، ورافدا لها لا موازية لها.

الطفل السجين

بدأ الشيخ سنان أبو لحوم حياته كسجين "رهينة"، فقد سجنه الإمام يحيى مذ كان طفلا في العاشرة من عمره، واستمر سجنه 5 سنوات، وكان الإمام يحيى ومن بعده الإمام أحمد قد درجا على سجن شخص من كل قبيلة كرهينة، لضمان ولاء القبيلة وعدم التمرد على الإمام.

وفي خمسينيات القرن الماضي ما لبث أن أصبح سنان مستشارا لولي العهد الأمير محمد بن أحمد حميد الدين، الملقب بالـ"البدر"، وذلك لمكانته الاجتماعية، ومركزه القبلي، واحتياج ولي العهد لمن يحتوي القبائل ويشرف على حل قضاياها ونزاعاتها.

غير أن الإمام أحمد ما لبث أن لاحق أبو لحوم وأمر بتدمير منازله في كل من "نهم"، و"وراف"، عقب النشاط المعارض الذي مارسه الأخير إزاء حكم الإمام أحمد، وحملة التمرد التي قادها الشيخ حسين الأحمر، زعيم قبيلة حاشد، ووالد الشيخ عبدالله الأحمر، ضد الإمام أحمد.

زعيم قبلي

أشرف أبو لحوم على أملاك والده من الأراضي وهو شاب، وعمل في التجارة في عدن وهو صغير، ويعد من أثرياء اليمن ومالكي الأراضي والعقارات والأملاك الموزعة في داخل وخارج اليمن.

عام 1955 تم اختياره خلفا لأبيه الذي كان شيخا وزعيما قبليا، ومعروفا لدى الإمامين يحيى وأحمد، وكان الإمام يحيى يسمي عبدَالله أبو لحوم، والد سنان، "شفيع المجرمين"، وذلك لكثرة الشفاعات التي يتقدم بها للإمام من أجل الصفح والعفو عن بعض من ينالهم عقاب الإمام.

ومع أنه ينحدر من مديرية نهم، التي تقع شمال صنعاء، إلا أنه ومنذ وقت مبكر، استوطن في منطقة وراف، بضواحي مدينة إب، وسط اليمن، وتملّك عددا كبيرا من الأراضي والعقارات، وبنى هناك منزلا شهيرا، في منطقة مطلة على وديان منطقة وراف بمدينة إب.

عقب الثورة تم تعيينه نائبا لرئيس مجلس الشورى، ثم ما لبث أن التحق بحملة عسكرية لملاحقة فلول الإمامة وإخضاع قبائل صعدة التي كانت تدين بالولاء للملكية.

عقب ذلك سافر إلى مصر، وتم تعيينه سفيرا في الصين بغرض إبعاده، من قبل الأجنحة التي كان يعارضها داخل الصف الجمهوري، وفي 1964 تم اختياره كعضو لمجلس الرئاسة، إلى جانب 23 عضوا آخرين.

تولى بعد ذلك منصب وزير الزراعة، ثم محافظا للحديدة، ثم مساعدا للرئيس إبراهيم الحمدي للشؤون المالية، لكنه اعتزل العمل السياسي عقب مقتل الحمدي نهاية السبعينيات.

كان أبو لحوم مرحبا بالدعم المصري للثوار اليمنيين في ثورة 1962، لكنه عارض التدخل العسكري والإداري في الشؤون اليمنية، وقرأ بيان "مؤتمر عمران" لمناصرة الثورة اليمنية.

وفي 1963 عُقد بعمران شمال صنعاء المؤتمر الشعبي اليمني للسلام الذي دعا للوقوف إلى جانب الثورة ودعوة المتمردين إلى إلقاء أسلحتهم والانخراط في العهد الجمهوري.

حرب "صالح"

ورغم تأييده تولي صالح الرئاسة عام 1978، اتهم أبو لحوم بالوقوف إلى جانب الحزب الاشتراكي في حرب صيف 1994 بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي نفاه، في حواره مع قناة الجزيرة.

سنان قال إن موقفه الرافض للحرب التي شنها صالح على الجنوب لم يكن من أجل حزب معين، بل من أجل منع الحرب وللصلح بين أطراف الصراع.

كان سنان أحد المشاركين في مؤتمر المصالحة بين شطري اليمن برئاسة علي عبدالله صالح، الرئيس السابق للشطر الشمالي، والرئيس عبد الفتاح إسماعيل الرئيس السابق للشطر الجنوبي، وأحد المشاركين في حفل إشهار الوحدة اليمنية عام 1994.

ومنذ اعتزاله للعمل السياسي نهاية السبعينيات، بقي الشيخ أبو لحوم مقيما خارج اليمن، متنقلا بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من البلدان العربية، ومترددا على زياراته إلى اليمن بين الحين والآخر.

في 2005، ألف الشيخ أبو لحوم مذكراته التي سماها (اليمن.. حقائق ووثائق عشتها) وقد ألفها في 3 أجزاء، وضمّنها وثائق مهمة تحكي محطات مهمة.

في الجزء الأول تناول المرحلة من عام 1943 وحتى اندلاع الثورة 1962، وفي الجزء الثاني تناول المرحلة من 1962 وحتى تولي إبراهيم الحمدي الرئاسة عام 1974.

وفي الجزء الثالث تناول المرحلة من عام 1974 وحتى عام 1990، وهو تاريخ الوحدة اليمنية بين الشطرين الشمالي والجنوبي.

وبالإضافة إلى تناوله للأحداث المحلية اليمنية، تناول أيضا في مذكراته عددا من الأحداث الإقليمية، مثل النكسة المصرية عام 1967، وكيف انشغل الجيش المصري بالشأن اليمني ما تسبب بحدوث النكسة.

وفي 2011، أيد أبو لحوم مطالب الثوار، وانضم للأصوات المطالبة برحيل صالح عن السلطة، وحذر من قمع المتظاهرين، وفي حواره مع صحيفة الأهالي اليمنية، اتهم أبو لحوم، الرئيس صالح بأنه ينصب له المكائد ويتآمر عليه.