أرسل وفدا لطرابلس ووقع نهاية حفتر.. لماذا تغير موقف السيسي من ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

"لا شيء مستحيلا في السياسة"، مقولة تجسّدت سريعا في ليبيا التي لا يزال يسيطر عليها خطاب تصعيدي من جانب اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر، متعمدا كسر الهدوء الإيجابي الذي تعيشه البلاد منذ وقف إطلاق النار والانطلاق في المباحثات السياسية بين أطراف النزاع.

هذا التصعيد يأتي وسط موجة من الحراك الدبلوماسي تعيشه العاصمة طرابلس، كان آخره استقبال مسؤولين ليبيين وفدا مصريا برئاسة نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء أيمن البديع، الرئيس التنفيذي للجنة المعنية بليبيا.

الزيارة كانت بمثابة محاولة لإعادة ترتيب العلاقات المصرية المقطوعة منذ عام 2014. مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، بعد سنوات من انخراط القاهرة في دعم ميليشيات حفتر ومساعيه لإقامة نظام عسكري شمولي يئد طموحات الليبيين في تحقيق انتقال ديمقراطي حر.

واقع جديد

نهاية يونيو/حزيران 2020، قال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي، بأنه من الضروري حماية الحدود المصرية التي يسهل اختراقها، قائلا: إن "سرت والجفرة" ( شرق العاصمة الليبية) تمثلان "خطا أحمرا".

وبينما أكد "السيسي" أنه إذا تم تجاوز هذا الخط، ستتدخل القوات المصرية بشكل مباشر في ليبيا، ردت حكومة "الوفاق" بأن "كل ليبيا خط أحمر. مهما كان الخلاف بين الليبيين، فلن نسمح بإهانة أو تهديد شعبنا".

تصريح "السيسي" الذي وصفه البعض بالـ"المتشنج" جاء مباشرة بعد خسارة حليفه "حفتر" الذي لم يتأخر "السيسي" عن دعمه سياسيا ولوجستيا في الغرب الليبي، ودعمه في محاولات الإطاحة بالحكومة الشرعية منذ أبريل/نيسان 2019.

لكن بعد قرابة العام من المعارك على حدود العاصمة طرابلس، نجحت حكومة "الوفاق" بتوقيع اتفاق تعاون عسكري مع الحكومة التركية، ما ساهم في قلب معادلة الصراع وفرض وقائع جديدة على الأرض.

بسط قوات حكومة "الوفاق" نفوذها على أجزاء واسعة من الأراضي، أرغم حفتر وداعموه في نهاية المطاف على إعلان وقف إطلاق النار، وفسح المجال أمام المبادرات السياسية.

هذه التغييرات على الأرض، دفعت مصر إلى تعديل موقفها تجاه حكومة "الوفاق" التي طالما وجهت أذرع "السيسي" الإعلامية اتهاماتها لحكومة "السراج" بالإرهاب ودعم المليشيات المسلحة واحتضان المسلحين من مختلف الجنسيات.

رسائل ود

بمجرّد الاتفاق على وقف لإطلاق النار بين طرفي النزاع في ليبيا يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بدأت تخرج للعلن خطوات مصرية للتقارب مع حكومة الوفاق والبعث برسائل تودد لها، حاول المعسكر الخاسر في ليبيا الترويج لها على أنها تكتيك مصري لإبعاد حكومة "الوفاق" ورجالها عن الأتراك.

إلا أن الوقائع على الأرض أثبتت مزيدا من التعاون والتقارب بين الجانبين ظهر جليا في تواصل الدعم العسكري اللوجستي والتدريبي بالإضافة إلى الدعم السياسي والتنسيق في القضايا الكبرى التي تهم المنطقة ككل.

ومع البدء في المحادثات السياسية على مختلف الأصعدة، سعت مصر لاستعادة التواصل المنقطع مع حكومة "الوفاق" المعترف بها دوليا، توّجت بزيارة وزير الداخلية "فتحي باشاغا" للقاهرة يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، كانت زيارة الوفد المصري الرفيع للعاصمة طرابلس بمثابة التأكّيد على هزيمة "حفتر" في الحرب وسقوط مشروعه في إقامة نظام عسكري مشابه للنظام الحاكم في مصر بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

زيارة "الوفد المصري" الذي ضم مسؤولين في أهم أجهزة الدولة ألا وهي المخابرات بالإضافة إلى دبلوماسيين، جاء في وقت كان فيه "حفتر" يطلق تهديدات باستهداف تركيا الحليف القوي لحكومة الوفاق.

وحسب مراقبين، فإن مخرجات هذه الزيارة، كانت في الغالب قضايا تتعلق بعودة السفارة الليبية للقاهرة، وإعادة فتح سفارة القاهرة في طرابلس، وتفعيل بعض الاتفاقيات السابقة حول حرية التنقل والعمل بين البلدين الشقيقين.

خلع حفتر

معلومات متداولة أيضا تتحدث عن وضوح وصراحة من الطرفين في التعامل بجدية لتجاوز دعم مصر لعملية "حفتر" العسكرية على العاصمة طرابلس.

وحسب تقرير لموقع المونيتور الأميركي مطلع يناير/كانون الثاني 2020، فإن حكومة "الوفاق" تعتبر الزيارة بمثابة اعتراف رسمي من مصر، التي لطالما دعمت خصم طرابلس في الصراع.

وبالمثل، قد يفكر المسؤولون الأتراك في أن مصر تقترب من موقف أنقرة من خلال الاعتراف أخيرًا بالمكانة المعترف بها دوليًّا لحكومة طرابلس، والتي كانت تركيا تروج لها منذ فترة طويلة.

صحيفة "الغارديان" البريطانية جزمت في تقرير لها حول ليبيا يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020، أن "حفتر" فقد نفوذه الخارجي و"هيبته" المحلية، وفق تعبيرها.

وأوضحت "الغارديان" أن فشل حفتر في حصار طرابلس، سمح بسماع مزيد من الأصوات الواقعية وازدهار فرص المصالحة الوطنية.

وعدّت "الغارديان" زيارة وفد من الدبلوماسيين المصريين ومسؤولي المخابرات للعاصمة طرابلس ولقائه بقادة من حكومة الوفاق بـ"التطور المفاجئ" بعد انقطاع دبلوماسي بين مصر والوفاق منذ عام 2014.

نقل التقرير عن "بيتر ميليت"، السفير البريطاني السابق في ليبيا قوله: "لقد انتصرت أصوات الدبلوماسية مؤقتاً في القاهرة، وعلى المصريين إعادة بناء صلاتهم مع حكومة الوفاق الوطني".

مضيفا: "كانت هناك دائما انقسامات في القاهرة بين وزارة الخارجية، التي تؤيد الحل التفاوضي السياسي، والجيش الذي يدعم حفتر وعمل مع الإماراتيين. الاختيار العسكري لم ينجح. والأسلوب الدبلوماسي قد منح فرصة مرة أخرى".

تغييرات دولية

في الوقت نفسه، بادرت فرنسا إلى ركوب موجة التهدئة في ليبيا، حين دعت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، حفتر إلى "الامتناع عن استئناف الأعمال العدائية، وتركيز الجهود على إيجاد حل سياسي".

من جهته، اعتبر المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أن الموقف المصري لم يكن عبثيا، فهو قائم على تقييم المتغيرات الدولية الحاصلة وأبرزها فوز الرئيس الأميركي "جو بايدن"، الذي من المتوقع أن تكون سياسته تجاه المنطقة مختلفة عن تلك التي كان ينتهجها سلفه "ترامب" خلال الأربع سنوات الماضية، ومنها الرهان على الأنظمة الاستبدادية، لذلك فإن مصر تحاول أن تتراجع خطوة للوراء.

وأضاف "الزبير" في حديث لـ"الاستقلال": "على المستوى الأوروبي فإن سجل حقوق الإنسان المصري محل متابعة وإدانة من قبل أطراف أوروبية مؤثرة، وحتما فإن مصر متورّطة مع حلفائها في ارتكاب جرائم بليبيا، وتحاول أن تتجاوز هذا الملف والتغطية عليه بربط علاقات طبيعية مع الغرب الليبي".

وشدد المحلل السياسي، على أن "ما سيقع بالفعل هو تراجع لمنسوب التدخلات الخارجية في ليبيا خاصّة من قبل الدول البعيدة عن ليبيا مثل الإمارات والسعودية، ومصر لا يمكن أن تتحمل تكلفة العداء مع ليبيا لوحدها خاصّة وهي دولة جوار ولها ارتباطات جغرافية وقبلية واقتصادية مع ليبيا".

واعتبر "الزبير" أن "الأهم من كل ذلك أن الموقف التركي وهو الحليف الرئيس لحكومة "الوفاق" صار قويا جدا في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط ككل، على المستوى العسكري والاقتصادي".

وتابع: "ساهم ذلك في فرض السلم في ليبيا بالفعل، وهو ما سيفتح الباب الآن أمام الإعمار والاستثمار، ومصر تبحث عن موطئ قدم في ليبيا من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه الآن".

ويرى المحلل السياسي الليبي، أن "مصر باتت مقتنعة بأنه لا مستقبل لحفتر في ليبيا، حيث تأكّد لديها بأن الرهان عليه باء بالفشل رغم الدعم السخي المادي والعسكري والسياسي، وأن حلفاءه في الغرب قد تخلوا عنه وهو ما عبّر عنه الجانب الفرنسي في تصريحاته الأخيرة".

وختم "الزبير" حديثه: "ظهر الموقف المصري جليا من خلال الوفدين اللذين أرسلتهما القاهرة إلى ليبيا، فالوفد الذي زار حفتر في قاعدة الرجمة كان أمنيا فقط برئاسة رئيس المخابرات، بينما الوفد الذي زار طرابلس كان أمنيا ودبلوماسيا في نفس الوقت وهو ما أظهر نية لدى المصريين في إعادة العلاقات الطبيعية مع طرابلس وتجاوز خلافات السنوات الماضية".