حاتم علي.. مخرج سوري نقل وجع فلسطين ولم يركن لنظام الأسد

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"لست فقط أحد أبناء الجولان المحتل، الذين عاشوا تجربة تتقاطع مع التغريبة الفلسطينية، لكنني أيضا عشت طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك، وكنت في عام 1967، بعمر (صالح) -مشهد في المسلسل-، وكثيرا ما سُئلت كيف يمكن لمخرج غير فلسطيني، أن يقدم عملا عن هذه القضية، فكنت أقول إن قضية فلسطين قضيتنا جميعا".

هذه بعض من كلمات المخرج السوري الراحل حاتم علي، والتي وصفت حياته بدقة من خلال أحد أبرز أعماله مسلسل "التغريبة الفلسطينية".

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، صدم العالم العربي بوفاة حاتم علي، إثر نوبة قلبية داهمته بأحد فنادق القاهرة، وهو يعيش في غربته منذ سنوات بعيدا عن وطنه.

الرحيل المفاجئ لـ "علي" كان قاسيا على أسرته ورفاقه، وسائر الجماهير العربية، الذين تذكروا مسيرته الحافلة وأعماله الدرامية الخالدة، التي دخلت كل بيت، وحفظت عن ظهر قلب.

طفولة صعبة

عرف عن "حاتم علي" ولعه بإخراج الأعمال الملحمية، فقد عاش طفولته أيضا في أجواء كهذه، حيث ولد يوم 2 يونيو/حزيران 1962، في محافظة الجولان السورية.

بعد خمس سنوات من ولادته وقعت النكسة العربية بهزيمة 5 يونيو/حزيران 1967، وبدأت مسيرة قاسية في حياة الطفل الصغير، عندما هُجر مع عائلته في رحلة تغريبة طويلة رافقته طوال حياته وحتى موته. 

ربما لم يستوعب الصغير تفاصيل الأحداث عندما حولت قرية "فيق" التي ولد بها السوري إلى سراب مع تشييد مستوطنة "أفيك" الإسرائيلية على أنقاضها، ولكنه بلا شك شهد بؤس الرحلة والمرحلة التي حُفرت في ذهنه وصورها في إبداعاته.

عاشت أسرة "حاتم" بعد ذلك في تجمعات المهجرين الجولانيين، وسكنت أطراف مخيم اليرموك، وعانى المخرج السوري كسائر مجتمعه من المعاناة وضيق العيش. 

كان الكفاح والنجاح هو العامل الوحيد الضامن لخروج أهالي تلك المخيمات من كدر العيش وصعوبته، والانتقال بهم إلى مرحلة أخرى.

وهكذا رأت أسرة "حاتم علي" فيه طوق النجاة، فشب بمسؤولية كبيرة تجاوزت إثبات الذات إلى حمل هموم فكرة وقضية أشمل، ومن ثم تلقى تعليمه الأولي، ثم درس في كلية الآداب قسم الفلسفة، ومنها إلى المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وتخرج منه عام 1986.

وقد رصد بدقة هذه المرحلة الكاتب السوري "فجر يعقوب" في كتابه "الاستبداد المفرح" الذي شمل سلسلة حوارات مع الراحل يروي فيها مسيرة حياته. 

انطلاقة ومسيرة 

منذ البدايات ظهرت على "حاتم علي" سمات الإبداع، من خلال كثافة الأفكار، والإصدارات الفنية والأدبية، حيث بدأ مسيرته العملية بالكتابة المسرحية والنصوص الدرامية والقصص القصيرة، ونشر مجموعتين قصصيتين هما "ما حدث وما لم يحدث، مدرس التاريخ العجوز". 

أما على صعيد السيناريو، فقد ألف فيلم "زائر الليل" الذي أخرجه محمد بدر خان، وكتب مسلسل "القلاع" الذي أخرجه مأمون البني، وألف فيلم تلفزيوني بعنوان "الحصان" أخرجه بنفسه، كما شارك في كتابة فيلم "آخر الليل" مع الكاتب عبد المجيد حيدر، وحصل من خلاله على أول جائزة كمخرج من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 1996. 

وبالنسبة للمسرح كتب "حاتم علي" مسرحية بعنوان "الحصار" بالتعاون مع المخرج المسرحي "زيناتي قدسية"، وأخرج ثلاث مسرحيات "مات 3 مرات - البارحة اليوم وغدا - أهل الهوى". 

وللراحل مجموعة أفلام سينمائية هي "العشاق - شغف - الليل الطويل - سيلينا". 

وله أيضا تجارب إنتاجية متعددة تمثلت في إنتاج فيلم "علاقات شائكة، وطوق الياسمين، و8 ملم ديجيتال، وميكي ماوس"، بالإضافة إلى مسلسل "صراع على الرمال". 

ويذكر أن "حاتم علي"، خاض  تجارب ثمثيلية في أعمال بلغت 23 عملا في السينما والتليفزيون مع كبار المخرجين في سوريا.

صاحب الروائع 

تفجرت طاقات المخرج السوري الراحل "حاتم علي"، من خلال مساره العظيم في الدراما السورية والعربية، وتحديدا التاريخية منها، حيث سطر أعمالا كانت بمثابة منحوتات فنية، صنعت بدقة متناهية وبأنامل فنان متمرس، فكاميرا حاتم، دخلت كل بيت عربي، من خلال هذه المسلسلات الخالدة. 

وكان أبرزها رائعة "الزير سالم" المنتجة عام 2000، عن رواية للكاتب الراحل "ممدوح عدوان"، وضم إليها صفا من نجوم العرب في عمل واحد، على رأسهم "سلوم حداد وعابد فهد وفرح بسيسو ورفيق علي أحمد وبسام كوسا وسمر سامي ونجاح العبد الله وتيم حسن".

ثم مسلسل "صلاح الدين الأيوبي"، بطولة الفنان "جمال سليمان"، وهو المسلسل الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات، وعرض في تركيا وماليزيا.

ولا شك أن مجموعة مسلسلات "الرباعية الأندلسية" وهي على التوالي "صقر قريش - ربيع قرطبة - المرابطون والأندلس - ملوك الطوائف"، يمثلون حالة متفردة من حيث الأداء المتكامل وروعة النص مع الصورة مع تسلسل الأحداث، وهم يمثلون التاج المعقود في مملكة المخرج السوري.

وفي عام 2004. أخرج الراحل "حاتم علي" ملحمة "التغريبة الفلسطينية"، التي نكأت جرح كل مواطن عربي، برصده من خلال تلك الدراما المأساوية قضية تهجير الشعب الفلسطيني وما عايشوه من جراح ونكبات.

وقد انطبعت حياة "حاتم" على نفسه، التي شهد فيها تهجيرا مماثلا على العمل، وهو ما ظهر بوضوح في المشاهد والحوارات والقصص، وانعكس على الواقع من خلال حجم التأثر الجماهيري بذلك العمل تحديدا.

وأيضا أخرج مسلسل "الملك فاروق" عام 2007، الذي كان التحدي الأبرز فيه اقتحام سوق الدراما المصرية الأعرق والأقدم في الوطن العربي. وهو ما نجح فيه المخرج السوري ليصبح اسمه بعدها مطروحا بقوة لدى شركات الإنتاج المصرية. 

 وجاء مسلسل "عمر" عام 2011، وهو أضخم إنتاج "تلفزيوني عربي" على الإطلاق، ليكون بلا منازع درة أعمال الراحل "حاتم علي"، حيث قدم شخصية الصحابي الجليل "عمر بن الخطاب"، لأول مرة في التاريخ، وحرص على أن يتجاوز الحساسيات وجدليات الفتاوى، إلى بروز عمل رائد ومختلف، يعد مرجعا من مراجع الدراما التاريخية الإسلامية. 

سنوات الصراع

لا شك أن مسيرة "حاتم علي" تأثرت أيما تأثر بسنوات الثورة والحرب في سوريا، والتي خلفت مئات الآلاف من الضحايا وملايين المهاجرين والنازحين. 

ورفض "علي" فكرة الانخراط في أي عمل درامي يتناول الثورة السورية، وبحسب تعبيره "هي لا تزال مستمرة وليس من الإبداع أن نتكلم عن حدث سياسي بهذا الحجم من دون أن يكتمل". 

"حاتم" اتخذ موقفا متحفظا تجاه كل ما يحدث، فالبعض اتجه نحو الخارج رافضا البقاء تحت سلطة نظام بشار الأسد، وهناك من اختار أن يوالي النظام للبقاء، ومع ذلك دفع الراحل الثمن حيث لم يبد ولاء لنظام بشار الأسد.

وفي عام 2018، أصدرت نقابة الفنانين السوريين، التابعة للنظام قرارا بفصل الكثير من نجوم الدراما السورية بتهمة ما أسمتها "المساهمة في سفك الدم السوري عبر تأييد المعارضة المسلحة أو الدعوة للتدخل العسكري، وأساؤوا للعلم الوطني وشخص الرئيس والنشيد الوطني".

وضمت إحدى هذه القوائم حوالي 200 فنان، منهم "حاتم علي وتيم حسن وجمال سليمان".

وما بين غربته في القاهرة وحزنه على وطنه، اختار "علي" اللجوء إلى كندا، وقدم طلبا تمت الموافقة عليه، ولكن رحيله أوقف رحلته ومسيرة طويلة من الإبداع لن تمحى من ذاكرة الأجيال. 

حزن عميق

خلف موت "حاتم علي"، حزنا كبيرا في الأوساط الشعبية والفنية العربية، ونعته الجماهير من كل حدب وصوب، وعبر مريدوه ورفاقه في رحلته عن مدى فجيعتهم برحيله. 

وغرد الفنان السوري تيم حسن، قائلا: "رحم الله المخرج الكبير، والأستاذ الحبيب حاتم علي، الله يرحمك رحمة واسعة يا صاحب الفضل الكبير، تركت إرثا خالدا نفخر فيه سوريين وعرب". 

وكتب المخرج السوري هيثم حقي، "آآآآآه يا حاتم.. فطرت قلبي يا أخي وابني وصديقي وشريكي في الفن ممثلا ومخرجا وكاتبا وإنسانا تليق بك الإنسانية.. أي حزن يلف سوريتنا المقهورة.. ما زلت لا أصدق". 

وقال الإعلامي أحمد عاشور: "أهم ما تركه فينا هو الفخر .. أعاد لنا الذاكرة حية والتاريخ موزونا وأدخلهم لبيوتنا.. مفجع رحيل الوعي .. رحيل الصورة الجميلة.. وهذه الروح التي لمسناها جميعا في الدراما السورية.. رحمك الله يا حاتم".

وأوردت الصحفية السورية نور حداد: "حاتم علي مرتبط بذاكرتنا.. بوجداننا.. بفصولنا الأربعة.. بغربتنا وتغريبتنا.. خسرناك يا حاتم". 

وأعربت الفنانة السورية "كندا علوش" عن حزنها في منشور لها بالقول: "حاتم علي ليس مجرد اسم ولا مجرد مبدع ولا مجرد صديق ولا شريك عمل.. هو ذاكرة وبلد وحنين وإرث، هو مؤسس وأستاذ وصاحب فضل على بلد وأفراد، هو صاحب فضل على الدراما السورية والعربية وعلى فنانين من كل البلاد العربية.. هو مرجع وفراقه المفاجئ لا يشبه أي فراق.. فراق فتح معه سيلا من الأوجاع". 

ويذكر أن المخرج الراحل، حاز على عديد من الجوائز والتكريمات في حياته، منها "ذهبية مهرجان البحرين" عن مسلسل "الزير سالم"، وشهادة تقدير من نقابة الفنانين السوريين عن نفس المسلسل.

و"ذهبية مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون" عن مسلسل "صلاح الدين الأيوبي"، وكذلك أفضل مخرج عن مسلسل "صلاح الدين الأيوبي" من مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون. 

ومرة أخرى حصل على "ذهبية مهرجان القاهرة" للإذاعة والتليفزيون عن المسلسل التاريخي "صقر قريش"، وأفضل مخرج عن مسلسل "صقر قريش" من مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون.

وحصل على "ذهبية مهرجان تونس" للإذاعة والتلفزيون عن المسلسل التاريخي "ملوك الطوائف"، إضافة إلى "ذهبية مهرجان القاهرة" للإعلام العربي لأفضل مسلسل عن مسلسل "الملك فاروق".