عزوف عن المشاركة.. كيف قتل السيسي الحركة الطلابية في مصر؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

وسط غياب كامل للعمل السياسي وشباب الأحزاب الفاعلين، وضرب نظام السيسي لأواصر "الحركة الطلابية" في مصر، أعطى وزير التعليم العالي والبحث العلمي خالد عبد الغفار، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020، موافقته على بدء انتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات خلال العام الدراسي 2020/ 2021.

كانت السمة المميزة للعملية الانتخابية، هي فوز أغلب اتحادات الكليات بالتزكية، وسط غياب أي منافسة حقيقية بين التيارات المحجوبة أصلا، مثلما كان يحدث قبل وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وعزوف الطلاب عن المشاركة سواء بالترشح أو التصويت.

غياب المنافسة

حسب تقرير المركز الإعلامي لمجلس الوزراء (حكومي) الصادر بتاريخ 31 أغسطس/آب 2020، شملت الانتخابات 27 جامعة حكومية رسمية، تضم 494 كلية ومعهدا، يعملون على خدمة 3 ملايين طالب.

في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، تم حسم مقاعد 9 كليات بالتزكية بجامعة القاهرة، كما أعلن رئيس "جامعة حلوان" حسم نصف مقاعد الكليات بالتزكية أيضا.

ومنذ أغسطس/آب 2017، تخضع الانتخابات وفقا "للائحة الطلابية الجديدة" التي اعتمدها المجلس الأعلى للجامعات، وأَحكمت من خلالها الأجهزة الأمنية قبضتها على الحركة والعمل الطلابي.

اللائحة الجديدة شهدت في حينها رفضا واسعا من الطلاب، الذين رأوا أنها تخلق اتحادات هشة منزوعة الصلاحيات، ولا تؤدي غايتها الأساسية في التعبير عن شرائع عريضة من الطلاب، وتقييد الدور الخدمي، والحراك الثقافي والديمقراطي الفاعل داخل الجامعات.

بسبب تلك السياسات القمعية، غابت أو غُيبت قسرا حركات طلابية بارزة عن المشهد، كانت تشكل القوام الرئيسي للانتخابات في سنوات ما قبل الانقلاب العسكري ومنهم اليسار، وطلاب جماعة الإخوان المسلمين، والتيار المصري، ومصر القوية، و6 أبريل، والتيار الشعبي، والاشتراكيون الثوريون.

تاريخ نضالي

عبر ما يزيد عن قرن من الزمان، لعبت الحركة الطلابية في مصر دورا هاما وحيويا، سواء في طرد الاحتلال الإنجليزي من البلاد، أو إحياء العمل السياسي، ما جعل المؤرخ الفرنسي "والتر لاكير" يقول عنها: "لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".

بداية قوية شهدتها الحركة الطلابية المصرية عند تشكيلها مطلع القرن العشرين، ومن السياقات التاريخية البارزة أن وجودها سبق تأسيس أول جامعة في 21 ديسمبر/كانون الأول 1908، تحت مسمى الجامعة المصرية.

بزغت الحركة الطلابية في مصر عام 1905، على يد الزعيم الوطني "مصطفى كامل"، الذي دشن نادي المدارس العليا، بهدف تنظيم صفوف الطلبة، وتنمية الوعي السياسي لديهم، ومن ثم تعبئتهم ضد المحتل البريطاني في ذلك الوقت.

ما هي إلا أعوام قليلة" واندلعت أحداث ثورة 1919، وفي القلب منها نضال الطلاب المصريين الذين لعبوا الدور الأكبر في إذكاء روح الثورة، وشكلوا قوامها الأساسي، كطليعة لطبقة مثقفة مناضلة تحمل هم القضية المصرية.

وقتها، تكررت مشاهد وصور الطلبة، وهم يخرجون من الجامعات والمدارس حاملين لافتة "الاستقلال التام أو الموت الزؤام" في مسعى لنيل الشعب آنذاك استقلاله.

بقيت جذوة نضال الحركة الطلابية مشتعلة لم تنطفئ حتى انتفاضة 1946، وكان مطلبها الأساسي، وقف أي مفاوضات مع حكومة الاحتلال في مصر، وفيها وقعت حادثة "كوبري عباس" الشهيرة، عندما فتحت قوات الأمن الجسر أثناء عبور الطلاب، ما أدى إلى قتل وغرق عدد منهم في نهر النيل.

بعدها بدأت الحركة الطلابية التنسيق مع اللجان العمالية، ونجحوا في تكوين جبهة واحدة، دعت إلى اعتبار يوم 21 فبراير/شباط 1946. يوما للجلاء، وأطلق عليه "يوم الطلاب الوطني".

خمول وبعث

لم يكن غياب الحركة الطلابية عن المشهد في فترة الخمسينيات والستينيات خلال حقبة الرئيس جمال عبد الناصر، وهيمنة الطليعة الاشتراكية على الأمور، إلا ممهدا لفشل الحياة السياسية المصرية بشكل عام، وهي الحالة التي أدت في نهايتها إلى نكسة 1967.  

تلك الهزيمة رغم قسوتها، لكنها بعثت روح الغضب في الحركة الطلابية، وفي 21 فبراير/شباط 1968، اندلعت انتفاضة عارمة ردا على النكسة المذلة، ووصل عدد المشاركين في المظاهرات آنذاك نحو 100 ألف طالب.

لم تتوقف المظاهرات الطلابية في الجامعات، حتى تحقق النصر على إسرائيل في معركة العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، وحررت مصر سيناء المحتلة.

وطيلة فترة السبعينيات شهدت الحركة الطلابية بعثا جديدا في عصرها الذهبي، حيث برزت قيادات طلابية قادت المعارضة والحياة السياسية في مصر، لسنوات طويلة بعدها.

كان ذلك واضحا في انتفاضة الخبز 18 و19 يناير/كانون الثاني 1977،  عندما زلزل الطلاب أركان النظام في ثورة حقيقية كانت فخرا لذلك الجيل بأكمله ولأجيالٍ قادمة.

وخلال حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث الفساد السياسي، وتغول الدولة البوليسية، لم يتوقف نضال الحركة الطلابية طيلة 30 عاما هي فترة حكم مبارك.

ساهم الطلاب بقوة في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهو الدور الذي استمر وتطور حتى وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، الذي قوبل برفض شعبي كبير، كان الطلاب في طليعته.

واجه الطلاب انتهاكات غير مسبوقة، من قبل قوات الأمن التي اقتحمت الحرم الجامعي في مختلف الجامعات، وداهمت المدن الجامعية، واعتقلوا الطلبة وأخفوا عددا منهم قسريا، وقتل بعضهم تحت التعذيب.

بعدها منع نظام السيسي وأجهزته القمعية انتخابات اتحادات الطلبة لمدة عامين، وشددت السلطات قبضتها على الجامعات، من خلال شركات الأمن الخاصة، وقوات الشرطة.

ومنذ انقلاب السيسي في 2013. انقطعت انتخابات اتحادات الطلبة لمدة عامين، ثم جرت مرة أخرى في 2015، لكن وفقا لخارطة النظام الجديد، الذي أرادها أن تكون صورية فقط، وخالية من أي منافسة حقيقية أو أصوات معارضة.

ضمير أمة

الباحث السياسي المصري محمد ماهر، قال لـ"الاستقلال": "الحركة الطلابية في مصر يتجاوز دورها الأداء الروتيني للنقابات أو الكيانات التقليدية لأي تجمع كان، فهي الروح المصغرة للوطن، وضمير الأمة بلا منازع".

مضيفا: "الحركة الطلابية هي المقياس الذي تستطيع من خلاله أن تعرف واقع ومستقبل الحياة السياسية والثقافية في مصر، وأرى تدمير الحركة الطلابية وتقزيمها بهذه الطريقة هي جريمة أمن قومي، وتجريف لمقومات البلد مستقبلا".

وتابع: "لا عجب أن السلطة التي تخشى إقامة انتخابات رئاسية حقيقية، أو انتخابات برلمانية سليمة، أن تعمل على إخراج انتخابات اتحادات الطلبة بهذه الطريقة الفجة".

"ماهر" أشار إلى أن النظام لم يرهق نفسه في صناعة مسرحية على غرار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بل مرر قوائمه بالتزكية، وأفرز مجموعات من الطلبة الموالين له، والذين ينفذون أوامره فقط".

الباحث السياسي قال: "الواقع الحالي يجعلنا نبكي حسرة على تاريخ الحركة الطلابية في مصر ورموزها، من أمثال عبد المنعم أبو الفتوح، وعبد الغفار شكر، وعصام العريان، ومحمد البلتاجي، وممدوح حمزة وعصام سلطان".

وتساءل ماهر: "لمصلحة من يحدث كل هذا؟ الوطن سيدفع ثمن تلك السنوات لعقود قادمة، وعملية الإصلاح لن تكون سهلة، خاصة وأن الوضع السياسي في مصر برمته لا ينبئ بخير، فلا أجهزة إعلام مستقلة، ولا حياة حزبية، ولا مؤسسات تشريعية أو رقابية، ولا حياة طلابية، فماذا بقي إذن من خير يمكن أن نؤمل عليه في ظل هذه المنظومة الخربة".