"سقوط ترامب مخالف لمشيئة الرب".. هل يشعل الإنجيليون حربا بأميركا؟
حين فاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2016، اعتبر قساوسة وأنصار التيار الإنجيلي المتطرف المؤيدون للحزب الجمهوري، فوزه انتصارا لـ "مشيئة الرب".
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز 9 أغسطس/آب 2020، عن بعض الإنجيليين أنه "ما كان ليسقط أبدا من وعد بتحرير المسيحية وعودتها لحكم أميركا".
وقد وصل الأمر ببعض التيارات الإنجيلية المتطرفة، عندما طرحت فكرة عزل ترامب ومحاكمته بعد اتهامه باستغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، حد التهديد بالحرب الأهلية، وحمل السلاح حال عزله، باعتباره "أفضل حليف للإنجيليين بين جميع الرؤساء الأميركيين"، كما قال ترامب نفسه في تغريده بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2019.
ورفض القس الإنجيلي "كينيث كوبلاند" أحد داعمي ترامب إعلان وسائل الإعلام فوز "جو بايدن" بالرئاسة، بناء على إحصائيات فرز الصناديق، وسخر منها وظل يضحك بطريقة هستيرية، للتعبير عن رفضه لما أعلنته الصحف بالمخالفة لمشيئة الرب، وفق زعمه.
ومع قرب تأكد هزيمة ترامب أمام الرئيس الجديد بايدن، حشد القساوسة ومستشارو ترامب جهودهم للصلاة ليفوز، وظهرت مستشارة ترامب الروحية "باولا وايت" في فيديو وهي تزعم أن تعزيزات من الملائكة من إفريقيا قادمه لدعم ترامب للفوز في الانتخابات.
وقالت: إن "الشياطين تحاول سرقة فوزنا، والملائكة قادمة من إفريقيا لنصرة ترامب، والرب يقول إن الأمر (الفوز) قد حُسِم لترامب لأنها إرادة الله".
مستشارة #ترامب الروحية #بولا_وايت تكثف دعواتها من أجل فوزه في #الانتخابات_الأمريكية: "الملائكة قادمة.. اسمع صوت النصر"#إرم_نيوز #ElectionResults2020 #Election2020 pic.twitter.com/JWhZIZWaZs
— إرم نيوز (@EremNews) November 6, 2020
واعتبر الإنجيليون من أنصار ترامب أن هزيمته في النهاية أمر غير معقول، ولن يصدقوه لأن "هذا مخالف لمشيئة الرب"، وانتصاره تمت سرقته.
ومع تأكد خسارة ترامب الانتخابات، بدأ أنصاره الإنجيليون ينزلون للشوارع، وهم يحملون السلاح ويلوحون به، وسط حديث عن النزول لتنفيذ مشيئة الرب بالقوة، ما أثار مخاوف حقيقية من انزلاق أميركا نحو حرب أهلية فعلية، أو انقسامات دينية تزيد من انقسام الأميركيين، وربما تفكك الولايات الأميركية وانهيارها على غرار الاتحاد السوفيتي ولكن لأسباب دينية.
لماذا دعموا ترامب؟
يرجع تاريخ الإنجيليين إلى القرن الثامن عشر حين كانت أميركا مجموعة من المستعمرات، لكن هذه الطائفة مرت بتحولات عديدة، حتى صارت مشهورة في يومنا هذا بنشاطها السياسي، وانخراط كثير من أتباعها في صفوف «اليمين المسيحي»، وتقاطعها فكريا وسياسيا مع العديد من اللوبيات وصناعات السلاح وإسرائيل والحركة الصهيونية.
برغم التناقض بين الإنجيليين كمحافظين على القيم الأسرية والأخلاقية، وسلوك ترامب صاحب العلاقات النسائية المتعددة، والذي افتخر بالطلاق مرتين، وبنى حياته المهنية من القمار، لم يدعم الإنجيليون ترامب بسبب ما هو عليه، بل دعموه بسبب إقناعهم بأنه "محرر المسيحية" وقوله لهم: "ستكون السلطة للمسيحية إذا صرت رئيسا، وستتمتعون بقدر كبير من النفوذ".
وقد شكل المسيحيون الأميركيون الإنجيليون كتلة تصويت قوية لدونالد ترامب في عام 2016، بنسبة تصويت له بينهم بلغت نحو 80%.
وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2020 حشدوا كل قوتهم من أجل فوزه بفترة رئاسية ثانية. وكان ترامب يظهر وهو محاط بالقساوسة يباركونه ويدعون له، ويحرص هو على زيارة الكنائس والصلاة، قبل هزيمته في الانتخابات.
لذلك أشارت العديد من الصحف الأميركية إلى الدور الكبير الذي لعبه تيار "اليمين المسيحي الإنجيلي المتطرف" في توجيه سياسات ترامب الداخلية الساعية لدعم مصالح هذه المجموعات الإنجيلية، ودورهم في السياسة الخارجية التي ظهرت في تصريحات الرئيس الجمهوري المعادية للإسلام، والداعمة لإسرائيل لأسباب توراتية.
وقد رصد تقرير بمجلة "فورين بوليسي" 23 مارس/آذار 2019، كيف اتسمت السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة ترامب، بطابع مسيحي أصولي معاد للتعددية الديمقراطية، وذلك على خلاف كل عهود الرؤساء السابقين في الولايات المتحدة.
وقال الباحث في الأديان والأستاذ بجامعة ساوث فلوريدا "كريستوفر ستروب" في مقال: إن من يرسمون السياسة الخارجية الأميركية هم "من الأصوليين المسيحيين الذين يضمرون حقدا دفينا على الإسلام والمسلمين".
واعترف وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو" ضمنا في مقابلة مع شبكة الإذاعات المسيحية «سي بي إن» الأميركية في 21 مارس/آذار 2019، بوجود أسباب توراتية وراء اعتراف ترامب بتبعية الجولان والقدس المحتلتين لإسرائيل.
وزعم أن "الإله يمكن أن يكون قد بعث الرئيس الجمهوري لإنقاذ الشعب اليهودي"، مشبها ترامب بالملكة "استير" التي أقنعت زوجها الملك الفارسي "خشايارشا الأول" بعدم ذبح اليهود قبل نحو 2500 عام، وفقا لما ورد بالتوراة.
وحين سئل "بومبيو"، في الحوار عما إذا كان يعتقد أن ترامب (عقب اعترافه بشرعية احتلال الجولان والقدس)، يعد بذلك نسخة أخرى من "استير"؟، رد مبتسما: «كمسيحي، أعتقد بالتأكيد أنه ممكن. من المحتمل في اعتقادي أن الله استخدم ترامب للمساعدة في الدفاع عن دولة إسرائيل اليهودية".
ويؤمن بومبيو وترامب والمنتمون إلى اليمين المسيحي بكل مفردات منظومة التطرف الإنجيلي مثل "الوعد الإلهي" و"الشعب المختار" و"معركة هرمجدون"، و"دولة إسرائيل من النيل للفرات"، وإبادة المسلمين وصعود المسيحية بعد سيطرة اليهود (تل أبيب) على القدس والجولان وبابل العراق وأهرامات مصر ومكة والمدينة، وضمها لهم.
ويرون أن الوقت الحالي هو الأمثل في ظل حالة الضياع والخضوع والتطبيع التي تعيشها الأنظمة العربية.
احتمالات الحرب الأهلية
ظهرت إرهاصات الحديث عن حرب أهلية في أميركا مبكرا حين سعى نواب في الكونغرس لعزل ترامب بتهمة الكذب وتعريض أمن البلاد للخطر أواخر 2019.
وتصدى لهم زعماء إنجيليون بتصريحات عدائية وتهديدات بأن عزل ترامب سيكون هو الطلقة الأولى في الحرب الأهلية، لأنهم يعتبرونه حامي تيار ما يسمي White evangelicals، أو "التيار الإنجيلي ذوي البشرة البيضاء".
وكتب "بول دجوبي"، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة دينيسون في جرانفيل بأوهايو والباحث بمعهد أبحاث الديانة العامة (PRRI)، تحليلا في صحيفة «واشنطن بوست» 23 ديسمبر/كانون الأول 2019، حذر فيه من هذه الحرب الأهلية الداخلية القادمة في أميركا.
وأرجع إمكانية حدوثها إلى مخاوف اليمين المتطرف في أميركا، ولا سيما الإنجيليين والمؤمنين بتفوق البيض، الذين يرون أن "الديمقراطيين" والملحدين سوف يجردونهم من حقوقهم، ويرون أن عزل ترامب قد يفقدهم هذه الحقوق.
فبحسب "دجوبي"، كان يعتقد المسيحيون المحافظون أن حقوقهم معرضة للخطر حال عزل ترامب، وأن حريتهم تعتمد على إبقائه وحزبه في السلطة.
وحذر من ترويج وسائل الإعلام اليمينية لاحتمالية نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة، ودعوتها الإنجيليين إلى تخزين الأسلحة.
ونقل عن أحد هؤلاء المتطرفين (ريك ويليس)، وهو من الإنجيليين المحافظين الذي يروجون لنظريات المؤامرة قوله: "يجبرني الديمقراطيون على تخزين الذخيرة والغذاء والمياه والإمدادات الطبية؛ للدفاع عن أسرتي ومنزلي وكنيستي".
وادعى زعيم الإنجيليين "فرانكلين جراهام" الذي سبق أن دعم الحرب في العراق بدعوى أنها إنجيلية، أن "القوى الشيطانية تضغط من أجل مساءلة شخص (ترامب) نعتقد أنه الرئيس المبارك من الرب".
ومع هذا يرى محللون آخرون أن قدرة هؤلاء المتطرفين الإنجيليين على إشعال حرب أهلية محدودة، وأنهم يهددون فقط للضغط لتحقيق مصالحهم، بدليل انسحابهم مع أسلحتهم من الشوارع بعد نزولهم، عقب خسارة ترامب، رغم ما كان ينتابهم من غضب وعصبية شديدة.
كما أن ترامب لا يحظى بدعم كل الإنجيليين، فجزء منهم يعارضه، وبعض الإنجيليات مرعوبات من ترامب ومن الدعم الإنجيلي له.
وقد عبر عدد قليل من النساء البارزات، مثل بيث مور وجين هاتميكر، عن معارضتهن وخيبة أملهن في زملائهن المسيحيين، بيد أن العديد من الإنجيليات البيض يعتقدن أن ترامب سوف يعزز مصالح المسيحية الأميركية، ويسعدن بدعمه.
كما هاجمته مجلة إنجيلية بعد يوم من إحالته من قبل مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ لمحاكمته بهدف عزله، حيث اتهمته مجلة "كريستيانتي توداي"، بأنه غير جدير أخلاقيا بالبقاء في البيت الأبيض، ما دفعه لاتهام المجلة في سلسلة تغريدات نشرها 20 ديسمبر/كانون الأول 2019، بأنها "يسارية متطرفة".
وزعم ترامب أنه أفضل حليف للإنجيليين بين جميع الرؤساء، وكتب على تويتر: "الحقيقة أنه لم يفعل أي رئيس مطلقا ما فعلته للإنجيليين أو للدين نفسه".
ورغم حديث خبراء عن صعوبة اندلاع حرب أهلية لأن أميركا دولة مؤسسات راسخة وقوية منذ سنوات، لكن هذا لا ينفي إمكانية تفجر نوع من "الصراع الأهلي"، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار انتشار الأسلحة الهجومية، ودرجة الانقسام المجتمعي بين اليمين واليسار، ومحبي ترامب وكارهيه، وصعود التيارات اليمينية العنصرية وتناميها.
ومما يزيد من خطورة الوضع عشرات الميليشيات اليمينية العنيفة الموزعة في كل أنحاء الولايات المتحدة، ولديها، تاريخيا، حساسية وبغض للسلطة الفيدرالية.
وما يعضد هذه المخاوف، أنه حين لمّح ترامب، نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2019، إلى إمكانية تفجر حرب أهلية أميركية إن نجحت جهود الديمقراطيين في إقالته، سارعت بعض تلك الميليشيات، مثل Oath Keepers (المحافظون على العهد)، إلى دعوة أعضائها للاستعداد لـ "حرب أهلية ساخنة كما جرى عام 1859".
ولم تتردد هذه الجماعة في التهديد بإعلان التعبئة العامة إذا أمرها ترامب بذلك، والإعلان عن عصيان مسلح إذا رأت أن قرارات الحكومة الفيدرالية "غير دستورية".
المصادر
- America’s Islamophobia Is Forged at the Pulpit
- White evangelicals fear atheists and Democrats would strip away their rights. Why?
- EXCLUSIVE Secretary of State Pompeo to CBN News: God May Have Raised Up Trump Like He Raised Up Queen Esther
- Evangelicals & ISIS Feel Fine About the End of the World
- لماذا يدعم الإنجيليون ترامب؟.. مؤرخة أميركية تجيب عن أسئلة الجزيرة نت
- ما هي النبوءة التي يسعى ترامب لتحقيقها؟
- لماذا أمريكا على أعتاب حرب أهلية جديدة؟