أحمد ويحمان.. صوت مغربي صدح في وجه التطبيع عندما صمت الجميع

12

طباعة

مشاركة

"معدن الوفاء ومدرسة الثبات"، بهذه الكلمات وصف "رئيس الاتحاد العالمي" لعلماء المسلمين أحمد الريسوني، "رئيسَ المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" الدكتور أحمد ويحمان.

كان "ويحمان" أول المعلقين على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن "المغرب وإسرائيل اتفقا على تطبيع العلاقات"، في الوقت الذي ترددت فيه الأحزاب وباقي المؤسسات كثيرا قبل أن تعلق.

"ويحمان" وصف في تصريحاته لقنوات تلفزيونية، خطوة المغرب بـ"السقطة المدوّية، التي لم يكن ينتظرها أحد، بعد الصمود الرسمي الذي امتد لسنوات".

دافع "ويحمان" عن القضية الفلسطينية في كل المحافل والمناسبات، حتى أصبح رمزا لها، وأصبح الصوت الذي يصدح حين يصمت الجميع، ولم تزده محاولات إسكاته إلا إصرارا.

الصوت الوحيد

في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن ترامب في تغريدته أنه "وقع إعلانا يعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية"، وقتها لم تعلق أي جهة داخل المغرب لحساسية قضية الصحراء لدى الدولة.

إعلان ترامب حول التطبيع أشار إلى أن "إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية ليس خيارا واقعيا لحل الصراع"، فيما حث البيت الأبيض "أطراف الصراع في الصحراء الغربية على التباحث على أساس خطة المغرب للحكم الذاتي كإطار للتفاوض".

"ويحمان" رأى أن المغرب سقط أمام الابتزاز بقضية الصحراء، معتبرا أن "مَن سوّلت له نفسه التخلي عن فلسطين، لا يمكن أن يؤتمن بالمرة على قضية الصحراء الغربية".

وأكد على أن "الصحراء مغربية، والمغرب في صحرائه، وذلك بفضل التضحيات التي بذلها المغاربة بدمائهم في سبيل تحرير هذه الأقاليم وتنميتها، ولا تحتاج لتزكية من الصهاينة ولا الأميركان لتأكيد مغربيتها".

وتابع ويحمان: "نعتبر القبول بغطاء الصحراء لتسويق موقف التطبيع تفريطا في السيادة الوطنية". وجدد تأكيده على أن "قضية الصحراء قضية وطنية، والقضية الفلسطينية بدورها قضية وطنية هي الأخرى، ومن يفصل بينهما يضع نفسه خارج الإجماع الوطني".

"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" الذي يترأسه ويحمان هو: جمعية مدنية تجمع مختلف التيارات السياسية المغربية، تأسست في 2013 بالرباط، بهدف محاربة كل أنواع العلاقات السرية والعلنية مع إسرائيل في مختلف المجالات. كما ضم المرصد نشطاء في المجالات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والفنية والثقافية من انتماءات مختلفة.

عمل "ويحمان" من خلال المرصد على طرح مشروع قانون في البرلمان يجرّم التطبيع، وقال -آنذاك-: "إن ما شهدته الساحة العربية من حراك اجتماعي أذكى الحاجة أكثر لمثل هذا النوع من المراصد في العالم العربي، لمحاصرة الكيان الصهيوني وفضحه، وإن كان موضوع المرصد في المغرب مطروحا قبل الربيع العربي".

"ويحمان" اعتبر أن "المرصد يمكنه أن يخدم القضية الفلسطينية عن طريق محاصرة الكيان الصهيوني الذي يعاني اختناقا على المستوى الدولي، وأصبح عالة على الإنسانية"، في وقت يساهم المطبعون في فك الحصار عنه.

تجريم التطبيع

مشروع "ويحمان" لم ير النور، ولا زال المرصد على لسان كل المنتمين له، إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أهلية)، يطالبون البرلمان بسن القانون.

كان المغرب قد أغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2000، والمكتب المغربي في "تل أبيب" بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ورسميا، أكدت السلطات المغربية عدم وجود أي علاقات مع إسرائيل، لكن الكشف عن وجود صادرات إسرائيلية إلى المغرب، واستقبال مسؤولين إسرائيليين في المغرب من قبل جمعيات مدنية أثار استياء كبيرا في أوساط مناهضي التطبيع.

في مايو/أيار 2019، أصدر رئيس المرصد كتابا بعنوان "بيبيو.. الخراب على الباب"، تضمن مفردات من الأمازيغية، وتضمن 5 أجزاء من التحليل العميق والموثق لواقع البلاد وعناصر ومخاطر تخريبها عبر عدد من الأجندات والأدوات والمحاور.

رأى البعض في "ويحمان" بإصدار هذا الكتاب، أنه أكبر المناضلين من أجل القضية الفلسطينية، وأكثرهم تتبعا دقيقا للنشاط الصهيوني بالمغرب توثيقا وتصنيفا واحتجاجا، معتبرين الكتاب "وثيقة تشهد بدون منازع عن التغلغل الإسرائيلي في المغرب"، وأنه بذلك يحمّل الدولة ومؤسساتها المسؤولية كاملة.

لكن الرد جاء سريعا من السلطة، إذ قضت محكمة مغربية في مدينة الرشيدية ( جنوبا)، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، على أحمد ويحمان بالسجن شهرا نافذا بعد إدانته بتهمة "إهانة موظف عمومي"، أدت إلى "تبادل الضرب والجرح".

حدث ذلك أثناء مشاركة "ويحمان" وعدد من النشطاء المغاربة المناهضين للتطبيع في احتجاج على مشاركة شركة إسرائيلية بمعرض للتّمور نظّم في مدينة أرفود (جنوبا)، فيما شدد ناشطون على أن "رجل السلطة هو من بادر بالاعتداء على ويحمان وأوقعه أرضا".

تضامن واسع

عدد كبير من الشخصيات المغربية أعلنوا تضامنهم مع ويحمان، بينهم "أحمد الريسوني" الذي كتب في كلمة له عقب صدور الحكم: "بما أننا في زمن يعربد فيه الخونة الأشرار، ويحاكَم فيه المخلصون الأحرار، فلا غرابة أن يحاكم ويحمان ويسجَن، بدل أن يُمنح ما يستحقه من الأوسمة التقديرية".

"ويحمان" صار هو في حد ذاته رمزا من رموز القضية الفلسطينية بالمغرب، بحسب الدكتور الريسوني، "ولكنه أصبح الرمز الخاص – الوطني والعالمي – لمحاربة التطبيع مع المحتل الصهيوني. إذا قيل "ويحمان"، قيل محاربة التطبيع، وإذا قيل التطبيع، انتصب ويحمان متصديا ومقاوما، لا يغيب ولا يتخلف".

قبل أن يختم، قال الريسوني: "الدكتور أحمد ويحمان معدن نادر في جودته ونفاسته. بل هو من أنفس وأكرم من عرفت من الناس طيلة حياتي. رجل المبدأ والقضية، رجل الصفاء والوفاء، فطوبى له رمزا للشرفاء".

خرج "ويحمان" بعد قضاء عقوبته أكثر إصرارا، ووجد في استقباله أمام بوابة السجن المحلي بالرشيدية مجموعة من الهيئات الحقوقية، الذين اعتبروا في تصريحات للصحافة، أن ظروف اعتقاله اتسمت بـ"القمع والظلم وتلفيق تهم واهية بسبب نشاطه الحقوقي ومواقفه الجريئة ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني".

وقال ويحمان أنذاك: "معركتنا هي معركة مصير حقيقي لأن الشعب المغربي والوطن المغربي يواجه خطرا حقيقيا محدقا ووجوديا، وليس في الأمر أية مبالغة".

وأضاف: أن "المعركة هي معركة مع الاختراق الصهيوني والمخطط التخريبي الذي يتم تحضيره لتفكيك المغرب إلى عدة كيانات وهمية والاقتتال الداخلي".

أمازيغي معارض

كل التيارات أجمعت على أن "ويحمان" الناشط الحقوقي اليساري، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس، ورئيس "رابطة إيمازيغن من أجل فلسطين"، ورئيس فيدرالية صحفيي المغرب سابقا، قد وهب حياته لنصرة القضية الفلسطينية.

في أبريل/نيسان 2019، منع طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية، محاضرة حول القضية الفلسطينية، نظمتها "منظمة التجديد الطلابي" التابعة لحركة التوحيد والإصلاح الإسلامية، بكلية العلوم والتقنيات بجامعة بني ملال (وسطا).

وقتها حاصر الطلاب الأمازيغ المحاضر أحمد ويحمان بأحد مباني الجامعة، معلنا أنه تعرض للتهديد بالقتل، داعيا النيابة العامة لفتح تحقيق في تعرضه للتصفية الجسدية.

وقال "ويحمان" في تصريحات صحفية: إن "أفرادا من فصيل الحركة الثقافية الأمازيغية أعلموا إدارة الكلية بأن دخول ويحمان لفضاء الجامعة من أجل إلقاء الندوة سيعني موته". وتابع ويحمان، بأنهم وصفوه بـ"الإرهابي".

وتُعتبر "الحركة الثقافية الأمازيغية" التعبير السياسي عن الطلبة الحاملين لأيديولوجيا أمازيغية، تدعو للاعتراف بالهوية الأمازيغية للمغرب، والنضال ضد ما تسميه الظلم الواقع على الأمازيغ.

ويعد "ويحمان"، الأمازيغي الأصل، من أشد المحذرين من الاختراق الصهيوني للقضية الأمازيغية، وأثارت تصريحاته في 2018، حول "قيام الموساد الصهيوني بتدريب نشطاء أمازيغ على استعمال الأسلحة" غضبا في صفوف الأمازيغيين.

لكن صراع "ويحمان" مع الأمازيغ، الذين ينتمي لهم، يعود إلى وجود أقلية صغيرة جدا في المغرب، ينتمي جلها إلى التيار الأمازيغي الذي يوصف جزء منه بالمتطرف- تدعو إلى تطبيع كامل للعلاقات المغربية الإسرائيلية، لكن هذه الدعوات تُواجه برفض شعبي واسع.

ويتهم المختلفون مع "ويحمان" بأنه يتجاهل قضاياه الوطنية، الصحراء والأمازيغية، مقابل اعتبار القضية الفلسطينية، قضيته الأولى.

وعن ذلك كتب الريسوني: "ويحمان له قضية خطيرة أخرى لا يجاريه ولا يدانيه فيها أحد، إنها قضية الوحدة الترابية والبشرية والسياسية للكيان المغربي. ولم أر بالمغرب أحدا أشد منه يقظة وتفانيا وصلابة في التصدي للمخططات الانفصالية والتفريقية والتخريبية".

ومضى متسائلا: "ومَن غيره كان يستطيع فضح المخطط الإسرائيلي الذي كان ماضيا في إعداد العصابات المسلحة وتدريبها داخل الأرض المغربية؟!". 

وكشفت "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" و"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، في أبريل/نيسان 2018، إشراف مدربين من الكيان الصهيوني على تدريب مواطنين مغاربة على استعمال الأسلحة النارية والبيضاء.

وحذرت وقتها من المساس بأمن واستقرار البلاد. وعرضت صورا ومقاطع مصورة، ووثائق خلال ندوة صحفية بالرباط تحت شعار "من التطبيع الصهيوني.. إلى تهديد أمن الوطن واستقراره".

ووثقت المقاطع والصور، التي عرضتها الهيئتان أمام وسائل الإعلام، قيام شخصيات محسوبة على الكيان الصهيوني بتدريب مغاربة على استعمال السلاح، وتدريبهم على عمليات الاغتيالات، داخل القاعات المغلقة، أو الفضاءات العمومية منها تدريب بمنطقة بومية بإقليم ميدلت (جنوب شرق)، بالإضافة إلى مركز تنمية الرياضات بمكناس (وسطا) التابع لوزارة الشباب والرياضة.

وكشفت الهيئتان، وفق مصادر صحفية، عن "قيام "معهد ألفا" الإسرائيلي الدولي لتدريب حراس الشخصيات، بتدريب مغاربة على استعمال مسدسات في الجبال القريبة من بومية سنة 2017 بالبزة العسكرية تحت إشراف رجل أمن فرنسي اسمه "دوفونسيا" (من حرس ساركوزي)، وحاخام "صهيوني" يدعى "أفيزكار" (رئيس وحدة التدخل في سجن تل أبيب)".

أجمعت كل التيارات على الناشط الحقوقي اليساري، والأستاذ الجامعي في جامعة محمد الخامس، ورئيس فيدرالية صحفيي المغرب سابقا، وما يقدمه للقضية الفلسطينية. يشغل "ويحمان" أيضا، منصب رئيس "رابطة إيمازيغن من أجل فلسطين" وأمين سر المرصد المغاربي لمناهضة التطبيع ودعم المقاومة، حاصل على دكتوراه في علم الاجتماع.