"هاكينج تيم" كشفت السر.. كيف عرفت إيطاليا أسماء قاتلي ريجيني بمصر؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

الجانب الإيطالي كان على علم اليقين بأن الباحث جوليو ريجيني راح ضحية عنف السلطة المصرية بعد مراقبة وتتبع، ثم اختطاف وتعذيب فقتل.

اليقين الإيطالي لم يكن ظنيا، بل استند إلى معلومات مؤكدة بأسماء ورتب كبار الضباط المشاركين في عملية القتل، وبقي السؤال الذي يطرح نفسه، كيف عرفت الحكومة الإيطالية بأسماء هؤلاء الضباط وطبيعة عملهم؟ ومن أين لهم الجزم بتلك الرواية وعدم تصديق جميع أطروحات الجانب المصري؟.

ربما بدأ ذلك اللغز يتكشف مع الحديث عن برامج تجسس إيطالية عالية الدقة استعان بها النظام المصري عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، للتجسس على المعارضين، وهذه البرامج الصادرة عن شركة "هاكينج تيم" الإيطالية، كانت الفخ الذي أسقط النظام المصري بعد ذلك، وفضح جريمته النكراء بحسب وسائل إعلام عالمية.

لغز الجريمة

الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل بمصر في ظروف غامضة يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2016، وعثر على جثته صباح يوم 3 فبراير/ شباط 2016، مسجاة في صحراء مدينة 6 أكتوبر غربي القاهرة، لا يزال لغزا محيرا، وقضية تأبى أن تموت بموت صاحبها، ووصمة عار تطارد نظام الجنرال الانقلابي عبد الفتاح السيسي. 

في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلنت "نيابة الجمهورية بروما" نيتها إنهاء التحقيقات في واقعة مقتل ريجيني، بالاشتباه في 5 أفراد ينتمون لأجهزة أمنية مصرية، وعرض هذا الاشتباه وفق الإجراءات القضائية الإيطالية على قاضي التحقيقات الأولية في روما لتقييمه واتخاذ الإجراءات القضائية بشأنه. 

النيابة العامة المصرية أعلنت تحفظها على حديث روما، قائلة: إنها "رغم إحاطتها بالإجراءات القانونية الإيطالية وتقديرها، فإنها تتحفظ تماما على هذا الاشتباه ولا تؤيده، إذ ترى أنه لا يستند إلى أدلة ثابتة، وأن تشكيلا عصابيا يقف وراء مقتل ريجيني".

المثير في ملف تلك القضية أن معلومات الجانب الإيطالي كانت دقيقة ومحددة، وراصدة لأسماء ورتب الضباط المصريين المتهمين، وهم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبد العال شريف، وأمين الشرطة محمود نجم.

نيابة روما ذكرت أن اللواء طارق صابر، أثناء الواقعة كان يعمل مديرا لقطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر.

حديث نيابة روما عضدته صحيفة ''إيل بوست" الإيطالية في تقرير لها أكدت خلاله أن التحقيقات التي أجرتها السلطات المصرية أسفرت عما وصفه مكتب المدعي العام الإيطالي بأنها "سلسلة طويلة من محاولات التضليل، في البداية، زعم مكتب المدعي العام المصري أن ريجيني توفي في حادث سيارة، لكن تشريح الجثة في إيطاليا كذب ذلك، وأكد أن سبب الوفاة كان نتيجة تلقيه ضربة على الرقبة، بعد تعرضه للتعذيب الشديد".

كما تحدثت الصحيفة الإيطالية عن "تعرض المحققين الإيطاليين الذين وصلوا إلى مصر للعراقيل بكل الطرق، ولم يسمح لهم باستجواب الشهود إلا بحضور الشرطة المصرية ولبضع دقائق، كما طلبت النيابة المصرية بعد فوات الأوان تسجيلات الكاميرات التي كانت قرب مكان الاختفاء بعد أن حذفت منها مقاطع الفيديو الخاصة بتلك الليلة".

واستنكرت الصحيفة الإيطالية "نشر وزير الداخلية المصري (اللواء مجدي عبد الغفار) عبر صفحته على موقع فيسبوك، خبرا مفاده أنه تم الكشف عن ملابسات جريمة مقتل الطالب الإيطالي وأن الجناة 4 أعضاء في عصابة إجرامية". 

لكن صحيفة "إيل بوست" قالت: "لقد اتضح فيما بعد أن زعيم العصابة الإجرامية كان في وقت اختفاء ريجيني، على بعد أكثر من 100 كيلومتر من مكان الاختطاف".

تلك التفاصيل والمعلومات المؤكدة احتاجت إلى تفسير عن مدى قوة حجة النيابة الإيطالية، وحكومة روما، وظل ذلك إلى أن ظهر التفسير الأقرب مع حديث عن أن شركة "هاكينج تيم" الإيطالية المتخصصة في برامج التجسس، كانت سببا مباشرا في كشف خيوط تلك الجريمة بشكل أو بآخر.

هاكينج تيم 

هذه الشركة التي تعاملت معها الحكومة المصرية بعد ثورة 25 يناير، صنفتها منظمة "مراسلون بلا حدود" أنها "أشد أعدائنا على الإنترنت"، ووصمتهم بـ "المرتزقة الرقميين"، وهي شركة إيطالية مقرها مدينة "ميلانو" تأسست عام 2003، بغرض تقنية وبيع إمكانات المراقبة والاختراق الهجومي للحكومات والأنظمة ووكالات إنفاذ القانون والشركات الكبرى. 

كما تعمل "هاكينج تيم" على تصميم برامج ذكية توفرها لدوائر الاستخبارات حول العالم وقطاعات الأمن بالدول، ومن أشهر النظم التي طورتها الشركة نظام Remote Control System، ويعرف بنظام التحكم عن بعد، ويصدر عنه إصداران معروفان، الأول يعرف باسم "دافينشي" والثاني باسم "جاليليو". 

أما "دافينشي" هو أخطر تلك الإصدارات، إذ يمكن المستخدم من الدخول إلى الرسائل النصية القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني لأي مستهدف تريد الحكومات التجسس عليه، ولديه القدرة على اختراق حتى تلك المشفرة عبر PGP وسكايب وغيرها من الاتصالات الصوتية عبر الإنترنت، ويمكن أيضا تشغيل الميكروفونات والكاميرات عن بعد.

وفي 10 فبراير/ شباط 2016، نشرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية تقريرا حول تورط وزارة الدفاع المصرية في شراء برمجيات للتجسس من شركة إيطالية سيئة السمعة، من أجل مراقبة المعارضين واختراق مراسلاتهم، وعززت إلى أن يكون الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي تعرض للاختطاف والتعذيب، أحد ضحايا هذه الممارسات.

وقالت الصحيفة: "الحكومة المصرية كانت أحد عملاء الشركة الإيطالية (هاكينغ تيم)، التي تبيع تقنيات الاختراق والتجسس على الحواسيب، والتي تعرضت لفضيحة كبرى لأنها تبيع هذه البرمجيات لأنظمة دكتاتورية".

وشددت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان الفرنسية، على أن "المخاوف سببها طريقة استخدام الحكومة المصرية لهذه الأجهزة وأهدافها المفترضة، فمنذ وصول الجنرال السيسي إلى السلطة، ومصر متهمة من قبل جمعيات حقوقية على غرار منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان".

 

فخ السحر

لم يكن يعلم المجلس العسكري المصري، الذي حكم مصر إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أنه عندما يتعاقد مع شركة "هاكينج تيم" في نفس عام الثورة 2011، للتجسس على المعارضين، أنه ينصب فخا بعد سنوات لحكومته ولنظام عبد الفتاح السيسي.

بعد اشتعال قضية مقتل ريجيني على يد أجهزة الأمن المصرية بعد تعرضه لتعذيب شديد، تم تداول معلومات تشير أن برامج التجسس الإيطالية التي تعاقد عليها المجلس العسكري، هي من كشفت جريمة النظام وكبار قادة الأجهزة الأمنية المتورطين فيها.

وفي أبريل/ نيسان 2016، قيدت إيطاليا صفقات التصدير التي تجريها "هاكينج تيم"، بالحصول على إذن خاص من حكومة روما، لكل عقد تصدير على حدة، إلى جانب تقديم العقود النهائية المبرمة مع الشركات والحكومات قبل الحصول على إذن التصدير.

وأوضحت صحيفة "إل فاتو كواتيدانو" الإيطالية أن سبب الموقف السياسي يعود إلى تصدير الشركة لبرامج التجسس إلى دول تستخدم تلك البرمجيات في مطاردة وقمع الأفراد من بينها مصر، التي تتهمها روما بعدم التعاون في الكشف عن لغز تعذيب ومقتل ريجيني.

وفي 5 يوليو/ تموز 2015، كشف اختراق "ويكيليكس" للبريد الإلكتروني لـ "هاكينج تيم" عن الكثير من التعاقدات والاتفاقيات المبرمة بين الشركة والعديد من حكومات العالم لشراء برمجيات التجسس. 

ووصل حجم الوثائق المسربة قرابة 400 جيجا، وكشفت عن تفاصيل عقودها لبيع برمجيات التجسس على الأفراد في 24 دولة منها مصر، في صفقات لشراء برامج "جاليليو" القادرة على التجسس على الهواتف الذكية وأجهزة الحاسب الآلي.

تلك البرامج ذات قدرات فائقة، خاصة برنامج "RCS" الذي تسبب في تتبع المعارضين، وهو ما شكل تهديدا مباشرا على حياتهم، وهي أيضا من كشفت تورط الضباط الخمسة الذي يصر الجانب الإيطالي على محاسبتهم.

برنامج RCS 

برنامج "RCS" الإيطالي، وهو اختصار لـ"Remote Control System"، الذي تستخدمه السلطات المصرية منذ عام 2011، يعد من أقوى البرامج في الاختراقات وأكثرها خطورة، وتقوم فكرته الأساسية على تجميع وتعديل واستخراج البيانات من أي جهاز يتم استهدافه ببرمجية خبيثة يتم زرعها من خلال الجهاز القائم بالاختراق.

هذا البرنامج لديه قدرة على التعامل مع الحواسيب العاملة بنظام التشغيل ميكروسوفت ويندوز، حيث يستطيع التعامل مع الأجهزة العاملة بنظام مايكروسوفت ويندوز الإصدارات 10 – 8.1 – 8 – 7 – Vista – XP SP3.

وبإمكانه التجسس باستخدام الكاميرا، والتجسس على الملفات المخزنة على CD، وخدمة التخزين السحابية Google Drive، ورسائل البريد الإلكتروني والدردشة وجهات الاتصال في جيميل وياهو (في المتصفحات كروم وإنترنت إكسبلورر وفايرفوكس).

كما يمكنه التجسس على تويتر، ودردشة وجهات الاتصال والصور والموقع الجغرافي من فيسبوك، وكلمات المرور (في المتصفحات كروم وإنترنت إكسبلورر وفايرفوكس). أيضا لديه القدرة على تحديد الموقع الجغرافي، والتقاط صورة لشاشة الحاسوب، والتجسس على الصور، والبحث في الملفات الموجودة على الحاسوب، والتجسس على الصور الموجودة بالحاسوب.

ولدى برنامج التجسس "RCS" القدرة على التعامل مع الهواتف العاملة بنظام التشغيل ويندوز فون حيث يمكنه التجسس باستخدام مايكروفون الهاتف على كافة جهات الاتصال الموجودة بالهاتف، وقائمة الاتصال، زدردشة BBM، والملفات المُخزنة بالهاتف، والرسائل القصيرة SMS و MMS ورسائل البريد الإلكتروني.

وتشير سجلات شركة "هاكينج تيم" الإيطالية إلى قيام وزارة الدفاع في مصر بالبدء في استخدام برنامج RCS منذ 2011. وتتناول السجلات المالية الدفعات المالية المختلفة عبر النطاق الزمني للصفقة، من حيث شراء الرخص والتجديد والصيانة منذ 2011 إلى 2017.

وفي عام 2012، بدأ معمل "Citizen Lab" التقني تابع لجامعة "تورنتو" الكندية في مشروع بحثي لرصد استخدام برنامج RCS، وتحديد الدول التي تقوم باستخدامه، وانتهى البحث، الذي نشر في فبراير/ شباط 2014، إلى تحديد 21 دولة لديها البرنامج وقامت باستخدامه في فترات مختلفة، وتضمنت قائمة الدول: مصر، المغرب، سلطنة عمان، المملكة العربية السعودية، والسودان.