سلمان بن عبدالعزيز.. أمير سعودي سجنه ولي العهد فغضبت فرنسا
في الساعة الثالثة من فجر 4 يناير/ كانون الثاني 2018، ورد اتصال عاجل من القصر الملكي السعودي إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان، يبلغه بضرورة الحضور صباحا إلى قصر الحكم.
ما أن وصل الأمير المشهور بـ”غزالان”، حتى تعرض لسوء المعاملة والضرب المبرح، قبل أن يتم نقله إلى سجن الحائر -سيئ السمعة- بالعاصمة الرياض ثم إلى سجن سري، ليبقى الأمير مغيبا حتى هذه اللحظة.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، لم تتوقف الجهود الغربية، لاسيما فرنسا التي تدخلت على مستوى رئيسها إيمانويل ماكرون، بهدف إطلاق سراحه، لكن عداء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للأمير “غزالان” وغيرته الشديدة منه، حالت دون الإفراج عنه. فمن هو هذا الأمير، ولماذا تدخلت أوروبا لإنقاذه؟
الأمير المثقف
الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان بن محمد بن سعود بن فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود. وُلد في مدينة الرياض عام 1982، وهو متزوج من الأميرة "عريب" بنت الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
ويعد “غزالان” رجل أعمال ثري، فهو يمتلك فنادق وممتلكات واستثمارات عديدة في السعودية وبلدان أوروبية، كما يمتلك مجموعة من السيارات الفاخرة، والعديد من القصور، فضلا عن مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية.
ويتحدث الأمير سلمان إلى جانب لغته العربية، الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وتخرج من جامعة الملك سعود بعد أن درس القانون، ثم أتم الدراسات العليا في جامعة أكسفورد، ونال شهادة الماجستير في القانون الدولي من جامعة سانت كليمنتس، والدكتوراة من جامعة السوربون الفرنسية.
أسس الأمير سلمان "نادي المحركون" الذي يهدف إلى جلب القادة الشباب في العالم معا في منصة واحدة، لتبادل المعارف والأفكار والمعلومات، وتعزيز العلاقات وتيسير التبادل الثقافي. كما شارك في مؤتمرات القمة الدولية لحقوق الإنسان التي ترعاها الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو.
إعجابه بالثقافة الفرنسية وتراثها، جعله يتردد كثيرا على فرنسا ويقضي معظم وقته فيها، وكوّن علاقات شخصية مميزة مع نخبها السياسية والثقافية، وشارك في العديد من الفعاليات ودعم نشاط متحف الفن الحديث بمدينة باريس.
كل ذلك أهّله لأن يكون مواطنا فخريا بالعديد من المدن الفرنسية، ونال وساما من غرفة التجارة والصناعة في باريس.
دافع الغيرة
لم يكن لدى الأمير “غزالان” أي طموح سياسي، فالرجل كان شغوفا بالثقافة والفنون، وعُرف بتمويله لمشاريع التنمية في الدول الفقيرة، لكن حالة الغيرة الشديدة التي تلبست ابن سلمان دفعته لسجنه، خصوصا وأن الأمير المعتقل شخصية مشهورة على المستوى الدولي، وأكثر حضورا وثقافة منه.
ووصفته صحيفة واشنطن بوست الأميركية بأنه “يعد وجها عالميا وشابا، وهو أكثر حداثة من ابن سلمان، كما أنه رجل مثقف ومتميز قدم صورة محسنة للثقافة السعودية في جميع أنحاء أوروبا، وكان على اتصال مع أهم النخب السياسية والقادة الغربيين، خاصة في فرنسا حيث يتمتع بتقدير كبير”.
وزادت نقمة ابن سلمان على “غزالان” بعد أن زار الأخير الولايات المتحدة الأميركية عشية الانتخابات الرئاسية في عام 2016، والتقى بالسيناتور الديمقراطي “آدم شيف”، في الوقت الذي كان فيه ابن سلمان يدعم مرشح الجمهوريين دونالد ترامب.
وكشفت مجلة “لوبوان" الفرنسية في مارس/آذار 2020، عن لوم سلمان بن عبدالعزيز الملك الحالي وحاكم الرياض الأسبق، لولده محمد المولع وقتها بألعاب الفيديو، أثناء إجازة لهما في جنوب فرنسا، قبل نحو 17 عاما.
ووفقا لـ”لوبوان”، انتقد سلمان نجله محمد على عدم اهتمامه بالدراسة، وقارنه بابن عمه “غزالان”، قائلا: "انظر إلى ابن عمك. إنه مجتهد ويتعلم اللغات الأجنبية بدلا من قضاء وقته في الألعاب وتناول البيتزا".
وكان وقتها الأمير “غزالان” الذي يكبر ابن سلمان بأربع سنوات متميزا جدا في دراسته، بينما كان الأخير على النقيض منه تماما، فقد عُرف عنه مراهقته وانعزاله وعدم إتقانه الإنجليزية، ولم يكن على دراية بما يدور خارج المملكة، ويعيش باستمرار في كنف والده الذي دفعه إلى السلطة فور تسلمه مقاليد العرش.
اعتقاله ووالده
في مطلع يناير/ كانون الثاني 2018، وقبل أن يخف الزخم الدولي تجاه قضية اغتيال السعودي جمال خاشقجي، أوردت وسائل إعلام سعودية خبر اعتقال 11 أميرا داخل القصر الملكي، وكان من بينهم الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان.
وأكدت النيابة العامة السعودية في بيان لها نبأ الاعتقالات. وزعم البيان: "تجمهر 11 أميرا في قصر الحكم، مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء، كما طالبوا بالتعويض المادي المجزي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم".
وأضاف البيان: "تم إبلاغهم بخطأ تصرفهم هذا، لكنهم رفضوا مغادرة قصر الحكم، فصدر أمر بالقبض عليهم عقب رفضهم مغادرة القصر، وتم إيداعهم سجن الحائر تمهيدا لمحاكمتهم”.
لكن الرواية الرسمية للاعتقال نفتها المعارضة السعودية وصحف غربية ومقربون من الأمير “غزالان”، فما جرى للأمراء الـ 11 المعتقلين، كان مجرد فخ من ولي العهد محمد بن سلمان.
ونسبت صحيفة «إلدياريو» الإسبانية إلى أحد أصدقاء الأمير سلمان أن مسؤولا في القصر الملكي اتصل في الساعة الثالثة صباحا يوم الاعتقال، وطلب مقابلة نحو 15 أميرا، والذين استجابوا جميعهم للدعوة، لكنهم ما أن وصلوا إلى القصر حتى تعرضوا لسوء المعاملة، واحتجز 11 منهم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال المحامي الفرنسي “إيلي حاتم” الذي كلف بالدفاع عن الأمير سلمان: إن الأخير استدعي إلى قصر الحكم، وسرعان ما دخل في خلاف مع محمد بن سلمان، فتدخل الحرس وضربوا الأمير حتى أغمي عليه، ونقل إلى السجن.
فيما تقول CNN الأميركية: إن الأمير سلمان دخل في نقاش مع المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، قبل أن يتطور الأمر إلى مشاجرة.
وبعد يومين من تلك الحادثة، جرى اعتقال الأمير عبد العزيز، والد “غزالان”، الذي عمل مستشارا للملك الراحل فهد بن عبد العزيز، بسبب اتصاله بعدد من أصدقائه ومعارفه في بلدان غربية، وطلبه منهم المساعدة في إطلاق سراح ابنه.
ولغاية اليوم، لا يزال الأمير سلمان ووالده قيد الاحتجاز التعسفي. وأوضحت «إلدياريو» أنهما قضيا أكثر من عام في سجن الحائر بالعاصمة الرياض.
وبعد نقلهما إلى سجن سري تحت حراسة مشددة، سمح لهما بإجراء مكالمتين هاتفيتين وتلقي زيارة واحدة في الأسبوع، غير أنهما لا يستطيعان التواصل مع المحامين، ولم توجه السلطات لهما أي تهمة رسمية، بحسب مصادر مقربة من الأمير “غزالان”.
حراك دولي
الرئاسة الفرنسية أبلغت محامي الأمير “غزالان”، إيلي حاتم، بأنها تأخذ قضية اعتقال الأمير سلمان في الحسبان، وأن ملفه أُحيل إلى وزارة الخارجية، من أجل متابعته عن كثب، والعمل على الإفراج عنه.
وفي مايو/ أيار 2020، وقعت مجموعة "سونوران بوليسي غروب" التابعة لروبرت ستريك، أحد أقطاب الضغط في واشنطن، عقدا بقيمة مليوني دولار، مع “هاشم مغل” الذي كان يشغل في السابق منصب المستشار المالي للأمير سلمان، بهدف ممارسة الضغط لإطلاق سراح الأمير المعتقل.
وكان وفد من البرلمان الأوروبي قد طلب من الحكومة السعودية إطلاق سراح الأمير “غزالان”، خلال زيارة إلى الرياض في فبراير/شباط 2020. وضم الوفد “مارك ترابيلا” الذي يشغل منصب نائب رئيس الوفد البرلماني للعلاقات مع شبه الجزيرة العربية، لكن الطلب مازال دون أي رد.
من جانبه، دعا رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، أنتونيو بنزيري، السلطات السعودية إلى الإفراج عن الأمير سلمان المعتقل دون أي أساس قانوني واضح أو محاكمة.
وجاء ذلك في رسالة خاصة وجهها إلى محمد بن سلمان، في أبريل/نيسان 2019، وهي الدعوة التي لم تجد آذانا صاغية، ليبقى الأمير “غزالان” ووالده قيد الاحتجاز التعسفي، حتى اليوم.