توقيت لافت.. دلالات الاتفاقية العسكرية بين إيران والنظام السوري
.jpg)
على قدم وساق، تحاول إيران تثبيت وجودها العسكري على الأراضي السورية، فبعد تذمر روسي منها وتصعيد عسكري إسرائيلي ضدها في دمشق وضواحيها، وقعت طهران مع النظام السوري "اتفاقية شاملة" هدفها المعلن تعزيز التعاون العسكري والأمني.
توقيت الاتفاقية التي وقعها رئيس الأركان الإيراني، محمد باقري، في دمشق، مع وزير دفاع النظام السوري علي أيوب، في 8 يونيو/ حزيران 2020، أثار العديد من التكهنات، كونها جاءت بعد تفجيرات غامضة بمواقع حساسة في إيران، فضلا عن تطبيق قانون "قيصر".
رسائل متعددة
محللون قرؤوا الاتفاقية العسكرية الشاملة بين إيران والنظام السوري وتوقيت توقيعها في ظل الظروف الراهنة، على أنها أرادت إيصال رسائل عدة إلى روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
الخبير العسكري السوري أحمد حماد، رأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "الاتفاق الأخير بين نظام الأسد وإيران سبقه اتفاق في 2018، وتريد طهران من خلاله إظهار تبعية النظام لها، وكذلك فيه رسائل للروس الذين ينافسونها في السيطرة على مقدرات سوريا".
وأشار العقيد السوري السابق إلى أن "الاتفاقية فيها رسائل كذلك لإسرائيل وأميركا بأن إيران باقية وتوقيع الاتفاق يجعل جيش رئيس النظام بشار الأسد تابعا لها، وخاصة بعد قانون قيصر الذي يحاصر هذا المحور".
ويهدف قانون "قيصر" الأميركي إلى إجبار النظام السوري على تعديل سياساته، والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات بناء على القرارات الأممية السابقة لاسيما القرار رقم 2254، كما يستهدف القانون دفع دمشق إلى التخلي عن الدعم العسكري الذي تقدمه طهران.
وفي السياق ذاته، قال المعارض السوري أيمن عبد النور: إن الاتفاقية الأخيرة بين إيران وسوريا تحمل بين طياتها ثلاث رسائل: الأولى لا تخلو من تحد للولايات المتحدة وقانون قيصر، والرسالة الثانية لروسيا التي أظهرت في الآونة الأخيرة تململا تجاه سياسات النظام وعناده وهو ما ترجم في مقالات نشرتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين تنتقد الأسد والدائرة الضيقة المحيطة به".
ولفت عبد النور خلال تصريحات صحفية في 8 يوليو/ تموز 2020 إلى فتح موسكو قنوات تواصل مع قوى في المعارضة وشخصيات علوية في المهجر، الأمر الذي عزز مخاوف الأسد بشأن النوايا الروسية.
وبحسب المعارض السوري، فإن الرسالة الثالثة موجهة لإسرائيل التي وسعت نطاق استهدافها لقواعد إيرانية في سوريا، وتريد طهران إيصال رسالة من خلال هذه الاتفاقية تفيد بأنها ستتمكن من السيطرة على الأنظمة الجوية السورية وتطويرها بما يمكنها من الرد على الهجمات التي تتعرض لها.
تثبيت الوجود
ولأن الاتفاقية العسكرية بين طهران ونظام الأسد جاءت بعد سلسلة تفجيرات غامضة طالت مراكز حساسة في إيران، وكانت الاتهامات تدور حول إسرائيل، فإن التساؤل الأهم هو: هل من ربط بين الاتفاقية والهجمات التي لا يعرف مصدرها حتى يوم 14 يوليو/تموز 2020؟
وشهدت إيران انفجارات وحرائق عدة في محيط منشآت عسكرية ونووية وصناعية في أنحاء البلاد منذ أواخر يونيو/ حزيران 2020، كان آخرها اندلاع حريق في 13 يوليو/ تموز 2020، بمجمع صناعي في شمال شرقي البلاد إثر انفجار صهريج في مجمع لصهاريج مكثفات الغاز.
ومن أبرز الانفجارات التي شهدتها إيران في الآونة الأخيرة، انفجار وقع في 2 يوليو/ تموز 2020 في أحد مباني مجمع نطنز النووي، تسبب بـ"أضرار مادية جسيمة"، وفيما أعادت طهران أسباب هذه الحوادث إلى مشكلات عرضية، سرت أنباء وتقارير عن يد لإسرائيل فيها.
وفي هذه النقطة، استبعد حماد وجود ربط بين الموضوعين، إلا أنه أكد في حديثه لـ"الاستقلال" أن "الرد الإسرائيلي لن يجعل إيران تخرج من سوريا، وإنما من يجعل إيران وعصاباتها تخرج هو إزاحة هذا النظام الوظيفي".
ورأى الخبير العسكري السوري أن "إيران لن ترد على الهجمات الإسرائيلية بالقوى والوسائط، ولكنها تريد بناء قاعدة عسكرية وثقافية واقتصادية مع امتصاص الضربات الجوية التي طالت مناطق سيطرة النظام السوري".
من جهته، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي عبد الناصر العايد خلال تصريحات صحفية في 11 يوليو/ تموز 2014 أن الاتفاقية من حيث الشكل لا تختلف عن الوضع القائم على الأرض، لكنها تُثبت أن إيران باقية في سوريا.
ونوه العايد إلى أن الحديث عن تباعد روسي إيراني بات أمرا مؤكدا بعد هذا الاتفاق الذي يسمح لإيران بنشر دفاعات جوية في سوريا، وقد كان من عمل روسيا، أي أن طهران لن تعتمد على موسكو في هذا الإطار.
وأضاف أن إيران تحاول ترسيخ وجودها في سوريا من خلال اتفاقيات سيادية موثقة، كما فعلت روسيا من أجل أخذ الشرعية لوجودها حتى يتحول إلى قواعد عسكرية، وليس فقط من خلال الدعم الفني والمليشيات الموالية لها التي تقاتل إلى جانب النظام السوري منذ سنوات.
تعقيد أكثر
لكن الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب والعميد المتقاعد شلومو بروم، رأى أن إيران تهدف من خلال تعزيز قدرات الدفاع الجوي السوري في مواجهة الهجمات الجوية الإسرائيلية إلى تقوية نفوذها على جيش النظام.
ورأى خلال حديث لصحيفة "كوميرسانت" الروسية في 11 يوليو/ تموز 2020 أن المساعدة الإيرانية لجيش النظام السوري في المجال الجوي لن تكون فعالة لأن أنظمة الدفاع الجوية الروسية التي يستخدمها السوريون أفضل من الأنظمة الإيرانية.
وأردف إيفنتال، قائلا: إن التصريحات الإيرانية بشأن تحديث منظومة الدفاع الجوي السورية هو رسالة لروسيا من أجل دفعها لمواجهة الهجمات الإسرائيلية في سوريا، وربما يكون محاولة لإقناع الروس بمنح السوريين منظومة الصواريخ المضادة للطائرات إس-300 والسماح لهم باستخدامها.
وفي الوقت الذي لم يصدر أي تصريح رسمي عن موسكو تجاه الاتفاقية بين طهران ونظام الأسد حتى 14 يوليو/ تموز 2020، فإن خبراء روس يرون أن موسكو لا ترغب في الدخول على خط الصراع بين إسرائيل وإيران.
ونقلت الصحيفة الروسية عن الخبير العسكري فيكتور موراخوفسكي، قوله: إن إيران وروسيا ليسا حليفين، إنما تجمعهما علاقة ظرفية في ظل الوضع السوري الراهن، خاصة في مواجهة "الجماعات الإرهابية".
وأوضح موراخوفكسي أن "إيران موجودة في سوريا فقط من خلال مستشاريها"، معتبرا أن الاتفاقية الجديدة لن تغير الوضع. وأكد أنه لا يوجد أي صراع أو خلاف بين الجيشين الروسي والإسرائيلي، بالقول: إنه كانت هناك فقط بعض "الاعتراضات" خلال العمليات العسكرية.
وعلى نحو مماثل، يؤكد الخبير الروسي إليا كرامنيك أن توسيع التعاون بين دمشق وطهران على امتداد الجغرافيا السورية، وتوفير المزيد من الأنظمة الصاروخية بعيدة المدى، قد يؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر فأكثر، بحسب الصحيفة الروسية.
كسر "قيصر"
النظام السوري من جهته، برر توقيع الاتفاقية مع طهران في هذا التوقيت، بأنه أحد الخيارات لكسر قانون قيصر، حسبما قالت بثينة المستشارة الإعلامية والسياسية للأسد خلال مقابلة تلفزيونية في 10 يوليو/ تموز 2020.
وأضافت شعبان: "سنعمل على العودة إلى الزراعة وزيادة التعاون مع دول محور المقاومة والانفتاح على الشرق كالصين وروسيا. لدينا خيارات داخلية، وقد بدأنا باعتمادها لمواجهة قانون قيصر".
وأردفت: "كما جعل الحصار إيران أقوى، فنحن قادرون أيضا على تحويل هذا الحصار إلى فرصة لنصبح أكثر قوة"، لافتة أن التفكير في دول شرق آسيا مختلف عن طريقة التفكير في الدول الغربية القائمة على ذبح الشعوب"، وفق تعبيرها.
وأكد الطرفان مواصلة التنسيق بينهما لمتابعة مواجهة التحديات والأخطار المتعددة والمتزايدة وفي مقدمتها الاستمرار بمواجهة "الإرهاب"، فيما أشار أيوب إلى أن العلاقة بين النظام وإيران إستراتيجية، وأن التعاون الثنائي العسكري والأمني نوعي ومستمر، ويشمل جميع الجوانب.
أما رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، فقد صرح قائلا: "سنعزز نظام الدفاع الجوي السوري بهدف تحسين التعاون العسكري بين البلدين"، مشددا على أن الاتفاق "سيعزز إرادتنا لمواجهة الضغوط الأميركية".
المصادر
- إيران ونظام الأسد يوقعان اتفاقية شاملة للتعاون العسكري
- اتفاقية عسكرية جديدة.. هل تحاول طهران تثبيت أقدامها في سوريا بعيدا عن روسيا؟
- مستشارة الرئيس السوري تكشف عن أولى الخطوات لكسر "قانون قيصر"
- انفجار وحريق كبير بمجمع صناعي في إيران
- إيران تستفز روسيا بوضع يدها على الدفاعات الجوية السورية
- Взрывоопасная ПВО для Сирии
- الاتفاق السوري الإيراني.. طهران تتحدى وواشنطن تضغط وروسيا تترقب