نهرو الكسنزاني.. زعيم طريقة صوفية تخابر مع أميركا ويحلم برئاسة العراق

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

إثر وفاة والده محمد المحمد عبد الكريم الكسنزاني الحسيني، في الولايات المتحدة الأميركية عن عمر ناهز الـ82 عاما، تولى نهرو الكسنزاني زعامة "الطريقة العلية القادرية الكسنزانية" في العراق والعالم، والتي تعتبر من الجماعات الصوفية المعروفة.

أتباع الجماعة بايعوا نهرو الكسنزاني، زعيما لهم في 10 يوليو/ تموز 2020، بالتزامن مع مراسم دفن والده في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، امتثالا لوصية والده قبل 25 عاما بأن يخلفه ولده نهرو بعد مماته في قيادة "الطريقة القادرية".

حفيد الكسنزان

شمس الدين نهرو محمد عبد الكريم الكسنزاني، كردي الأصل من مواليد مدينة كركوك العراقية عام 1969، كان عضوا في البرلمان العراقي والأمين العام لـ"تجمع الوحدة الوطنية"، قبل أن يخلف والده في زعامة "الطريقة العلية القادرية الكسنزانية".

نهرو الكسنزاني الحاصل على الدكتوراه في التاريخ وشهادة أخرى مختصة باللغة الإنجليزية من المملكة المتحدة، ينحدر من عائلة ذات خلفية دينية صوفية تنسب أصولها إلى الحسين بن علي، ويؤمن بفصل الدين عن الدولة.

أما تسمية الكسنزان فهي كلمة كردية تعني "لا يعلم به أحد" أطلقت كلقب على أسرة الشيخ محمد بعد أن لقب به جدهم الأول عبد الكريم بسبب انقطاعه لمدة 4سنوات عن الناس مختليا في أحد جبال قرداغ بضواحي مدينة السليمانية، وحينما كان يُسأل عنه يجاب بـ (كسنزان).

بعد عودته من الخلوة، جرى اللقب "الكسنزان" على ألسنة الناس، أما العشيرة التي ينتمي لها الشيخ محمد الكسنزان فهي البرزنجية، والأب الأعلى لها هو الشيخ عيسى البرزنجي أول من سكن في برزنجة شمالي العراق.

سجن نهرو الكسنزاني وإخوانه في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، ما دعاهم للجوء إلى الأميركيين للحصول على المساعدة في الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003، وانتهى بهم المطاف بمساعدة مسؤولي المخابرات الأميركية، بحسب قوله.

مناهض لإيران

يفصح نهرو الكسنزاني عن آرائه السياسية بشكل علني، وينادي بمواجهة عسكرية أميركية ضد إيران، وذلك من خلال رسالة وجهها إلى مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.

وحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في يونيو/ حزيران 2019، فإن نهرو الكسنزاني عبّر من خلال رسالته عن أمله "في تحقيق هدفنا المشترك المتمثل في إضعاف نظام الملالي في إيران والقضاء على نفوذ ذلك البلد".

ويعارض الكسنزاني، الهجوم الأميركي متعدد الجوانب على إيران، ويقترح سلسلة هجمات دقيقة على المؤسسات العسكرية والاستخبارية الإيرانية بدلا عنه، ويقول عن موقفه المتشدد من إيران: "يسألوننا لماذا تريدون الحرب، في حين أننا لسنا في سلام، فالعنف ضد السنة في العراق لم يتوقف أبدا".

لم يقف عند هذا الحد، وبعد 4 أشهر من رسالته تلك، ذهب في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى فندق ترامب الدولي في واشنطن ليقضي فيه 26 ليلة في جناح بالطابق الثامن من الفندق، وتقدر تكاليف إقامته تلك بعشرات الآلاف من الدولارات.

دارت شكوك في حينها على أن ذهابه إلى فندق ترامب في واشنطن هو لإجراء مقابلات سياسية والتحشيد لهدف معين، إلا أنه نفى ذلك في تصريحه لـ"واشنطن بوست" بالقول: "في الغالب نقيم في فندق (هي آدمز) لكننا سمعنا عن فندق ترامب الجديد في واشنطن، وتوقعنا أن يكون مكانا جيدا للإقامة".

الشكوك جاءت لكون الفندق تابع لمنظومة ترامب، وأضحى مكانا لاجتماع السياسيين والشخصيات التي تتعاطى مع العمل الحكومي، ومعروف أنه محل إقامة للشخصيات الأجنبية التي تريد عرض أجنداتها على إدارة الرئيس ترامب.

لكن "تجمع ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ"، الذي يترأسه نهرو الكسنزاني، أصدر بيانا في 8 يونيو/ حزيران 2019، بشأن ما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، وفيما اعتبر ما ورد "أكاذيب ملفقة"، أكد أن أي عمل عسكري ضد إيران سيجعل العراق في أتون الأزمة.

وقال البيان: "نھرو الكسنزان لم يكن قد صرح للصحيفة المذكورة أنه حث وشجع الإدارة الأميركية على تضييق الخناق على الجمھورية الإسلامية وإسقاط النظام السياسي فيھا، إضافة إلى إلصاقھا بعض الأكاذيب الملفقة لشخصه بشأن طموحه السياسي الرامي إلى رئاسة جمھورية العراق".

مخبر للأميركيين

الشيخ نهرو محمد عبد الكريم الكسنزاني، الذي يعتبر مرشد الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، أعلن للصحيفة الأميركية أنه عمل خلال فترة الهجوم الأميركي على العراق عام 2003 مخبرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه".

وفي كتاب "خطة هجوم" طبعة عام 2004، يشير الكاتب بوب وودوارد إلى أن فرقة دينية في إقليم كردستان، كان لها لقاءات متعددة ومتقاربة مع مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وكان الأميركيون في تلك الفترة يعملون على وضع خطة هجوم 2003.

وأوضح الكاتب أن عائلة الكسنزاني شكلت شبكة مخبرين من أتباعها، وأن المعلومات كانت نادرة جدا وتصدم العقول، الأمر الذي أدى إلى منحهم لقب "روكستار".

الكتاب لم يسمّ الكسنزانيين، لكن الشيخ نهرو الكسنزاني يؤكد أن العائلة التي يشير إليها الكتاب هي عائلته، ويقول: إنهم كانوا يتقاضون مليون دولار شهريا من واشنطن كمصاريف للشبكة التي كانوا يديرونها.

وأطلع نهرو الكسنزاني صحيفة "واشنطن بوست" على مجموعة وثائق للجيش الأميركي تبين أن اسم شبكة الشيخ تغير في فترة الحرب إلى شركة "حماية المؤسسات العراقية" التي أبرمت عدة عقود لحماية القواعد العسكرية الأميركية والمؤسسات النفطية، وكان أحد تلك القواعد بالقرب من كركوك.

وفي هذه النقطة تحديدا، من المهم الإشارة إلى أن عزت الدوري نائب الرئيس العراقي الراحل، الذي غاب عن الأنظار منذ احتلال العراق عام 2003 ويظهر بين مدة وأخرى بمقاطع فيديو، كان أحد أتباع "الطريقة الكسنزانية" ويقدم لهم الدعم المطلوب للتمدد ونشر فكرهم على حساب الحركات الأخرى.

حلم بالرئاسة

طموحات نهرو الكسنزاني ليست تجارية فقط، إذ تقول "واشنطن بوست": إنه يعتبر نفسه خيارا ملائما لرئاسة العراق ويرى أن التصوف، الذي يجمع الشيعة والسنة، يمكن أن يكون بديلا يمنع توسع رقعة النفوذ الإيراني وعنف القاعدة.

لم يسمح للشيخ نهرو الكسنزاني، أمين عام التحالف "من أجل وحدة العراق"، بالترشح في انتخابات الرئاسة عام 2005، لكنه جاء بأكبر المكاسب السياسية لتلك العائلة في العراق عام 2014، عند ترشيح أخيه ملاس محمد عبد الكريم، لوزارة التجارة.

وبعد عام من توليه الوزارة، أقيل ملاس الكسنزاني من منصبه، وصدر أمر بإلقاء القبض على الأخوين، بتهمة تلقي الرشاوى في عقود شراء الأرز للحصة التموينية.

وأبلغ المتحدث باسم مؤسسة القضاء العراقية، عبد الستار بيرقدار، "واشنطن بوست" بأن نهرو الكسنزاني أيضا مطلوب و"سيلقى القبض عليه حال عودته إلى العراق"، بينما ينفي الكسنزاني اتهامه بالفساد ويقول: إن تلك القرارات وراءها أهداف سياسية.

وفي تصريحاته قال الكسنزاني: إنه كانت له حوارات مع عدد من خبراء شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، ومنهم الكولونيل عباس دهوك. لكن مسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية ينفون علمهم بأي اجتماعات رسمية بين كوادر وزارتهم وبين الكسنزاني، كما لم يفصحوا عن عقد اجتماعات غير رسمية أيضا.

دهوك الذي تقاعد مؤخرا وكان مستشارا في مكتب شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية، وعمل في السابق بالشؤون العسكرية بالسفارة الأميركية بالسعودية، يقول عن الكسنزاني: "لديه من يستمع إليه، وملاحظاته محل اهتمام عدد كبير من المسؤولين المعنيين".

ويدير نهرو الكسنزاني في مجموعة شركات خدمات أمنية، وخدمات حقول نفطية وإنشائية، افتتحها في الولايات المتحدة، وفي إصراره على العمل التجاري مع إدارة ترامب، يقول هو: "نحن نبحث عن فرص".

وعقب إصدار مذكرة قبض بحق نهرو الكسنزاني، استقر الأخير في قصره بالعاصمة الأردنية عمّان، إلا أنه عاد مؤخرا إلى مدينة السليمانية لتأبين والده، وأخذ البيعة من أتباع "الطريقة القادرية".