إقالة رئيس الحكومة السورية وقيادات أمنية.. ماذا وراء قرارات الأسد؟​​​​​​​

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد، مؤخرا، جملة من التغييرات طالت رئيس حكومته عماد خميس، وقيادات عسكرية شملت القوات الخاصة والحرس الجمهوري، في خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام بخصوص توقيتها وأسبابها.

ورغم عدم حديث وسائل الإعلام السورية الرسمية عن أسباب التغييرات المفاجئة، لكنها جاءت وسط أوضاع اقتصادية متدهورة وانهيار كبير للعملة المحلية (الليرة)، والذي أسفرت عنه خروج مظاهرات غاضبة في مناطق يسيطر عليها النظام هتفت ضد الأسد وطالبت برحيله.

"كبش فداء"

على وقع التدهور الحاد في قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وتردي الواقع الاقتصادي بشكل كبير، فإن إقالة رئيس الحكومة عماد خميس في 11 يونيو/حزيران 2020، بمثابة "كبش فداء" قدمه نظام الأسد، حسبما رأى محللون.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري أحمد الرحال: "من حيث المبدأ رئيس الحكومة في سوريا هو عبارة عن واجهة لا يملك قرارات ولا سلطة المراقبة والمتابعة، من يقود الحكومة جهازان هما القصر الجمهوري والمخابرات. أما عماد خميس، والذي جاء من بعده وزير الموارد المائية حسين عرنوس فهما واجهة فقط".

ورأى أن البعد السياسي للموضوع، هو الأزمة الاقتصادية بسوريا، ونقص الغاز والكهرباء والخبز، إضافة إلى الخلافات بين رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وزوجة الأخير، وقرب تطبيق قانون "قيصر" الأميركي- الذي سيحبس الهواء على النظام ومؤسساته - وأمام كل هذه الأزمات لا بد من "كبش فداء" وبالتالي ضحى الأسد بعماد خميس وأتى بحسين عرنوس.

ولفت الرحال إلى أن "رئيس الوزراء في سوريا لا يملك من الأمر شيء، وأي عنصر مخابرات يستطيع التحكم بشخص رئيس الحكومة، وخطوة الأسد هذه هي محاولة لإيهام الناس والمجتمع الدولي أنه قادر على تغيير رئيس الحكومة ويستجيب لمطالب الشعب كما تعمل الدول المتقدمة".

وفي السياق ذاته رأى الكاتب فراس العبيد في مقال نشره موقع "رسالة بوست" أن النظام السوري أراد إيصال رسالة إلى الداخل السوري من خلال إقالة رئيس الحكومة، لحرف البوصلة التي تؤكد أن مطالب الجماهير في البلاد تسعى ﻹسقاطه، بدلالة التظاهرات في محافظة السويداء جنوب سوريا.

وحسب العبيد، فإن الإطاحة بخميس، كانت سيناريو معد مسبقا ومنذ نحو عام تقريبا، إلا أنه لم ير النور حتى بلغ الاحتقان الشعبي ذروته، وكان آخر المقدمات مطالبة مجلس الشعب (التابع للنظام)، بـ"حجب الثقة" عن حكومة الأسد.

ونوه إلى أن تغيير وجه رأس الحكومة ﻻ يعني بالضرورة ضبط إيقاع الشارع المحتقن، فالمنصب كما يعرف السوريون "حقيبة بلا فاعلية"، تتماشى وتنفذ أوامر أجهزة المخابرات والحلقة الضيقة من رأس النظام حصرا. ولا يمكن التعويل على تغيير "رأس اللافاعلية"، خميس، على تحسين الواقع.

وألمح العبيد أن ما قام به الأسد مؤخرا يصب في باب امتصاص الاحتقان، ووضع "كبش فداء" جديد في الطابور، من الراجح أن وسائل الإعلام ستهلل له إلى حين، ثم ما تلبث أن تبدأ "بنتف ريشه" بعد عام.

"سني متشيّع"

مراقبون رأوا أن قرار نظام الأسد بإقالة رئيس الحكومة ربما يأتي بضغط روسي، لأنه جاء بعد شهر واحد من تقرير نشرته "الوكالة الفدرالية" الروسية، تحدثت فيه عن الفساد المستشري في حكومة النظام والذي يعيق التعاون بين موسكو ودمشق، ووصفت الأسد بأنه "ضعيف ولا يتحكم بالبلد".

التقرير الذي نشر في 13 أبريل/ نيسان 2020، قالت فيه الوكالة: "زيادة النظام السوري ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن السوريين، وتبريره ذلك بأن حقلي حيان والشاعر، توقفا عن العمل بسبب سيطرة المسلحين على مدينة السخنة قرب حقول الغاز"، واصفة هذه الادعاءات بـ"الكاذبة".

وأفادت بأن إغلاق شركات إنتاج الغاز يؤثر سلبا على اقتصاد البلاد الذي ساعدت روسيا في استعادته. ورفعت الحكومة السورية سعر الغاز المنزلي إلى 4 آلاف ليرة للأسطوانة الواحدة، ووصلت تكلفته في "السوق السوداء" حتى 15 ألف ليرة (100 دولار تساوي 2000 ليرة).

وأرجعت الوكالة الروسية سبب زيادة الرسوم الجمركية والوضع الاقتصادي المتدهور إلى فساد حكومة عماد خميس. ولفتت إلى أن الأسد لا يتحكم بالوضع في البلاد وأن المسؤولين يسيطرون ويسرقون عائدات استخراج النفط والغاز.

وفي الوقت الذي يرجح فيه مراقبون أن استبعاد عماد خميس يأتي بضغط روسي، فإن آخرين تحدثوا عن محاولة نظام الأسد تحميل تدهور الاقتصاد لرئيس الحكومة بعد غضب شعبي طالب الأسد بالرحيل.

وتعليقا على ذلك، قال الرحال في حديثه لـ"الاستقلال": "بالفعل روسيا كانت منزعجة من عماد خميس، وأنه يسرق الكهرباء من السوريين ويبيعها إلى لبنان ويسرق أموالها".

وأضاف: "حاول خميس أن يعطي ميناء اللاذقية و5 آلاف دونم في الساحل إلى الإيرانيين. كما أن روسيا اتهمته بأنه عمل 5 صفقات مع إيران بداية 2017 وباع الاقتصاد السوري إليها ما سبب أزمة، إلا أن موسكو قامت بإلغاء هذه الصفقات كلها".

واستدرك الرحال قائلا: "لكن حسين عرنوس- الذي كلفه الأسد برئاسة الحكومة مكان خميس- هو سني متشيع من محافظة إدلب وهو أول من أقام حسينية في إدلب، ولو فرضنا أن روسيا ضغطت حتى تغيّر عماد خميس، فالذي أتى أسوأ من حيث التبعية السياسية، فهو يتبع لإيران".

تمكين العلويين

بعد مضي ساعات من إقالة خميس، أجرى الأسد تغييرات مهمة في مواقع عسكرية قيادية شملت تشكيلات القوات الخاصة والحرس الجمهوري.

وكشفت تقارير إعلامية، أن ضباطا علويين من الجيل الشاب، معظمهم برتبة عميد، شغلوا حديثا مواقع عسكرية مهمة كي يكون أي تحريك للقوات تحت إشراف هؤلاء الضباط الذين يعتبر بشار الأسد أنهم موالون له مباشرة وليس لأي شخص آخر مثل ابن خاله رامي مخلوف.

وبموجب التغييرات الجديدة، أصبح العميد الركن ميلاد جديد قائدا للقوات الخاصة، والعميد الركن منذر إبراهيم رئيسا لأركان القوات الخاصة، والعميد الركن كمال صارم رئيسا لأركان الحرس الجمهوري، والعميد الركن أمين إسكندر رئيسا لأركان الفرقة 30 في الحرس الجمهوري.

أما بخصوص التغييرات في الحرس الجمهوري، فطالت ضمن الفوج 101 واللواء 104 في ريف دمشق الغربي قبل أيام قليلة، إذ جرى تعيين العقيد مهدي الشمالي، مسؤولا أمنيا لحاجز الرمال وحواجز غربي دمشق التابعة للفوج 101 بديلا عن العقيد هيثم الحسن، الذي تم نقله لمكان آخر.

وشملت التغييرات الضباط برتبة ملازم ورقيب، ضمن الأقسام الإدارية للفوج، حيث جاء تغيير قائد الفوج بأمر من قائد الحرس الجمهوري اللواء مالك عليا، وذلك لأسباب قيل أنها تتعلق بالتراخي والتساهل على الحواجز من العقيد السابق.

وأفادت مواقع للمعارضة السورية، بأن العقيد مهدي الشمالي تسلم مهامه خلال الأسبوع الماضي، وبدأ بإصدار قرارات عديدة داخل الفوج أهمها تغيير بعض عناصر الحواجز الأمنية على أطراف مدينتي قدسيا والهامة ووادي بردى وجديدة الوادي وحاجز الرمال غربي دمشق.

دولة أمنية

لكن الخبير العسكري السوري أحمد الرحال رأى أن "تغييرات الجيش لا تؤثر في أي شيء، لأن هناك مركزية في القيادة بيد عائلات الأسد ومخلوف وشاليش، إضافة إلى 17 فرع مخابرات بسوريا فيها مئات آلاف مكاتب المخابرات، هم من يسيطر على مفاصل الدولة".

وشدد العميد الركن السابق على أن "سوريا دولة أمنية تقاد من القصر الجمهوري، وبالتالي فإن كل المناصب عبارة عن بيادق وأشكال فقط لا غير بيد النظام الحاكم وهذا الكلام من 50 سنة وحتى اليوم".

يشار إلى أن التغييرات العسكرية الحالية، تعد الثانية من نوعها في ظرف عام واحد، إذ أجرى النظام في يوليو/ تموز 2019، تغييرات مهمة طالت قيادات بارزة في الأجهزة الأمنية.

وخلصت التغييرات في حينها إلى تعيين اللواء ناصر العلي رئيسا لشعبة الأمن السياسي خلفا للواء حسام لوقا الذي عُين مديرا لإدارة المخابرات العامة أو ما يُعرف بأمن الدولة، خلفا للواء ديب زيتون.

كما شملت أيضا، تعيين اللواء ناصر ديب مديرا لإدارة الأمن الجنائي خلفا للواء صفوان عيسى، وتعيين اللواء غسان جودت إسماعيل مديرا لإدارة المخابرات الجوية، الجهاز الأمني الأكثر شهرة في البلاد.

ومن ضمن تلك التغييرات، عيّن الأسد، اللواء علي مملوك نائبا له للشؤون الأمنية، والذي سبق أن فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات اقتصادية بسبب تورطه في أعمال عنف ضد المتظاهرين.