بعد أن ضيعتهم حكومة السيسي.. لماذا يفضل أطباء مصر الهجرة إلى أوروبا؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يعد حلم أي طالب يلتحق بكلية الطب في مصر، كما كان في السابق، التفوق أثناء الدراسة كي يتم تعيينه معيدا بالكلية ثم مدرسا فأستاذا، والعمل بمستشفيات الدولة، أو فتح عيادة خاصة.

بات الحلم اليوم هو البحث عن فرصة سفر للخارج، بمجرد تخرجه من الجامعة، للعمل برواتب مميزة، أو التوجه غربا نحو بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة لمعادلة شهادته المصرية وشق طريقه نحو عالم الشهرة والمجد.

رحلة كفاح طويلة وشاقة تبدأ منذ الثانوية العامة، ثم التحاق الطالب المتفوق بإحدى كليات الطب في مصر، ودراسة 7 سنوات يحصل بعدها على درجة البكالوريوس، ثم يكلف بسنة يعمل خلالها في أي مستشفى حكومي أو وحدة صحية، ثم تبدأ رحلة الماجستير والدكتوراة.

لم يعد كثير من أطباء مصر الشبان يتحمل السير في هذا الطريق الوعر، في ظل أوضاع متردية داخل المنظومة الصحية، وتدني الرواتب، واعتداءات مستمرة على الأطباء، وانتقاص من حقوقهم المادية والمعنوية.

حلم أوروبا

عبد الرحمن عاشور، طبيب مصري مقيم في ألمانيا، كتب على صفحته الشخصية بفيسبوك يوم 10 يونيو/ حزيران 2020، عن زيادة الهجرة للأطباء العرب، ومنهم المصريين إلى ألمانيا خلال العام 2019.

عاشور استشهد بالحصر الذي قدمته نقابة الأطباء الألمانية الفيدرالية، والذي يقدر عدد الأطباء العرب العاملين في ألمانيا حتى نهاية العام 2019، بـ11 ألف طبيب، نسبة الأطباء المصريين منهم بلغت 1549 طبيبا (بزيادة بلغت 188 طبيبا في 2019 مقارنة بزيادة 135 طبيبا في 2018).

أما الطبيب المصري المقيم في بريطانيا يحيى مكيه، ويعمل في مستشفى ليستر العام بإنجلترا، فكتب على صفحته بفيسبوك يوم 3 أبريل/ نيسان 2020، قائلا: "اللي بيدور على أطباء مصر دلوقتي فين يراجع ورايا الأرقام دي الخاصة بالأطباء المصريين في إنجلترا".

وأضاف: "حتى اليوم 03/04/2020 عدد خريجي كليات الطب المصرية المسجلين في المجلس الطبي العام في بريطانيا هو 6682 طبيبا منهم 852 ليسوا على قوة العمل". ثم قال: "نبص (ننظر) كده على (إلى) الأرقام اللي جاية دي (هذه):

  • 5996 طبيبا مسجلا في نهاية 2019
  • 4687 طبيبا مسجلا في نهاية 2018
  • 4002 أطباء مسجلين في نهاية 2017
  • 3211 طبيبا مسجلا في نهاية 2013
  • 2988 طبيبا مسجلا في نهاية 2010

ده (هذا) معناه إن ما يوازي 10% من عدد الخريجين السنوي من كليات الطب المصرية بيسافر لإنجلترا فقط حاليا، تخيل معايا بقى كام طبيب بيسافر لباقي دول العالم".

وذكر: "أنا مش (لن) هقول إيه أسباب ده، كل واحد يقدر يحلل ويستنتج براحته، وهتلاقوا تحت رسم بياني من موقع GMC بيوضح الأرقام اللي فوق".

وفي 16 أبريل/ نيسان 2020، قال الدكتور عاصم عبدالصمد، رئيس اتحاد المصريين في أوروبا، وأستاذ التخدير المقيم بلندن، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد مجدي، ببرنامج "فنجان قهوة"، على قناة "صدى البلد": "الفريق الطبي الذي عالج رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون داخل مستشفى سانت توماس، الجامعية الكبرى في المملكة المتحدة البريطانية، ضم عددا من الأطباء المصريين".

وبالنظر إلى تلك التصريحات والإحصائيات التي توضح التزايد المستمر في عدد الأطباء المصريين الذين هاجروا نحو أوروبا، واستقروا هناك، يتبدى مدى الخطورة التي تعاني منها مصر من جهة النقص في عدد الأطباء، الذين يمثلون عصب المنظومة الصحية.

مستقبل واعد

أحمد بدوي، طبيب أسنان مصري مقيم في ألمانيا قال لـ"الاستقلال": "بعد دراستي لطب الأسنان في مصر، وأداء سنة في الخدمة العسكرية الإلزامية، وجدت من الصعوبات والعراقيل العملية والمادية ما يعيقني عن بناء مستقبلي كما أخطط له في مصر، بعد قرابة 8 سنوات من الدراسة الشاقة، فقررت بعد نصيحة الزملاء الذين سبقوني إلى ألمانيا، التوجه إلى هناك". 

وأضاف بدوي: "توجهت إلى ولاية براندنبورغ الألمانية، وبدأت لمدة عام في الاستعداد لدخول امتحان معادلة الشهادة الألمانية للأطباء، من خلال دراسة اللغة الألمانية، وتجهيز الأوراق، ثم دخلت الامتحان وتجاوزته، وبحصولي على الشهادة بدأت العمل مباشرة".

واستطرد بدوي: "ليس من السهل أن تبدأ عملك في مجتمعات جديدة، وتقيم حياة جديدة في بلاد بعيدة، ومختلفة في العادات والتقاليد، وكثير من الزملاء توجهوا إلى البلاد العربية المجاورة كحل أسرع وأسهل، ولكن الحصول على معادلات طبية من دول مثل ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، والاحتكاك المباشر بالنظام الصحي المتطور لتلك البلاد، يساهم في مستقبل الطبيب وخبرته على جميع المستويات".

وتابع: "الإشكالية في المنظومة الصحية المصرية، أنها تضغط على الطبيب الذي يعد أهم عناصرها، وبفقدان الطبيب تضعف المنظومة، خاصة وأن السفر إلى الخارج من جانب الأطباء، على أساس عدم العودة مستقبلا، يصل سنويا إلى أضعاف السنة التي تسبقها، من المئات إلى الآلاف، حتى أصبح الأمر عاما وشائعا، بل ويصل إلى أن يفكر طالب الطب أثناء فترة الدراسة إلى أين سوف يتوجه بعد الانتهاء من دراسته، ولا يفكر كثيرا في الاستمرار داخل مصر".

منظومة طاردة

في مصر 38 كلية طب بشري، ما بين الكليات الحكومية، وأخرى تابعة للجامعات الخاصة، ويصل إجمالي خريجي تلك الكليات سنويا قرابة 10 آلاف طالب، منهم 37 كلية ذات نظام تعليمي واحد، حيث مدة دراسة بكالوريوس الطب والجراحة تبلغ 6 سنوات دراسية، وتختم بسنة تدريب تعرف بالامتياز.

ومع تلك الأرقام الكبيرة، تمخضت المنظومة الصحية عن عجز كامل في نسبة الأطباء، وهو ما اعترفت به وزيرة الصحة هالة زايد، عندما أعلنت أن معدل الأطباء في مصر يبلغ طبيبا واحدا لكل 1500 فرد، وهو العدد الذي يعني عجزا يزيد بنسبة 400% مقارنة بالمعدلات العالمية، والتي تصل إلى طبيب واحد لكل 350 فردا، وهو ما أنتج عجزا كبيرا في مستشفيات وزارة الصحة، ومعاناة بالغة للمواطنين الذين يعانون في ظل تدهور المنظومة، ومع الملمات المستجدة مثل جائحة كورونا.

في عام 2019، قدرت النقابة العامة للأطباء عدد استقالات الأطباء خلال السنوات الأخيرة بما يقارب 2000 استقالة سنويا، وهو عدد ضخم يهدد المنظومة الصحية في مصر، بحسب تقديرات النقابة، وهو ما تسبب في عجز بتخصصات حيوية مثل الطوارئ، والعناية، والتخدير، وجراحة المخ والأعصاب.

وحسب وزارة الصحة، فإن الأطباء المقيدين في نقابة الأطباء 220 ألف طبيب، منهم 120 ألفا خارج البلاد، أي أن هناك 60% من الأطباء المصريين مغتربون.