وفيات الأوبئة ترتفع في موريتانيا.. لماذا انزعجت الحكومة من النقد؟
شهدت موريتانيا مؤخرا زيادة ملحوظة في عدد الإصابات بفيروس كورونا، رغم الأرقام الضئيلة التي سجلتها البلاد في بداية ظهور الفيروس.
تضاعف عدد المصابين بالفيروس في موريتانيا، بأكثر من 30 مرة، في غضون أسبوعين فقط، في موجة جديدة من الإصابات تتضاعف بسرعة كبيرة، وفق ما تظهر الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة، كما تضاعف عدد الوفيات 9 مرات.
في 5 يونيو/حزيران 2020، أعلنت وزارة الصحة تسجيل 99 إصابة جديدة مؤكدة بكورونا، وهي أعلى حصيلة من نوعها في البلاد، منذ اكتشاف أول حالة يوم 13 مارس/آذار 2020، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 883 حالة.
في الوقت نفسه، تشهد الدولة المغاربية تفشيا لحمى الضنك الذي تسبب في إصابات ووفيات تقارب عدد المصابين بكورونا خلال هذه الفترة، ما أثار موجة من الانتقادات طالت القائمين على القطاع الصحي في موريتانيا، متهمين الحكومات المتعاقبة بإهمال هذا القطاع الأساسي.
تفشي الجائحة
بخصوص عدد الفحوصات، التي تعد مؤشرا مهما في تتبع الوباء، أظهرت التقارير أنه مع بداية انتشار الفيروس خلال أبريل/نيسان 2020، كانت السلطات قد أجرت 2009 فحوصات، فيما أجرت 5004 فحوصات في مايو/ أيار 2020، من ضمنها مئات الفحوصات السريعة.
الإحصائيات الرسمية الأخيرة التي نشرت في 28 أيار/ مايو 2020، أظهرت أن أعلى معدل وفيات كورونا بين الدول العربية سجل فى اليمن بـ 19.68%، فيما حلت موريتانيا في المركز الثاني بـ 4.8 %.
وبالنسبة لمعدل الشفاء، فإن اليمن لديها أقل معدل شفاء بين الدول العربية (4.0%)، تليها موريتانيا (5.6%)، ثم السودان (14.2%).
لم تنحصر الإصابات بفيروس كورونا في دائرة المواطنين فقط، بل أصاب الفيروس وزير الشؤون الإسلامية الداه ولد أعمر طالب، حسب وسائل إعلام محلية.
وتعد هذه أول إصابة لوزير في الحكومة الموريتانية بفيروس كورونا، كما أعلن وزير الصحة الموريتاني، محمد نذير ولد حامد، مساء 15 أيار/مايو 2020، أنه قرر دخول الحجر الصحي بعد التأكد من إصابة أحد المسؤولين في الوزارة، بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وحسب بيان نشرته وزارة الصحة عبر صفحتها على فيسبوك، قال الوزير: إن "أحد مديري وزارة الصحة، زوج إحدى المريضات، تأكدت إصابته بالفيروس"، مشيرا أن ذلك الشخص شارك مؤخرا باجتماع بالوزارة حول تدابير توفير الأدوية في السوق.
وأضاف الوزير: "رغم التدابير الاحترازية التي نتخذها تلقائيا في لقاءاتنا، فإنني قد قررت أن أحجر نفسي طوعيا لتفادي أي اختلاط حتى يثبت عدم الإصابة بالفيروس".
حمى الضنك
في الوقت الذي تحاول الدولة في موريتانيا تطويق جائحة كورونا، سجلت المصالح الطبية عدة إصابات بحمى الضنك في مدينة أطار، شمالي البلاد.
وقالت هذه المصادر: إن المستشفى الجهوي بمدينة أطار، عاصمة ولاية آدرار، استقبل عددا من المرضى، أخضعهم للفحص فتأكدت إصابتهم بحمى الضنك.
وأضافت ذات المصادر أن الأطباء الذين عاينوا المصابين شخصوهم منذ البداية بحمى الضنك، لكنهم لجؤوا إلى الفحص للتأكد منذ ذلك.
وتشير تقديرات أولية إلى أن عدد المصابين بالحمى يصل إلى العشرات، وقد خضعوا لثلاث فحوصات: فحص حمى الضنك، فحص الملاريا، فحص كورونا.
وأظهرت نتائج الفحوصات أنه ليس من بين المصابين أي عدوى بفيروس كورونا، بينما ظهرت إصابة بعضهم بحمى الملاريا ولكن الأغلبية مصابة بحمى الضنك.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن حمى الضنك هي مرض فيروسي ينقله البعوض وقد انتشر بسرعة في كل أقاليم منظمة الصحة العالمية في السنوات الأخيرة.
وتنقل فيروس الضنك أناث البعوض وذلك أساسا من جنس الزاعجة المصرية، وبدرجة أقل الزاعجة المرقطة، كما ينقل هذا النوع من البعوض داء الشيكونغونيا والحمى الصفراء والعدوى بفيروس زيكا.
ويتفشى المرض على نطاق واسع في الأقاليم المدارية، مع تغايرات محلية في مستوى الخطر تتأثر بمعدل هطول الأمطار، ودرجة الحرارة، والعمران السريع العشوائي.
تم التعرف على حمى الضنك الوخيمة (المعروفة أيضا باسم حمى الضنك النزفية) في الخمسينيات من القرن الماضي أثناء فاشيات الضنك في الفلبين وتايلاند.
أما اليوم فإن حمى الضنك الوخيمة ينتشر في معظم بلدان آسيا وأميركا اللاتينية، وغدا من بين الأسباب الرئيسية لدخول المستشفيات والوفيات في صفوف الأطفال والبالغين في تلك المناطق.
القطاع الصحي
وأمام تفاقم الظروف الاقتصادية والاجتماعية لذوي الدخل المحدود في ظل تعثر الإجراءات الحكومية، أرجع المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، عجز الخطة الوبائية المتبعة من قبل الحكومة لمكافحة الفيروس عن مواكبة الوضعية الراهنة، إلى "تدخل بعض النافذين من أجل إفشال أي محاولة جادة لانتشال القطاع الصحي".
المرصد تحدث في بيانه يوم 30 أيار/مايو 2020، عن تسجيل نقص حاد في الأدوية وضعف حماية الطواقم الطبية، مطالبا بـ"تحيين الخطة الوبائية لمكافحة الفيروس ومنح الجهات الوصية كافة الوسائل والصلاحيات اللازمة، وحماية الطواقم الصحية وتوفير كافة المستلزمات والأدوية الضرورية".
وانتقد حزب التجمع للإصلاح والتنمية (معارض) تعاطي الحكومة مع الوباء، حيث أكدت قيادة الحزب في بيان 17 أيار /مايو 2020، أنها "تسجل خيبة أملها في مستوى تعاطي الحكومة مع التطورات الأخيرة لهذا الوباء والذي أظهر عجزا كبيرا واختلالات عديدة في الخطة المتبعة ومستوى جاهزيتها، رغم ما أعلن من تحضيرات وإجراءات وما جمع من وسائل وتمويلات".
الحزب دعا الحزب "الحكومة إلى الإسراع في معالجة اختلالات الخطة المتبعة، والعمل فورا على توفير الكميات الكافية من الأدوية واللوازم الطبية المطلوبة، ووضع العاملين في القطاع الصحي في ظروف عمل مناسبة قبل فوات الأوان".
واعترف وزير الصحة بضعف المنظومة الصحية في بلاده، قائلا عن فيروس كورونا: "ليس لدينا سوى أن نتجنبه".
ممنوع النقد
في المقابل قوبلت الانتقادات الموجهة للسلطات الصحية بغضب من النظام، حيث قالت جمعيات حقوقية موريتانية: إن بلادهم تعيش هذه الأيام في "فصل جديد من فصول تراجع الحريات العامة ودولة القانون".
وأضافت الجمعيات، وهي منظمة نجدة العبيد، وهيئة الساحل ورابطة النساء معيلات الأسر، ومنظمة مشعل الحرية، وحركة كافانا: أن "موريتانيا تعيش هذه الأيام على وقع توقيف بعض المدونين الشباب لمجرد ممارسة حقهم في التعبير وانتقاد أداء الحكومة وبعض مصالحها".
وقالت الجمعيات: إنها وثقت اعتقال مدونين وتقييد حرياتهم ووضعهم في أماكن مجهولة ومنعهم من الزيارة بصفة غير قانونية، واصفة الأمر بـ"الخرق الفج لروح القانون"، وفق نص البيان المشترك الصادر في 7 حزيران يونيو 2020.
وأعلنت الجمعيات رفضها التام لتوقيف مدونين دون جرم "سوى أنهم انتقدوا عبر صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي أداء الحكومة وطبيعة تسييرها لبعض الملفات مثل صفقات الفساد وتسير ملف جائحة كورونا".
في المقابل اشتكت الحكومة الموريتانية من سيل الأخبار ومن كثرة الإشاعات التي ينشرها بعض المدونين عن انتشار الوباء والتي أثارت مخاوف السكان.
لجنة الاتصال والتحسيس (التوعية) المتفرعة عن اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة الجائحة والتي يرأسها وزير الشؤون الخارجية، أبدت انزعاجها من الأمر في بيان وزعته في 29 أيار/ مايو 2020.
اللجنة أكدت في بيانها أن "قطاعا عريضا من هواة التدوين ومستخدمي وسائط الإعلام لا يتوانون، في مرحلة حرجة من مواجهة الوباء، عن نشر أخبار ومعلومات لا تمت، أحيانا، إلى الواقع بصلة، ولا تراعي مقتضيات القانون ولا أخلاقيات التواصل، ولا أعراف المجتمع، ولا الفطرة الإنسانية السليمة".