مجلة أميركية: هكذا ينشر فيروس كورونا الصراع المدني بالعالم

12

طباعة

مشاركة

يروج بعض المراقبين إلى أن جائحة كورونا التي تعصف بالعالم، خفضت احتمالات الحرب بين القوى الكبرى، مما يعزز السلام العالمي، لكن تقريرا نشرته مجلة أميركية شهيرة، يرى عكس ذلك، فيقول: "إن هذه الفكرة ليست خاطئة فقط، بل مضللة بشكل سيئ".

وقالت مجلة "فورين أفيرز" في تقريرها: إن "التفكير بأن السلام هو فقط عكس الصراع العسكري بين الدول، هو أمر عفا عليه الزمن".

فعكس السلام هو العنف وعدم الاستقرار، اللذان يهددان استقرار الدولة ورفاهية الإنسان، كما شهدت الولايات المتحدة على مدى الأيام العشرة الماضية. 

ويمكن لأزمة الصحة العامة أيضا أن تسلط الضوء على عدم المساواة، والمساهمة في الاضطرابات الداخلية، وفق التقرير.

وتابع: "في الواقع، لقد حذر أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، مجلس الأمن مؤخرا من أن الوباء يشكل تهديدا كبيرا للسلم والأمن الدوليين".

ويؤكد التقرير على المعنى الحقيقي للسلام بين الدول والشعوب، بالقول: "إنه لا يعني فقط غياب الحرب، ولكن غياب الصراع الذي يهدد الأرواح والمجتمعات واستقرار المؤسسات والأنظمة".

وبالفعل، يُعزى المزيد من الوفيات، والمزيد من عدم الاستقرار، إلى جرائم العنف، وقمع الدولة وإرهابها، والحوادث الفردية للعنف ذي الدوافع السياسية، أكثر من الحروب التي تنطوي على الجيوش التقليدية.

وتابع التقرير: "إذا كان السلام يتكون من حكومات مستقرة تقوم بحل النزاعات بدون عنف، وتوفر الأمن، والوظائف الأساسية الأخرى، فإن COVID-19 قد بدأ بالفعل في تقويض السلام حول العالم".

نحو الداخل

يتطلب فهم النطاق الحقيقي لآثار كورونا المحتملة على اتجاهات العنف، النظر خارج نطاق النزاعات التقليدية بين القوات العسكرية التابعة للدولة، ودراسة العنف الداخلي الذي يحصد الأرواح ويزعزع استقرار الدول، والذي غالبا ما يكون كافيا لدفع الدول في نهاية المطاف إلى الصراع مع بعضها البعض، وفق التقرير.

ويوضح التقرير ذلك، بالقول: "في الواقع، هناك أدلة متزايدة على أن التوقعات المتفائلة بأن الوباء يمكن أن يعزز حتى السلام بين الدول كانت مبالغا فيها".

ففي أواخر مارس/آذار 2020، دعا "غوتيريس" إلى وقف عالمي لإطلاق النار حتى يتمكن المجتمع الدولي من "وضع النزاع المسلح جانبا، والتركيز معا على القتال الحقيقي في حياتنا".

وقد أدت هذه الدعوة إلى عدد من وقف إطلاق النار من جانب واحد أو مؤقت، وفق التقرير. ويستدرك: "ولكن أوكسفام (اتحاد دولي للمنظمات الخيرية) وصفت هذه الجهود بأنها فشل كارثي". 

وحرب اليمن مثال على ذلك، فقد أعلنت المملكة العربية السعودية وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين في أوائل أبريل/نيسان، ولكن بدون تأثير واضح على الأرض. 

كذلك فإن الهند وباكستان، المسلحتين نوويا، تتنازعان عبر حدودهما أكثر من أي وقت في العامين الماضيين، على الرغم من إغلاق COVID-19.

وأضاف التقرير: "تساعد الوساطة الدولية وقوات حفظ السلام على إنهاء الحروب، ومنع نشوبها من جديد، لكن العديد من البلدان تحولت إلى الداخل لإدارة أزمة فيروسات تاجية". 

وبالتالي فمن المرجح أن يبذلوا جهودا دبلوماسية أقل لإنهاء الحروب، وأن يكونوا أكثر حذرا من نشر قوات حفظ السلام في مناطق الصراع حيث يكون الجنود عرضة للإصابة، وفق التقرير.

وتابع: "بينما فشل الوباء في وقف العنف بين الدول، فقد فاقم من مخاطر العنف وهد الاستقرار داخل الدول، على المدى القصير والمتوسط". 

واستمر العنف في كولومبيا وبوروندي، وزادت حدته في موزمبيق وميانمار، وبعد فترة هدوء قصيرة، ارتد إلى مستويات ما قبل الوباء في باكستان. 

وقد خلفت تلك الصراعات وغيرها نزوح 661 ألفا آخرين على الأقل، في الشهرين الماضيين فقط. وأردف التقرير: "وفي الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، أدى الوباء إلى تضخم التفاوتات العرقية والشقوق الاجتماعية التي طال أمدها".

وجاء مشهد قتل الشرطة لمواطن أسود (جورج فلويد)، كشرارة تسببت في إشعال موجة من الاحتجاجات الجماهيرية، ضد العنصرية الهيكلية الظاهرة في كل من تعامل الشرطة، والاستجابة للوباء. 

وتابع: "قوبلت الاحتجاجات والعنف المصاحب لها أحيانا بدورها باستدعاء القوات الحكومية الطارئة، والتلويح باستخدام الجيش النظامي داخل الأراضي الأميركية".

غطاء للانتهاكات

وبالفعل، عزز الفيروس التاجي الجديد من الممارسات التي تعمق من خطر العنف وعدم الاستقرار داخل الدول مثل، التراجع الديمقراطي، الانهيار الاقتصادي، واستهداف الأقليات ككبش فداء. 

ووجدت العديد من الدراسات العالمية أن الأنظمة التي ليست ديمقراطية تماما ولا استبدادية تماما، تسمى "ديمقراطيات جزئية" أو "أنوقراطية"، هي الأكثر عرضة لخطر العنف السياسي. 

ويدلل التقرير على ذلك، بالقول: "بالفعل، قدم هذا الوباء غطاء جيدا لهذه الدول لاستخدام وتعزيز حالة الطوارئ، وما يحدث في كل من المجر، وصربيا، ومصر هو دليل على ذلك". 

فقد عملت هذه الحكومات، بالإضافة إلى تايلاند، وبنغلاديش، وكمبوديا، وفنزويلا، على احتجاز الصحفيين لانتقادهم استجابة حكوماتهم على الوباء، وفق التقرير.

وتابع: "لقد أتاح الوباء، وما صاحبه من إجراءات جبرية، فرصا جديدة لاستهداف الأقليات وتعرضها للقمع الحكومي". 

فقد ازداد التمييز الديني الذي ترعاه الدولة، وكذلك خطاب الكراهية والعنف ضد الفئات المهمشة، من المسلمين في الهند وكمبوديا، إلى الآسيويين واليهود في الولايات المتحدة وحول العالم.

وأردف التقرير: "وفي كل من السعودية وباكستان فرضت عمليات الإغلاق بشكل غير عادل للأقليات، واجتاحت ماليزيا اللاجئين والعمال المهاجرين في غارات من الاعتقالات الجماعية". 

أما في الفلبين، حيث تقدر جماعات حقوق الإنسان، فإن مجموعات الشرطة والحرس قتلت أكثر من 27 ألف شخص في الحرب الوحشية على المخدرات" في البلاد، وفق التقرير.

وتابع: "وفي الولايات المتحدة، تم انتقاد قوات الشرطة لاستخدام القوة المفرطة لفرض تدابير مكافحة الفيروس في مجتمعات الأقليات، ولمواجهة المظاهرات بطرق يحتمل أن تزيد من انتشار كورونا، مثل استخدام العوامل الكيميائية التي تنشط الأغشية المخاطية، وسجن مجموعات كبيرة من المحتجين السلميين". 

كما مارس بعض المواطنين أيضا عنفا كبيرا ضد السلطات وتدابير الصحة العامة، بدءا من الهجمات العنيفة على عمال متاجر التجزئة الذين يفرضون ارتداء القناع، إلى هيئة تشريعية بالولاية تختتم جلستها وسط احتجاجات مسلحة وتهديدات بالقتل ضد حاكم الولاية.

ويشير التقرير إلى عامل آخر وهو التراجع والانهيار الاقتصادي الناجم عن الوباء، والذي يسهم بشدة في رفع مؤشرات الخطر للعنف السياسي وعدم الاستقرار. 

لقد أثارت التكاليف الاقتصادية لعمليات الإغلاق والحجر الصحي الاضطرابات في كل من بيروت، ومومباي، وبغداد. وتابع التقرير: "وفي نيجيريا، واجه المحتجون على الآثار الاقتصادية، العنف في 43 واقعة مختلفة". 

وبسبب الوباء، ستواجه الحكومات صعوبة في الاستجابة للأزمات الجديدة، وخاصة الصحية في الدول الضعيفة بالفعل. فقد قالت الأمم المتحدة هذا الأسبوع (بداية يوليو/تموز): إن النظام الصحي في اليمن "انهار بالفعل".

الاستقرار المحلي

وبقدر ما يعمق الوباء من الانقسامات الاجتماعية، ويضعف الدول، فإنه يوفر للجهات المسلحة غير الحكومية فرصة لبناء السلطة.

يوضح التقرير ذلك، بالقول: "سيستغل الفاعلون من غير الدول، وتجار النزاعات، أوجه القصور وعدم العدالة في استجابات الدول، لزيادة شرعيتهم المزعومة من خلال تلبية احتياجات المواطنين المادية".

وبحسب ما ورد، تقدم العصابات المكسيكية المساعدة للمجتمعات الفقيرة، فقد شوهدت صناديق الإمدادات مختومة بشعار كارتل. وتابع: "في الوقت نفسه، نفذت حركة طالبان تدابير احتواء لمواجهة الوباء، ووزعت الإمدادات الضرورية". 

أيضا، نشر حزب الله اللبناني مسعفين في الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس التاجي في استجابة واسعة، والتي تعتبر تفوقا على استجابة الحكومة اللبنانية. 

كذلك استغل تنظيم الدولة الوباء لتعزيز التجنيد، واستمرار العمليات في جميع أنحاء العالم، فقد شن هجمات لأول مرة في جزر المالديف وموزمبيق، وفقا للتقرير.

وتابع: "لقد كثف التنظيم حملاته الدعائية، ونشاطه على الإنترنت، بما في ذلك زيادة المحتوى باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى تهريب المساعدات إلى مخيمات اللاجئين". 

في هذه الأثناء، زادت جماعات "التفوق الأبيض" من نشاطها عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، متسلحين بالأزمة التي خلقها الفيروس التاجي المستجد، لكسب الأنصار والمتابعين. 

ويلخص التقرير عوامل الخطر للعنف السياسي، بالقول: "إن عدم الاستقرار الاقتصادي والتراجع الديمقراطي، وانعدام الثقة في المؤسسات، وزيادة التمييز العنصري ضد الأقليات، واستخدامهم المستمر ككبش فداء في الأزمات، كل ذلك أدى، على مدى عقود، إلى جعل العنف السياسي أكثر احتمالا". 

ويحث التقرير على استحداث إستراتيجيات جديدة لمواجهة هذه الأزمة، بالقول: "سيتطلب منع العنف السياسي والتصدي له، مثل مكافحة المرض نفسه، أدوات ومواقف جديدة". 

لقد تغيرت ديناميكيات الصراع حول العالم بشكل كبير في العقود الأخيرة، وتحولت عن الطرق التقليدية للحروب. والآن تعمل الجماعات المسلحة بطرق جديدة، فمن تنظيم الدولة والقاعدة، إلى حركات "التفوق البيضاء" العابرة للحدود، يمكن لأي منها أن تؤثر على استقرار كل قوة عظمى.

وزاد التقرير: "لقد أخذ الوباء العديد من الفاعلين والمفكرين على حين غرة، لكن العلامات التحذيرية لموجة جديدة من العنف السياسي باتت واضحة الآن". 

إن التحدي المتمثل في منع العنف، سواء بين الدول أو داخلها، يتمثل في الانتباه إلى ديناميكيات الصراع الجديدة من أجل فهم أفضل لكيفية تحقيق السلام والأمن في حياة السلطات والمحكومين حول العالم، وفقا للتقرير.