من التدهور إلى التعافي.. 5 أسئلة عن إستراتيجية إيطاليا تجاه كورونا
طرح مركز "سيتا" التركي للدراسات، عدة تساؤلات حول تفشي فيروس كورونا في إيطاليا، ونوع الإستراتيجية التي اتبعتها الدولة الأوروبية لتخفيف الحجر الصحي.
وسجلت إيطاليا خلال 24 ساعة مضت أدنى معدل إصابات يومي بفيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض "كوفيد - 19"، منذ 4 مارس/ آذار الماضي، بحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة.
وبحسب جدول إحصاءات الوزارة، الذي نشر مساء 11 مايو/أيار 2020، جرى تسجيل 744 حالة إيجابية جديدة، رفعت الإجمالي، شاملا الوفيات والمتعافين والحالات النشطة، إلى 219814.
فيما ارتفع إجمالي الوفيات إلى 30739، ما يمثل زيادة بـ179 وفاة عن اليوم الذي يسبقه، وبلغ إجمالي المتعافين 106.587، بزيادة 1401 شخص.
جدير بالذكر أن إيطاليا تعد من أكثر دول العالم تأثرا بفيروس كورونا، ولذا، فرضت السلطات الإيطالية الحجر الصحي في البلاد، منذ 10 مارس/ آذار الماضي، بما في ذلك التنقل بين المدن والبلدات، باستثناء الضرورة القصوى، واعتمدت كذلك فرض الغرامات على منتهكي الحجر.
- كيف حاولت إيطاليا القتال من أجل إحداث توازن في جوانب الحياة تجاه كورونا؟ ما هو وضع الفيروس؟
وصلت حالات الإصابة بالفيروس التاجي (Covid-19) إلى 4 ملايين حالة في جميع أنحاء العالم ومات أكثر من 250 ألف شخص. أما في إيطاليا، التي أصبحت الدولة الأكثر تضررا من الفيروس في المرحلة الأولى في أوروبا، اتخذ قرار الحجر الصحي، وبعده تحسنت الأمور بالفعل.
وطرأ انخفاض ملحوظ في كل من عدد الإصابات وعدد الأشخاص الذين فقدوا أرواحهم.
في إيطاليا، وقعت أول حالة وفاة بسبب فيروس كورونا في 22 فبراير/شباط، وبعد قرار الحجر الصحي والذي يقترب من شهرين أوقفت تماما الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وجراء انخفاض عدد الحالات والوفيات، بدأت مناقشة إستراتيجيات خروج الحجر الصحي في الأماكن العامة وأعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في 4 مايو/أيار أنه سيتم تخفيف قواعد الحجر في بلاده وهو قرار لافت في الحقيقة يجب مراقبته وملاحظة نتائجه.
- ما نوع إستراتيجية الخروج من الحجر الصحي التي ستتبعها إيطاليا؟
إن قرار تخفيف الحجر الصحي لا يعني بالطبع أن الإيطاليين الذين كانوا في المنزل منذ شهرين تقريبا سيعودون بالكامل إلى حياتهم قبل الإصابة بالفيروس؛ لأنه في البلدان المصابة بالفيروس، أكد الخبراء أن الحياة الاجتماعية قبل الوباء لن تعود على الفور.
هناك أيضا إمكانية تفشي موجة ثانية عن طريق زيادة معدل إعادة الإصابة بالفيروس، والذي لا يمكن القضاء عليه بالكامل حتى يتم العثور على اللقاح؛ لهذا السبب، سيتم تنفيذ خطوة تخفيف قواعد الحجر الصحي في إيطاليا ببطء شديد وتدريجي.
تبادل رئيس الوزراء كونتي تفاصيل إستراتيجيات خروج الحجر الصحي في البرلمان الإيطالي، وذكر أنه سيتم تنفيذ سياسة التخفيف عبر ثلاث مراحل.
في 4 مايو/أيار، ستبدأ قطاعات البناء والتصنيع بالعمل مرة أخرى (هذا يغطي فرص عمل متوسط 4.4 مليون شخص) كما أعلن رئيس الوزراء أنه سيسمح لشركات محددة بالعودة للعمل، خاصة في القطاعات التي تعتبر إستراتيجية.
وبالمثل، سيكون المشي والركض متاحا في الحدائق والشوارع القريبة من المنازل، مع مراعاة قاعدة المسافة الاجتماعية.
في 18 مايو/أيار، سيتم إعادة فتح تجار التجزئة والمتاحف والمكتبات ويمكن للفرق الرياضية بدء التدريب، كذلك سيتم إتاحة إمكانية الجلوس وتناول الطعام في أماكن مثل الحانات والمطاعم في 1 يونيو/حزيران تزامنا مع فتح صالونات تصفيف الشعر وصالات رياضية.
ستظل المدارس مغلقة حتى سبتمبر/أيلول، بسبب ارتفاع متوسط عمر المعلمين وتأثير انتشار الفيروس وسيستمر تقييد حرية التنقل بين المناطق إلا في حالة ما يستدعي ذلك.
أيضا لن يسمح بفعاليات المشاركة الكبيرة والتجمعات العائلية. أيضا ستقتصر المشاركة في الجنازات على خمسة عشر كحد أقصى وستعقد في الخارج إن أمكن أما حظر العبادة والزواج سيستمر في الكنائس.
وجهت للحكومة انتقادات بشأن أن المناطق الجنوبية من إيطاليا، حيث كانت الحالات ومعدلات الوفيات أقل بكثير، تخضع لنفس ظروف الحجر الصحي مثل المناطق الشمالية حيث انتشر الفيروس التاجي ومعدلات الوفيات مرتفعة للغاية.
لهذا السبب، حاول كونتي تجنب الانتقاد المحتمل لإستراتيجية خروج الحجر الصحي، موضحا أن خطة فرض وتخفيف الحجر كانت وطنية، ولكن سيتم أيضا النظر في المواقف الإقليمية الاستثنائية.
- ماذا وراء قرار تخفيف إجراءات الحجر الصحي؟
أدى قرار تخفيف إجراءات الحجر الصحي إلى تقليل عدد الحالات والوفيات وكذلك الضغوط التي قام بها القطاع الخاص والمعارضة.
أيضا جراء الإجراءات الصارمة، مع الانخفاض الجزئي في كثافة الوصول للمستشفيات، تخلفت إيطاليا عن المملكة المتحدة في عدد الوفيات وتخلصت من السمعة السيئة لها في أوروبا مثل "الدولة الأكثر تأثرا بفيروس كورونا".
بالطبع، يعد الاقتصاد من أهم أسباب استخدام إستراتيجيات الخروج من الحجر الصحي، إذ ثبت أن قواعد الحجر الصارمة غير مستدامة في بلد يعاني من اقتصاد هش، مثل إيطاليا، التي تعتمد على السياحة ولديها ديون خارجية عالية.
ويعتقد صانعو القرار الإيطالي أنه يجب اتخاذ خطوات مختلفة لمنع تدهور الاقتصاد، الذي من المتوقع أن ينكمش بنسبة 8-10 في المائة.
وقد جاء ذلك جليا في بيان رئيس الوزراء كونتي "لا يمكننا الاستمرار في هذا الحجر الصحي، يضر الأسس الاجتماعية والاقتصادية للبلاد" وقد أكد ذلك الخبراء حيث إيطاليا، التي لديها عبء ديون كبير وتحرم من عائدات السياحة، ستشهد أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
- ماذا يعني بيان رئيس الوزراء كونتي حول "تعلم العيش مع فيروس كورونا"؟
أعلن كونتي في بيانه على حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي في 21 أبريل/نيسان أن المرحلة الثانية من الحجر الصحي قد مرت وأن "العيش مع الفيروس التاجي" عنوان المرحلة المقبلة.
وذكر أيضا أن قرار الرفع للحجر الصحي سيكون غير مسؤول، مما يؤدي إلى زيادة غير منضبطة في منحنى العدوى والقضاء على جميع التدابير المتخذة.
وبطبيعة الحال، فإن تعبير كونتي عن "التعايش مع الفيروس التاجي" يعني أن الأشخاص في الحجر الصحي الذين تقرر تخفيفهم تدريجيا، يمتثلون للتدابير ويلتزمون بقواعد المسافة الاجتماعية بما يمنع حدوث موجة ثانية.
لهذا السبب، على الرغم من أن الشعب الإيطالي سيبدأ في زيارة أقاربه والمشي في الحدائق مع تليين الحجر الصحي، سيستمر تطبيق قناع ارتداء إلزامي وقواعد المسافة الاجتماعية. وأوضح رئيس الوزراء كونتي هذا الالتزام بالقول: "إذا كنت تحب إيطاليا، فواصل الاهتمام محافظا على المسافة الاجتماعية".
كما تبادل وزير الصحة روبرتو سبيرانزا معلومات مهمة، مشيرا إلى أنهم يحاولون تقنين ظروف العيش مع الفيروس في إيطاليا حتى يتم تطوير اللقاح.
وذكر سبيرانزا أن الأشهر المقبلة ستكون أكثر صعوبة وأنها ستخفف الإجراءات تدريجيا قبل العودة إلى الظروف الطبيعية.
ولفت أيضا إلى أنه في هذه الفترة، ستستمر طرق الحماية الفردية مثل المسافة الاجتماعية واستخدام الكمامات وسيتم تعزيز النظم الصحية الإقليمية في هذه العملية.
يقول الخبراء: إن اختبار المرضى وملئهم وعزلهم مهم جدا أيضا في المرحلة الثانية، بالإضافة إلى أن استخدام معدات الحماية الشخصية يمكن أن يمنع ظهور الموجة الثانية بشكل خطير.
- ما هي المناقشات السياسية التي نشأت خلال الانتقال إلى المرحلة الثانية؟
الكثير من النقاشات شهدتها البلاد خلال هذه الفترة، أهمها آراء الكهنة والأساقفة الإيطاليون، خاصة فيما يتعلق بإلغاء حظر الطقوس، حيث قالت الكنائس: إنها لن تقبل تعريض الحرية الدينية للخطر لكن الحكومة لم تنصع البتة لمثل هذه الاعتراضات، وقد زاد هذا من حنق الأساقفة التي ضربت باعتراضاتهم عرض الحائط.
استمر حظر العبادة في إثارة الجدل السياسي الداخلي، مما أثار تساؤلات جادة حول مستقبل التحالف وسرعان ما أصبحت الحكومة هدفا لانتقادات الأحزاب الناشئة مثل حركة 5 نجوم والحزب الديمقراطي خاصة أن وزراء حزب رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي ينتقدون القرار بجدية ويحاولون كسب السياسة الداخلية بعد الفيروس.
ومن هذه التصريحات المنسوبة لإيلينا بونيتي، وزيرة الأسرة وتكافؤ الفرص حيث قالت: "يمكننا زيارة المتاحف، لكن لا يمكننا العبادة". وبالمثل، انتقد حزب ديموس اليساري الحكومة قائلا في بيان له: إن "العمل والتسوق وممارسة الرياضة بأمان يمكن أن يحدث أيضا إذا ما تقرر ذلك".
بدورها ذكرت المفوضية الأوروبية أنها تتوقع أن تنكمش إيطاليا بنسبة 9.5 ٪ هذا العام وأن معدل البطالة سيكون 11.8 ٪.
في حين يواصل حركة 5 نجوم والديمقراطيون اعتراضاتهم على زيادة السيولة للشركات وتوليد الدخل للعمال غير الرسميين، فإن هذا الوضع يؤخر حزمة الإنقاذ البالغة 55 مليار يورو، وقد أدت هذه المناقشات إلى تكهنات مختلفة حول مستقبل الحكومة الإيطالية الراهنة التي من الممكن أن تشهد انهيارا كبيرا خلال فترة ما بعد التخفيف من الإجراءات.