"رقصة الموت".. كيف تفكك معسكر حفتر بتنصيب نفسه حاكما لليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

إثر تعرضه لهزائم متتالية وضربات قوية من قوات حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها دوليا، خرج اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في 25 أبريل/نيسان 2020، ليطلب تفويضا للقضاء على معارضيه بدعوى الإرهاب.

نفس ما فعله عبد الفتاح السيسي في مصر عام 2013، إثر انقلابه على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، يكرره خليفته حفتر في الانقلابات والمؤامرات.

بعدها بيومين فقط، أي في 27 أبريل/نيسان 2020، خرج حفتر ليعلن تنصيب نفسه حاكما على البلاد، دون الاستناد إلى أي شرعية معترف بها داخليا أو خارجيا.

وفي بيان متلفز، بثته قناة "ليبيا الحدث" (يملكها نجله صدام حفتر)، قال حفتر، في خطاب لأنصاره: "تابعنا استجابتكم لدعوتنا لكم بإعلان إسقاط الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات) المشبوه (..) وتفويض من ترونه أهلا لقيادة هذه المرحلة".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، وقّع طرفا النزاع في البلاد، اتفاقا سياسيا في مدينة الصخيرات المغربية، أنتج تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، بالإضافة إلى التمديد لمجلس النواب، وإنشاء مجلس أعلى للدولة، غالبية أعضائه من المؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي)، لكن حفتر سعى طيلة سنوات لتعطيله وإسقاطه.

وأضاف: "وفي الوقت الذي نعبر فيه عن اعتزازنا بتفويض القيادة العامة لهذه المهمة التاريخية في هذه الظروف الاستثنائية، وإيقاف العمل بالاتفاق السياسي، ليصبح جزءا من الماضي، بقرار من الشعب الليبي مصدر السلطات"، على حد قوله.

قبلها بيومين، وفي كلمة مصورة بثتها قناة ليبيا الحدث من بنغازي شرق البلاد، خاطب حفتر الليبيين، قائلا: "عليكم أن تقرروا على الفور تفويض المؤسسة، التي ترونها أهلا لقيادة المرحلة القادمة وإدارة شؤون البلاد وفق إعلان دستوري يصدر عنها يمهد لبناء الدولة المدنية".

حفتر دعا الليبيين إلى الخروج للشوارع من أجل إسقاط الاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، محملا إياه المسؤولية عن تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.

حديث حفتر الذي جاء متناسقا مع ممارساته العدوانية ورؤيته الانقلابية، إلا أن خطابه هذه المرة تجاهل تماما برلمان طبرق والحكومة الموازية في المنطقة الشرقية، التي يترأسها عبدالله الثني، وأشار بشكل مباشر لأول مرة لنيته في تولي السلطة.

انقلاب على الانقلاب

ما يفهم من خطاب حفتر هذه المرة، أنه يخطط لانقلاب على أصدقائه وحلفائه والجهات التي نصبته قائدا عاما لما يسمى بـ"الجيش الليبي"، حيث تزامن خطابه مع سلسلة هزائم متتالية في الغرب الليبي، بعد إطلاق حكومة الوفاق عملية "عاصفة السلام" للرد على العدوان الذي تشنه ميليشيات حفتر على العاصمة طرابلس منذ أبريل/نيسان 2019.

حفتر ومنذ إطلاقه لعملية "الكرامة" في 2014، كان بالوضوح الكامل في معاداته لحكومة طرابلس الشرعية، وأي مسار لبناء نظام ديمقراطي تعددي يقطع نهائيا مع النظام الاستبدادي البائد في ليبيا والنماذج المماثلة في المنطقة العربية.

إلا أن إعلانه الأخير لا يمكن اعتباره إلا انقلابا على الانقلاب الذي يقوده المعسكر المتحالف معه، فحفتر وإن كان فعليا هو الحاكم بأمره في المنطقة الشرقية من ليبيا الخاضعة لسيطرته منذ عام 2014، إلا أن جزءا من شرعيته يستمدها من بعض نواب البرلمان الذي  يترأسه عقيلة صالح ويتخذ من طبرق مقرا له واختار الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني في 22 سبتمبر/ أيلول 2014 . 

وفي 25 فبراير/شباط 2015، أعلن رئيس البرلمان عقيلة صالح، اللواء المتقاعد  خليفة حفتر قائدا عاما لما يسمى الجيش الليبي لإضفاء شيء من الشرعية على نشاطه العسكري الذي تمارسه ميليشياته.

مأزق كبير

في المقابل، يرى عدد من المتابعين للملف الليبي أن حلفاء حفتر في حكومة الثني وبرلمان طبرق في مأزق كبير مع استمرار المعارك وتحول موقف حكومة الوفاق من الدفاع إلى الهجوم بعد مرور عام على إطلاق حفتر لعمليته العسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019.

بعد إعلان حكومة الوفاق لـ"عاصفة السلام" في 25 مارس/آذار 2020، بدأ طرد مليشيات حفتر من المدن التي استولت عليها قبل سنة تقريبا، مما جعل مسار المعارك يتجه لهزيمة حفتر وفقدان نفوذه، في الوقت الذي أعلنت فيه تركيا دعم حكومة الوفاق لبسط سيطرتها على مجمل الأراضي الليبية.

في المقابل، تشير تقارير إلى أن أزمة جائحة فيروس كورونا بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط والركود الاقتصادي العالمي، قلل من الإمدادات العسكرية التي تقدمها الدول الممولة لحفتر، فضلا عن تمويل نفقات المقاتلين، ونقل المرتزقة من السودان وتشاد. 

في هذا السياق، استبق عقيلة صالح خطاب حفتر بالإعلان عن مبادرة سياسية جديدة تدعو إلى إعادة هيكلة السلطة التنفيذية الحالية المنبثقة عن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات، وإعادة اختيار أعضائها وإعادة كتابة الدستور مع استمرار مجلس النواب إلى حين إجراء انتخابات تشريعية جديدة.

وأعرب صالح في كلمة لليبيين للتهنئة بحلول شهر رمضان، عن أمله بأن تحظى المبادرة بدعم محلي ودولي.

مبادرة عقيلة

وأكد صالح في كلمته أنه "على استعداد مع الشخصيات الوطنية والنخب السياسية لتقديم المشورة المخلصة والصادقة للوصول إلى العناصر القادرة على تجاوز وحل مشاكل وقضايا هذا الوطن، متمنيا من زملائه نواب الشعب أن يكونوا أول الداعمين لهذا المقترح".

مبادرة عقيلة جاءت بعد فشل محاولات دولية ومحلية عديدة، للوصول إلى حل سلمي للصراع المستمر في ليبيا، فشلت جميعها بعد تمسك حفتر ومعسكره بالخيار العسكري باعتباره طريقا وحيدا للوصول إلى السلطة وفق الأجندة التي يخطط لها ممولوه، والتي تخفي وراءها تخوفا لعقيلة صالح وبرلمانه من عزلهم من مناصبهم. 

خبراء فسروا طلب حفتر التفويض بأنه محاولة منه لعزل عقيلة صالح وبرلمانه، والثني وحكومته، رغم تجاهله لوجودهما من قبل، وتشكيل مجلس عسكري يترأسه، ظنا منه أنه السبيل الوحيد كي لا يخسر إقليم برقة (شرقا) بعد خسارته الغرب، وسعيا في لعب دور الزعيم كما فعل في 2014، بحيث يظل حفتر محور السلطة والقرار.

سفير ومندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني غرد على تويتر قائلا: "انقلاب وتسابق خطابات، كلمة تدعو لتعديل المجلس الرئاسي من خلال الأقاليم (عقيلة صالح)، وكلمة تدعو لإلغاء الاتفاق السياسي وتفويض "مؤسسته" بالحُكم (حفتر)، الأول رئيس مجلس نواب وقائد أعلى، والثاني قائده العام، انقلاب داخلي ومسلسل رمضاني يستحق المتابعة، تخبط واضح بعد انهزام مشروع "الفتح المبين".

تفكك المعسكر

خطاب حفتر، وإن لم يكشف إلى الآن عن حجم الخلاف الموجود وسط قيادة معسكره، إلا أنه يكشف حجم التفكك الموجود في القاعدة والجهات الموالية له.

عضو مجلس النواب وعضو المؤتمر الوطني عبد السلام نصيه أعلن تخليه عن دعم حفتر وانشقاقه من برلمان طبرق والتحاقه بالبرلمان في العاصمة طرابلس.

هذا الإعلان جاء في الوقت الذي أعلنت الغرفة المشتركة لمكونات مدينة الزنتان السياسة والاجتماعية والمجتمع المدني، رفضها لما جاء في بيان حفتر جملة وتفصيلا، واصفة إياه بـ"المتمرد".

وعدت مكونات الزنتان في بيان، ما قاله حفتر "التفافا على الشرعية المنبثقة عن الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات برعاية الأمم المتحدة، ولا يتناغم مع مبادئ ثورة 17 فبراير/شباط 2011".

مؤكدة "دعمها الكامل للقائد الأعلى للجيش التابع لحكومة الوفاق ولعملية بركان الغضب في القضاء على البؤر الداعمة للاستبداد في المنطقة الغربية وتحرير كامل أرضي ليبيا من براثن الاستبداد والجهل والتخلف".

وطالبت مكونات الزنتان في بيانها أعضاء مجلس النواب المجتمعين في طبرق بـ"الالتحاق بالمجلس في طرابلس، وتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية فيما تتعرض له البلاد من حرب ظالمة".

خلال الأيام القليلة الماضية، ومع الهزائم المتلاحقة لقوات حفتر غرب ليبيا، أفادت تقارير إعلامية أن المنطقة الشرقية شهدت حصارا عسكريا مصحوبا بقبضة أمنية مشددة.

وقامت قوات الأمن التابعة لحفتر باعتقال شخصيات كانت تطالب بعدم الزج بأبناء قبائل برقة (شرقا) في الحرب على طرابلس.

هذه القبضة الأمنية تعكس مدى تخوف حفتر من حركات تمرد قد تقوم بها قبائل المنطقة الشرقية، وعلى رأسها قبيلة العواقير، حيث تشهد مدينة بنغازي والرجمة والمرج تكثيفا أمنيا مشددا لعناصر مسلحة من أبناء مدن غرب ليبيا الموالين لحفتر.