"لم يحترم الهدنة".. هكذا استغل نظام الجزائر كورونا للانتقام من الحراك
أصبح السجن والتضييق ظاهرة يومية في الجزائر، بعد توقف حركة الاحتجاجات الشعبية التي استمرت لنحو عام، لأسباب فرضها انتشار فيروس كورونا الجديد.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: "في حين يُمنع السكان من الخروج خلال جزء من اليوم ويتم تشجيعهم على البقاء في المنزل، يستغل النظام الجزائري انتشار كورونا ضد المعارضين للسلطة".
وتساءلت الصحيفة في بداية تقرير لها: هل استخدمت الحكومة الجزائرية وباء كوفيد- 19 لإسكات خصومها والانتقام من الحركة الشعبية التي تهز البلاد منذ فبراير/ شباط 2019؟
اعتقالات واستدعاءات
وذكرت أنه في يوم الثلاثاء 14 أبريل/ نيسان 2020، احتُجز ناشطان من بلدة الشلف غرب الجزائر العاصمة لدى الشرطة، فيما تم استدعاء ثالث بالجلفة، على بعد 300 كيلومتر جنوب العاصمة، أمام الشرطة القضائية.
وفي ولاية ميديا شمالا، استدعت شرطة الجرائم الإلكترونية معتقلا سابقا إضافة إلى ناشط آخر في جيجل، على بعد 300 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة، أما في عنابة، المدينة الساحلية الكبيرة، فاعتقل الناشط زكريا بوساحة.
ووفقا للصحيفة الفرنسية فإنه "بعيدا عن كونه استثناء، اليوم الذي شهد هذه الأحداث، في طريقه لأن يصبح عاديا في الجزائر".
ونقلت عن "اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين" القول: "في هذه الفترة من إجراءات الحظر للجزائريين، تعمل السلطة الحاكمة على تفعيل آلات القمع وتسريع الثورة المضادة من خلال محاولة خنق جميع الأصوات المعارضة".
ففي مواجهة حالة الطوارئ الصحية، دعا غالبية منظمي الحراك إلى تجميد الاحتجاج في شهر مارس/آذار 2020، لكن "الهدنة"، التي يحترمها الشارع، لم تشجع السلطة على تخفيف التصعيد ولا على إطلاق سراح الخمسين معتقلا التابعين للحركة الاحتجاجية، تشير "لوموند".
وأكدت أنه منذ يناير/كانون الثاني 2020، أي بعد أربعة أشهر من الهدوء الذي شهد رفع الحظر، عن حجب مواقع العديد من الوسائط الإلكترونية جراء نشرها محتويات يُعتقد أنها معادية للسلطة، عادت الرقابة مرة أخرى على الصحافة.
وذكرت أنه في 9 أبريل/نيسان 2020، لم يعد من الممكن الوصول إلى موقع "مغرب إيمارنجت" و"راديو أم إنفو" الإذاعة المرتبطة به، اللذين ينتقدان الحكومة بشدة.
وبينت "لوموند" أنه على عكس عاداتها، اعترفت الحكومة الجزائرية، لأول مرة، بمسؤوليتها عن الرقابة المفروضة على الموقعين الإخباريين وذلك عبر وزير الاتصال والمتحدث باسم الحكومة عمار بلحيمر.
وأكد الوزير، وهو صحفي سابق، في 11 أبريل / نيسان 2020، أن "الموقعين يتم تمويلهما من الخارج، وهو ما يعد خرقا للقانون الجزائري".
لكن الاتهام غير المسبوق أثار حفيظة أعضاء هيئة تحرير موقع راديو إم إنفو الذين قالوا: "إن تأكيد الوزير على تلقي راديو إم، أموالا من الخارج هو هجوم خطير على فريقها ومساهميها وشركائها التجاريين"، مشددين على أن التمويل "جزائري بالكامل".
وأضافت الإذاعة: أن هذه الرقابة "تتوافق مع أسوأ تسلسل لقمع حرية الصحافة شهدته الجزائر منذ اغتيال الصحفيين في التسعينيات"، وسط تزايد المحاكمات والإدانات.
وقد أدانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان حجب الموقعين ووصفت ذلك بـ "الانحراف السلطوي"، واعتبرت الرابطة أن ما حصل يمثل "خطوة أخرى في التصعيد الخطير للقمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق عمل الإعلاميين في الجزائر"، بينما اعترفت منظمات صحافية دولية بصعوبة عمل الصحافيين هناك.
محاكمة سريعة
كما نوهت "لوموند" بأنه إلى جانب الحجب، فالصحافي الذي يعمل في "راديو إم" خالد درارني ومراسل منظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية، رهن الحبس الاحتياطي منذ 29 مارس/ آذار 2020، وهو متهم بـ"التحريض على التجمهر غير المسلح والمساس بسلامة وحدة الوطن".
كذلك في 5 أبريل / نيسان 2020، حُكم على مراسل قناة "الميادين" التليفزيونية اللبنانية سفيان المراكشي، المحبوس منذ 26 سبتمبر/ أيلول 2019، بالسجن لمدة ثمانية أشهر بتهمة "إخفاء معدات" وتقديم صور إلى إعلام أجنبي بعد تصوير مظاهرات من شرفة في الجزائر العاصمة.
وفي 6 من الشهر ذاته، أصدرت محكمة سيدي أمحمد الابتدائية في الجزائر العاصمة، على الأكاديمي ورئيس جمعية "تجمع حركة شبيبة" (راج)، عبد الوهاب فرساوي، سنة سجن نافذة، وغرامة مالية قدرها 20000 دينار جزائري.
واتهم فرساوي المسجون منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019 خلال اعتصام في الجزائر العاصمة في سجن الحراش، بـ "المساس بسلامة وحدة الوطن" بموجب المادة 79 من قانون العقوبات، وبـ"عرقلة مرور العتاد الحربي بقصد الإضرار بالدفاع الوطني" بموجب المادة 74 من قانون العقوبات.
وأدانت السلطات عبد الوهاب فرساوي، بسبب "ما يكتبه على فيسبوك من انتقادات للقمع الممارس ضد الحراك في الجزائر ومشاركته في المظاهرات الداعية إلى الانتقال الديمقراطي في البلاد".
كما جرى حبس شخصية رمزية أخرى من الحراك، وهو المعارض كريم طابو، منذ سبتمبر / أيلول 2019، بانتظار عرضه على المحكمة في 27 أبريل / نيسان 2020، بتهمة "الإضرار بمعنويات الجيش".
ولفتت الصحيفة كذلك إلى أن طابو، مؤسس الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي، حكم عليه بعد محاكمة مفاجئة وسريعة في 24 مارس/آذار، قبل يوم من الإفراج المرتقب، بالسجن لمدة عام، وهذه المرة بتهمة "تعريض الأمن القومي للخطر".
وفي اليوم التالي لإعلان الحكم، أعرب نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، سعيد الصالحي عن غضبه، حيث أكد أنه "حتى في زمن الحرب، يحترم الأعداء الهدنة"، واتهم في نفس الوقت السلطة بالاستفادة من وباء كوفيد 19 للانخراط في "مطاردة الناشطين".
ولمنع خطر انتشار وباء كورونا المستجد في السجن، أعلن رئيس الدولة، عبد المجيد تبون، العفو عن أكثر من 5000 محتجز في 1 أبريل /نيسان 2020، لكن رغم ذلك، قرار العفو لم يشمل أي سجين رأي.