كيف حاصر مبارك الفلسطينيين وأجبر عرفات على توقيع "أوسلو"؟
فور وفاته، نعى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، "ببالغ الحزن والأسى الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك"، مشيدا بمواقفه في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته في نيل حقوقه في الحرية والاستقلال.
توفي مبارك في 25 فبراير/شباط 2020، عن عمر يناهز 91 عاما، بعد معاناة لسنوات مع المرض. ونشرت بعدها الكثير من التقارير حول دور مبارك في رعاية الفلسطينيين وقضيتهم طوال 30 سنة، كما أشاد بدوره عدد من قيادات السلطة وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
غير أن شريحة كبيرة من الفلسطينيين تتبنى رأيا آخر، وخاصة أهالي سكان قطاع غزة المحاصرين منذ عام 2007، من خلال بوابتهم الجنوبية الوحيدة للعالم الخارجي المتمثلة في معبر رفح، والتي تتحكم فيها مصر وتستخدمها كورقة ضغط سياسي.
وبعيدا عن مناداته بالسلام وفرض تهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل وحل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، تستعرض صحيفة "الاستقلال"، أبرز إجراءات مبارك ومواقفه ضد الفلسطينيين وقضيتهم منذ تقلده السلطة وحتى الإطاحة به عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
اتفاق أوسلو
في جلسات التوقيع على معاهدة أوسلو 1993 برعاية القاهرة، رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الموافقة على بعض الخرائط لعدم الاتفاق عليها سابقا باعتبارها تنازلات جديدة.
أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمعون بيريز، مبارك بذلك، فخرج الأخير عن طوره وصرخ في وجه عرفات أمام الجميع على المنصة "وقّع خلصنا يا ابن الكلب".
وظهر مبارك وهو يشير لعرفات بيده أمام الكاميرات ليوقع، ولم يسمع المدعوون للحفل وقتها ما قاله مبارك لعرفات، حتى كشف بيريز عن ذلك في وثائقي حديث عن اللحظات الحرجة قبل توقيع "أوسلو".
وفي التسجيلات المسربة لموقع «اليوم السابع»، في حزيران/يونيو 2014، أعاد مبارك شتم عرفات بالعبارة البذيئة نفسها ، حينما ذكره في دردشة مع أطبائه في المستشفى العسكري، حيث كان قابعا أثناء سجنه ومحاكمته.
توطين الفلسطينيين
نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كشفت وثائق سرية بريطانية أن مبارك قبل توطين فلسطينيين في مصر قبل أكثر من 3 عقود. وحسب الوثائق، التي نشرتها "بي بي سي"، فإن مبارك استجاب لمطلب أمريكي في هذا الشأن.
وتشير الوثائق إلى أن مبارك كشف عن الطلب الأمريكي وموقفه منه خلال مباحثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر أثناء زيارته إلى لندن في طريق عودته من واشنطن في فبراير/شباط 1983 حيث التقى بالرئيس الأمريكي رونالد ريجان.
وحسب محضر جلسة المباحثات، فإن مبارك قال: "عندما طُلب مني في وقت سابق أن أقبل فلسطينيين من لبنان، أبلغت الولايات المتحدة أنه يمكن فعل ذلك فقط كجزء من إطار عمل شامل للحل". وأبدى مبارك استعداده لاستقبال مصر الفلسطينيين من لبنان رغم إدراكه للمخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه الخطوة.
واشترط مبارك أنه كي تقبل مصر توطين الفلسطينيين في أراضيها، لا بد من التوصل لاتفاق بشأن "إطار عمل لتسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي"، لكن مبارك نفى هذه الأنباء لاحقا.
حرب غزة
أبدى مبارك بشكل ضمني، الموافقة على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008، وأبرز مثال على ذلك لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في القاهرة قبل توجيه الضربة، بالرئيس المصري، ونظيرها أحمد أبو الغيط، والوزير عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية.
وعرضت ليفني آنذاك رغبة إسرائيل في الإطاحة بحكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، وهو نفس الموقف الذي كان يدعمه مبارك، وهو ما عبر عنه فلسطينيون بالقول: "إسرائيل أعلنت الحرب على غزة من القاهرة".
لم يكن مبارك يعترف بحركة حماس رغم فوزها في الانتخابات عام 2006، وتمثل ذلك في عدم لقائه بهم، وتحديد تعاملهم مع المخابرات العامة كملف أمني، وهذا ما أكده أبو الغيط في كتابه "شهادتي.. السياسة الخارجية المصرية 2004-2011"، حيث قال: إن مبارك كان رافضا لقاء قادة حماس بعد وصولها للسلطة.
وقالت ليفني في مؤتمر صحفي مشترك مع أبو الغيط: "غزة تحت سيطرة حماس وهي منظمة إرهابية متطرفة، وهذه ليست مشكلة لنا فقط، نحن نتفهم احتياجات مصر ولكن ما نفعله هو تعبير عن احتياجات المنطقة"، ملمحة ضمنا إلى أن سيطرة “حماس” على غزة تمثل مشكلة للقاهرة كذلك.
معبر رفح
حمل مبارك حركة حماس المسؤولية عن العدوان الإسرائيلي عام 2008، ووجه كلامه لقادتها بالقول: "لقد حذرناكم مرارا من أن رفض تمديد التهدئة سيدفع إسرائيل للعدوان على غزة"، دون أن يشير إلى أن "تل أبيب" هي الطرف المعتدي.
وفي إشارة لإصرار القاهرة على إغلاق معبر رفح في ظل وجود الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة، أكد مبارك أن بلاده "لن تشارك في محاولات لتكريس الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة بفتح معبر رفح في غياب السلطة (الفلسطينية) ومراقبي الاتحاد الأوروبي".
وأضاف الرئيس -الذي تعرضت مواقف حكومته لانتقادات شعبية داخل البلاد وخارجها- أن فتح المعبر في الظروف التي تلت سيطرة حماس على القطاع منتصف يونيو/ حزيران 2007 "فخ" إسرائيلي منصوب لمصر.
وبذلك، أغلق مبارك المعبر الوحيد الذي يتنفس منه أهالي غزة، ومنع عنهم الغذاء والدواء والمحروقات، ليحاصر القطاع بشكل كامل بعد الانتخابات الفلسطينية في 2006 وفوز حركة حماس.
الجدار العازل
لم يكتف مبارك بإغلاق معبر رفح، بل عمد إلى بناء جدار فولاذي عام ٢٠٠٩ في نهاية عهده، على عمق نحو 20 مترا من سطح الأرض وبطول 10 كيلومترات على الحدود مع قطاع غزة. وقالت السلطات وقتها: إن السبب هو وقف تهريب السلاح، لكن ثورة يناير لم تمهله وأطاحت بالمخطط.
وقالت تقارير إسرائيلية وغربية وقتها: إن ما يجري هو عقاب مصري لحركة حماس لعدم توقيعها ورقة المصالحة. ورغم نفي الناطق باسم الخارجية المصرية حسام زكي ذلك، إلا أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أشاد بالخطوة عبر إعلان دعمه للخطوات المصرية.
وبعد فوز حماس بالانتخابات، عمل المجتمع الدولي على إعادة تعريف الحركة والنظر إليها كعامل خطر يهدد مصالح المنطقة, فمصر تعتمد على المعونات والمنح وتدفقات رأس المال المباشرة وغير المباشرة التي تأتيها من أمريكا والغرب, مقابل قيامها بضبط أمن الحدود الجنوبية الإسرائيلية, وبالتالي, فإن إشعال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر قطاع غزة سيلحق ضررا بالغا بالمصالح المصرية.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن مصادر عسكرية إسرائيلية وقتها أن إسرائيل لم تقدم أي شكوى رسمية للحكومة المصرية الجديدة بسبب وقف البناء في هذا الجدار غير أنها حثت القاهرة على "الاستمرار في موقفها الحازم الذي تبنته الحكومة السابقة إزاء التهريب والعمل باتجاه اتخاذ إجراءات لمنع تدفق الأسلحة إلى قطاع غزة".
شيطنة الإعلام
اتبعت القاهرة سياسة ممنهجة لتشويه إدراك كثيرين انطلت عليهم أكذوبة «الخطر» الذي تمثله غزة، عبر الدفع بالإعلاميين لإقناع المصريين بأن الفلسطينيين يتطلعون إلى التمدد في سيناء واختطافها.
شن الإعلام المصري حملات ضخمة لشيطنة قطاع غزة عبر الحديث عن تهريب السلاح لإثارة القلاقل في مصر. وتعرض فلسطينيون للاعتقال في تلك الفترة مع بدء ظهور قوائم كبيرة للفلسطينيين المطلوبين للقاهرة وآخرين ممنوعين من السفر.
وبعد سقوط مبارك، أشاع أحد الإعلاميين أن انقطاع الكهرباء في مصر سببه أن "حكومة الإخوان المسلمين" في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، تمد غزة بالطاقة على حساب المصريين، الأمر الذي كذبه رئيس الوزراء وقتها هشام قنديل، وقال: إن مصر تزود القطاع بما يعادل واحدا على 1200 من استهلاكها، وهي لا تهديه إلى حكومة حماس، لكنها تبيعه لها.
ورغم انتهاء حياته السياسية وانقضاء سنوات عمره، فإن السياسات والإجراءات التي اتخذها مبارك خلال حكمه بقيت كما هي، بل إن مصر بقيادة عبدالفتاح السيسي أكملت البناء عليها، عبر البدء بإنشاء جدار خرساني على الحدود، فضلا عن مباركة "صفقة القرن" التي تسلب حقوق الفلسطينيين، واعتقال المنتمين لفصائل المقاومة.