70 عاما.. ماذا استفاد الفلسطينيون من دخول نواب عرب للكنيست؟

خالد كريزم | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في مطلع مارس/آذار المقبل، تشارك "القائمة العربية المشتركة" في الانتخابات الإسرائيلية، وعينها على إسقاط رئيس الحكومة المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، والذي أعلن مؤخرا بجانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن "صفقة القرن" المزعومة.

تواجه القائمة، "خطة السلام" الأمريكية التي منحت القدس لـ"إسرائيل" وشطبت حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة عام 1948، بمهرجان سياسي يدعو للوحدة والتصويت بأكبر عدد ممكن من أجل زيادة تمثيل العرب.

وتضم القائمة المشتركة تحالفا سياسيا من أربعة أحزاب عربية، هي التجمع الوطني الديمقراطي، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الحركة العربية للتغيير، والحركة الإسلامية في إسرائيل.

دعم مجرم حرب

حصلت القائمة العربية المشتركة على 13 مقعدا في انتخابات الكنيست عام 2019، مما يجعلها ثالث أقوى حزب إسرائيلي، وعكفت على ما أسمته "إسقاط نتنياهو" من خلال دعم رئيس الأركان السابق للجيش بيني غانتس لتشكيل حكومة ائتلاف إسرائيلية.

لكن صحيفتي "معاريف" و"إسرائيل اليوم"، توقعتا حصول القائمة على 14 مقعدا في الانتخابات القادمة للكنيست المؤلف من 120 مقعدا.

طبقا لنتائج استطلاعات رأي نشرت في منتصف فبراير/شباط الجاري، فإن حزب "أزرق أبيض" الوسطي برئاسة غانتس يتقدم على "الليكود" اليميني برئاسة نتنياهو بمقعد واحد أو مقعدين، لكن كليهما سيكون غير قادر على تشكيل حكومة في ظل الخريطة السياسية الحالية في إسرائيل.

فقد أشارت "معاريف" إلى حصول "أزرق أبيض" على 34 مقعدا مقابل 33 لحزب "الليكود". ويلزم 61 مقعدا في الكنيست على الأقل من أجل تشكيل حكومة في المحاولة الثالثة، بعد انتخابات جرت في أبريل/ نيسان وأخرى في سبتمبر/أيلول الماضيين.

وأدى موقف غانتس المؤيد لـ"صفقة القرن" المزعومة، التي أعلن عنها في واشنطن نهاية يناير/كانون الثاني، إلى تراجع في إمكانية تأييد الأحزاب العربية للتوصية بتكليفه بتشكيل الحكومة.

وأصبح الجنرال السابق قائدا لأركان الجيش الإسرائيلي عام 2011، ومن أبرز المهام العسكرية التي تولى قيادتها أثناء وجوده في ذلك المنصب ما تسمى عملية "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة في 2014.

وقتل غانتس في هذا العدوان الذي استمر 51 يوما على قطاع غزة، 2322 فلسطينيا، بينهم 578 طفلا، و489 امرأة، و102 مسنان (50-80)، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. كما تباهى في تسجيلات مصورة بعدد القتلى الفلسطينيين والأهداف التي جرى تدميرها تحت قيادته في 2014، قائلا: إنه أعاد غزة إلى "العصر الحجري".

وفي خطاب الترشح، وجه غانتس أيضا تحذيرات قوية لكل من إيران و"حزب الله" اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية حماس، مشددا على أن "القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل". كما أكد أنه لا انسحاب من هضبة الجولان السورية.

جدل المشاركة

منذ 1949، دخل ممثلون عن العرب الكنيست، وبدأ حينها الجدل حول جدوى الخطوة، بين من يعتبرها إنجازا سياسيا، وآخرون يرون فيها مساهمة بتجميل وجه الاحتلال.

وكان أوائل من دخلوا الكنيست من الفلسطينيين: سيف الدين الزعبي وأمين جرجورة من حزب "التكتل الديمقراطي في الناصرة" وكان عضو الكنيست الثالث توفيق طوبي من الحزب الشيوعي.

وبلغ الجدل ذروته عقب اتفاق أوسلو 1993، حيث انقسمت الحركة الإسلامية داخل الأراضي المحتلة إلى جناحين شمالي وجنوبي، عندما أسس نمر درويش "التيار المعتدل للحركة" العربي، وخاض معه في قائمة واحدة الانتخابات البرلمانية عام 1996.

على إثر الانقسام، أصبح هناك جناح شمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح، الذي يتعرض للسجن والتنكيل الإسرائيلي ويرفض المشاركة بالانتخابات، وآخر جنوبي بقيادة إبراهيم صرصور، مستمر بالدعوة إلى المشاركة.

وأصدرت الحكومة الإسرائيلية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، قرارا بحظر الحركة – الجناح الشمالي، واستدعت عددا من قياداتها للتحقيق، بعد اتهامهم بتأجيج الأوضاع في المسجد الأقصى، وداهمت مكاتبها وأغلقتها.

بالعودة للوراء، ظل الحضور العربي ضعيفا عددا وتأثيرا وإن حافظ على "رمزية الحضور" حتى انتخابات 2015، حيث استطاعت الأحزاب العربية ولأول مرة التوصل إلى قائمة موحدة تضم الآن 16 اسما.

نشأت "القائمة العربية المشتركة" ردا على رفع نسبة الحسم داخل الكنيست الإسرائيلي من 2 بالمئة إلى 3.25 بالمئة، وهو الحد الأدنى من نسبة الأصوات التي تضمن دخول الحزب إلى الكنيست، وذلك بناء على تعديل قانوني بادر إليه النائب اليميني أفيغدور ليبرمان، للحد من المشاركة العربية.

وأصبحت القائمة موزعة بالتناوب بين مكوناتها الموحدة، التي باتت بمثابة ائتلاف لقوى مُختلفة المشارب الفكرية والأيديولوجية، ومُتنوعة بين إسلامية وعلمانية وتقليدية.

ما الجدوى؟

يتمحور برنامج القائمة السياسي حول استئناف العملية السلمية بين إسرائيل وفلسطين، وتحسين أوضاع المجتمع العربي في الأراضي المحتلة، ومحاربة الجريمة فيه، وتخصيص ميزانيات أكبر للسلطات المحلية العربية، وزيادة عدد تصاريح البناء في البلدات العربية.

وقال رئيس "القائمة المشتركة" أيمن عودة في سبتمبر/أيلول الماضي، تعقيبا على نتائج الانتخابات الأخيرة: "نجحنا بجدارة في منع نتنياهو من تشكيل الحكومة الجديدة، ونحن على استعداد للجلوس مع غانتس لإخراج نتنياهو من المشهد السياسي الحكومي".

وكتب عودة مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز" يقول فيه: "لقد أشرت سابقا إلى أن أحزاب يسار الوسط في إسرائيل إذا كانت تؤمن بأن للمواطنين الفلسطينيين العرب مكان في هذه البلاد، يجب عليها أن تقبل بوجود مكان لنا في سياساتها".

وأضاف: "قرارنا بالتوصية لغانتس كرئيس الوزراء القادم من دون الانضمام إلى تحالف حكومة الوحدة الوطنية المتوقع أن يشكله، هو رسالة واضحة بأن المستقبل الوحيد لهذه البلاد هو مستقبل مشترك، وليس ثمة مستقبل مشترك من دون مشاركة كاملة ومتساوية للمواطنين الفلسطينيين العرب".

ويشكل العرب في إسرائيل ما نسبته 21 بالمئة من السكان، وبلغت نسبة مشاركتهم خلال انتخابات الكنيست الأخيرة 59 بالمئة، بارتفاع 10 بالمئة عن انتخابات أبريل/نيسان، ودعم 81 بالمئة منهم "القائمة المشتركة"، بحصولها على 433 ألف صوت، في حين صوّت 18 بالمئة منهم لأحزاب أخرى.

مع ذلك، يقلل عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية داخل ما يسمى بـ"الخط الأخضر" عبد الحكيم مفيد، من أهمية القائمة الموحدة، ويرى أن التجارب أثبتت أنه لا تأثير للأحزاب العربية داخل الكنيست، لأن السياسات العامة داخل المؤسسة الإسرائيلية تقررها الغالبية اليهودية.

وأضاف في حديث سابق لقناة "الجزيرة": أن إسرائيل تمارس سياسة التمييز والإقصاء إزاء العرب، وتتعامل معهم على أساس أنها "دولة اليهود"، مشيرا إلى أن الوحدة بين الأحزاب العربية لا تأتي عبر الكنيست.

ومع إقراره بوجود تأثير محدود جدا للأحزاب العربية داخل الكنيست بسبب الطبيعة العنصرية لإسرائيل، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس الدكتور محمود محارب: إن القائمة الموحدة تخوض الانتخابات بوصفها معارضة "من أجل فضح وجه إسرائيل القبيح".

وقال لحلقة من برنامج "الواقع العربي" عرضتها "الجزيرة" في 13 مارس/ آذار 2015: إن "المشاركة تهدف إلى تعزيز النضال الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، وفرض أجندة للعرب الفلسطينيين هناك، وكذلك تعزيز العلاقات بين الأحزاب العربية داخل الكنيست وخارجه".

أسباب الرفض

أثار بنيامين نتنياهو الكثير من الجدل بعد أن صرح بأن إسرائيل "ليست دولة لجميع مواطنيها"، في إشارة إلى المواطنين العرب، وهو الأمر الذي يطرح السؤال حول كيفية تعاطي المواطنين مع الانتخابات.

وبرز الجدل بعد أن مررت "تل أبيب" عام 2018، قانون الدولة القومية لليهود، الذي يعني أن "إسرائيل دولة لليهود"، من دون أيّ ذكر للديمقراطية، ومَنح اليهود مزايا مقارنة بغيرهم.

ويشكو العرب في كثير من الأحيان من التمييز خاصة في ما يتعلق بالحصول على الوظائف والتعليم والسكن، ويعانون من سياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي والقوانين العنصرية التي سنّتها الأحزاب اليمينية المتطرفة.

ويرى الرافضون لمبدأ المشاركة بالانتخابات أن "إسرائيل تتعامل مع فلسطيني 48 على أساس أنهم مواطنون بحقوق كاملة خاصة فيما يتعلق بجني الضرائب، لكنها في نفس الوقت تقول لهم إن دولة إسرائيل ليست لكل مواطنيها".

كما يعتقدون أن الأعضاء العرب في الكنيست لم يقدّموا الكثير للفلسطينيين في الداخل أو للقضية بشكل عام، فهم لم يستطيعوا س أي قانون لمصلحة العرب في الداخل، ولم يحدث في تاريخ إسرائيل أن تم التحالف مع أي حزب عربي لتشكيل الحكومة. بل على العكس، يساند العرب الأحزاب الإسرائيلية دون مقابل.

ويمكن هنا التطرق لما جرى في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين بين عام 1993 و1996، حيث شكل النواب العرب "بيضة القبان"، بعدما حصل حزب العمل على 56 مقعد بينها 12 مقعد لحركة ميرتس ولم يستطع تشكيل الحكومة إلا بعد تأييد النواب العرب الخمسة وبالتالي حصل على ثقة 61 عضو كنيست.

ولكن مع ذلك، لم يتمكن النواب العرب من استعادة أي حق أو تحقيق أي هدف سواء على مستوى القضية الفلسطينية أو على مستوى الداخل الفلسطيني في قضايا مصادرة الأراضي وهدم البيوت وغيرها، إذ بقي الوضع على حاله.

وتقول الفلسطينية رايه مناع من قرية مجد كروم: "أنا أقاطع انتخابات الكنيست، لم أصوت ولا مرة ولن أصوت في الانتخابات المقبلة، لأنه خلال وجود العرب في الكنيست لم يكن هناك أي تقدم ملحوظ في وضعنا كأقلية تعيش تحت الاحتلال".

وتابعت في حديث لـ"الاستقلال": "دولة الاحتلال لن تسمح لأقلية بداخلها أنه تساهم بتحسين ظروف حياتنا من خلال الكنيست، فهدفهم هو سلب الحقوق ومصادرة الأراضي وقتلنا وهدم بيوتنا".

ولا تعتبر مناع نفسها مواطنة في ما تسمى "دولة إسرائيل"، قائلة: "أنا فلسطينية فرضت علي الهوية والجواز الإسرائيليتين، لكني لا أنتمي إلى هنا في قرارة نفسي ومن وجهة نظر الاحتلال أيضا، الذي لا يتعامل معي كاليهودي الإسرائيلي".

وترفض الفلسطينية أن تكون "ورقة توت بيد إسرائيل" التي تحاول أن تظهر للعالم بأنها "دولة ديمقراطية" من خلال السماح للعرب بالوجود في الكنيست، وإعطائها الحق بالتصويت في الانتخابات. 

وتقول: "المجتمع الفلسطيني في الداخل يواجه حربا ضد الجريمة المنظمة التي تحميها إسرائيل وتعززها. بالسنة الأخيرة كان هناك 90 قتيلا بسلاح غير مرخص مصدره الجيش الإسرائيلي، حيث جرى إغلاق قضاياها دون محاسبة".

إلى أين؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الستار قاسم، أن "القوة العربية تستطيع أن تنتزع حقوق العرب في إسرائيل، لكنها لا تستطيع أن تؤثر في سياسات الحكومة الإسرائيلية العامة، وخاصة ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

وأوضح في حديث سابق لوكالة "شينخوا" الصينية "رغم أن القائمة المشتركة تعتبر الآن أقوى حزب معارض في الكنيست، إلا أن الواقع يجبرها أن تغرق في المشاكل الداخلية، والمحاربة من أجل انتزاع حقوقهم".

وأشار إلى أنه "لا فرق بين كافة الأحزاب الإسرائيلية، فجميعها تدعو لمحاربة العرب والاستمرار في بناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين".

ويتفق المحلل فريد أبو ضهير من الضفة الغربية المحتلة مع قاسم، بأن "القائمة العربية لن تؤثر كلمتها على أي حكومة إسرائيلية قادمة"، وفق ما قال للوكالة ذاتها". 

وأكد أبو ضهير أستاذ الإعلام في جامعة النجاح، أن "إسرائيل ستبقى على عنادها حتى وإن تغيرت الأحزاب اليمينية التي ستشكل الحكومة المقبلة"، معتبرا أن القائمة العربية "لن تستطيع أن تؤثر في الصراع ما بين إسرائيل والفلسطينيين".

وأوضح أن "القائمة العربية في الكنيست ستعمل وفق الرؤية الإسرائيلية وليست الرؤية العربية، لأنهم لا يشكلون الأغلبية، ودائما يتم تمرير القرارات المصيرية من خلال رأي الأغلبية في الكنيست".

وبين أبو ضهير أن "القائمة لن يكون لها تأثير كبير أو تفرض دورا لأن المجتمع الإسرائيلي متطرف، بينما ستكون منشغلة في الوقت الحالي بمحاولة انتزاع الحقوق المدنية وقضايا التهميش والعنصرية ضدهم من قبل المجتمع الإسرائيلي".

وتوقع أن "يكون المستقبل مليئا بالعنف، بقدر ما سيتمسك الإسرائيليون بتطرفهم ضد العرب في الأراضي المحتلة، وفي ظل التأييد الأمريكي غير المتناهي لدولة إسرائيل، ووسط الترهل والضعف العربي".

وترى رايه مناع أن البديل يكمن بالوجود الفلسطيني بالشارع والمظاهرات "فهي التي كانت تضغط وتجبر إسرائيل على تغيير سياساتها".

واستندت في ذلك إلى "مخطط برافر" الذي استهدف مؤخرا إخلاء منطقة النقب وهدم القرى الفلسطينية، وأجبرت إسرائيل على تأجيله رغم التصويت في الكنيست بالإيجاب، حيث واجه الفلسطينيون المخطط بالتظاهر وإغلاق الشوارع.