التضييق على سفر الحوامل إلى أمريكا.. هل يستهدف ترامب العرب؟

12

طباعة

مشاركة

"طلق صناعي".. فيلم كوميدي مصري يلخص قصة ملايين البشر ـ من بينهم عرب ـ يحلمون بالحصول على جواز السفر الأمريكي أو "الباسبور الأزرق"، كما يحلو للبعض أن يسميه بحثا عن حياة ومستقبل أفضل لأولادهم.

سعت الأسرة في الفيلم الذي جسد بطولته ماجد الكدواني وحورية فرغلي، للحصول على تأشيرة السفر إلى أمريكا لتضع الزوجة حملها هناك، ويحصل الطفل على الجنسية الأمريكية حسب القانون.

المثير للدهشة أن مؤلف الفيلم تنبأ قبل عامين، بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فجعل الأحداث تبدأ برفض موظفي السفارة منح التأشيرة للأسرة ليطلب الزوج من زوجته تناول حبوب لتسريع الولادة حتى تضع مولودها في مقر السفارة بالقاهرة (أي على أرض أمريكية) ليحصل طفله على الجنسية.

حسب إحصاءات عام 2018 فقط، ولد نحو 3.8 مليون طفل من أبوين غير أمريكيين في الولايات المتحدة، كما أفادت الإذاعة الوطنية الأمريكية، مقارنة بـ 36 ألف سيدة أجنبية أنجبت مواليدها في أمريكا عام 2012، ثم غادروها إلى وجهات مختلفة، حسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

لكن من المفترض أن تتقلص هذه الأرقام بدءا من 24 يناير/ كانون الثاني 2020، وهو تاريخ البدء بالعمل بقرار ترامب الجديد، الذي يحتم على موظفي قنصليات الولايات المتحدة عدم التساهل مع السياح وغير المهاجرين - أي القادمين لفترة قصيرة - ومحاولة استنباط ما إذا كانوا يسافرون بغرض الولادة في أمريكا. 

ويمنح القانون للقنصل الحق في منع أي سيدة من السفر إذا اتضح من خلال المقابلة حملها أو أنها تخطط لحمل قريب، ويشمل القرار أيضا القادمين بغرض السياحة الطبية، مع استثناء حالات تثبت قدرتها على تسديد تكلفة الخدمات الطبية التي سيحصلون عليها.

لاتوجد إحصاءات أو أرقام دقيقة عن عدد العرب الذين يوجهون قبلتهم سنويا إلى الولايات المتحدة من أجل وضع مواليدهم هناك، لكن الإحصاءات المتوفرة في عام 2018 تكشف عن أن أكثر من 23 مليون شخص تقدموا لبرنامج الهجرة الأمريكي، من بينهم 4 ملايين عربي، والرقم نفسه هو تعداد المستقرين منهم في بلاد العم سام، ومعظمهم من مصر ولبنان، بحسب تقارير صحفية.

فيما كشفت إحصائيات المعهد العربي الأمريكي لعام 2017، أن تعداد العرب في أمريكا بلغ - آنذاك - 3.7 مليون نسمة، في جميع الولايات الخمسين لكن ثلثيهم يتركزون في 10 ولايات.

 80% من العرب في أمريكا حاصلون على الجنسية الأمريكية، حسبما يفيد تقرير المعهد، كما يحمل 45% منهم شهادات جامعية، فيما يعمل 88% في القطاع الخاص ويشغل 12% من العرب الأمريكيين وظائف حكومية.

حوالي 94 ٪ من الأمريكيين العرب يعيشون في المناطق الحضرية، وتعتبر لوس أنجلوس وديترويت ونيويورك/ نيوجيرسي وشيكاغو وواشنطن العاصمة من أفضل 5 مناطق حضرية يفضلها العرب في أمريكا.

أوضح المعهد أن اللبنانيين الأمريكيون يشكلون جزءًا أكبر من إجمالي عدد الأمريكيين العرب المقيمين في معظم الولايات، رغم أن الأمريكيين المصريين هم أكبر مجموعة عربية في جورجيا ونيوجيرسي وتينيسي.

فيما أكبر مجتمع عربي أمريكي في أريزونا هو مغربي، ويعيش في رود آيلاند عدد من الأمريكيين السوريين، ونبراسكا وداكوتا الجنوبية تعرف تعدد السودانيين.

بينما يوجد أكبر عدد من السكان الفلسطينيين في كاليفورنيا، ويمكن العثور على تجمع كبير للفلسطينيين في إلينوي. أما عدد العراقيين الذين يعيشون في ولاية ميشيغان فيقارب عددهم في ولاية كاليفورنيا، رغم أن الأخيرة  أكبر من الأولى بثلاثة أضعاف، حسب إحصائيات المعهد.

دوافع ترامب

"تسديد فاتورة ولادة طفلهم من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين"، كان هذا أحد المبررات التي ساقها ترامب، إن لم يكن الدافع الوحيد، لفرض قيود على سفر النساء الحوامل إلى بلاده بغرض الولادة.

البيت الأبيض أبدى بدوره ترحيبا بالقواعد الجديدة، وقالت المتحدثة الإعلامية لترامب، ستيفاني غريشام: "سياحة الولادة تهدد بإثقال الموارد القيِّمة للمستشفيات، وازدهار النشاط الإجرامي".

من بين من استفادوا من سياحة الولادة حالة رصدتها "نيويورك تايمز"، دفعت مقابل الخدمة كاملة مبلغ 100 ألف دولار شملت تكاليف الإقامة والمستشفى وأيضا أنشطة سياحية، هذه الأسرة كانت تقيم في أحد فنادق ترامب، حسب الصحيفة.

من المؤكد أن قرار ترامب الجديد لا يستهدف هؤلاء فهم زبائن منعشون للاقتصاد الأمريكي، حيث اشترط القرار الإدلاء بضمانات لتسديد مستحقات المستشفى للراغبين في الولادة داخل أمريكا، أو تلقي أي من أنواع العلاج، وهنا تكمن الأزمة.

فالقانون الأمريكي، لا يلزم أي مريض أيا كانت جنسيته أن يدفع مقابلا طيلة مدة مكوثه في المستشفى ومهما كان نوع العلاج الذي يتلقاه، وتكتفي إدارته بالحصول على بيانات المريض بما فيها عنوان إقامته الذي تصل عليه فاتورة الخدمات الطبية فيما بعد.

هذا التساهل كان يفتح الباب أمام المتحايلين للاستفادة من خدمات المستشفى، وفي حالة الحامل التي تضع مولودها ثم تأخذ أوراق إثبات الولادة إلى الإدارة المعنية لاستخراج جواز السفر الأمريكي للمولود حسبما ينص القانون، وبعدها مغادرة البلاد دون دفع تكاليف المستشفى.

شبكات تهريب

"نور" شابة مصرية تحدثت إليها "الاستقلال"، وهي إحدى الذين قرروا وضع أطفالهم في أمريكا لمنحهم الجنسية. نور وهي في الثلاثين من عمرها أنجبت توأمها في ولاية بنسلفانيا، وكلفتها الولادة والمتابعة الطبية والتحاليل حوالي 17 ألف دولار.

قضت نور شهرين في الولاية لتصل التكلفة إلى 22 ألف دولار، شملت السكن والأكل والتنقلات ومستلزمات الطفلين، لكنها تقول: "هناك إمكانية لاستخراج الجوازات الأمريكية للمواليد عبر تسريع الإجراءات، وهو الطريق الذي سلكته صديقة لها فقضت أسبوعين مقابل 10 آلاف دولار شملت كل شيء".

الشابة التي تعيش الآن في أمريكا مع أسرتها، لفتت إلى أن التهرب من تسديد مصاريف الولادة دارج جدا لدى الأجانب الذين يقصدون البلد لهذا الغرض، لكنهم بالمقابل لا يتمكنون من الدخول إلى الولايات المتحدة في فترة قريبة من مغادرتهم لها، كما أن القانون يمنعهم من الحصول على إقامة أو جنسية أمريكية فيما بعد. 

في الوقت الذي تتمكن فيه الأسر من تدبير الأمر بشكل فردي أو بمساعدة بعض المقيمين هناك، تتخصص شركات في ترتيب ذلك، وهو ما جرمه القرار الجديد وأطلق عليهم "المهربون"، وذهب المتحدثون باسم البيت الأبيض إلى حد اعتبار هؤلاء "مضرين بالأمن القومي الأمريكي". 

ورصدت "نيويورك تايمز" فتح أحدهم 14 حسابا بنكيا يدخر فيها أزيد من 3.4 ملايين دولار، وهو من بين الحالات التي تم إلقاء القبض عليها بتهمة "النصب". وأفادت الصحيفة، أن هؤلاء يمكنهم الحصول على 80 ألف دولار في الحالة الواحدة من التهريب.

من المستهدف؟

تنص المادة 14 من الدستور الأمريكي على منح الجنسية لكل من ولد على أراض أمريكية، وبذلك يعتبر قضائيا مواطنا من الولايات المتحدة.

وحتى لا يتنافى ما جاء به ترامب مع الدستور، جعله قرارا معمما على القنصليات التابعة لبلده لا قانونا، استهدف به المكسيكيين بالدرجة الأولى الذين يشكلون أزمة لأمريكا، لكن كل القوانين لم تتمكن حتى الآن من تقليص أعداد النازحين منهم، حسب الصحافة الأمريكية.قرار ترامب لا يستهدف كل الجنسيات، بل فقط من تصنفهم أمريكا في الفئة "ب" وهم الذين يحتاجون لتأشيرة دخول، ولا يستهدف من هؤلاء من لديه سبب واضح ومقنع للزيارة، فقط الحالات المشتبه فيها هي من يمكن أن تتعرض لرفض استخراج التأشيرة أو لمضايقات في المطار.

"نيويورك تايمز" قالت: إن أكبر نسبة للمستفيدين من سياحة الولادة هم الصينيون، ويتعاملون مع شركات تنتشر بشكل كبير في ولاية كاليفورنيا وتحديدا لوس أنجلوس - باعتبارها الأرخص - وتتراوح المبالغ التي يدفعونها ما بين 40 و100 ألف دولار، لكن هذه الشركات أو المهربين كما أسماهم القرار تتحايل على الدولة ولا تؤدي مستحقات المستشفى. 

تدخل هذه الأسر أمريكا عن طريق مقاطعة "هاواي" لتساهل الجمارك فيها كونها ولاية سياحية، كما أن الحجز يكون في فنادق فاخرة، ثم ينتقلون عبر طيران داخلي إلى لوس أنجلوس حيث توفر لهم الشركة، التي ترتب الأمر منذ البداية، كل شروط الإقامة، وبعد الولادة بفترة قد لا تتجاوز الشهرين يحصل المولود على جواز السفر الأمريكي 

وتحدثت وكالة "أسوشيتد بريس" عن الطبقة الاجتماعية من الصينيين التي تقصد أمريكا لسياحة الولادة، وأفادت أن كلهم إما محامون أو أطباء، أي مستواهم المعيشي جيد، غير أن هؤلاء لا يشعرون بالاستقرار الاجتماعي والسياسي في بلدهم، لذا يسعون لضمان مستقبل مستقر لأبنائهم وأنفسهم، على حد تعبير الكاتب.