"سيدي حمزة".. شيخ مغربي واجه اتهامات بمخالفة الشرع وموالاة القصر

12

طباعة

مشاركة

في مداغ ضواحي مدينة بركان بأقصى الشمال الشرقي للمغرب تجمع الآلاف ليل الأحد 19 يناير/ كانون الثاني 2020، بمقر الزاوية "البودشيشية" - أكبر طرق الصوفية في المملكة - لإحياء الذكرى الثالثة لوفاة شيخها السابق حمزة القادري البودشيشي.

لم تتتلمذ كل هذه الجموع على يد الشيخ الراحل، لكنها من مريديه أو شهدت إحدى "الحضرات" التي تعقد سنويا بحضور الشيخ في ذكرى المولد النبوي الشريف.

قضى "سيدي حمزة" - كما يطلق عليه مريدوه وأتباعه - سنواته الأخيرة ملازما للفراش بسبب شدة المرض، لكنه كان حريصا حتى وفاته على حضور اللقاءات السنوية.

خارج الحدود

جدد الشيخ حمزة في أذكار الطريقة "ونظم سيرها، مما زاد في إحيائها وتنشيطها"، بحسب موقع الزاوية، وساهم في نشر الطريقة عبر المناطق المغربية المختلفة.

حرص الشيخ حمزة على تنظيم لقاءين سنويين كبيرين في قرية مداغ، يحج إليه عشرات آلاف المريدين من داخل المغرب وخارجه، أولهما بمناسبة ليلة الـ27 من شهر رمضان، وثانيهما في ذكرى المولد النبوي حيث يقصدها نحو ربع مليون صوفي كل عام من المغرب وخارجه، عرب وأجانب، خصوصا من جنوب إفريقيا.

وخلال اللقاءين كان يتخذ الشيخ حمزة مكانا في صدر القاعة، ويحيط به أبناؤه وأحفاده وبعض كبار المسؤولين في الدولة، ويتدافع المريدون ليصلوا إلى الصفوف الأولى لرؤيته، وسط "جذبة" صوفية على إيقاعات أناشيد تمدح الرسول وشيوخ الطريقة. 

انخرط الشيخ حمزة في جيش التحرير المغربي الذي قاوم الاحتلال الفرنسي، وحمى عددا من المقاومين الذين فروا من جنود الاحتلال، ووفر لهم المأكل والمشرب.

فيما ظهرت الطريقة القادرية البودشيشية - زاوية صوفية - في القرن الخامس للهجرة على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني، واكتسبت لقبها الثاني "البودشيشية" نسبة إلى الشيخ علي بن محمد الذي كان يلقب باسم "سيدي علي بودشيش"، لكونه كان يطعم الناس خلال فترة المجاعات التي شهدها المغرب أثناء حياته أكلة شعبية تسمى "الدشيشة" (قمح).

إصلاح الزاوية

بعد 3 سنوات من توليه زعامة الطريقة البودشيشية، اصطدم الشيخ حمزة بأحد مريديه، وهو الشيخ عبد السلام ياسين، الذي غادر الزاوية، قبل أن يؤسس جماعة "العدل والإحسان" عام 1981، بعدما "تعذر عليه إصلاح الزاوية من الجوانب الخرافية التي تنتشر بها"، حسب رأيه.

لبث ياسين في حضن الزاوية البودشيشية القادرية 6 سنوات في صحبة الشيخ الحاج العباس بن المختار وابنه الشيخ حمزة من بعده، ليغادرها بسبب ما بات يلاحظه من مؤشرات تحول قال عنه واصفا ومبينا: "﴿وكنت عليهم شهيدا﴾ أستشهد بهذه الكلمة كلمة سيدنا عيسى عليه السلام وأتمثل بها، {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}".

مضيفا: "كانت علاقتي بالمريدين علاقة محبة، وكانت النيات الطيبة وكانوا من الناس الأخيار. لكن هذا الشيء الذي يتهدد كل سالك لطريق الله، وهو ظهور الأحوال والمشاهدات والكرامات والأشياء التي طالما نبه عليها كُمَّل المشايخ، قالوا هذه الأشياء تلهي عن الله عز وجل وتحجب عن الله عز وجل، فلعل بعض المريدين يظهر لهم نورانية أو مكاشفة فيقول أنا وصلت، أنا أصبحت من الواصلين فيقف، عندئذ خسر الدنيا والآخرة".

أصبح الشيخ ياسين يشعر بعد ذلك بالحاجة إلى إصلاح أحوال الأمة ما يقتضي ضرورة الجمع بين التربية والجهاد، وتجاوز حدود الخلاص الفردي كما رسمته قواعد السلوك الصوفي إلى الخلاص الجماعي للأمة.

قال ياسين: "أذكر أنني عندما كتبت (الإسلام بين الدعوة والدولة) ذكرت فيه لقاءات بين رجال الدعوة ورجال الدولة، وكان في تفكيري يومئذ أن هؤلاء الحكام الجبابرة يمكن أن يستفيدوا لو فعلوا مثل ما فعل من ذكرتهم، أظن 5 أمثلة في التاريخ من الرجال، صحبوا أفاضل من العلماء والمشايخ المُربين، فحملت نسخة من الكتاب إلى القصر الملكي، وبالطبع هذا بقي في سلة المهملات".

علاقته بالنظام

كان الشيخ حمزة حريصا على عدم الاصطدام بالسلطة وإبقاء علاقته معها على أحسن ما يرام. وهو ما ظهر بوضوح بعد تولي أحمد التوفيق، أحد المنتسبين للطريقة البودشيشية، مهمة تسيير وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب سنة 2002.

أصبح حضور "البودشيشي" لافتا في تدبير الشأن الديني، ما جعل زوايا صوفية أخرى تحتج على تنامي نفوذ "سيدي حمزة" على حسابها في الشأن الديني.

فيما تنتقد الزاوية أطرافا تتهمها بارتكاب "مخالفات شرعية" والعمل لمصلحة النظام، في حين تنفي هي ذلك وتشدد على أنها طريقة هدفها التزكية الروحية والنفسية ليس إلا.

يندد المنتقدون بمظاهر تقديس الشيخ كالتبرك بلمسه، والصراخ عند رؤيته، والتوسل به وبشيوخ الطريقة لنيل البركات، ويفيدون بأن الطريقة ابتدعت مأثورات وأدعية لا تأصيل شرعي لها، موضحين أنها بدع، وأن كل "الأسرار" المحيطة بأدبيات الزاوية هي مجرد تغطية تحجب أي تحليل علمي لما يزعمه أهلها.

فيما ينفي مديرو الطريقة هذه الاتهامات، ويؤكدون أن أتباع الزاوية لا يعبدون الشيخ، بل يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، وأن مظاهر تكريم شيخ الطريقة لا تعدو أن تكون تعبيرا عن تقدير المريدين للشيخ "المربي صاحب الإذن"، المشير إلى تهذيب النفوس وتصفيتها وتنقيتها من شوائب المادية الجافة، ويدعون الناس للاطلاع عن قرب على الطريقة وأدبياتها وإصدار أحكام مبنية على حقائق على أفكارها.

أما على المستوى السياسي، فترى الأصوات المنتقدة أنها تؤدي أدوارا سياسية لفائدة النظام الذي يتواصل معها كلما احتاج دعما جماهيريا في الشارع.

ومن ذلك نزولهم لدعم الدستور الجديد عام 2011 بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وخروج الشباب المغربي في مظاهرات 20 فبراير/شباط 2011، ومشاركتهم في لقاءات لدعم الموقف المغربي في قضية الصحراء، ومشاركتهم أيضا في مظاهرات منددة بالرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وتشدد قيادات الطريقة على أنها لن تتحول أبدا إلى كيان سياسي، فميدانها هو تربية الأفراد وتزكية النفوس، وللدولة أحزابها السياسية التي تدافع عن مصالحها.

لكن الزاوية تنفي باستمرار أن يكون للزاوية أي طموح سياسي أو دوافع من أجل الوصول إلى السلطة، وإن كانوا من جهة أخرى يعترفون بأن الطريقة تتدخل فقط في "المنعطفات الإستراتيجية الكبرى"، ويكون الهدف هو تحقيق وحدة المغرب واستقراره.

مولده ونشأته

ولد حمزة القادري البودشيشي عام 1922 وولي زعامة الطريقة عام 1972 خلفا لوالده واستمر على رأسها إلى أن توفي عام 2017. 

حفظ الشيخ حمزة القرآن الكريم، وأنهى دراسته في السلك الأول من التكوين العلمي، ثم تلقى علوم الشريعة في مقر الزاوية بمداغ، كما درس علوم الفقه واللغة والنحو على يد العالم أبي الشتاء الجامعي، وعبد الصمد التجكاني، والشيخ اليزناسني، وحميد الدرعي.

انتقل إلى مدينة وجدة شرق المغرب، حيث درس في المعهد الإسلامي الذي كان وقتها تابعا لجامعة القرويين الموجودة بمدينة فاس. وبعدها عاد إلى مقر الزاوية، حيث بدأ مساره في مشيخة الزاوية مع والده العباس، وشيخ الزاوية وقتها أبي مدين القادري البودشيشي.

بعد رحيل الشيخ حمزة القادري بن العباس بودشيش، عن عمر يناهز 95 عاما، ورث نجله الأكبر جمال الدين (70 عاما)، مشيخة الزاوية القادرية، وهو رجل تعليم متقاعد خريج دار الحديث الحسنية ويقيم بمقر الزاوية، وأثار موجة من الانتقادات مؤخرا بسبب تصريحات صحفية مزج فيها بين تمجيد وتأليه أسلافه من القادريين البودشيشيين، على عكس والده الذي كان قليل الظهور في وسائل الإعلام.