هكذا وصفت صحف فرنسية الانتخابات الرئاسية في الجزائر
بعد الثورة الشعبية في الجزائر، كان من المفترض أن تفتح الانتخابات الرئاسية المقررة في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون أول الجاري، طريقا للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد، لكنها باتت تحد يرفضه الشارع باعتباره "خدعة" لإعادة إنتاج النظام القديم.
صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية سلطت الضوء على هذه الانتخابات التي يتنافس فيها خمسة ممثلين لمنصب رئاسة الجزائر، تحت رعاية الجيش الذي يتولى حاليا السلطة، بهدف إيجاد خليفة للرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة.
وقالت الصحيفة في افتتاحية للكاتب باتريك سان-بول: إنه "بعد تسعة أشهر من انتفاضة؛ لمنع ترشح عبدالعزيز بوتفليقة لفترة ولاية خامسة، وبعد نجاحه في إجبار الأخير على التنحي، تعرض الشعب الجزائري للخديعة".
وأوضحت أن الشعب الجزائري لم يحقق هدفه بإنهاء النظام القديم أو الانتقال الديمقراطي المنشود، في ظل الانتخابات التي يندد بها الحراك، والمرشحون الخمسة للاقتراع المقرر، الخميس المقبل، جميعهم موالون للجيش، الذين أداروا حملتهم وراء الكواليس، هربا من الحشود الغاضبة.
والمرشحون المتنافسون في هذه الانتخابات هم: عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديموقراطي، وعبدالقادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني، وعبدالمجيد تبون المرشح الحر، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وعبدالعزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل.
ورأت الصحيفة الفرنسية، أن المرشح القادم الذي يعد واجهة جديدة للجيش، المتحكم الحقيقي في السلطة، سيكون محصورا بين الجنرالات والشعب، ولن يكون لديه الشرعية لمواجهة العديد من التحديات التي تواجه هذا البلد: فالمجتمع منقسم، وشكوك تجاه الطبقة السياسية، والمؤسسات مهتزة ، والاقتصاد يعاني.
انزلاق إلى المجهول
وأكدت "لوفيجارو" أنه إذا تم إجراء التصويت دون وقوع حادث كبير، فسيستمر الوضع الراهن في أحسن الأحوال، دون حل أي شيء من مشاكل الجزائر.
وذكرت أنه بالرغم أن الجيش وقائده الجنرال أحمد قايد صالح، خلصا البلاد من عشيرة بوتفليقة الفاسدة، فهم سعداء بالحفاظ على امتيازاتهم الاقتصادية، لكن الحراك يواصل المطالبة بالديمقراطية ونهاية الفساد، وكما يتضح من التعبئة والمظاهرات المستمرة، فإن صحوة المواطن أصبحت الآن متأصلة بعمق في المجتمع الجزائري.
ونبهت الصحيفة الفرنسية في افتتاحيتها إلى أنه لا مصلحة لأحد في الجزائر لا الجيش ولا الحراك في انزلاق الوضع إلى المجهول، وتدهور الحراك الذي ظل حتى الآن سلميا، مشيرة إلى أن هناك خطر كبير وهو تحرير المتطرفين، كما حدث في الماضي، وبالتالي حركة هجرة جديدة نحو أوروبا.
مسؤولية قايد صالح
وفي تقرير آخر تحت عنوان "نحو انتخابات بلا ناخبين في الجزائر"، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: إن رئيس الأركان قايد صالح يصر على فرض انتخابات رئاسية تواجه خطر الامتناع عن التصويت على نطاق واسع.
وأكدت أن رئيس الأركان منذ عام 2004، هو بالفعل الرجل القوي في الجزائر ويعتزم البقاء كذلك، وسط حركة احتجاجية دخلت شهرها العاشر، دون أي إشارة لظهور انفراجة.
واعتبرت الصحيفة أن رئيس الأركان يتحمل المسؤولية الكاملة عن الفراغ الدستوري الذي أغرق فيه الجزائر منذ يوليو/ تموز الماضي، حيث رفض جميع المقترحات البناءة التي تقدمت بها المعارضة للتحرك صوب انتقال حقيقي للسلطة.
وبينت أن قايد صالح مستمر في استخدام سلطته بحكم الأمر الواقع، وليس بحكم القانون، منذ انتهاء ولايته القانونية، فهو ليس قانعا برفض أي لفتة استرضاء فقط، بل قام كذلك باعتقال أكثر من مائة شخص وزيادة القيود على حرية التظاهر والتجمع والتعبير.
وذكرت "لوموند" أن رئيس الأركان أظهر تعسفه علنا، بالإصرار على إجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية العام، وهو القرار الذي سارعت السلطات التنفيذية والتشريعية لمؤسسات الدولة إلى تطبيقه، ومن خلال هذا الموعد المقرر في 12 ديسمبر/ كانون أول، يأمل صالح في السيطرة على الوضع الراهن من خلال رئيس مدني منتخب.
وأشارت الصحيفة إلى أن القليل من الجزائريين مهتمون بمن سيكون رئيسهم المقبل، حتى المناظرة المتلفزة التي جرت بين المرشحين الخمسة (بينهم رئيسان سابقان لبوتفليقة واثنان من وزرائه السابقين) لم ينعش حملة انتخابية قاطعها السكان علنا.
ولفتت "لوموند" إلى أن السؤال الحقيقي الوحيد للانتخابات الرئاسية المقررة الخميس المقبل، هو مدى الامتناع عن التصويت؟ لأن التصويت في ذلك اليوم يشبه بشكل متزايد عملا مناهضا للوطنية، وهو قرار عبر عنه المتظاهرون تحت شعار "لا انتخابات مع العصابات".
انتخابات بلا معنى
وأوضحت أن هذا الشعار تردد صداه بقوة في الأسابيع الأخيرة بشوارع الجزائر، حيث تم وصم الزمرة الحاكمة بأنها مجموعة من "العصابات" المتلاعبة والفاسدة. وكان هذا جليا بشكل خاص في دعوات "الاستقلال الجديد" خلال مسيرات يوم الجمعة الماضي، عندما استعادت الحركة الشعبية زخمها.
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن الجنرال صالح حاليا منهك في إدانة "فرقة" ذات أجندة دولية غامضة تسعى إلى زعزعة استقرار الجزائر، إذ أصدر مرسوما سابقا بأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية ستكون "ضخمة"، الأمر الذي قد يعرضه للإحراج في حالة امتناع الناخبين عن التصويت.
كما أنه في 4 ديسمبر/كانون الأول، أصدر علنا "تعليمات صارمة" إلى القوات المسلحة وأجهزة الأمن "لمنع أي شخص من تعطيل العملية الانتخابية بأي شكل من الأشكال".
وقبل أيام وصف وزير الداخلية صلاح الدين دحمون في مجلس الأمة، المعارضين للانتخابات الرئاسية بأنهم "خونة ومرتزقة ومثليون وبقايا استعمار، وعلى الرغم من الضجة التي أثارتها هذه الإهانات، إلا أن الوزير استمر باتهامهم من جديد بأنهم "بقايا فرنسا الاستعمارية".
وأوضحت "لوموند" أن تصريحات وتهديد قايد صالح ووزير الداخلية يكشفان عن الفوضى التي حلت بالعصبة الحاكمة في مواجهة الخطر المتمثل الآن في إجراء انتخابات عديمة المعنى.
وخلصت إلى أنه في 12 ديسمبر/ كانون أول، لا أحد يعرف ما إذا كان الجزائريون سيمتنعون عن التصويت بالفعل أم لا، لكن من المؤكد أنه في اليوم التالي، سيكون هناك عدد كبير من المتظاهرين كما يحدث دائما كل يوم جمعة، للمطالبة بحقهم في انتقال إلى ديمقراطية حقيقية.
واختتمت "لوموند" الفرنسية حديثها بالقول: دعونا نأمل أن يسمع صالح الرسالة هذه المرة، بغض النظر عن اسم الرئيس "المنتخب".