مواقع التواصل الاجتماعي.. كيف تسببت في تسطيح عقول الشباب؟
كان ينبغي للثورة المعلوماتية والطفرة التكنولوجية الأخيرة، أن تتناسب بشكل طردي مع المستوى المعرفي والثقافي لرواد مواقع الإنترنت ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها ـ حسب دراسات وأبحاث ـ انعكست بشكل سلبي على المستخدمين، ورواد منصات التواصل، على وجه الخصوص.
تقول دراسة بريطانية أشرفت عليها الجمعية الملكية البريطانية للصحة العامة (RSPH): إن مواقع التواصل الاجتماعي تسببت بأزمة معرفية، وإن تطبيق إنستغرام على سبيل المثال يعد الأخطر من بين المنصات الأخرى، على الصحة العقلية والمعرفية للشباب.
شملت الدراسة نحو 1500 شاب وفتاة تتراوح أعمارهم بين 14 و24 عاما، وقالت الجمعية الملكية التي أشرفت على الدراسة: "البرامج التي من المفترض أن تساعد الشباب على التواصل مع بعضهم البعض قد تخلق في الواقع أزمة معرفية".
وقال هيرلي كرامر، الرئيس التنفيذي للجمعية: "تم وصف وسائل الإعلام (التواصل) الاجتماعية بأنها أكثر إدمانا من السجائر والكحول، وهي الآن متجذرة في حياة الشباب لدرجة أنه لم يعد من الممكن تجاهلها عند الحديث عن الشباب وقضايا الصحة المعرفية والعقلية".
وأضاف: "من المثير للاهتمام أن نرى أن إنستغرام وسناب شات في الترتيب الأسوأ للصحة العقلية ونمط الرفاهية، فكلا المنصتين يركزان على الصورة للغاية، ويبدو أنهما يقودان مشاعر الاضطراب والقلق عند الشباب".
"وهم المعرفة"
تتسع دائرة استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل يومي، فعلى موقع فيس بوك على سبيل المثال، يتم إنشاء 5 حسابات في الثانية الواحدة حول العالم، أي 300 حساب في الدقيقة الواحدة.
وتظهر إحصاءات عام 2019، أن هناك 3.2 مليار مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، أي ما يعادل نحو 42 في المئة من سكان العالم، وهذا الرقم في تزايد مستمر، وتقود شركة "فيسبوك" سوق مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يمتلك الموقع الأزرق لوحده أكثر من 2.32 مليار مستخدم شهري نشط.
ورغم ذلك الاتساع إلا أن منصات التواصل لا تقدم محتوى معرفيا منظما، وبالتالي فإن رواد تلك المواقع الذين يعتمدون عليها في تحصيل المعرفة، عادة ما تكون معارفهم مجتزأة، ويسوء الوضع أكثر إذا ظن مرتاد تلك المواقع أنه يكتسب ثقافة ومعرفة يمكن البناء عليها في تقييم الأحداث والظواهر وتقديمها للآخرين بشكل سليم.
يصاب كثيرون بما يمكن تسميته "وهم المعرفة"، حين يظنون بأن الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في تحصيل المعرفة كاف للخروج بتصورات مستوفية عن القضايا والأحداث المعاصرة.
أما بالنسبة للمواقع التي لا تقدم مادة مكتوبة، وتتعامل مع الصور، فإنها أسوأ على المستوى المعرفي والثقافي للمستخدمين، إذ تتسبب بانكفاء المستخدم بالتعامل مع الصور، وتتسبب بأزمة في تعامله مع المواد المكتوبة.
ومن خلال الأرقام، لوحظ أن معظم رواد مواقع التواصل صاروا يفضلون الصور والمحتوى المرئي على المحتوى المكتوب، إذ تحقق المواد المرئية تفاعلا أكثر مما تحققه المواد المكتوبة.
المحتوى الترفيهي
يميل رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى مشاهدة المحتوى الترفيهي، على حساب المحتوى المعرفي، أو المحتوى الهادف، فتجد أن بعض المحتويات غير الهادفة، أو المحتويات التي يمكن أن تعد محتويات "فارغة" لا تقدم شيئا، تحصد آلاف وملايين المشاهدات من قبل الجمهور والمتابعين، بينما لا تحصل المواد التي تقدم معرفة حقيقية هادفة إلا على مشاهدات ضعيفة.
هذا يعكس اهتمام المشاهد، والجمهور العربي بالذات، يقول صانع المحتوى اليمني عبدالرحمن الجميلي لـ"الاستقلال": "المحتوى التعليمي أو المحتوى الهادف، لا يشاهده في الغالب إلا من يرغب بالبحث عن موضوع معين، وهم فئة قليلة، في العادة، لهذا فإن جمهور المحتوى الهادف جمهور نوعي، بعكس المحتوى الترفيهي الذي يشاهده عامة الناس".
يضيف الجميلي: "ينتشر المحتوى الترفيهي غير الهادف أو غير المهدَّف بشكل كبير، لأن مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي يبحثون عن المتعة والمحتوى الذي يساعدهم على قضاء وقت ممتع".
يتابع الجميلي: "أما بالنسبة لصنّاع المحتوى فتواجههم مشكلتان رئيسيتان، الأولى إن المحتوى الهادف أو الرسالة التي يقدمونها تفتقر لعناصر الجذب والتشويق وعناصر الربط، ويقدم بطرق تقليدية بعيدة عن التطوير والتنوع، والمشكلة الثانية هي أن الجمهور يميل إلى المحتوى الترفيهي بشكل أكبر".
يضيف الجميلي: "عربيا يعاني صناع المحتوى من قلة مشاهدة المحتوى الجيد والهادف، والذي يحمل رسائل توعوية، وبذلك يعزف كثير منهم عن هذا النوع من المحتوى ويتوجهون لصناعة المحتوى الترفيهي الذي يلاقي رواجا كبيرا".
تزييف الوعي
تسهم مواقع التواصل الاجتماعي بانتشار ونقل المواد دون التحقق منها ومن صحتها، ويتم تكوين وعي معين بناء على تلك المواد، وفي كثير من الأحيان يكون الوعي زائفا، لأنه استند على مواد مصورة لا يوجد ما يثبت صحة ودقة تفاصيلها المرفقة والشارحة.
في كثير من الأحيان يتم نقل الصورة أو مقاطع الفيديو وفصلها عن سياقها المكاني أو الزماني، واستدعاء سياق آخر، ليتم إخراج المشهد في صورة نهائية بشكل لا علاقة له بظروف الصورة الأصلية أو مقطع الفيديو الأصلي، ويزيد من حجم تلك المشكلة انتشارها بغير وعي، الأمر الذي يسفر عن بناء مواقف فردية وجماعية غير صائبة.
طبقا لدراسة علمية أنجزها باحثون أمريكيون في معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MIT)، ونشرت في مجلة "ساينس"، المتخصصة بالأخبار والمحتويات الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعية، حول ظاهرة انتشار الأخبار والمحتويات الزائفة عبر التغريدات على تويتر، قام 3 ملايين شخص بإعادة تغريد قصص إخبارية غير صحيحة أكثر من 4.5 ملايين مرة.
واستند الباحثون في دراستهم إلى تحليل مضمون حوالي 126 ألف تغريدة باللغة الإنجليزية، نشرت بين عامي 2006 و2017، ولتحديد كذب أو صحة الخبر، اعتمد الباحثون على 6 منظمات مستقلة للتحقق من المعلومات.
وخلص الباحثون إلى أن المحتويات الزائفة، سواء كانت عبارة عن نص، أو فيديو، أو صورة، لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70% مقارنة بالحقيقية.
ومن بين العوامل المساعدة على ذلك الانتشار الواسع إعادة إرسالها بين الأشخاص فيما بينهم خصوصا بين الأصدقاء والمعارف. ورغم أن محتوى تلك التغريدات شمل عدة مواضيع إلا أن المواضيع السياسية نالت نصيب الأسد كما كان الحال خلال الانتخابات الأمريكية لعامي 2012 و2016.
ويرجع الباحثون سبب انتشار ذلك النوع من التغريدات إلى توفرها على عنصر الإثارة كما أنها تحمل مفاجأة غير متوقعة تثير مشاعر مختلفة لدى قرائها (مشاعر سلبية في الغالب كالخوف والاشمئزاز).
مصدر للأخبار
يضاف إلى ذلك اعتماد الناس على وسائل التواصل كمصدر لتلقي الأخبار، وكانت دراسة لمركز بيو للأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية قد قال: إن "وسائل التواصل أصبحت جزءا من نظام الأخبار، وتلعب دورا أكثر سلبية كوسيلة لإيصال الأخبار".
فعلى سبيل المثال، تعد الولايات المتحدة، وهي الأكثر وعيا إذا ما تم مقارنتها بسكان الشرق الأوسط، من بين أكثر الدول التي يعتمد مواطنوها على تلقي الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحصل حوالي 55 % من الأمريكيين البالغين على الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي، وأشارت الدراسة إلى أن 52 % من أولئك يعتمدون على الفيس بوك، بينما يعتمد 28% على يوتيوب، ويأتي تويتر ثالثا بنسة 17%.
المصادر
- الجمعية الملكية البريطانية : الانستجرام يحتل المرتبة الأسواء من بين وسائل التواصل الاجتماعي
- حقائق وإحصائيات عن الفيس بوك
- مواقع التواصل في 2019... سيطرة "فيسبوك" والموبايل
- مجلة ساينس : علم الأخبار المزيفة
- انفوغراف: ماذا يحدث على الانترنت في ثانية واحدة ؟
- الإنترنت في الشرق الأوسط.. حقائق وأرقام
- معظم الأميركيين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي في تلقي الأخبار
- ماذا يقول العلم في أضرار وسائل التواصل الاجتماعي؟