"نيويورك تايمز": لهذا تعرقل روسيا تحقيقا أمميا بقصف مستشفى سوري
سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة في تفجيرات استهدفت مستشفى سوري تعرض إلى قصف بالطائرات، مشيرة إلى حجم الضغوط الروسية التي يتعرض لها الفريق الأممي بخصوص الاستنتاجات والتقرير النهائي.
وفي تقرير للكاتبين ويتني هيرست ووريك جلادستون، قالت الصحيفة: إن التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة بشأن تفجيرات استهدفت مستشفى سوري قد تتأثر بالضغوط الروسية على فريق التحقيق لإبقاء نتائجه في نطاق السرية.
ضغوط هائلة
وأضافت: أن "دبلوماسيين روس يمارسون ضغوطا هائلة على فريق التحقيق الأممي للحفاظ على سرية نتائج التحقيقات، مشيرة إلى أن عمليات التفجيرات والقصف الجوي للأماكن الخدمية ومنها المستشفيات، يعتبرها القانون الدولي جرائم حرب محتملة، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أن يأمر بإجراء تحقيق أممي قبل ثلاثة أشهر".
التحقيق الأممي، بحسب الصحيفة: رفع سقف الآمال والطموحات في محاسبة المسؤولين عن هذا الهجوم الذي أودى بحياة مدنيين. لكن مع وجود أدلة على أن حلفاء الحكومة السورية، الروس يتحملون مسؤولية بعض هذه التفجيرات، يبدو أن العكس يحدث.
وفقا لوثيقة داخلية للأمم المتحدة شاهدتها "نيويورك تايمز"، فإن نطاق التحقيق يقتصر حتى الآن على سبعة مواقع فقط من بين العديد من المواقع المستهدفة. في الوقت نفسه، يقول دبلوماسيون: إن روسيا تضغط على الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، حتى لا تنشر استنتاجات هذا التحقيق الضيق، ويبدو أنه علامة جديدة على الإفلات من العقاب.
وبحسب تحقيق لـ"نيويورك تايمز"، فإنه يبدو أن أحد الأهداف في قائمة التحقيق، مستشفى كفر نابل الجراحي، وهو منشأة تحت الأرض قصفها الطيارون الروس مرة واحدة على الأقل من قبل، وقصفت مرة أخرى من الروس في 6 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتشمل الحوادث قيد التحقيق تفجيرا محتملا لكفر نابل في يوليو/تموز الماضي، ولكنه يتجاهل الهجمات على كفر نابل وثلاثة مستشفيات أخرى في الفترة من 5 إلى 6 مايو/ أيار الماضي، والتي خلص تحقيق التايمز إلى تنفيذها من قبل روسيا.
كانت المستشفيات الأربعة جميعها على قائمة بالمواقع التي لا يجب مهاجمتها، والمعروفة باسم قائمة فك الارتباط، التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى الدول التي تقاتل في سوريا، بما في ذلك روسيا.
تعليق روسي
استخدمت الصحيفة شهادات الشهود ومقاطع الفيديو، وتسجيلات قمرة القيادة المشفرة بالوقت للطيارين الروس، وسجلات رصد الطائرة ولقطات الكاميرا الأمنية من كفر نابل لتتبع الهجوم الذي وقع في 6 نوفمبر/تشرين الثاني من الروس، وتتطابق الأوقات التي يُعلن فيها أحد الطيارين حدوث غارات جوية في تسجيلات قمرة قيادة الطائرة، مع توقيتات إصابة المستشفى بغارة جوية.
وأضافت: أن "كفر نابل التي تقع في محافظة إدلب شمال غرب سوريا لثلاث غارات جوية نتج عنها خروجها المؤقت من الخدمة جراء الهجوم الأخير".
ولم يرد المتحدث باسم فاسيلي نيبينزيا، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، على طلب الصحيفة للتعليق على الاتهامات بأن روسيا سعت إلى الضغط على جوتيريس للحفاظ على سرية التحقيق، في الوقت الذي أشار فيه المتحدث بدلا من ذلك إلى: التعليقات العلنية التي أدلى بها نيبينزيا في 16 سبتمبر/أيلول عندما اعترض على ما وصفه بأنه تضليل حول الحملة العسكرية السورية والروسية.
وقال نيبينزيا: إن التحقيق يجب أن يفحص قائمة الأمم المتحدة لإنهاء النزاع، وأنها كانت معيبة. وأضاف مندوب روسيا في الأمم المتحدة: أنه لا ينكر أحد وجود مدنيين في إدلب، أو أنهم يعيشون حالة مزرية وأخطار تهدد حياتهم، ولكن على الجانب الآخر، لا يوجد سبيل لإنهاء معاناتهم سوى بالهجمات الجوية التي تستهدف القضاء على الإرهابيين، الذين يستخدمون المدنيين كرهائن بشرية في هذه المناطق.
وأكدت الصحيفة: أن روسيا هي الحليف الأكبر للرئيس السوري بشار الأسد، وهي مسؤولة الى حد كبير عن مساعدة قواته في القضاء على المعارضة المسلحة له في عامها التاسع، مشيرة إلى: أن كل من سوريا و روسيا ،منذ نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، ركزتا قوتهما النارية على شمال غرب سوريا، الجزء المتبقي من الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.
ونقلت عن روبرت كولفيل، المتحدث باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، قوله: إن ما لا يقل عن 61 منشأة طبية في تلك المنطقة قد تضررت حتى الآن. وأعرب عن قلقه من أن "المرافق الصحية لا تزال تتعرض للضرب بشكل مباشر أو تضررت بشكل كبير" حتى أثناء تحقيق لجنة الأمم المتحدة.
قمع التحقيق
وذكرت الصحيفة: أن الأمين العام للأمم المتحدة كان قد أنشأ لجنة تحقيق في الأول من أغسطس/آب بعد أن عبر 10 من أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك الولايات المتحدة، عن جزعهم من الهجمات على المستشفيات، يقول دبلوماسيون: إن جوتيريس كان مترددا في البداية لكنه تباطأ، ويواجه الآن ضغوطا من روسيا للحفاظ على سرية نتائج التحقيق.
وبحسب فرحان حق، المتحدث باسم السيد جوتيريس: فإن "الأمم المتحدة لا تزال تدرس كيفية التعامل مع نتائج التحقيق، عندما سئل عما إذا كانت النتائج ستعلن على الملأ".
وأكدت الصحيفة: أن "هذه المرة لن تكون هي المرة الأولى التي يسعى فيها الروس إلى قمع أو على الأقل التشكيك في أي اكتشاف دولي يشجع سلوك الحرب في الكرملين أو حليفه السوري، قبل عامين، على سبيل المثال، منعت روسيا المحاولات الغربية لإطالة عمر لجنة تدعمها الأمم المتحدة تحقق في هجمات الأسلحة الكيميائية في سوريا، بعد أن وجدت النظام مسؤولا عن هجوم جوي قاتل في قرية خان شيخون، والتي ستكون جريمة حرب، ووصف الروس الأساليب البحثية للفريق بأنها رديئة، وكانوا قد حذروا رئيسها في وقت سابق من أن الاستنتاج غير مقبول".
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى: أن قواعد الحروب تشمل إعفاء المستشفيات والعيادات والأطباء والعاملين الطبيين الآخرين من الهجمات العسكرية، بغض النظر عمن يعالجون، كما تنص أحكام اتفاقيات جنيف على وجوب رعاية الجرحى والمرضى واحترامهم، على الرغم من انتهاك هذه المبادئ في العديد من النزاعات، إلا أن المدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إن الانتهاكات في سوريا كانت "شنيعة للغاية".
وأكدت الصحيفة: أن "أي جهد من جانب روسيا لقمع التحقيق في تفجير المستشفى، إذا نجح، من شأنه أن يمدد سجل الكرملين في عرقلة العمل في الأمم المتحدة الذي يعتبره الروس، بجانب الأسد ، ضارا".
وكدليل على عرقلة روسيا العمل الأممي في سوريا، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد 13 قرارا لمجلس الأمن تدعو إلى اتخاذ إجراء بشأن سوريا، في شهر سبتمبر/أيلول، منعت روسيا طلب وقف إطلاق النار في شمال غرب البلاد، وهي نفس المنطقة التي يقصفها سلاح الجو الروسي حاليا، بحسب الصحيفة.
وقد أعربت جماعات حقوق الإنسان عن أملها في أن يوفر تحقيق الأمم المتحدة في تفجيرات المستشفيات، على الأقل، معلومات غير متوفرة تشير إلى من قام بها، لكن البعض أعرب عن استيائه من أن التحقيق محدود للغاية.
وقالت سوزانا سيركين، مديرة السياسة في "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، وهي مجموعة مناصرة تراقب الهجمات على المنشآت الطبية: إن منظمتها "تشعر بقلق بالغ من أن مبادرة الأمين العام قد تفتقر إلى العمق أو الاتساع للإجابة بشكل فعال عن سبب قصف المنشآت المدنية، من المسؤول ، وكيفية منع مثل هذه الهجمات بالمستقبل. في الوقت الذي يضغط آخرون على الأمين العام للأمم المتحدة لتجاهل أي محاولات لقمع النتائج.
ونقلت الصحيفة عن لويس شاربونو، مدير الأمم المتحدة في "هيومن رايتس ووتش" قوله: "إن الضحايا وأسرهم والعالم بأسره لهم الحق في معرفة الحقائق". "الصمت لن يؤدي إلا إلى تشجيع المسؤولين عن جرائم الحرب في سوريا". واختتمت بأن دبلوماسيين روس يقولون: إنهم يتوقعون الانتهاء من التقرير النهائي للتحقيق بحلول نهاية العام.