"نبع السلام".. هل تنجح بإنشاء منطقة آمنة أم تؤدي لحرب دولية؟

12

طباعة

مشاركة

انتقادات وترقب وحذر وإصرار، عدة عناوين صاحبت العملية العسكرية التي بدأتها تركيا في شمال سوريا، بالتعاون مع قوات "الجيش الوطني السوري" (معارض)، مساء 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بهدف إنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية السورية بعد انسحاب القوات الأمريكية منها في السادس من ذات الشهر.

الانتقادات كانت من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج العربي ومصر، وبالطبع نظام بشار الأسد، بينما غلف الترقب والحذر مواقف حلفاء تركيا في الأزمة السورية وهما إيران وروسيا، في حين كان الإصرار عنوانا للموقف التركي، الذي يبدو أنه قد حسب حساباته بشكل جيد، على أمل ألا تطول الحرب أكثر من اللازم، حتى لا تنقلب الطاولة عليه بشكل جاد، وليس بمجرد بيانات شجب وإدانة.

لماذا "نبع السلام"؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن عددا من الأهداف التي دفعته لتنفيذ عمليته "نبع السلام"، من أبرزها القضاء على خطر الإرهاب الموجه نحو بلاده وتحديدا من حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، ووحدات حماية الشعب الكردية (واي بي جي) وتنظيم الدولة، وكلها تنظيمات تصنفها تركيا إرهابية، إضافة إلى العمل على تحقيق عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من خلال المنطقة الآمنة التي سيجري بناؤها.

في هذا الإطار، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن الجيش التركي قصف 181 هدفا منذ بدء العملية العسكرية التي أطلقتها، وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي، وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش التركي تدمير أبرز مقرات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، قرب بلدة تل الحمام في ريف الرقة الشمالي السوري، أعلنت "قسد" أن إحدي الغارات التركية أصابت سجنا يضم محتجزين من تنظيم الدولة.

وحسب رأي الحكومة التركية فإن "وحدات حماية الشعب" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، تعد امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعا مسلحا ضد تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو الاتهام الذي لم تنكره وحدات حماية الشعب رغم إصرارها على أنها "كيان مستقل ولا علاقة لها به عسكريا"، بينما تراها تركيا منظمة إرهابية مثلها مثل تنظيم الدولة.

وفي تحليل موسع لشبكة BBC البريطانية، فإن عملية "نبع السلام" التركية التي تهدف لخلق منطقة آمنة، بدأ التجهيز لها عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2018، سحب القوات الأمريكية البالغ عددها ألفي جندي من سوريا، بعد هزيمة تنظيم الدولة.

وحسب الشبكة البريطانية فإن أردوغان يريد إنشاء "منطقة آمنة" بطول 32 كم داخل الأراضي السورية، للقضاء على الهيكل الإرهابي لحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية وإنشاء ممر للسلام"، ومن هنا يأتي سعي أردوغان إلى بناء 10 مناطق و140 قرية في هذه المنطقة لإسكان ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا.

اضطراب أمريكي

ورغم أن العملية العسكرية التركية، كانت واضحة للعيان منذ عدة أيام، إلا أنه مع انطلاق الرصاصة الأولى لها، انطلقت ردود الأفعال الرافضة، والتي كان أبرزها الموقف الأمريكي، الذي اتضح أنه مضطرب، ويحمل العديد من الألغاز، خاصة وأن الصحف الأمريكية أكدت أن ترامب منح تركيا الضوء الأخضر لتنفيذ العملية التي سبق الاتفاق على كل تفاصيلها بين الجانبين.

وأمام اعتراضات النواب الجمهوريين، أطلق ترامب العديد من التصريحات الرافضة للعملية، مهددا تركيا بعقاب اقتصادي ليس له نظير، إن فكرت في القضاء على الأكراد في شمال سوريا، وفي نفس الإطار بدأ عددا من النواب الجمهوريين في التجهيز لمشروع قرار لمناقشته في الكونغرس لفرض عقوبات اقتصادية على الرئيس التركي، وقيادات حكومته.

وأمام التقارير الصحفية التي نشرتها مجلة "فورين بولسي" بأن ترامب تخلى عن أحد أهم حلفاء أمريكا في سوريا وهم الأكراد، وأنه منح الضوء الأخضر لأردوغان، نفى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو صحة هذه المعلومات، مؤكدا أن حكومته لم توافق على تنفيذ هذه العملية، التي تنظر إليها واشنطن بشك وريبة.

وبالعودة لتقرير "فورين بوليسي" فإن ترامب تحدى نصائح كبار مستشاريه الأمنيين، وصادق قبل أيام على العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، وهو ما يبرر قيامه بسحب القوات الأمريكية من المنطقة الحدودية بشكل مفاجئ، بعد مكالمة هاتفية بينه وبين أردوغان خلال عطلة نهاية الأسبوع.

واستندت المجلة لبيان صادر عن البيت الأبيض، أكد فيه أن تركيا ستمضي قريبا في عملية خططت لها لوقت طويل في شمال سوريا، ولن تدعم القوات الأمريكية تلك العملية أو تشارك فيها، وكون القوات الأمريكية هزمت تنظيم الدولة فإنها لن تبقى في المنطقة المباشرة. واعتبرت المجلة أن قرار سحب القوات الأمريكية، كان بمثابة الضوء الأخضر من ترامب لأردوغان لدخول الشمال السوري.

ووفق مصادر أمريكية تحدثت للمجلة، فإن أردوغان عمل منذ فترة طويلة على التخطيط لإنشاء "منطقة آمنة" تسيطر عليها تركيا على الحدود مع سوريا، لطرد ميليشيا وحدات حماية الشعب، التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، لافتة إلى أن المسؤولين الأمريكيين حاولوا في الأسابيع الأخيرة العمل على تطبيق آلية أمنية لإرضاء تركيا وطمأنة الأكراد بخصوص تهديدات أردوغان المتكررة بالقيام بهجوم عسكري، لكن أردوغان أعلن مؤخرا عن خيبة أمله من الجهود المبذولة لتطبيق الاتفاق.

روسيا وإيران

وفيما يتعلق بالموقف الروسي، فإن التقارير الإعلامية التي رصدت ردود أفعال موسكو، تشير لموافقتها الضمنية أو بمعنى أدق رضاها عن العملية التركية، خاصة وأن موقف الترقب الذي أعلنه الكرملين، يصب في صالح التحرك التركي، ولا يعرقله.

وحسب تحليل لصحيفة العرب الصادرة من لندن، فإن موسكو لا تبدو قلقة مما ستثمر عنه الحملة العسكرية التركية، على اعتبار أنها ستتمكن من جني ثمار تطورات الموقف التركي والأمريكي والكردي، وتحديدا بعد الانسحاب الأمريكي الكامل من الأراضي السورية.

ويعتبر خبراء في الشؤون الروسية تحدثوا للصحيفة، أن موسكو ما زالت تمتلك اليد الطولى في شؤون سوريا، وهي المخولة وحدها برعاية حل سياسي ينهي الصراع في هذا البلد، وأن الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية يمثل نجاحا للعملية السياسية التي تشرف عليها موسكو وفق أجندتها في سوريا.

ويذهب الخبراء إلى أن العملية العسكرية التركية لن تخرج ولن يسمح لها أن تخرج عن الإستراتيجية الروسية في سوريا ولن تتجاوز اتفاقية أستانة التي تجمع روسيا مع تركيا وإيران.

وترى بعض التحليلات الروسية أن: "التورط العسكري التركي في سوريا سيزيد من علاقات أنقرة وموسكو، ويزيد في الوقت عينه من ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، خصوصا أن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن أخرج تركيا، منذ قرارها بخوض الحملة العسكرية في سوريا، من غرفة التنسيق المشتركة لدول التحالف".

وتعتبر روسيا أن الحملة التركية شرق الفرات من شأنها فتح المناطق الكردية أمام قوات النظام وأن الضغوط العسكرية التركية ستدفع بالأكراد إلى التخلي عن الحليف الأمريكي واللجوء إلى موسكو ودمشق. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قد كرر الدعوة إلى حل الأزمة في شمال شرق سوريا عن طريق الحوار بين أنقرة ودمشق والأكراد.

وعلى عكس الموقف الروسي، جاء الموقف الإيراني الذي انتقد العملية قبل بدايتها على لسان الرئيس حسن روحاني، ثم رفضها بشكل واضح علي لسان وزير الخارجية الإيراني، إلا أن هذا الرفض لم يمنع روحاني من الاعتراف بحق تركيا في أن يكون لديها مخاوف مشروعة بشأن حدودها الجنوبية، ولكنه في الوقت نفسه، أعلن أن: "الصفقات من وراء الكواليس ليست بصالح المنطقة".

ولم يوضح الرئيس الإيراني قصده من "الصفقات من وراء الكواليس"، لكنه شدد على أن: "القضية الرئيسية اليوم ليست في شمال سوريا وشرق الفرات، إنما في منطقة إدلب". ورغم أن روحاني أعلن مشاطرة إيران لتركيا في مخاوفها إزاء الأكراد، إلا أنه رأى بأن الحل هو أن توقف تركيا عملياتها وأن ينضم الأكراد إلى جيش النظام السوري.

وذهب تحليل آخر للموقف الإيراني، قدمه المحلل السياسي طلال عتريسي لموقع "عربي 21" إلى أن إيران لا يمكن أن توافق، بالمعنى الإيجابي، على العملية التركية، وذلك لحسابات الصراع على الساحة السورية، التي تقف فيها أنقرة ضد النظام في دمشق، والذي تدعمه طهران.

وحسب عتريسي فإن طهران وموسكو يفضلان ترك أردوغان وحده في المعركة، كما فعلت واشنطن تماما، ما يجعل أنقرة تخوض معركة دون غطاء إقليمي أو دولي، وربما ترغبان في أن "تتورط تركيا" بتعثر مشروعها الكبير، المتمثل بتوطين مليوني لاجئ سوري في حزام آمن على طول الحدود.

الخيانة الأمريكية 

وتشير العديد من التحليلات التي صاحبت العملية، إلى أن قرار ترامب بسحب قواته من المنطقة الحدودية، كان بمثابة التخلي عن أهم شريك له في سوريا وهم الأكراد، وهو ما يعكس سياسة ترامب تجاه حلفائه، سواء في سوريا أو العراق ودول الخليج العربي، وحتى إسرائيل عندما تخلى ترامب عن دعم نتنياهو في الانتخابات التشريعية الماضية.

وتشير "الجزيرة نت" في تحليل موسع لها، إلى أن العملية العسكرية سيكون لها تداعيات سلبية على قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، والتي وسعت خلال الأعوام الماضية نطاق سيطرتها على شمال سوريا وشرقها، بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة.

ويعتبر الأكراد مثالا ملفتا من حيث تحقيق المكاسب في الحرب السورية، إذ أقاموا مع حلفائهم هيئات حاكمة مع التأكيد دوما على أن هدفهم هو الحكم الذاتي وليس الاستقلال، إلا أن هذه المكاسب قد تنهار كليا مع الهجوم التركي.

ويطرح موقع فرانس 24، تساؤلات عن أسباب تخلي أمريكا عن حليفها الكردي، وتركه وجها لوجه أمام القوة العسكرية التركية، التي لم يكن خافيا أنها ستقوم بعمليتها العسكرية في الشمال السوري الذي يسيطر عليه الأكراد، وحسب رأي الباحث المختص بالشأن الكردي علي ناجي، فإن "تقاطع المصالح الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، لم يعد قائما، وبالتالي فإن تحالفهما انتهى مع إعلان الانسحاب الأمريكي".

ويعتبر ناجي أن أكراد قوات سوريا الديمقراطية بدورهم، يغيرون مواقفهم تبعا لمصالحهم، "فهم تارة مع الولايات المتحدة، وتارة أخرى مع روسيا وسوريا. وأكد أن الولايات المتحدة من جانبها، "تعاملت مع قوات سوريا الديمقراطية، وفقا لمصالحها، واستخدمتها أيضا كورقة ضغط على أردوغان".

ويرى رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم عبد الباري عطوان، أن ترامب بتخليه عن الأكراد يُوجه صفعات أكثر قوة إلى حُلفائه الآخرين، العرب، وربما الإسرائيليين أيضا، عندما كتب في تغريدة "صادمة" أطلقها (الأربعاء) قائلا إن: "التدخل في الشرق الأوسط كان أسوأ قرار اتخذته الولايات المتحدة في تاريخه"، وأضاف: "نُعيد ببطء وبشكل آمن جنودنا وعسكريينا الرائعين إلى بلدهم"، كاشفا أن: النزاعات في الشرق الأوسط كلفت الخزينة الأمريكية "ثمانية آلاف مليار دولار".

وحسب عطوان: فإن خيانة ترامب للأكراد في سوريا، يُمكن أن تتكرر في أكثر من دولة، ولأكثر من حليف، أو بالأحرى “تابع” للإدارة الأمريكية في المنطقة، وكان الإسرائيليون هم أول من التقط الرسالة، وفتحوا مجالس "للّطم" وتقبل العزاء.