أحيت مشاريع قديمة.. تعرّف على مخطط إسرائيل لتهجير فلسطينيي غزة
كشفت الحكومة الإسرائيلية عن استعدادها لتشجيع الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة، وترتيب حركة مغادرتهم، وفتح المطارات الإسرائيلية، وترتيب سفرهم للخارج في حالة وجود دول لاستيعابهم.
وأكدت حكومة الاحتلال، أنّ هذه المسألة طُرحت مرات عدة في اجتماعاتها، وبَذَلت محاولات مع بعض البلدان لإقناعهم باستيعاب الفلسطينيين، لكنها لم تنجح، مستدلة بمغادرة 35 ألف فلسطيني طواعية من قطاع غزة، في 2018، دون مساعدة من "إسرائيل".
وكانت أول عملية تهجير للفلسطينيين في عام 1948، فيما عُرف بـِ"النكبة الفلسطينية"، ورغم مرور 71 عاماً على تلك المأساة، لا يزال الفلسطينيون متمسكين بحق العودة إلى بلدانهم الأصلية التي هُجِّروا منها، ويحيون تلك الذكرى في 15 مايو/أيار من كل عام، كما يحتفظ كثبر منهم بمفاتيح بيوتهم هناك ويورثونها لأحفادهم.
وفور صدور التصريحات الإسرائيلية الجديدة خرجت ردود فعل فلسطينية وإسرائيلية متلاحقة، على اعتبار أنَّه قد يكون اقتراحاً قابلاً للتطبيق ضمن ما يسمى "صفقة القرن"، مما يدفع لطرح تساؤلات عن سبب هذا الكشف الإسرائيلي، وفي هذا التوقيت بالذات، ومن الدول التي بحثت معها إسرائيل استيعاب الفلسطينيين من غزة، وهل يأتي ضمن توطين اللاجئين الفلسطينيين، أم إفراغ غزة من مواطنيها، وما مواقف حماس والسلطة الفلسطينية، وكيف ينظر الفلسطينيون لهذه التوجهات الإسرائيلية؟.
و"صفقة القرن"، هي خطة سلام أعدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويتردَّد أنَّها تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة "إسرائيل"، بما فيها وضع شرق القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين.
تحمس إسرائيلي
من بين الأسباب الرئيسة التي تقف وراء مخطط التهجير الإسرائيلي لسكان غزة، ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم إلى 70%، وبلوغ نسبة الفقر 65%، في ظل أنَّ عدد سكان قطاع غزة يقترب من مليوني نسمة، رغم أنَّ "إسرائيل" هي المتسببة بهذه المعدلات المتصاعدة من الفقر والبطالة والعوز.
على صعيد ردود الفعل الإسرائيلية، كشف وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، أنَّ الحكومة الإسرائيلية ناقشت خمس مرات تهجير سكان قطاع غزة من خلال تشجيعهم على المغادرة بواسطة رحلات جوية منظمة، لكنَّ النقاشات لم تُشر إلى عملية تهجير على نطاق واسع، ثم أُلغيت الخطة لأنَّه لا يمكن تنفيذها.
فيما اعتبرت زعيمة حزب اليمين الإسرائيلي الجديد، إيليت شاكيد، أنَّ هجرة سكان غزة مصلحة إسرائيلية في المقام الأول، ودعت لمنح الفرصة لمن يريد الهجرة من غزة، وتسهيل حدوث ذلك، لأنَّ غزة تعاني انفجاراً سكانياً، وازدحاماً شديداً، وحان الوقت لإسرائيل أن تستيقظ، وتسمح لأولئك الذين يريدون الهجرة بالرحيل، وفق تعبيرها.
بدورها، أدانت الفصائل الفلسطينية سياسة التهجير التي تمارسها "إسرائيل" بحق سكان قطاع غزة، وقالت: إنَّها تنظر بخطورة بالغة لتشجيعها لها، واعتبرت أنَّ هذه السياسة تأتي في إطار مخططات الاحتلال الداعمة والمكملة لفكرة تهجير الفلسطينيين.
وأوضحت أنَّ إسرائيل، وبدعم أمريكي، تأمل بتوطين الفلسطينيين في دول أخرى، وتحويلهم لجنسيات أجنبية تنسيهم الماضي، وتعينهم على نسيان حقوقهم الوطنية، وتخطي المطالبة بها، واعتبرت أنَّ هذا المقترح يهدف لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، ويُعد تطهيراً عرقياً طالما استخدمته حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين.
عبد اللطيف القانوع المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قال لـِ"الاستقلال"،: إنّ "المخطط الإسرائيلي لتشجيع هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الخارج توجه يائس، ودليل عجز وفشل في التعامل مع القطاع، لأنَّ شعبنا قادر على إفشاله، وكل محاولات ومقترحات تهجير شعبنا الفلسطيني لن تمر، وسيواجهها بوحدة الموقف الوطني الرافض لذلك، بتعزيز صموده فوق أرضه رغم الحصار الظالم، وسياسة القتل والتشريد وهدم البيوت، وسيظل متشبتاً بها حتى تحقيق التحرير والعودة".
مخططات تاريخية
تعود المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى فترة انتهاء الحرب الإسرائيلية العربية الأولى في 1949، حين خرجت أفكار عديدة لبحث مستقبل العرب المقيمين في إسرائيل، حيث أعلن ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية أنَّ "العرب يجب ألّا يبقوا هنا، كما أنَّ يهود أمريكا يجب ألّا يبقوا هناك، وسأبذل كل جهدي كي يكون العرب في دولة عربية".
وكشف النقاب عن "عملية "يوحنان" لمنح مزارع واسعة لمن أسماهم "عرب إسرائيل" في الأرجنتين، خاصة للمسيحيين المقيمين في الجليل، ثم تحدثت الخطة عن توفير أماكن عمل للفلسطينيين في أوروبا المحتاجة لأيدي عاملة بعد الحرب العالمية الثانية، وتلقت دعماً من خطة مارشال الأمريكية (خطة لإعادة بناء الاقتصاد الأوروبي)، لكنَّ هذه الخطط لم تَجد طريقها للتنفيذ على الأرض، وتوقفت عند منتصف سنوات الخمسينات.
بدأت هذه الخطط تخرج من جديد عقب حرب 1967، باتجاه فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، فأعدَّت وزارة الخارجية الإسرائيلية في 1968 خطة يجري بموجبها تعزيز حركة الفلسطينيين من غزة إلى الضفة، وجزء منهم إلى الأردن والضفة الشرقية، ومن هناك إلى مناطق أخرى في العالم العربي، دون أن يظهر الأمر موجهاً من إسرائيل، بل بصورة عفوية تلقائية، وتضمنت خطة العريش إقامة مشاريع تطويرية مثل محطات تحلية المياه، وإنتاج الطاقة، ومصانع توفر أماكن عمل للفلسطينيين الذين سينتقلون هناك، لكنهم لم يغادروا هناك.
وفي عام 1968 بحثت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطة للتهجير الطوعي لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى عدد من دول العالم، بينها: ألمانيا الغربية، والأرجنتين، وباراغواي، ونيوزيلندا، والبرازيل، وأستراليا، وكندا، والولايات المتحدة، لكنَّ الخطة لم تخرج إلى حيِّز التنفيذ، إما لأنَّ الفلسطينيين لم يوافقوا على الهجرة، أو لأنَّ الدول لم توافق على استيعابهم.
سيناريو الحرب
في ذلك العام، جمع الجيش الإسرائيلي آلاف الشباب الفلسطيني، وأخذهم في مئات الحافلات، وألقى بهم خلف قناة السويس، على الجانب المصري، ثم قدَّم مبالغ مالية لكل من يترك غزة، وفي 1970 سعى الجنرال الإسرائيلي أريئيل شارون لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل عائلات بكاملها إلى العريش، بهدف تصفية المقاومة، وتفريغ ازدحام السكان في القطاع، حيث بلغ عددهم 400 ألفاً.
فايز أبو شمالة، المحلل السياسي في قطاع غزة، قال لصحيفة "الاستقلال": إن "قطاع غزة يُعتبر مرضاً مستعصياً على العلاج الإسرائيلي؛ ولم يبق أمام الإسرائيليين إلا إحياء المشاريع القديمة الجديدة في ترحيل سكانه، كأنجع حل يفتح للإسرائيليين آفاق الحياة الآمنة بعيداً عن وجع غزة المتراكم"
وتابع: إنَّ "الخطر الحقيقي على سكان قطاع غزة في هذه المرحلة يتمثل في تكرار تجربة الترحيل الجماعي كما حدث سنة 1948، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال حرب شاملة على غزة، برعاية أمريكية، وتحت غطاء من الدول العربية، ليصير فتح الحدود على سيناء ملاذاً إنسانياً آمناً، وهذا هو منطلق التفكير العملي الإسرائيلي للخلاص من غزة، دون السماح لها بدولة مهما كانت، أو حتى شبه دولة؛ فتُشكِّل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل".
زعمت إسرائيل في إطار تسويقها لفكرة تهجير فلسطينيي غزة أنَّ نسبة من سافروا منها في 2018، بلغ 35 ألفاً، مع أنَّ هؤلاء لا يشكلون تفريغاً يذكر للخزان البشري، لأنَّ الرقم لا يتعادل مع نسبة زيادة السكان، والتي بلغت أكثر من 57 ألف مولود في العام نفسه.
صفقة القرن
بالتزامن مع الخطة الإسرائيلية الرسمية، فقد صدرت دعوات لضرورة قيام إسرائيل بفتح الطريق لسكان غزة من أجل الهجرة الى أوروبا، لأنَّه الحل الأمثل للأزمة الانسانية الحاصلة في القطاع، وأن يكون فتح باب الهجرة للفلسطينيين خارج القطاع، دون فتح المعابر الإسرائيلية، والمطالبة بالتوجه للدول الأوروبية من أجل فتح أبوابها لإيواء اللاجئين الفلسطينيين من غزة، وتوزيعهم على عدة عواصم مثل أوسلو وبرلين وباريس وأنقرة.
عاطف عدوان، وزير شئون اللاجئين الفلسطينيين السابق، يقول لصحيفة "الاستقلال": إنَّ "دولة الاحتلال الإسرائيلي قامت في الأساس على القتل والتهجير مُنذ عام 1948، ولا تزال تواصل هذه السياسة، ونلمس ذلك عبر مقترح مخطط التهجير الطوعي المرفوض كلياً. مشروع تهجير فلسطينيي غزة يزيد من قناعتنا بأنَّ الكيان الإسرائيلي سيحاول بذل جهود كبيرة من أجل تنفيذ المخططات الهادفة لتهجير الفلسطينيين عبر فتح باب التهجير الطوعي، وإنَّ إفصاح إسرائيل عن هذا المخطط يأتي في إطار الدعم اللا محدود الذي تتلقاه من الإدارة الأمريكية، ورغم أنَّها لا تمتلك حق تنفيذ هذا المشروع، لكنَّها تستغل المعطيات على الأرض لتطبيقه".
تفصح الفكرة الإسرائيلية لتهجير سكان غزة عن مخطط التهجير المتساوق مع "صفقة القرن"، عبر المؤامرة الدولية التي تُحاك ضد الشعب الفلسطيني لتهجيره، لأنَّ مخطط الترانسفير ينسجم تماماً مع قانون القومية العنصري الإسرائيلي، وفي الوقت الذي تتحدث به إسرائيل عن هذا المخطط في قطاع غزة، فإنَّ عينها على تهجير وطرد الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة الغربية والقدس لصالح التوسع الاستيطاني.
ويرى البعض أنَّ التصريحات الإسرائيلية الأخيرة حول تهجير الفلسطينيين من سكان قطاع غزة ليست جديدة، ومن دعا إليها من الساسة الإسرائيليين لا يبدو أنَّه قرأ التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر، فالأفكار الداعية لتهجير الفلسطينيين لم تنجح في الماضي، ولن تنجح في المستقبل.